يتضمّن مسار حياة السّيّارة الكهربائيّة من الإنتاج إلى الخردة بعضَ المراحل الملوّثِة إلى حدٍّ ما، أمّا الأخبار السّارّة فهي وجود مجالٍ كبير للتّحسين
تُعتبر السّيّارات الكهربائيّة صديقةً للبيئة أكثر من السّيّارات الّتي تعمل بالبنزين، لذلك فهي تخضعُ لضرائِب أقلّ في بعض الدّول. لكن هل هي حقًا "خضراء" أكثر من غيرها؟ إنّ الجوابَ على هذا السّؤال غير حاسم. من أجل الإجابة عليه، يجب مراعاة جميع مراحل حياة المُنتَج - إنتاج، اِستخدام وتآكل.
إنتاج السّيّارات الكهربائيّة
الفرق الرّئيس بين السّيّارة الكهربائيّة والسّيّارات الأخرى هو البطّاريّة. يجب استخدام أنواع عِدّة من المعادن من أجل إنتاج البطّاريّات، من ضمنها الليثيوم وبعض المعادن النّادرة والثّمينة - النيكل والكوبالت.
الكوبالت عنصرٌ كيميائيّ، معدن فضّيّ صَلب يُستخدم كمكوّن في الألوان والمغناطيس. يتميّز الكوبالت بصفاتٍ عِدّة تعمل على إطالة عمر البطّاريّة، بما في ذلك الموصليّة العالية والاستقرار الهيكليّ في ظروفٍ صعبَة من أجل شحن وتفريغ البطّاريّة. لذلك، هو عنصرٌ شائعٌ في السّيّارات الكهربائيّة وفي الصّناعات النّفطيّة. يعود مصدر أكثر من ثُلثَيْ إنتاج الكوبالت في العالم إلى مناجم الكوبالت في جمهوريّة كونغو الدّيموقراطيّة، والباقي مقسّم بين دولٌ أخرى مثل روسيا، وأُستراليا والفلبين. تَتِمّ عمليّة التّنقيب عن الكوبالت بواسطة الانفجارات الّتي تؤدّي إلى انبعاث موادّ ملوّثة، بعضها خطير. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الآلات المُستخدمة للتّنقيب تَبعثُ كمّيّات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، ما يؤدّي إلى زيادة الاحتباس الحراريّ على الكرة الأرضيّة. وأخيرًا، تنطوي عمليّة التّنقيب عن الكوبالت على تنقيب عن معادن أخرى قد تسبّب مشاكل صحّيّة للإنسان مثل ضعف البصر، والتّقيّؤ، والغثيان، ومشاكل قلبيّة، وأضرار في الغدّة الدّرقيّة حتّى الإصابة بمرض السّرطان.
تؤدّي عمليّة إنتاج السّيّارات الكهربائيّة والبطّاريّات الضّروريّةِ لها الآخذةِ في الازدياد إلى طلبٍ متزايدٍ للكوبالت والنّيكل الّذي يجب استخراجُه والتّنقيب عنه أيضًا، ما يؤدي إلى مخاطر على صحّة الإنسان، ومن المتوقّع أن يستمرّ هذا التّوجّه في الارتفاع.
من الممكن أن تؤدّي عمليّة التّنقيب عن المعادن لانتاج البطّاريّات للسيّارات الكهربائيّة إلى تلويث البيئة وتعرّض الصحّة للخطر. منجم للمعادن في جمهوريّة كونغو الديموقراطيّة | Didier Bauweraerts, Science Photo Library
اِستخدام السّيّارة الكهربائيّة
تنبعث من السّيّارات الّتي تعمل بالبنزين موادّ ملوّثة أثناء القيادة. لكن، مقارنةً مع السّيّارة الكهربائيّة الّتي تُعتبر قيادتها قيادةً نظيفةً نسبيًّا، تنبعث الكثير من الملوّثات من محطّات الطّاقة الّتي تُنتج الكهرباء المطلوبة لعمليّة شحنها. لذلك، هناك أهمّيّة قصوى لمصدر الكهرباء المخصّص للشّحن عند حساب البصمة البيئيّة للسّيّارات الكهربائيّة. عمليًّا، ينتج عند توليد الكهرباء عن طريق حرق منتجات نفطيّة، فحمٌ أو غاز موادّ ملوّثة أكثر من توليد الكهرباء المعتمد على الطّاقة المتجدّدة، مثل طاقة الرّياح والطّاقة الشّمسيّة. اليوم، نجد أنّ فقط %6 من الكهرباء في البلاد مصدرها من الطّاقة المتجدّدة.
