السّاعات المستخدمة لقياس معدّل عمليّة الأيض تعطي بالغالب تقديرات تقريبيّة. لإجراء اختبارات دقيقة، نحن بحاجة إلى معدّات متطوّرة
في السّنوات الأخيرة، يستخدم العديد من الأشخاص ساعات أو أساور "ذكيّة"، والّتي تشير، من بين أمور أخرى، إلى عدد السّعرات الحراريّة الّتي تُحرق يوميًّا. كيف يتمّ الوصول إلى هذا الرّقم، وما معناه؟ الإجابات على هذه الاسئلة تتعلّق بالطّاقة الّتي نبذلها، ولِما يتم قياسه من خلال السّاعات والأساور الذّكيّة.
السّعرات الحراريّة هي وحدات قياس للطّاقة، وبالتّالي، فإنّها تعكس وتيرة عمليّات الأيض في الجسم: إجماليّ العمليّات الّتي يقوم الجسم من خلالها بتفكيك المواد لإنتاج الطّاقة، أو العمليّات الّتي يتمّ من خلالها استهلاك الطّاقة لبناء بروتينات ومواد أخرى ضروريّة لعمليّات الحياة.
معظم الطّاقة ضروريّة لعمليات الأيض الأساسيّة، أي السّعرات الحراريّة الّتي يستهلكها الجسم بحكم وجوده على قيد الحياة، لنشاط القلب والدّماغ وما شابه. أيّ نشاط إضافيّ -كالتّحدّث أو المشي- يؤدّي إلى زيادة في استهلاك الطّاقة. تتطلّب مراحل معينّة من إنتاج الطّاقة إلى الأكسجين، النواتج الثانوية المرافقة لعمليّات الأيض في الجسم هي الحرارة وثاني أكسيد الكربون.
بالإضافة إلى إرضاء الفضول، يُعدّ قياس معدّل الأيض أمرًا مهمًّا لدراسات السّمنة، لمراقبة حالة المرضى الّذين عليهم وضع تخطيط برنامج غذائيّ وتدريب مناسب بموافقة طاقم طبيّ، وكذلك لتحسين نظام التّدريب لدى الرّياضييّن.
القياس المباشر وغير المباشر
هنالك طريقتان لقياس معدّل عمليّات الأيض في الجسم: المسعّر (كالوري متر) المباشر والمسعّر غير المباشر. يقيس المسعّر المباشر تحويل الطّاقة الكيميائيّة إلى حرارة بواسطة الجزيئات البيولوجيّة المُخَزِّنة للطّاقة مثل الـ ATP، ويُعتبر دقيق للغاية. ومع ذلك، له عدّة سلبيّات: أوّلًا، من أجل استعمالِه، يتوجّب إدخال الشّخص إلى جهاز كبير لاستيعاب حجم جسمه بالكامل، بالإضافة للمعدّات الرّياضيّة أو المساحة الّتي تسمح بالنّشاط البدنيّ عند الحاجة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الجهاز معزولًا تمامًا ليتسنّى قياس التّغييرات في درجات الحرارة بشكل دقيق، بسبب الحرارة المنبعثة من الجسم، ولشمل الأدوات الّتي تراقب بدّقّة شديدة تدفّق الهواء في الجهاز. لهذا السّبب فإنّ استخدام هذه الأجهزة محدود جدًّا.
المسعّرغيرالمباشر يقيس انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واستهلاك الأكسجين في الجسم. نظرًا لأنّ الأكسجين ضروريّ لعمليّة الأيض، وثاني أكسيد الكربون هو منتج ثانويّ لهذه العمليّة، فإنّهما يوفّران مقياسًا موثوقًا لمعدّل عمليّة الأيض.
تتمثّل إحدى طرق قياس المسعّرات غير المباشرة في الخلايا الأيضيّة - غرف مغلقة الّتي تسمح بتحديد كمّيّة ثاني أكسيد الكربون المنبعثة وكمّيّة الأكسجين المُستهلَكة. ولكن على غرار الغرف الّتي تقيس مسعّرات مباشرة، فإنّ استخدام هذه الخلايا مرهِق وغير عمليّ، ولهذا السّبب، فإنّ استعمالها محدود جدًّا. البديل الأبسط والأكثر شيوعًا هو جهاز يشبه نوعًا من الفقاعات البلاستيكيّة والّذي يتمّ وضعه على رأس الشّخص المقصود، حيث يقيس استهلاك الأكسجين وانبعاث ثاني أكسيد الكربون.
التّنقّليّة على حساب المصداقيّة
في السّنوات الأخيرة، تمّ تطوير أجهزة متنقّلة لتبسيط القياس. هذه الأجهزة هي نوع من المنافيخ الّتي تتّصل بالوجه وبالحاسوب بالوقت ذاته، والّتي تقيس معدّل تبادل الغازات. تسمح قابليّة النّقل لهذه الأجهزة القياس في العديد من الظّروف، بما في ذلك أثناء التّدريب الرّياضيّ، وذلك بفضل سهولة استخدامها ووفرتها. ومع ذلك، فقد وجدت الدّراسات اختلافات كبيرة نسبيًّا في نتائج القياس للأدوات المختلفة، حيث أنّ بعضها أكثر دقّة من الآخر.
في جميع الأساليب، بما في ذلك القياس المباشر، لا تقدِّم القياسات نفسها قيمة نهائيّة واضحة، حيث تتأثّر عمليّة الأيض بالعديد من العوامل كالجنس، العمر، الوزن والطّول. ولذلك، فهناك معادلات تساعد في الوصول إلى نتيجة نهائيّة أكثر دقّة، حيث تزن المعادلات جميع العوامل اللّازمة للحصول على قياس دقيق لكلّ شخص.
وماذا عن السّاعات الذّكيّة القادرة، أو على الأقلّ التي تدّعي أنّها قادرة، على توفير مقاييس مماثلة؟ إذ يستخدمها عامّة النّاس المهتمّون، على سبيل المثال، في حساب معدّل حرق السّعرات الحراريّة أثناء النّشاطات الرّياضيّة أو النّشاطات اليوميّة الأخرى. تقيس هذه السّاعات معدّل نبضات قلب الشّخص الّذي يرتديها، وتحسب معدّل الأيض بالاعتماد عليها. معدّل نبضات القلب هو في الواقع مقياس لمعدّل الأيض، ولكن النّسبة التحويليّة تختلف كثيرًا من شخص لآخر، ولا توجد معادلة عامّة تسمح بالتّحويل المباشر. تأخذ هذه السّاعات والأساور في عين الاعتبار معايير مثل العمر، الطّول والوزن وتقوم بتقييمهم، حيث أنّ التّقدير الّذي تقدّمه عامًّا جدًا وغير دقيق.