لقراءة المقال

كيف نمنع انتشار وباء الكورونا؟

قصة نجاح تايوان، التأخير المصيري في إيطاليا، مراهنة البريطانيين والجهد العالمي لمنع الانتشار الأُسّي للفيروس. كيف نمنع الوباء من التسبب في انهيار الأنظمة الصحية؟

منذ بداية ظهور فيروس كورونا SARS-CoV-2 قبل حوالي ثلاثة أشهر، نجح في الانتشار في 156 دولة وأصاب ما يقارب مئتي ألف شخص. أدى الانتشار السريع وواسع النطاق للفيروس إلى إعلان منظمة الصحة العالمية إلى أن المرض الذي يسببه COVID-19 يعتبر جائحة أي وباءً عالميًا.

بسبب العدوى السريعة التي يسببها الفيروس، سرعان ما أصبح من الصعب وقف انتشاره كما حدث مع الأوبئة السابقة من فيروسات عائلة الكورونا - سارس و MERS في السنوات 2003 و 2012 على التوالي. لذلك، كل ما يمكن فعله هو احتواء الوباء وتقليل العدوى والمرض والوفيات التي يتسبب بها.

أفضل طريقة للحد من انتشار الفيروس هي عبر اتباع أساليب الوقاية من خلال تشخيص المرضى وحاملي العدوى، الحجر الصحي، حظر التجمع، تقييد الحركة والتنقل واستخدام المطهرات والمعقمات. معظم الدول المتضررة تتخذ هذه الإجراءات التي أثبتت نجاعتها في التعامل مع فيروسات السارس MERS. إن تم تنفيذها في الوقت المناسب وفرضها بشكل فعال فمن الممكن تقليل خطر الإصابة بالعدوى وبالتالي عدد المرضى والضحايا.

ولكن ما هو الوقت المناسب لاتخاذها؟ وإلى أي حد يجب انتهاجها؟ هذه أسئلة يصعُب الإجابة عليها، فنحن أمام حدث متقدم وفيروس جديد وغير مألوف. يتم تجميع البيانات واتخاذ الاستنتاجات تدريجيًا وفقها. ولكن يمكننا، حاليًا، محاولة فحص الإجراءات المتاحة أمامنا ومدى تأثيرها وتبعاتها المحتملة.


عزل المرضى هو أحد مفاتيح النجاح. إغلاق المستشفى | تصوير: Mongkolchon Akesin ، Shutterstock

 

قيود على الحركة

إحدى الخطوات الأولى التي اتخذتها معظم الدول هي فرض قيود على الرحلات الجوية القادمة من المناطق المصابة. نجحت هذه الخطوة في تقليل انتشار الفيروس في المراحل الأولى من تفشي المرض بنسبة 80 في المئة تقريبًا، على الرغم من أن ذلك لم يعِق انتشاره في بؤرة تفشي الفيروس الأصلية في مدينة ووهان الصينية. في حين كانت فعاليته أكبر عندما اتخذت احتياطات أخرى مثل حظر التجمع والحفاظ على النظافة الصحية.

أحد الأسباب الرئيسية لفرض مثل هذه القيود هو محاولة تقليل عدد المرضى. من المعروف أن الفيروس ينتشر بشكل أُسّي (نمو أُسّي)، أي في تسلسل هندسي. فمثلاً لنفترض أن معامل الإصابة بالفيروس هو 2، أي أن كل مريض يمكن أن ينقل العدوى في المعدل لشخصين آخرين في حال لم يكن في عزلة أو قيود. في البداية، لم يكن الارتفاع في عدد الإصابات دراماتيكيًا خاصةً في حال مضاعفة عدد المصابين مرتين في نهاية كل مرحلة من مراحل انتشار المرض. على سبيل المثال لا تبدو أن زيادة عدد المرضى من 16 مريضًا إلى 32 مريضًا بالغ الأهميّة، ولكن عندما يتعلق الأمر بمئات المرضى، يمكن أن تقفز الأرقام من 400 إلى 800 ثم إلى 1600 مريض في وقت قصير جدًا. أما على أرض الواقع فيقدر أن معدل الإصابة في فيروس السارس SARS-CoV-2 أكبر بكثير، ما يقارب 2.2 مرضى جدد في المعدل لكل مريض. علاوة على ذلك، يزداد عدد المرضى بسرعة في حين أن معدل وقت الشفاء يبلغ حوالي أسبوعين.

على الرغم من أن عدد المرضى يعتبر عاملاً مهمًا، إلا أنه قد يكون مخادعًا أيضًا. نظرًا لمرور الوقت من اللحظة التي يصاب فيها المريض إلى حين بداية الأعراض لديه ولهذا من الصعب معرفة ما هو عدد المرضى الحقيقي في كل لحظة. يعتمد عدد المرضى الذين تم التحقق منهم أيضًا على عدد الفحوصات المخبرية التي يتم إجراؤها في المكان، لذلك في دول مثل كوريا الجنوبية حيث يتم إجراء فحوصات مكثفة سيكون هناك عدد مرضى الذين تم التحقق منهم أكثر مقارنةً بالدول التي تقوم بالفحص فقط للأشخاص الذين تعرضوا لمرضى مشخصيّن بالمرض.

נמל תעופה ריק בנריטה, יפאן | צילום: MR.WICHAI THONGTAPE, Shutterstock
قيود واسعة النطاق على الرحلات الجوية. مطار ناريتا الفارغ، اليابان | تصوير: MR.WICHAI THONGTAPE, Shutterstock

 

البيانات على أرض الواقع

مع ذلك، يمكننا تعلم الكثير من انتشار الوباء في مقاطعة هوباي في الصين التي كانت مركزًا لتفشي المرض. يمكن للفحص الدقيق للبيانات التي تم جمعها أن يعلّمنا الكثير عن الفوارق بين عدد الحالات الفعلية مقارنة بعدد الحالات التي تم تشخيصها وأهمية ذلك بتقرير الرد المناسب.
قامت الفرق الطبية في هوباي بتوثيق كل حالة من وقت التشخيص وجمع المعلومات الوبائية بما في ذلك الاستجواب الدقيق لكل مريض لتحديد تاريخ الإصابات. يتيح لنا جمع البيانات هذا بإنشاء رسم بياني يصف العدد الفعلي للمرضى في كل نقطة زمنية مقابل عدد المرضى الذين تم تشخيصهم.

توفر هذه البيانات نتيجة حاسمة حول الفارق بين عدد الحالات الفعلية مقابل الحالات المشخصة وأهمية اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب. على سبيل المثال، في 21 يناير، ارتفع عدد المرضى المؤكدين في المقاطعة بشكل حاد مقارنة باليوم السابق وبلغ حوالي 100 حالة، في اليوم التالي تضاعفت أعدادهم إلى حوالي 200 وفي 23 يناير وصلت إلى حوالي 400. أي أن الوباء انتشر بوتيرة أسيّة حوالي ضعف العدد في اليوم الواحد وبالرغم من أن عدد المرضى في ذلك الوقت كان بضع مئات فقط إلا أن الحكومة الصينية قامت بسرعة بإغلاق مدينة ووهان بالكامل، والذي تضمن عزل المرضى وجميع من كان على اتصال مباشر معهم، إغلاق المؤسسات الغير الضرورية وفرض قيود صارمة على حركة المواطنين. تبدو هذه الخطوة قاسية ولكن في وقت لاحق، أظهرت البيانات التي جمعت أنه في هذه المرحلة كان هناك 2500 مريض والذين تم تشخيص معظمهم في وقت لاحق.

أدى فرض الحجر الصحي على المدينة إلى انخفاض فوري في حالات الإصابة وساعد في الحد من انتشار الوباء. وفي اليوم التالي، فرضت السلطات حجر صحي مماثل على 15 مدينة أخرى حيث انتشر الفيروس إليها أيضاً، مما ساهم في إبطاء انتشار الفيروس.

 
כרזות בסין משבחות את הצוותים הרפואיים וקוראות לאזרחים להישמע להוראות | צילום: kavastudio, Shutterstock
ملصقات في الصين تكرم الفرق الطبية وتناشد المواطنين إلى اتباع التعليمات | تصوير: kavastudio ، Shutterstock

 

درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج

اتخذت دول أخرى في الشرق الأقصى، مثل سنغافورة وتايوان، خطوات صارمة في مرحلة مبكرة، وبهذا استطاعت إلى حد الأن منع انتشار الوباء بوتيرة أسيّة. يكمن نجاحها هذا في الخبرة التي اكتسبتها من تجربتها السابقة بوقف انتشار وباء السارس في عام 2003. في الوقت الحاضر ، تُظهر تايوان مواجهة بكفائة عالية للحد من انتشار الفيروس. على الرغم من علاقاتها الوثيقة مع الصين والقرب الجغرافي بينهما، تم توثيق 77 مريضًا بالكورونا فقط وموت مريض واحد حتى الآن.

تقوم الحكومة التايوانيّة بذلك عن طريق تطبيق عدة خطوات صارمة ومحدودة من الأساس. فقد تم فيها إغلاق جميع المعابر الحدودية في المطارات والبحار وفرض رقابة صارمة على الأشخاص الذين يسعون إلى دخول البلاد. بالإضافة إلى ذلك فقد عملت الحكومة بجد للعثور على حالات مرضٍ جديدة من خلال رفع عدد الفحوص المختبريّة بشكل كبير وتتبع حركة المدنيين والسياح في مواقع الانتشار. تم عزل أي شخص يشتبه به بالإصابة بالمرض.

وفي الوقت نفسه، خصصت تايوان العديد من الموارد للإدارة اللوجستية للأزمة، بما في ذلك توصيل الإمدادات والمعدات الطبية إلى المراكز المخصصة. بالإضافة إلى ذلك، فقد عملت على المستوى التوضيحي، وأصدرت تعليمات وتوجيهات واضحة للمجتمع، حول كيفية التصرف في المجال العام، وتكييف التعليمات للأطفال أيضًا، وكافحت الأخبار المضللة والشائعات. بالإضافة إلى ذلك فقد عرضت الدولة مساعدات لأصحاب الأعمال لتشجيعهم على التعاون مع هذه القيود.

اما بالنسبة لكوريا الجنوبية فقد اتخذت خطوات مشابهة في وقت قصير، حتى أنها أضافت إلى ذلك فحوص مخبريّة مكثفة لعامة السكان وليس فقط لأولئك المعروف بأنهم قد تعرضوا للفيروس. مكّن الفحص الشامل من الكشف الفعال والسريع عن المرضى ونقلهم للحجر الصحي. مع ذلك، وجدت الدولة نفسها بمواجهه تفشٍّ أُسي سريع بسبب حالة استثنائية لمريض كان السبب في تفشي العدوى بشكل خارق. يدور الحديث هنا حول مريض واحد (مريض رقم 31 في الدولة)، الذي نقل العدوى لحوالي 40 شخصًا حتى الوقت الذي تم الكشف عنه بعد عدم انصياعه للإرشادات الطبية والحجر الصحي.

تظهر هذه البيانات مدى أهمية الانصياع شخصيًا ونظاميًا لهذه القيود، وبالطبع الحفاظ على النظافة. تعاون المجتمع أمر أساسي لنجاح الوقاية والحدّ من تفشي الوباء قبل أن يصل لوتيرة تفشي أسية.

ביטול טיסות רבות בנמל תעופה בטייוואן | צילום: glen photo, Shutterstock|
إغلاق المجال الجوي. تعليق رحلات جويّة كثيرة في مطار تايوان | تصوير glen photo Shutterstock

 

ردة فعل سريعة تساهم في إنقاذ الأرواح

لتقليل عدد المرضى أهمية قصوى فيما يتعلق أيضًا بعدد الوفيات التي قد يسببها المرض. تختلف نسبة الوفيات الناجمة عن الفيروس بشكل كبير من دولة إلى أخرى، بنسبةٍ تتراوح ما بين  0.5 إلى 7 نسبة مئوية. في بؤرة التفشي الأصلية في مقاطعة هوبي ، نسبة الأشخاص الذين ماتوا بسبب المرض كانت 4.8 نسبة مئوية. في بقية مناطق الصين، أثمرت الجهود المبكرة للحدّ من تفشي المرض لمنع الانتشار على نطاق واسع، وبالفعل بلغ معدل الوفيات 0.9 نسبة مئوية.

 تواجه البلدان التي لم تتخذ تدابير وقائية ولم تفرض اغلاقات في وقت مبكر معدلات وفيات عالية بشكل خاص: في إيطاليا نسبة الوفيات تقارب 8.5 نسبة مئوية وفي إيران حوالي 7 نسبة مئوية. في تايوان، على سبيل المقارنة، يبلغ معدل الوفيات 1 في المائة فقط. بالطبع، هذه أرقام ليست نهائية أبدا ، حيث لا يزال الوباء جاريًا على قدم وساق والعدد الحقيقي للمرضى في العديد من البلدان ، بما في ذلك إيران وإيطاليا ، غير معروف ، ولكن التفاوتات الكبيرة بين الدول واضحة بالفعل. كما أن الدول التي تعمل بسرعة وبحزم تبدو قادرة على إبطاء سرعة انتشار الفيروس وبذلك تقلل أيضًا ب 10 أضعاف من معدل الوفيات بسبب المرض.

هنالك العديد من العوامل التي تؤثر على عدد الوفيات الناجمة عن المرض، مثل التوزيع العمري والخلفية الجينيّة والمناعيّة للسكان. مع ذلك، يبرز عامل واحد بشكل ملفت فوق كل شيء: قدرة النظام الصحي على التعامل مع حجم المرض.

وفقًا للبيانات التي تم جمعها حتى الآن ، يعاني حوالي أربعة من كل خمسة مرضى من مرض خفيف لا يتطلب دخول المشفى أو رعاية طبية داعمة. ومع ذلك، يحتاج المريض الخامس إلى المشفى والرعاية الداعمة. معدل الاستشفاء عالٍ للغاية ويصل إلى نسبة 20 نسبة مئوية. ومن بين هؤلاء، سيحتاج حوالي خمسة بالمئة إلى وحدات العناية المركزة وحوالي 2 بالمئة سيحتاجون إلى معدات التنفس الإصطناعي. تعتبر أجهزة التنفس الإصطناعية ووحدات العناية المركزة موردًا قيمًا ومحدودًا لا يمكن شراؤه من بين الحين والأخر، ويتطلب بنية تحتية مناسبة وطاقمًا طبيًا ماهرًا.

بالتالي، فإنَّ عدم الحدّ من التفشي السريع للفيروس يمكن أن يؤثر بشكل كبير على النظام الصحي. مثلاً إذا كان هناك 100 ألف مريض في البلاد، فإن 20 ألف سيحتاجون إلى المستشفى، مما يضيف عبئًا ثقيلًا على نظام الرعاية الصحية، والذي يجب أن يستمر في خدمة السكان الذين يعانون من أمراض أخرى، بما في ذلك السرطان وأمراض القلب والسكري وغير ذلك. في مثل هذه الحالة فإن العلاج الطبي الذي سيتلقونه سيضعف أيضًا. من بين 100 ألف مريض الذين ذكرناهم، 5000 مريض منهم سيحتاجون إلى دخول المستشفى إلى وحدات العناية المركزة، وألف مريض من هؤلاء لن يتمكن من البقاء على قيد الحياة بدون أجهزة التنفس الاصطناعية.

المعنى المصيري. عندما تكون المستشفيات ممتلئة إلى حدها الأقصى، وعدد المرضى المحتاجين للتنفس الاصطناعي يتجاوز بكثير عدد الأجهزة المتاحة، عندها لن يحصل عليها كل من يحتاج إلى علاجٍ منقذٍ للحياة، ولن يتلقى كل شخص العلاج المثالي من الطاقم الطبي. عندها ستكون النتيجة هي زيادة عدد الوفيات.

هذا ليس القيد الوحيد. تَوفُّرُ المعدات كالأقنعة الواقية والقفازات والملابس الواقية للطواقم الطبية والنكاشات القطنية الطبيّة لإجراء الفحوصات مصيريٌّ وهامٌّ لإتمام عمل النظام الصحي. العديد من البلدان في الشرق الأقصى قد استنبطت العبر بعد مواجهتها لوباء السارس في السابق ولديها مخزونٌ من معدات الحماية لحالات الطوارئ. مع ذلك، في الغرب، فإن معظم الدول ليست مستعدة بشكل صحيح وقد ينتهي بها الحال بشلل النظام الصحي بسبب نقص معدات الحماية الأساسية. مخزون الأقنعة في الولايات المتحدة على سبيل المثال، كافٍ ومتاحٌ للاستخدام لواحد بالمئة فقط من الطواقم الطبيّة. في حالِ حدوثِ إصاباتِ عدوى واسعة وأٌسيّة، من المتوقع أن تنفذ الأقنعة خلال أسبوعين فقط.

 

בית חולים בעיר ווהאן בזמן ההתפרצות | צילום: overkit, Shutterstock
نقص في أسرة المستشفيات, المعدات والطواقم الطبيّة في مدينة ووهان عند إنشار الفيروس| تصوير:  overkit, Shutterstock

فشلٌ بالاستعداد

المقاطعات التي حظيت بانهيار الأنظمة الصحية في شمال إيطاليا وفي وقت سابق في مقاطعة هوبي في الصين في ذروة تفشي وباء كورونا كانت صعبة للغاية. عشرات الآلاف من المرضى عانوا من  نقص حاد في أسرّة المرضى ووجدوا أنفسهم يتلقون العلاج في ممرات المستشفيات وغرف الانتظار والمستشفيات المؤقتة. واضطرت بعض المستشفيات في شمال إيطاليا إلى إغلاق غرف الطوارئ للمرضى الجدد.

وجدت الفرق الطبية نفسها منهكة تعمل على مدار الساعة، وبمناوبات عمل لا نهائية، وبملابس واقية يرتدونها لساعات طويلة ومتواصلة. كما أدى نقص المعدات الواقية إلى معدل مرتفع من العدوى من قبل الفرق الطبية، مما زاد من العبء على النظام الصحي، الذي يضطر للعمل مع نقص حاد في عدد العاملين.

لذلك يبدو أن منع انهيار النظام الصحي هو أهم جزئية في احتواء الوباء. في بلدان مثل فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، التي بدأت عمليات الوقاية وكبح انتشار الفيروس في وقت متأخر جدًا، تتوقع بعض النماذج أن هذه البلدان ستشهد قريبًا ارتفاعًا في عدد المرضى، مما يؤدي إلى عبء كبير على نظام الصحة وارتفاع معدل الوفيات. هذه التوقعات الكئيبة قد دفعت أمين عام الصحة العالمية تيدروس أدنوم غيبريسوس (Ghebreyesus) إلى تحفيز دول الاتحاد الأوروبي بالعمل بجد للحد من انتشار الفيروس.

في معظم هذه البلدان، لم تتم عمليات كشف واسعة للكشف عن المرضى، لذلك من المحتمل أن يكون عدد المرضى المبلغ عنه أقل بكثير من العدد الفعلي للمرضى. يحاول أحد النماذج التنبؤ بالعدد الحقيقي للمرضى حسب عدد الوفيات، على افتراض أن النظام الصحي يعمل بشكل سليم، فإن معدل الوفيات سيكون قريبًا من واحد بالمئة. يعتمد نموذج آخر على تحديد التسلسل الجيني للفيروسات وتتبع طفراتها، من أجل تقدير العدد الحقيقي المتنبأ للعدوى في كل منطقة. لا يعدُّ أيٌّ من هذه النماذج مثاليًا، لأنها تستند فقط إلى النتائج الأولية والافتراضات القائمة بشكل غير كافٍ. مع ذلك، استنتج كلاهما أن العدد الحقيقي للمرضى أعلى بكثير من عدد المرضى الذين تم الكشف عنهم. هذه نتائج خطيرة، خاصة في الأماكن التي لم تكن فيها قيود وتدابير وقائية تقريبًا حتى الآن.

בית חולים שדה בעיירה בוצן באיטליה | צילום: faboi, Shutterstock
حالة طوارئ طبية. المستشفى الميداني في مدينة مودان بإيطاليا | تصوير faboi ، Shutterstock 

 

حسناً ماذا نفعل؟

النهج الذي أثبت نفسه في جميع البلدان التي تمكنت حتى الآن من الحدّ من الوباء هو "تسطيح" معدل الانتشار وتقليل عدد المرضى. هذه الخطوة ضرورية لحماية النظام الصحي من الإنهيار، وبالتالي كبح عملية تصاعد عدد الوفيات الناجمة عن المرض.

إحدى أكثر الخطوات فعالية هي تقليل الإتصالات الاجتماعية بين الناس. تظهر النماذج أنه مع انخفاض عدد التواصل بين الأفراد في المجتمع من خلال حظر التجمعات، وإغلاق المؤسسات غير الضرورية وإدخال للمرضى للحجر الصحي والأشخاص الذين يتعاملون معهم، فإن احتمالات الإصابة بالعدوى والانتشار تتناقص. وكلما كانت القيود أشد، زادت فعاليتها. هذه الخطوة تمنع انتشار الفيروس من شخص لآخر وتكسر السلسلة الأسية للعدوى.

عند النظر لتسلسل الأحداث في إيطاليا، يمكن رؤية كيف أدى التأخير في تطبيق هذه القيود إلى الانتشار السريع للفيروس وانهيار المستشفيات. في 21 فبراير، عندما كان عدد المرضى المشخصين 21، ومات شخص واحد، عندها فقط فرضت الحكومة إغلاقًا على منطقة لودي، والتي كانت محور تفشي المرض. جاءت هذه الخطوة متأخرةً للغاية واستمر عدد المرضى في الارتفاع والانتشار إلى المناطق المجاورة، حيث لم يتم فرض قيود كبيرة. يبدو أن العدد الفعلي للمرضى أعلى بكثير بالفعل، وقد سمحت حركة الأشخاص الحرة من مكان إلى آخر بانتشار الفيروس بسهولة في جميع أنحاء شمال إيطاليا. تشير تقديرات العدد الفعلي للمرضى بناءً على عدد الوفيات إلى أنه بحلول وقت الإغلاق، ربما كان هناك عدة مئات من المرضى في المنطقة ، وليس 21.

فقط بعد أسبوعين ونصف من ذلك، في 8 مارس، تم تمديد الإغلاق ليشمل مقاطعات أخرى في شمال إيطاليا، حيث بلغ عدد المرضى 6,387 وعدد الوفيات الإجمالي 366. في الوقت نفسه، حدث بالفعل انتشار أسي للفيروس، ونرى نتائجه الآن. بلغ عدد المرضى الجدد يوم الجمعة من هذا الأسبوع 47021 وعدد الوفيات 4032. صحيح أن نسبة كبار السن في المجتمع الإيطالي تعد كثاني أعلى نسبة في العالم (بعد اليابان)، فإن معدل الوفيات المرتفع لا يُعزى للتوزيع العمري فقط. عمليا، حوالي ثلث مرضى وحدة العناية المركزة في إيطاليا تتراوح أعمارهم بين 64-50 سنة، لذلك ليس فقط المسنون هم من يتعرضون للتعقيدات.

 إحدى المخاوف الآن هو كون العديد من المرضى قد فروا من شمال إيطاليا قبل إعلان الأغلاق (الحصار)، ووصلوا إلى جنوب البلاد. إذا كان هذا صحيحًا، فقد نشهد موجة ثانية من تفشي المرض التي ستستهدف الفقراء في جنوب إيطاليا، مع العلم أن نظام الصحة هنالك أضعف. نتيجة لذلك، تعلم الإيطاليون الدرس، واعتبارًا من 9 مارس، قد مددوا الإغلاق في جميع أنحاء البلاد، محاولين كبح الانتشار في مناطق أخرى.

 

שוטרים מחוץ לבית חולים בעיר פדובה באיטליה | צילום: Nicolo' Zangirolami, Shutterstock
ردة فعل متأخرة. رجال الشرطة خارج المستشفى في مدينة بادوفا في إيطاليا | تصوير: Nicolo' Zangirolami, Shutterstock
 

المراهنة البريطانيّة

إن قرار إغلاق مناطق بأكملها وإلحاق الضرر بالاقتصاد وروتين الحياة لبلد ما بأكمله ليس بالأمر السهل. لكن أهمية المتغير الزمني يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار للوقاية من إنتشار الوباء. فكلما تأخر رد الفعل، سيزداد عدد المرضى الجدد بوتيرة أسيّة.

وفي هذا السياق، ينبغي ذكر النهج غير التقليدي للمملكة المتحدة. وخلافا للنهج المحافظ، الذي يفرض ويطبق الحجر الصحي والقيود على عامة الناس، فقد قررت سلطات المملكة المتحدة فرض قيود فقط على السكان المعرضين للخطر. هدف السلطات هو السماح للفيروس بالانتشار لدى الأشخاص حديثي السن والأشخاص الأصحاء، الذين هم أقل عرضة لتعقيدات وخطورة المرض، على أمل أن يمرضوا بصورة خفيفة فقط وتطور أجسامهم حصانة مناعيّة ذاتية. في موجات العدوى التي من المتوقع أن تحلَّ قريباً، تأمل الحكومة البريطانية بأن تكون النسبة المئوية للمتعافين عالية بما يكفي حتى توفر مناعة الجماعة حتى لأولئك المعرضين للخطر.

מסתמכים על הנחה שהצעירים מוגנים. אזרחים בלונדון | צילום: MARCIO DELGADO, Shutterstock
الاعتماد على الأفتراض بأن الشباب محميّون. مواطنون في لندن | تصوير: MARCIO DELGADO, Shutterstock

 

يعتمد هذا النهج غير التقليدي للغاية على افتراض أن حجم المخاطر التي تتطلب رعاية طبية سيكون بالفعل منخفضًا في المجتمع غير المحمي، وأن القيود المفروضة على كبار السن أو المصابين بأمراض أخرى سيتم حمايتهم بالفعل من العدوى، ولكن لا توجد طريقة لضمان ذلك. يثير عدد المرضى بشكل متأزم حتى عند فئات حديثي السن نسبيًا في إيطاليا مخاوف من أن التجربة البريطانية ستفشل وستجد الدولة نفسها في حالة غرق النظام الطبي مع أعداد هائلةٍ من المرضى، مما سيكلّف ثمناً باهظاً من الأرواح البشرية.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الانتشار غير المقيد للفيروس سيسمح له أيضًا بالمرور بالمزيد من الطفرات الجينية. حتى في هذا الأوان اكتشف العلماء بان الفيروس مرّ بعدة طفرات أخرى خلال عملية الانتشار والتفشي. يمكن لهذه التغييرات أن تخلق سلالات أكثر أو أقل عنفًا، وحتى من الممكن أن تغير من قدرة عدوى الفيروس. لا توجد طريقة للتنبؤ بمثل هذه المتغيرات، لذلك لم يعد لدينا شيء إلا أن نترقب ونرى ما سيحدث.

الترجمة للعربيّة: هشام مزعل
التدقيق العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح