نقطة الضعف في معظم محرّكات الطائرات هي الأجزاء المتحرّكة الّتي تبلى وتتطلّب صيانة دقيقة. ابتكرت مجموعة من الباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) طائرة بمحرّك أيونيّ، لا تحوي أيّ أجزاء متحرّكة.
لأوّل مرّة على الإطلاق: تمكّن الباحثون من تشغيل طائرة بمحرّك لا يحوي أجزاء متحرّكة. فقد نشرت مجموعة بحثيّة برئاسة البروفيسور ستيفن باريت (Stephen Barrett) من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) الإنجاز في المجلّة العلميّة (Nature). حلّقت الطائرة مسافة 60 مترًا داخل صالة للألعاب الرياضيّة، باستخدام تقنيّة جديدة تستخدم جُهدًا عاليًا بين قطبين لتأيين الهواء وتوليد الرياح؛ ما يشغّل على جناح الطائرة قوّة الرفع اللازمة للطيران.
حلقت الطائرة لمسافة 60 مترًا داخل صالة ألعاب رياضيّة | الصورة: Steven Barrett, MIT
على خطى الأخوين رايت
قبل 115 عامًا، في 17 كانون الأوّل سنة 1903م، أقلع أورفيل رايت في طائرة بناها مع شقيقه في متجر الدراجات الخاصّ بهما في أوهايو. انطلقت الرحلة، في الشاطئ بالقرب من بلدة كيتي هوك في شمال كارولينا، بعد أن اكتسب الأخوان بالفعل خبرةً لا بأس بها في الطيران: فقد قاموا بمئات التحليقات فوق الشاطئ على متن طائرات شراعيّة، وطائرات بدون محرّكات. وعندما تمكّنوا من تطوير محرّك مبتكر وخفيف، يُمكنهم تثبيته في طائرتهم الجديدة دون أن يثقل وزنه كثيرًا، اختبروا طائرة بمحرّك لأوّل مرة.
تُقدّر المسافة بين دايتون، مسقط رأس الأخوين، وبلدة كيتي هوك اليوم، بحوالي 12 ساعة سفر. ما من شكّ في أنّه في سنة 1903م، كان وقت السفر أطول بكثير. ما الّذي دفع الأخوين إلى تحمّل عناء السفر لهذه المسافة الطويلة لإجراء تجاربهم؟ السبب الرئيس هو أنّه لكي يعمل الجناح، أي إنتاج قوّة الرفع، يجب أن يتحرّك الهواء فوقه بسرعة. في كانون الأوّل، تكون الرياح على شاطئ كيتي هوك، سريعة وثابتة.
المطلوب: قوّة الرفع
إذا كان الأمر كذلك، من أجل الطيران، فأنت بحاجة إلى هواء يتحرّك بسرعة. يَحرِف المقطع العرضيّ المميّز للجناح، المُسمّى بالإنجليزيّة (airofoil) أو "الملف الشخصيّ الديناميكيّ الهوائيّ"، تيّار الهواء السريع المارّ فوق الجناح إلى الأسفل. الطريقة الدقيقة الّتي ينحرف بها الهواء، والفرق بين شكل الجزء العلويّ من الجناح وشكل الجزء السفليّ منه، يؤدّي إلى انخفاض ضغط الهواء على سطح الجزء العلويّ من الجناح مقارنة بالجزء السفليّ. يؤدّي فرق الضغط هذا إلى إنشاء قوّة رفع على الجناح، وهكذا تُقلع الطائرة.
الطريقة المقبولة اليوم لإنتاج حركة الهواء فوق الجناح هي تحريك الطائرة لنفسها نسبةً للهواء. تتحقّق هذه الحركة بمساعدة محرّكات الاحتراق الداخليّ أو المحرّكات الكهربائيّة: يزوّد احتراق الوقود أو البطاريّة الكهربائيّة (أو الطاقة الشمسيّة) المحرّك بالطاقة اللازمة لدفع الطائرة إلى الأمام بالسرعة الّتي تسمح بالإقلاع. لكن تحوي هذه المحرّكات دائمًا أجزاء متحرّكة – التروس، والمكابس، والمحامل وعلب التروس. هذه هي الأجزاء الّتي تبلى بمرور الوقت، وتتطلّب تزييتًا، وفحصًا وصيانة مستمرّة لضمان سلامة الطيران.
كيفيّة التشغيل بدون أجزاء متحرّكة
لا يحوي المحرّك الجديد الّذي طوّره الباحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أيًّا من هذه الأجزاء. مصدر قوّته كهربائيّ، كما هو الحال في المحرّك الكهربائيّ القياسيّ (النوع الموجود في ألعاب السيّارات، والمثقاب هو كهربائيّ، أو في سيّارات تسلا)، لكنّ آليّة العمل مختلفة تمامًا.
بدلاً من توليد الحركة ميكانيكيًّا، مثل تحريك شفرات المروحة، يولّد المحرّك الجديد الرياح بنفسه. للنجاح في المهمّة، تمّ استخدام طريقة إبداعيّة للغاية بواسطة دائرة كهربائيّة بسيطة. إذا أخذت بطاريّة إصبع، وقمت بتوصيل سلكين معدنيّين بها ثمّ قمت بتوصيل طرفي الأسلاك- سيتمّ إغلاق الدائرة وسيتدفّق تيّار كهربائيّ عبر السلك. هذه هي الطريقة الّتي يمكنك بها، على سبيل المثال، تشغيل لمبة.
ولكن إذا لم تلمس الأسلاك بعضها البعض، فلن يتدفّق أيّ تيار. يبلغ الجهد الكهربائيّ بين الأسلاك، أي فرق الجهد بينهما، حوالي 1.5 فولت، لذلك "تشعر" الإلكترونات في السلك المتّصل بالجانب السالب للبطاريّة بقوّة تسحبها إلى الجانب الموجب- ولكن طالما أنَّ الأسلاك لا تلمس بعضها البعض، فلا تستطيع الإلكترونات "القفز" من سلك إلى سلك آخر وتُنتِج تيّارًا؛ لأنَّ الهواء بين الأسلاك يعمل كعازل.
ولكن إذا استخدمنا بطاريّة تنتج جهدًا أكبر بدلاً من بطاريّة 1.5 فولت، فسيكون الجذب قويًّا بما يكفي لقفز الإلكترونات عبر الفجوة بين الأسلاك، وينشأ تيّار. نرى هذا أحيانًا عندما نُدخِل قابسًا في المقبس- نوع من "البرق" يمرّ عبر الهواء. في الواقع، هذه أيضًا هي الطريقة الّتي يتمّ بها إنشاء البرق الحقيقيّ: تصبح الطاقة بين غيوم العاصفة والأرض كبيرة بما يكفي لاختراق تيّار كهربائيّ في الهواء.
يشمل جناح الطائرة الجديدة أنظمة من الأقطاب الكهربائيّة، كما في الدائرة الّتي وصفناها، والّتي يبلغ الجُهد فيما بينها 40 ألف فولت. كان إنتاج الجهد الكهربائيّ اللازم دون إثقال كاهل الطائرة بوزن كبير يمثّل تحديًّا هندسيًّا كبيرًا. ينتج النظام المثبت على الطائرة طاقة كهربائيّة لكلّ كيلوغرام، الأكبر 5-10 مرّات من الطاقة الّتي يتمّ الحصول عليها في الأنظمة التجاريّة. تتسارع الإلكترونات الّتي تتحرّك عبر الهواء في مسارها من القطب السالب إلى القطب الموجب، ويصطدم بعضها في الطريق بجزيئات الهواء. يتكوّن الهواء في الأساس من النيتروجين، وقد يؤدّي اصطدام إلكترون سريع بجزيء النيتروجين إلى "اختطاف" إلكترون منه.
نظرًا لأنَّ هذا الجزيء يفتقر إلى الإلكترون، والّذي له شحنة سالبة، فإنّه يظلّ مشحونًا بشحنة كهربائيّة موجبة- أي يصبح أيونًا. يبدأ هذا الجزيء المشحون بالتسارع باتجاه القطب السالب؛ لأنَّ الشحنة الموجبة تنجذب إلى الشحنة السالبة. تصطدم أيونات النيتروجين المتسارعة بجزيئات الهواء الأخرى في طريقها وتسحبها باتجاه الجزء الخلفيّ من الجناح. وهكذا فإنَّ حركة الإلكترونات نحو القطب الموجب تصنع حركة هواء- ريح، في الاتجاه المعاكس. تمرّ الرياح فوق جناحي الطائرة كما لو كانت الطائرة هي الّتي تتحرّك للأمام.
الدرون الخافت
كما ذكرنا، فإنَّ ميزة المحرّك الأيونيّ أنّه لا يحوي أجزاء متحرّكة، لذلك من المتوقّع أن يكون مُعتَمَدًا للغاية واقتصاديًّا للغاية في الطاقة (حيث لا يوجد احتكاك ميكانيكيّ، ما يهدر الطاقة بين أجزاء المحرّك). ولكن بالإضافة إلى كلّ ذلك، من المتوقع أيضًا أن يكون هادئًا جدًّا. وبالتالي، فإنَّ العالم الّذي سنُحاط فيه بطائرات بدون طيّار (درون) من أجل استخدامات مفيدة مختلفة (توصيل البيتزا على سبيل المثال) قد لا يكون بالضرورة مليئًا بالطنين المستمرّ من المراوح.
فيديو يشرح نشاط المحرّك: