سلسلة من المقالات حول طرق مجرّبة لتحسين الصّحّة النّفسيّة. كيف تساعد ممارسة الرّياضة في تقليل التّوتّر وفي حالات الضّغط والقلق؟ وفي مقال اليوم - هل يمكن لتدريب رياضيّ واحد فقط أن يفيد الحالة النّفسيّة بشكل فوريّ؟

في الفترة الأخيرة، نواجه جميعنا تحدّيًا يتمثّل في الحفاظ على صحّتنا وصحّة من حولنا من النّاحية النّفسيّة. إلى جانب التّأثير الجليّ على النّفس، فإنّ الحالة المستمرّة للضّغط النّفسيّ تؤدّي إلى إثباط (إضعاف) عمل الجهاز المناعيّ، وتزيد من خطر الإصابة بالسّرطان وأمراض القلب والأوعية الدّمويّة والسّكّري من النّوع الثّاني.

عندما نشعر بالتّهديد أو نشعر بالضّغط والقلق، فإنّ الجسم يقوم بتهيئة  نفسه لتجاوز ذلك، سواء أكان التّهديد حقيقيًّا أم مُتخيّلًا، ويستجيب الجهاز العصبيّ الودّيّ بردّ فعل يُدعى "القتال أو التّجمّد أو الهرب". تبدأ عمليّة إفراز الهرمونات من منطقة الهايبوثلاموس في الدّماغ، الّتي تحفّز الغدّة النّخاميّة على إفراز هرمونات أخرى، وفي نهاية هذه العمليّة تفرز الغدّة الكظريّة هورمون الكورتيزول. يؤثّر الكورتيزول على أجهزة عديدة في الجسم - من بينها رفع ضغط الدّم، إثباط عمل الجهاز المناعيّ ورفع مستوى الجلوكوز في الدّم – وذلك من أجل أن يكون الجسم متأهّبًا وجاهزًا للمجهود البدنيّ.

 

ردّ فعل الجهاز العصبيّ الودّيّ في استجابته لحالات الضّغط 

النّشاط المنتظم – هو الجواب عن  حالات الضّغط والقلق

هنالك طرقٌ عديدة لتخفيف التّوتّر النّفسيّ، وأحدها ممارسة النّشاط البدنيّ. الخبر الجيّد هو أنّ أيّ نشاطٍ بدنيّ نقوم به بانتظام، يؤثّر إيجابيًّا على حالتنا النّفسيّة والعاطفيّة. ولهذا السّبب فإنّه يوصَى باختيار النّشاط الذي نحبّه، وهكذا نحظى بالتّأثير المفيد للنّشاط البدنيّ، وبالأثر الإيجابيّ النّابع من الاستمتاع بنشاطٍ نحبّه.

توصي اليوم منظّمات الصّحّة في العالم بالأنشطة البدنيّة للجميع،  فلا جدال على أنّها مهمّة لصحّة الجسم والعقل والنّفس. في دراسة مراجعة واسعة النّطاق نُشرت في مجلّة الطّبّ الرّياضيّ في بريطانيا قبل حوالي عام، تمّ شمل نتائج من 97 مقالة مختلفة. في المراجعة، فحص الباحثون تأثير مجموعة كبيرة من أنواع الأنشطة البدنيّة - بدءًا من اليوغا الخفيفة، مرورًا بالرّقص ووصولًا إلى تدريبات رفع الأثقال الكبيرة - على أعراض الاكتئاب والقلق والشّعور بالضّيق. ركّز الباحثون على الدّراسات الّتي مورست فيها النّشاطات البدنيّة عدّة مرّات في الأسبوع لفترة عدّة أسابيع. وُجد انخفاض في أعراض الاكتئاب والقلق والضّغط بعد ممارسة جميع أنواع الأنشطة البدنيّة التّي تمّ فحصها، ولكن تبيّن وجود اختلافات بسيطة متعلّقة بنوع النّشاط. في حين كانت تدريبات المقاومة أكثر فاعليّة ضدّ أعراض الاكتئاب، وُجد أنّ التّمارين الهوائيّة أكثر فاعليّة لدى الأشخاص الّذين عانوا من القلق. ووجدوا، أيضًا، أنّ جلسات التّدريب القصيرة كانت ذات فاعليّة أكبر في تحقيق النّتائج، مقارنةً بجلسات التّدريب الطّويلة، وأنّه لتحقيق التّأثير المرجوّ، يجب أن تكون شدّة التّدريب متوسّطةً أو أعلى.

يمكن تقييم شدّة النّشاط البدنيّ بطرق عديدة، مثلًا، بمساعدة قياس معدّل ضربات القلب أثناء الرّاحة، وحساب معدّل ضربات القلب الّذي يجب الوصول إليه أثناء النّشاط أو فحص عدد الجمل المتتالية الّتي يمكن للشّخص قولها أثناء ممارسته النّشاط. بينما في البحث العلميّ، يتمّ قياس شدّة النّشاط البدنيّ باستخدام طرق أكثر دقّة. إحدى الطّرق الشّائعة هي استخدام وحدة قياس تسمّى MET. MET مع مكافئ واحد تعبّر عن كمّيّة الأوكسجين الّتي يستهلكها الجسم أثناء الرّاحة. عند القيام بمجهود بدنيّ، فإنّ الجسم يحتاج إلى كمّيّة أكبر من الأوكسجين، أي أكثر من MET واحد. بالإمكان اليوم استخدام جداول تحدّد أنواع الأنشطة البدنيّة وفقًا لقيم الـ MET الخاصّة بكلّ نشاط. النّشاط البدنيّ الخفيف لا يتجاوز ثلاثة MET، والنّشاط معتدل الشّدّة هو الّذي يتراوح فيه استهلاك الأوكسجين بين ثلاثة إلى ستّة MET، والنّشاط البدنيّ القويّ يكون أكثر من ستّة MET.


 نشاط هوائيّ منتظم أدّى إلى تحسين أعراض الاكتئاب والقلق والتّوتّر، ولكن تبيّن أنّه ذو فاعليّة أكبر لدى الأشخاص الّذين عانوا من القلق. رجل يستريح بعد جري نشيط (سريع) | Ground Picture, Shutterstock

ما الّذي يحدث عندما نقوم بتدريب واحد؟

حتّى الآن لا يوجد ما هو جديد تحت الشّمس، فنحن نعلم أنّ النّشاط البدنيّ الدّائم والرّوتينيّ مفيدٌ لنا. ولكن بالنّسبة لأولئك الّذين لا يملكون حافزًا أو لمن وقتهم قصير، فهل يمكن لتدريب رياضيّ واحد أن يكون مفيدًا لهم؟

في فترات التّوتّر النّفسيّ أو الحداد أو الشّعور بضائقة عاطفيّة، لا نستطيع دائمًا الحفاظ على روتين نشط، وأن نفكّر تفكيرًا بعيدًا، وأن نخطّط نحو الأمام، وإنّما نظلّ نركّز على "هنا والآن" ونبحث عن حلٍّ فوريّ لمشاكلنا. لحسن حظّنا، قد تبيّن أنّ نشاطًا بدنيًّا يُمارس، حتّى مرّة واحدة، يمكن أن يساعد - إلى حدٍّ ما - في تقليل التّوتّر وتحسين الحالة المزاجيّة. فكيف ذلك؟

هناك العديد من الآليّات الّتي يمكن من خلالها أن يؤدّي تدريب بدنيٌّ واحد إلى تحسين الصّحّة النّفسيّة. للنّشاط البدنيّ تأثيرات عديدة على عمل أجهزة الجسم، منها على سبيل المثال تقليل حدوث الالتهابات، وتغيير في مستوى الهرمونات والنّواقل العصبيّة، وتحسين تدفّق الدّم، كما أنّ للنّشاط البدنيّ تأثيرًا على الحالات النّفسيّة مثل زيادة الشّعور بالكفاءة والتّحفيز. كلّ هذه الأمور معًا يمكن أن تؤدّي إلى تحسّن فوريٍّ في أعراض القلق، لدرجة أنّ ذلك التّحسّن يستمرّ عدّة ساعات بعد النّشاط البدنيّ. سنقوم بوصف الدّراسات الّتي توضّح هذا الأمر.


النّشاط الرّوتينيّ هو النّشاط الأمثل، ولكن هل يمكن، أيضًا، لنشاط واحد أن يخفّف من التّوتّر؟ اِمرأة بملابس الرّياضة تواجه صعوبة بإيجاد حافز يدفعها | New Africa, Shutterstock

يأتي هنا دور هرمون التّوتّر

الرّياضة الهوائيّة عبارة عن نشاط بدنيّ كالجري أو ركوب الدّرّاجات أو السّباحة، وهي تشغّل مجموعات كبيرة من العضلات، وتزيد من معدّل ضربات القلب واستهلاك الأوكسجين. ووجد أنّها تؤثّر على الغدّة النّخاميّة المسؤولة عن إفراز العديد من الهرمونات الّتي تنظّم – من بين أمور عديدة - المزاج والاستجابة الجسديّة لظروف الإجهاد (التّوتّر، الضّغط).

الكورتيزول هو "هرمون التّوتّر". يؤدّي إفرازه لفترة مستمرّة إلى الاكتئاب، وهو يؤخّر عمليّات التّعلّم ويقلّل الدّافعيّة. أظهرت دراسةٌ أجريت عام 2021، أنّ الرّياضة الهوائيّة تُعيق مسار إطلاق الكورتيزول الّذي يُفْرَز استجابةً لموقف ضغط. في تجربة أجريت على 83 شخصًا، تمّ اختبار تأثير ثلاثين دقيقة من الرّياضة الهوائيّة بثلاث درجات شدّة، على مستويات الكورتيزول في اللّعاب. وجدوا أنّ درجات النّشاط الثلاث - الخفيفة والمتوسّطة والعالية - تسبّبت أوّلًا في زيادة مستويات الكورتيزول لدى الأشخاص المشاركين في التّجربة.

أطلقنا على الكورتيزول اسم "هرمون التّوتّر"، فلماذا، إذًا، يتمّ إفرازه أيضًا أثناء النّشاط البدنيّ؟ الهدف هو تهيئة الجسم للمهمّة: تحرير الجلوكوز المتاح لإنتاج الطّاقة، رفع ضغط الدّم لكي يتمّ تحسين تدفّق الدّم الّذي يحمل الأوكسجين إلى العضلات، وتثبيط العمليّات غير الضّروريّة، مثل الهضم، من أجل أن تكون جميع موارد الجسم متاحة للعضلات، وهكذا بهذه الطّريقة يمكننا الجري أو القفز أو أداء أيّة مهمّة بدنيّة أخرى بشكل أسرع وأقوى.

في نهاية نشاط الرّياضة الهوائيّة وبعد 45 دقيقة من الرّاحة، أجرى المشاركون اختبارًا يهدف إلى إحداث توتّر نفسيّ. طُلب منهم إلقاء محاضرة حول أيّ موضوع دون أن يكونوا قد أعدّوا له بشكلٍ كافٍ، أمام قضاة غير ودودين، وبعد ذلك مباشرة طُلب منهم تنفيذ مهمّة حسابيّة. في نهاية الاختبار تمّ مجدّدًا قياس مستويات الكورتيزول. وجد الباحثون في نهاية الاختبار الضّاغط والمجهد أنّ مستويات الكورتيزول لدى أولئك الّذين مارسوا نشاطًا هوائيًّا شديدًا، كانت أقلّ ممّا لدى الأشخاص المشاركين الآخرين، وهذا يشير إلى حدوث استجابة أكثر اعتدالًا أمام عوامل الضّغط.

يفترض الباحثون أنّه عندما تؤدّي الرّياضة الهوائيّة إلى تنشيط مسار إفراز الكورتيزول، فإنّه يتمّ أيضًا تنشيط آليّة ردّ الفعل السّلبيّ، الّتي يكون دورها عمليًّا ضمان إيقاف استجابة "القتال أو التّجمّد أو الهرب" كيلا تستمرّ إلى ما لا نهاية. يقوم الكورتيزول المفرَز بتثبيط الهايبوثلاموس (منطقة ما تحت المهاد) والغدّة النّخاميّة، وبالتّالي يُغلق المسار ويمنع من إفراز المزيد من الكورتيزول. هذه العمليّة، التي فيها يتمّ إغلاق مسار إفراز هرمون التّوتّر الّذي كان قد أفرز استجابة للنّشاط الهوائيّ، تستمرّ ساعات، وربّما أيّامًا، بعد الارتفاع الأوّليّ في مستويات الكورتيزول.


الهايبوثلاموس تسبّب إطلاق هرمون ACTH من الغدّة النّخاميّة، ما يسبّب إفراز الكورتيزول من الغدّة الكظريّة. رسم الاستجابة للإجهاد (التّوتّر) | Pikovit / Science Photo Library

التّأثير على موادّ أخرى في الدّماغ

هناك آليّة أخرى تقوم الأنشطة الهوائيّة من خلالها بتحسين مزاجنا على الفور تقريبًا، وهي تتعلّق بإفراز موادّ تسمّى الإندورفين والكانابينويدات الدّاخليّة الّتي تعمل كمسكّنات طبيعيّة للألم وتسبّب النّشوة.

نتيجةً للنّشاط البدنيّ، تتحسّن كذلك وظائف الدّماغ نفسه، من حيث آليّات التّذكّر والتّعلّم. يشجّع جزيء يسمّى BDNF الّذي يتمّ إفرازه في الدّماغ، على إنشاء الخلايا العصبيّة والوصلات العصبيّة - وهي مكان الالتقاء بين الخلايا العصبيّة والخلايا الأخرى – ودورها هو المساعدة في التّوصيل العصبيّ وعمليّات التّعلّم والذّاكرة. وقد أظهرت العديد من الدّراسات أنّ النّشاط الهوائيّ الّذي يكون ذا شدّة معتدلة إلى عالية، والّذي يستمرّ ما بين عشرين إلى تسعين دقيقة، يؤدّي إلى إفراز متصاعد لجزيئات الـ BDNF. هذا الإفراز المتزايد لا يعتمد فقط على النّشاط البدنيّ، وهناك اختلافات بين الرّجل والمرأة، وتلعب الوراثة أيضًا دورًا حاسمًا في هذا الأمر، ومع ذلك، تشير  معظم الأدلّة  إلى أنّ النّشاط الهوائيّ يؤدّي إلى زيادة في كمّيّة هذه الجزيئات.

في أبحاث عدّة مختلفة تمّ إجراؤها في الأعوام 2002 و- 2005 و- 2009، طلبوا من المشاركين التّمرّن على درّاجة رياضة أو على جهاز المشي مدّة تتراوح ما بين 12 إلى 30 دقيقة. بعد النّشاط، حاول الباحثون تشجيع الاستجابة للقلق لدى المشاركين عن طريق استنشاق هواء غنيّ بثاني أكسيد الكربون أو إعطاء حقنة من مادّة تثير نوبات القلق. الدّراسات الثّلاث أظهرت أنّ النّشاط الهوائيّ قلّل من شدّة الاستجابة للقلق وأعراض الذّعر لدى الأشخاص المشاركين. 

بفضل التّأثير الإيجابيّ للنّشاط الهوائيّ على الصّحّة النّفسيّة، يوصي مسؤولو الصّحّة الرّسميّون بإدراجه ضمن الخطّة العلاجيّة للأشخاص الّذين يعانون من اضطرابات نفسيّة، مثل اضطرابات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصّدمة وغيرها.

هناك جدل في المراجع العلميّة حول مدّة وشدّة النّشاط اللّازم لتحقيق التّأثير المطلوب. معظم الأدلّة تدعم ممارسة التّمارين من المعتدلة إلى عالية الشّدّة لفترات قصيرة من الوقت، ولكن من المحتمل، أيضًا، أن تكون التّمارين منخفضة الشّدّة - مثل المشي البطيء - لفترات أطول فعّالة أيضًا إلى حدّ ما.


تؤدّي ممارسة التّمارين البدنيّة معتدلة الشّدّة حتّى عالية الشّدّة إلى إفراز متصاعد لمادّة تشجّع على تكوين الخلايا العصبيّة والوصلات العصبيّة. بروتين BDNF على خلفيّة الدّماغ | Alfred Pasieka / Science Photo Library

تدريبات القوّة والمقاومة

إلى جانب الرّياضة الهوائيّة، هناك أنواع أخرى من النّشاطات البدنيّة، أحدها  تدريب القوّة والمقاومة. يركّز هذا النّشاط البدنيّ، بشكل أساسيّ، على تحسين قوّة وتحمّل العضلات الهيكليّة، وقدرتها على إنتاج الطّاقة. كي تقوى عضلات الهيكل العظميّ وتكبر، هي تحتاج إلى تحفيز خارجيّ بواسطة الأحمال الّتي تأخذ بالازدياد بشكل تدريجيّ. ولهذا يتمّ إجراء تمارين قوّة بوسائل مساعدة خارجيّة مثل الأوزان والأربطة المطّاطيّة وغيرها.

هنا أيضًا – وبشكل مشابه للنّشاط الهوائيّ - وجدت الدّراسات تأثيرًا إيجابيًّا على الحالة النّفسيّة حتّى بعد تدريب مقاومة واحد. في بحث أُجري عام 2002، قارن الباحثون مستويات القلق لدى 19 امرأة شابّة قبل وبعد تدريب رفع الأثقال. قسم من المشتركات في الاختبار تدرّبن وفقًا لبرنامج محدّد مسبقًا، بدرجة شدّة عالية، والقسم الآخر تمّ فقط توجيههنّ للتّدرّب بشدّة عالية حسب شعورهنّ الشّخصيّ ولم يتلقّين برنامجًا منظّمًا. وجدوا في البحث أنّ النّساء اللّواتي كانت مستويات القلق لديهنّ قبل التّمرين مرتفعة منذ البداية، حصل لديهنّ انخفاضٌ كبير في مستويات القلق، وهذا الانخفاض بدأ بعد خمس دقائق من نهاية التّمرين واستمرّ مدّة ساعتين على الأقلّ. كان مثيرًا للاهتمام أنّه لدرجة شدة التّدريب لم يكن أيّ تأثير على النّتيجة: كلّما كانت المشاركات تشعرن بأنّ التّدريب قد تطلّب جهدًا منهنّ، كان الانخفاض في مستويات القلق لديهنّ واضحًا، حتّى لو لم تكن شدّة التّدريب عالية بشكل حقيقيّ.


تدريبات القوّة والمقاومة تؤدّي هي أيضًا إلى تحسين الحالة النّفسيّة حتّى بعد تمرين واحد. رجل وامرأة يتدرّبان على رفع الأثقال | Ground Picture, Shutterstock

إلهاءٌ مباركٌ

يؤثّر النّشاط البدنيّ علينا، أيضًا، في المستوى النّفسيّ: يمكننا استخدامه كوسيلة إلهاء ممتعة، تساعدنا على تحويل انتباهنا بعيدًا عن الأفكار السّلبيّة أو المزعجة.

بالإضافة إلى ذلك، في نهاية تمرين صعب أو مثير للتّحدّي، يشعر معظمنا بشعور إيجابيّ. يرجع ذلك، أيضًا، إلى حقيقة أنّ إكمال مهمّة معيّنة يؤدّي إلى أن نشعر شعورًا جيّدًا. إنّ الشّعور بالإنجاز يمنحنا الشّعور بالثّقة، وهذا الأمر في حدّ ذاته يساعد على تحسين مزاجنا.

عام 2015 قارن بحثٌ بين تأثير النّشاط الهوائيّ وتأثير تدريبات المقاومة على تقليل أعراض القلق. وقد وجد أنّ كلا النّوعين من النّشاط البدنيّ كانا فعّالين في تقليل الشّعور بالقلق، ولكن وُجد أنّ النّشاط الهوائيّ كان أفضل من ناحية الوقاية، وأنّ الأشخاص كانوا أكثر هدوءًا، وأظهروا قلقًا نسبته أقلّ  عند استجابتهم لحدثٍ ضاغط جديد.

أظهرت مراجعة لمقالات تعود لعام 2017، أنّه بسبب قلّة الدّراسات الّتي تبحث في تأثير تدريبات المقاومة التّي تُنفّذ مرّة واحدة على أعراض القلق،  وُجِدت حاجة إلى إجراء المزيد من الدّراسات. تُظهر الدّراسات القليلة الموجودة أنّ لتدريبات المقاومة تأثيرًا قصير المدى، لا يدوم أكثر من ساعة واحدة. وُجدت كذلك فروقات كبيرة في التّأثيرات بين النّساء والرّجال، وبعض من هذه الدّراسات لم يجد تأثيرًا إيجابيًّا على الحالة النّفسيّة بعد جلسة تدريب واحدة. ومع ذلك، وُجد تأثير إيجابيّ واضح لتدريبات القوّة والمقاومة على الحالة المزاجيّة والقلق، وذلك عندما تمارَس التّدريبات وقتًا طويلًا، على امتداد عدّة أسابيع على الأقلّ.

لذا يبدو أنّ معظم الأدلّة تدعم النّشاط الهوائيّ، وجزءًا من نتائج البحث فقط تدعم تدريبات المقاومة كوسيلة مساعدة في حالات القلق والحالات النّفسيّة غير المستقرّة.


كذلك نشاط بدنيّ مرّة واحدة من نوع اليوغا أو التاي تشي، بإمكانه أن يبعث على الاسترخاء، لكنّ التّأثير قد يتمّ بواسطة نُظم وآليّات مختلفة عن تلك الخاصّة بالنّشاط الهوائيّ. اِمرأة وقطّة تمارسان اليوغا | PeopleImages.com - Yuri A, Shutterstock

نفس عميق

هناك أنواع أخرى من الأنشطة البدنيّة، الّتي لا تندرج بالضّرورة ضمن تعريفات الرّياضات الهوائيّة أو تدريبات المقاومة، وهي تشمل سلسلة من الحركات تُنفّذ غالبًا دون مقاومة بالمعدّات الملحقة، مع دمج لتمارين التّمدّد والتّنفّس والخيال الموجّه، مثل اليوغا أو التاي تشي. هل يمكن لنشاط واحد من هذه الأنشطة أن يساهم في تقليل التّوتّر والقلق؟ تشير نتائج الأبحاث إلى أنّ مثل هذه النّشاطات البدنيّة يمكن أن تساهم، أيضًا، في تحسين مزاجنا وتخفيف التّوتّر النّفسيّ، لكنّ عدد الأبحاث الّتي تمّ إجراؤها في هذا المجال أصغر بكثير مقارنة بالأبحاث الّتي أجريت على نشاطات الرّياضة الهوائيّة. تشمل الأبحاث الموجودة عددًا قليلًا جدًّا من المشتركين، ويوجد بين الدّراسات تباين كبير جدًّا فيما يخصّ أنواع التّمارين الّتي تمّ إجراء البحث عليها، وهذا قد يصعّب استخلاص نتائج واضحة فيما يتعلّق بمدى فاعليّة التّمرين  في تقليل أعراض التّوتّر والقلق. بالإضافة إلى ذلك، تتضمّن تدريبات مثل اليوغا مركّبات إضافيّة وُجد أنّها في حدّ ذاتها تبعث على الاسترخاء، مثل التّأمّل والتّنفّس،  وهذا يُظهِر أنّ التّحسّن في الشّعور لا يرتبط بالضّرورة بالنّشاط البدنيّ. قد يكون التّأثير الإيجابيّ لممارسة اليوغا أو التاي تشي يتمّ بواسطة نُظم وآليّات مختلفة عن تلك الخاصّة بالنّشاط الهوائيّ.

من أجل تسهيل استيعاب كلّ هذه المعلومات، سنحاول تلخيصها بما يلي: من المحتمل أنّ أيّ نشاط بدنيّ تقومون به سوف يفيدكم، إن لم يفدكم من جانب معيّن فسوف يفيدكم من جانب آخر. إذا قمتم بممارسة نشاط بدنيّ منتظم وثابت عدّة مرّات في الأسبوع، فسوف تكونون قد استفدتم بشكل مضاعف، ولكن في حال لم يكن لديكم الوقت الكافي أو الرّغبة في الالتزام ببرنامج منتظم، فيمكن لتمرين واحد أن يقلّل من القلق وأن يحسّن مزاجكم، خصوصًا إذا كان ذلك النّشاط الّذي تقومون به ممتعًا بالنّسبة لكم. إذا لم يكن لديكم نشاط مفضّل، فمن الأفضل على ما يبدو ممارسة التّمارين الرّياضيّة الهوائيّة بدرجة شدّة معتدلة إلى عالية الشّدّة. ليس من الضّروريّ أن تكون مدّة النّشاط طويلة جدًّا، إذ إنّ عشرين إلى ثلاثين دقيقة تكفي. فيما يلي اقتراحان لأنشطة يمكن القيام بها في المنزل حتّى في الملجأ، دون الحاجة إلى معدّات خاصّة. في حال كنتم تعانون من مشاكل صحّيّة خطيرة، ينصح باستشارة مدرّب لياقة بدنيّة مؤهّل أو طبيب، قبل البدء بنشاط بدنيّ.

 

تدريب مشي في المنزل:
Indoor Walking Workout For Stress Relief (STRESS RELIEVING WORKOUT!)

تدريب قوّة منزليّ بدون معدّات رياضيّة:

20 Minute FULL BODY Strength X HIIT Workout [No Equipment]

 
 

0 تعليقات