تشير الدّراسات العلميّة إلى أنّ استخدام السّيّارات الكهربائيّة يقلّل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولكنّه قد يزيد من انبعاثات موادّ ملوّثة أخرى، مثل أكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت (SO2) وجسيمات معلّقة (particulate matter, PM)، مثل قطعة صغيرة من مادّةٍ صلبةٍ أو سائلةٍ متواجدة في الغاز أو في السّائل. هنالك من يدّعي أنّ استخدام السّيّارات الكهربائيّة سيؤدّي إلى تخفيضٍ في استهلاكِ النّفطِ، وبالتّالي إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكنّ هذا التّخفيض لن يوصلنا للأهدافِ المحدّثة الّتي حدّدَتها الدّول المختلفة. تعتمد النّتيجة، أيضًا، على عدد السّيّارات الكهربائيّة الّتي ستحلّ محلّ المركبات العاديّة، وعلى عمليّة توليد الكهرباء في الدّولة. بطريقة أو بأخرى، يبدو أنّ السّيّارات الكهربائيّة لديها إمكانيّةٌ أكبر لتقليلِ كمّيّة الملوّثات المنبعثة في الهواء مقارنةً مع المركبات غير الكهربائيّة.
يجب أن نأخذ بعين الاعتبار عاملًا آخر، وهو أنّ البطّاريّة تزيد من وزن السّيّارة. هذا الأمر يتطلّب قدرًا كبيرًا من الطّاقة من أجلِ دفع مركبة ثقيلة مقارنةً مع مركبة أخفّ وزنًا. كذلك، عمليّة التّباطؤ وإيقاف سيّارة كبيرة تحتاج إلى طاقةٍ أكبر، ما يؤدّي إلى التّسارع في تآكلِ مكابحها. وما يزداد أيضًا مع ازدياد وزن السّيّارة هو احتِكاكُ الإطارات مع الشّارع، الّذي يؤدّي إلى تآكلها بشكلٍ أسرع. يؤدّي تَلَفُ الإطارات وتآكل المكابح إلى انبعاث مادّة ثاني أكسيد الكبريت الملوّثة. خلاصة القول: كلّما ازداد وزن السّيّارة ازدادت كمّيّة الموادّ الملوّثه المنبعثة منها.
يتطلّب إنتاج البطّاريّة أنواع معادن عديدة، من بينها الليثيوم، النيكل والكوبالت. بطّاريّة ليثيوم للسيّارة الكهربائيّة |asharkyu, Shutterstock
أهمّيّة إعادة تدوير البطّاريّات وتجنّب رميها
ما زالَ عالَم التّكنولوجيا يؤثّر سلبًا في البيئة، لكنّ السّؤال لأيّ مدى سيكون ذلك؟ على ما يبدو أنّ بطّاريّات المركبات الكهربائيّة ستكون جزءًا كبيرًا من النّفايات الإلكترونيّة خاصّتنا. هناك أنواع مختلفةٌ من البطّاريّات، إذ تختلف فيما بينها بكمّيّة وتركيبة الموادّ السّامة الّتي تحويها. على سبيل المثال، تعمل بعض الشّركات على تقليصٍ تدريجيّ لكمّيّات الكوبالت في بطّاريّاتها. يتراوح عمر البطّاريّة من 8-10 سنوات، وبما أنّ التّخلّص منها عن طريق دفنها يؤدّي إلى تلوّث المياه الجوفيّة، والأرض والهواء، فإنّ الحلّ المطلوب هو إعادة تدويرها. تُحَقّق عمليّة تدوير البطّاريّات هدفًا مزدوجًا: تقليص كمّيّة النّفايات المُلوّثِه، وإعادة استخدام مواد ثمينة ونادرة.
تتطلّب عمليّة إعادة التّدوير، الّتي تتضمّن طحن البطّاريّات، وفصل المادّة المطحونة لمركّباتها ومن ثمّ استخدام المحلول لأهداف أخرى، استثمارَ الكثير من الطّاقة. وبالتّالي، يرتبط هذا الأمر بانبعاث كمّيّات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجةٌ إلى معدّات متطوّرة من أجل التّعامل مع الموادّ الضّارّة المنبعثة أثناء عمليّة التّدوير، ولذلك يُعتبر تجهيز مرافق إعادة التّدوير مكلفًا جدًّا. تَتِمّ إعادة التّدوير الرّئيسة لبطّاريّات السّيّارات الإلكترونيّة، والنّفايات الإلكترونيّة بشكل عامّ في الدّول المتقدّمة، ويقع أكبر المرافق لعمليّة تدوير بطّاريّات السّيّارات الإلكترونيّة في الصّين. ينجحون بمساعدة تقنيّات بدائيّة في إعادة تدوير النّفايات الإكترونيّة من استخراج ذهب، وفضّة، ونُحاس ومعادن أخرى. تتضمّن تقنيات إعادة التّدوير عمليّة الحرق والغسيل بالحامض، ما يؤدّي إلى انبعاث موادّ خطرة. كما يتعرّض العمّال في مراكز إعادة التّدوير بشكل مباشر للموادّ الخطرة أثناء العمل.
اِكتشف باحثون من سنغافورة أنّه يمكن استخراج المعادن المختلفة من بطّاريّات السّيّارات الكهربائيّة بوسائل بيولوجيّة صديقة للبيئة. اِستخدم الباحثون بكتيريا مثل Acidithiobacillus ferrooxidans, القادرة على أكسدة المعادن كجزء من عمليّة تبادل الموادّ لديها، وهكذا استخرجوا المعادنَ من البطّاريّاتِ دون الحاجةِ إلى درجاتِ حرارةٍ عاليةٍ أو موادّ كيميائيّة سامّة. تدعى هذه الطّريقة "التّنقيب الحيويّ" (biomining)، وتستخدم في المناجم من أجل استخراج معادن ثمينة من الصّخور.
تساعد المركبات التي تعمل بالبنزين في تلويث الهواء والاحتباس الحراريّ، ويبدو أنّ المستقبل يعود إلى السيّارات الكهربائيّة. سيّارة كهربائيّة أثناء شحن البطّاريّة | guteksk7, Shutterstock
إلى مستقبلٍ أخضرَ أكثر
يبلغ عدد السّيّارات في كلّ أنحاء العالم أكثر من 1.4 مليار سيّارة، ولا شكّ بوجودِ إسهامٍ كبيرٍ لها في ظاهرة الاحتباس الحراريّ. إنّ ازدياد عدد السّيّارات الكهربائيّة بشرى سارّة فعلًا، إذ أنّ إنتاج الكهرباء المطلوب لتشغيلها يؤدّي إلى انبعاث ملوّثات منخفضة مقارنةً بحرق البنزين. ومن المتوقّع في المستقبل أنّ هذه الانبعاثات ستكونُ منخفضةً أكثر بسبب التّطوّر التّكنولوجيّ في كلّ من مجال الطّاقة الخضراء والسّيّارات الكهربائيّة نفسها. لكن من أجل إبعاد المركبات الّتي تعمل بالبنزين عن الشّارع، يجب علينا، أوّلًا، أن نواجه تحدّيَينِ رئيسين: الأوّل، تصميم بطّاريّات تتطّلب كميّات أصغر من المعادن النّادرة والثّمينة، وخاصّةً المعادن الّتي تواجه عمليّة التّنقيب عنها الكثير من التّكاليف البيئيّة والاجتماعيّة الباهظة. أمّا التّحدّي الثّاني، فهو تحسين عمليّات إعادة تدوير البطّاريّات القديمة. عندما نتصدّى لهذه التّحدّيات بنجاح، سيكون للسّيّارات الكهربائيّة إسهامٌ حقيقيّ في عالمٍ أكثر خضرةً ونظافةً.