منذ فجر التّاريخ، مارس البشر العلاقات الجنسيّة، أنجبوا أطفالًا، وحاولوا الفصل بين هذين النّشاطين المهمّين. حول الواقي الذّكريّ، حبوب منع الحمل، ووسائل منع الحمل الأخرى، ومستقبل وسائل منع الحمل

تروي الأسطورة أنّ أوّل وسيلة لمنع الحمل تمّ إعدادها للملك مينوس - ملك كريت، قبل الميلاد بحوالي ثلاثة آلاف سنة. اِستخدم مينوس، الّذي احتوى سائله المنويّ على "الأفاعي والعقارب"، غشاء مثانة الماعز لوقاية زوجته من المنيّ الخطير.

تمّ توثيق محاولات مختلفة لمنع الحمل في كتابات مختلفة عبر التّاريخ. كانت صناعة الواقي الذّكريّ من "كلّ ما يقع في متناول اليد" موجودة بالفعل في الإمبراطوريّة الرّومانيّة، الصّين واليابان في القرن السّادس عشر. ومع ذلك، لم يتمّ تطوير الواقيات الذّكريّة الّتي نعرفها اليوم إلّا في القرن الثّامن عشر، عندما بدأت الطّبقة العليا في أوروبا في استخدام التّكنولوجيا الجديدة. أصبح الواقي الذّكريّ المصنوع من الجلد متاحًا وتمّ بيعه في الحانات، المسارح وصالونات الحلاقة. في عام 1855، تمّ طرح أوّل واقٍ ذكريّ مطّاطيّ في الأسواق، ولكن بسبب ميله للسّقوط وارتفاع سعره، ظلّ الواقي الذّكريّ الجلديّ أكثر شعبيّة. في عام 1920، طُوّرت الواقيات الذّكريّة المصنوعة من اللاتكس - وهو نوع من المطّاط المرن للغاية والخالي من الكبريت - واستبدلت الواقيات المصنوعة من الجلد في السّوق.

حتّى عندما أصبحت وسائل منع الحمل أكثر شيوعًا وأكثر قبولًا اجتماعيًّا، استمرّت التّقاليد المسيحيّة في استنكار جميع طرق منع الحمل بشدّة، وكانت يُعزى إلى مستخدميها سلوكيّات الاختلاطيّة الجنسيّة والزّنا، حتّى ثلاثينيّات القرن العشرين. فقط حتّى عام 1930، سمحت الكنيسة الإنجليكانيّة أوّل مرّة باستخدام وسائل منع الحمل بين المتزوّجين. ومن ناحية أخرى، وفقًا للكنيسة الكاثوليكيّة، يجب أن يتمّ الجماع لأغراض الإنجاب فقط، إذ يعتبر منع الحمل خطيئة.

على الرّغم من المعارضة الحازمة، أصبحت مواقف الكنيسة أقلّ أهمّيّة في ضوء الاتّجاهات الاجتماعيّة في سنوات السّتينيّات من القرن الماضي - التّحرّر الجنسيّ للشّباب، وفي الوقت نفسه ظهور الموجة النّسويّة الثّانية الّتي تحدّت قيود المرأة في المجال المنزليّ. يبدو أنّ هذه الأسباب مهّدت الطّريق لتطوّر التّكنولوجيا الّتي سوف تسمح للمرأة بالتّحكّم في الولادة.


 رسميًّا، لا تزال الكنيسة تستنكر بصرامة استخدام وسائل منع الحمل،  حتّى داخل الأسرة. عائلة  كاثوليكيّة لديها العديد من الأطفال في الولايات المتّحدة  عام 1959 | المصدر: The Library of Virginia @ Flickr Commons

الحبوب

مثل العديد من الاكتشافات العلميّة الأخرى، تمّ تطوير أوّل حبوب منع الحمل عن طريق الصّدفة. حاول كارل جيراسي (Carl Djerassi)، وهو كيميائيّ يهوديّ أمريكيّ، تطوير علاج لالتهاب المفاصل، ووجد طريقة لإنتاج هرمون البروجسترون بشكل مصطنع - وهو هرمون ذو أهمّيّة مركزيّة في الدّورة الشّهرية عند النّساء. بعد هذا الاكتشاف، غيّر جيراسي غرض بحثه، للمفارقة السّاخرة، إلى تطوير دواء لعلاج مشاكل الخصوبة. تمّت الموافقة بالفعل على استخدام الدّواء أوّل مرّة عام 1957. لم يبدأ استخدام الدّواء لمنع الحمل إلّا في وقت لاحق فقط بعد دراسات إضافيّة أجراها عالم الأحياء جريجوري بينكوس (Gregory G. Pincus) والطّبيب جون روك (John Rock). أصبحت هذه الدّراسات الإضافيّة ممكنة بفضل كفاح مارغريت سانجر (Margaret Sanger)، مؤسّسة حركة منع الحمل الأمريكيّة، وكاثرين ماكورميك (Catherine McCormack)، وهي عضو في عائلة أمريكيّة مرموقة وناشطة في مجال حقوق المرأة، والّتي موّلت الجزء الأكبر من هذه الدّراسات. كما عُرفت ماكورميك بجهودها الجريئة في تهريب آلاف العوازل المهبليّة (diaphragm) إلى الولايات المتّحدة، وهي وسيلة منع حمل سنذكرها لاحقًا، وقد تمّ منع استخدامها في تلك الفترة. ناضلت الاثنتان من أجل تعزيز حقوق المرأة، وتنظيم الأسرة، وتشريع وسائل منع الحمل، وقدّما لبينكوس المنح البحثيّة.

في سنوات السّتّينيّات أدّت هذه الجهود إلى تطوير حبوب منع الحمل. تشير تسميتها باللّغة الإنجليزيّة "الحبوب" (The Pill) - بأل التّعريف - إلى أنّ هذه ثورة حقيقيّة. في غضون عامين فقط من الموافقة على حبوب منع الحمل، تناولتها أكثر من مليون امرأة أمريكيّة. وفي بريطانيا، سُمح للنّساء المتزوّجات فقط باستخدام حبوب منع الحمل، ولكن تمّ رفع القيد في غضون ستّ سنوات، وبعدها وصلت حبوب منع الحمل إلى أيدي 3.5 مليون امرأة في سنّ الإنجاب. يوجد اليوم العشرات من الأنواع المختلفة لحبوب منع الحمل، والّتي تستخدمها حوالي 150 مليون امرأة حول العالم.

لم تؤدّ حبوب منع الحمل إلى الحرّيّة الجنسيّة فحسب، بل ساعدت النّساء أيضًا في التّأثير على مصيرهنّ أكثر من أيّ وقت مضى، فقد أصبح بإمكانهنّ تأجيل الزّواج وتكوين أسرة، حتّى إعطاء أولويّة للدّراسة في الجامعات، الّتي بدأ بعضها يفتح أبوابه للنّساء في ذلك الوقت. كلّ ذلك عزّز مكانة المرأة وقلّص أبعاد التّمييز بينها وبين الرّجل. يتّفق العديد على أنّ حبوب منع الحمل تمثّل معلمًا هامًّا في مسيرة النّضال من أجل المساواة بين الجنسين، ولكن كيف تعمل هذه الحبوب بالضّبط؟


لقد حدثت ثورة حقيقيّة  في مجال الصّحّة البدنيّة للمرأة ورفاهيّتها . علبة من حبوب منع الحمل| New Africa, Shutterstock

رقصة الهرمونات الغريبة

خلال سنوات الإنجاب لدى المرأة، يقوم جسمها كلّ شهر بإعداد نفسه لاحتمال حدوث حمل في عمليّة تسمّى الدّورة الشّهريّة. وكجزء منها، تنضج بويضة واحدة وتخرج من المبيض باتّجاه قناة فالوب، في انتظار الحيوانات المنويّة، ومن هناك تشقّ طريقها إلى الرّحم. إذا تمّ تخصيب البويضة، يتطوّر الجنين ويتجذّر في بطانة الرّحم. إذا لم تخصب البويضة، يتخلّص الرّحم من بطانة الرّحم الّتي تكوّنت استعدادًا للحمل ويفرزها خارج الجسم، بحيث يتبع ذلك عدّة أيّام من نزيف الحيض. كيف يعرف الجسم متى تخرج البويضة من المبيض؟ كيف يمنع إباضة إضافيّة؟ وكيف يعرف متى يجب تنظيف الرّحم وإزالة البقايا أثناء الحيض؟ الجواب عن كلّ هذه الأسئلة هو الهرمونات.

عندما تكون البويضات في المبيضين، يتمّ تغليفها في مجموعة من الخلايا تسمّى بصيلات المبيض أو جُريب المبيض (Ovarian follicle). في بداية الدّورة الشّهريّة، تقوم منطقة ما تحت المهاد - وهي منطقة في الدّماغ تعمل بمثابة "مركز تحكّم" لنشاط الجسم - بإرسال إشارات إلى الغدّة النّخاميّة لإفراز هرمون الإباضة، أو اسم آخر، الهرمون المنبّه للحوصلة (Follicle-stimulating hormone، باختصار FSH). يحفّز الهرمون نموّ عدّة بصيلات تحتوي على البويضات، وتفرز هذه البصيلات تركيزًا متزايدًا من هرمون الأستروجين. بمرور الوقت، تصبح إحدى البصيلات "رائدة" وتكون أكبر حجمًا، بحيث تفرز هرمون الأستروجين أكثر من غيرها، ممّا يؤدّي في النّهاية إلى قمع البصيلات الأخرى وتفكّكها.

يؤدّي ارتفاع مستوى هرمون الأستروجين إلى تحفيز الغدّة النّخاميّة مرّة أخرى، وفي هذه المرحلة تفرز هرمونًا آخر - هرمون ملوتن (Luteinizing hormone، باختصار LH)، الّذي يسبّب خروج البويضة من البويصلة والمبيض، في طريقها إلى قناة فالوب. يبدأ خروج البويضة من المبيض في عمليّة الإباضة - وهي مرحلة في الدّورة الشّهريّة  تكون البويضة فيها جاهزة للتّخصيب. يغيّر الهرمون اللّوتينيّ أيضًا وجهة الجُريب، الّذي لم يعد يحتوي على البويضة، ويحوّله إلى الجسم الأصفر، وهي مجموعة من الخلايا الّتي تفرز هرمون البروجسترون. يسبّب البروجسترون في زيادة سماكة بطانة الرّحم للسّماح لها باستقبال جنين محتمل، وله دور آخر، فهو والأستروجين معًا يمنعان الغدّة النّخاميّة من إفراز هرمونات إضافيّة، ممّا قد يسبّب إباضة أخرى.

إذا تمّ تخصيب البويضة، فإنّها ستواصل رحلتها وتجذّرها في جدار الرّحم. أمّا إذا لم يتمّ تخصيب البويضة في اليوم التّالي للإباضة، فإنّ مستويات هرمون الأستروجين والبروجستيرون تنخفض، وتذوب البويضة، وبعد حوالي أسبوعين يتمّ إخراجها مع نزيف الدّورة الشّهريّة. بعد ذلك، تبدأ عمليّة الإباضة بأكملها مرّة أخرى.


الدّورة الشّهريّة. أعلاه: تغيّرات في المبيض، أدناه: حالة بطانة الرّحم. في المنتصف رسم بيانيّ يوضّح مستويات الهرمونات المعنيّة: LH باللّون الأصفر، FSH باللّون الأحمر، الإستروجين باللّون الأخضر، البروجسترون باللّون الأزرق | المصدر: Jacopin / Bsip / Science Photo Library

وسائل منع الحمل الهرمونيّة

تتضمّن عمليّتي نضوج البويضة والتّخصيب العديد من الهرمونات، وأيّ اضطراب فيها يمكن أن يمنع الحمل. بناءً على ذلك، طُوّرَت وسائل منع الحمل الهرمونيّة: حبوب منع الحمل، اللّصقات، غرسات تحت جلديّة (Contraceptive implant)، واللّولب الرّحميّ (intrauterine device). تحتوي الحبوب واللّصقات على جرعة ومشتقّات من هرموني الأستروجين والبروجستيرون، والّتي تعمل معًا على تثبيط إفراز الهرمونات الأخرى، ومنع الإباضة. تعمل الغرسة تحت الجلديّة والجهاز الهرمونيّ على إفراز هرمون البروجسترون، الّذي يزيد من سماكة بطانة الرّحم، وبالتّالي يصعب على الخلايا المنويّة التّحرّك نحو البويضة في قناة فالوب.

تسهم وسائل منع الحمل الهرمونيّة في منع تحقيق الحمل بشكل فعّال، ولكن لها أيضًا تداعيات سلبيّة: يصحب استخدامها آثار جانبية (عوارض)، بما في ذلك التّأثير على الحالة المزاجيّة، كما أنّها لا تمنع انتقال الأمراض المنقولة جنسيًّا (sexually transmitted disease، بختصار STD)، والّتي يمكن أن تمنعها وسائل منع الحمل الأخرى. إضافة إلى ذلك، تعتبر هذه الأدوية غير مناسبة للنّساء المعرّضات لخطر الإصابة بسرطان الثّدي الهرمونيّ أو اللّاتي أُصبن به في الماضي. يتطوّر هذا النّوع من السّرطان نتيجة التّواجد المفرط للمستقبلات الموجودة على سطح الخلايا في أنسجة الثّدي. تنشط هذه المستقبلات عن طريق الهرمونات، معظمها عن طريق هرمون الأستروجين والبعض الآخر عن طريق هرمون البروجسترون أو البرولاكتين  المسؤول عن إنتاج الحليب في الثّدي بعد الولادة. لذلك، إنّ استهلاك هذه الهرمونات بكمّيّة متزايدة  قد يزيد، بين النّساء في الفئات المعرّضة للخطر، من خطر الإصابة بسرطان الثّدي الهرمونيّ.

توجد كذلك وسائل منع حمل تحتوي على هرمون البروجسترون فقط، وعادةً ما تستخدمها النّساء اللّاتي لا يستطعن الحصول على هرمون الأستروجين. يزيد الأستروجين من تخثّر الدّم، وبالتّالي فهو غير مناسب للنّساء المصابات بأمراض القلب أو فرط تخثّر الدّم أو الصّداع النّصفيّ المصحوب بهالة. قد تضرّ الحبوب الّتي تحتوي على هرمون الأستروجين بإدرار الحليب لدى النّساء المرضعات، لذلك من الشّائع تقديم العلاج لهنّ بأقراص تحتوي على هرمون البروجسترون فقط.

هناك أيضًا فوائد صحّيّة لاستخدام وسائل منع الحمل الهرمونيّة : تساعد الحبوب في تنظيم مستويات هرمون الأستروجين في الجسم، وبالتّالي قد تمنع تطوّر سرطان المبيض وسرطان بطانة الرّحم لدى النّساء المصابات بتكيّس المبايض (Polycystic ovary syndrome، باختصار PCOS)، حيث لا يتمّ التّحكّم في مستويات هرمون الأستروجين لديهنّ. قد يسهم استخدام حبوب منع الحمل في منع تكوّن أكياس المبيض والأورام الحميدة في الثّدي، كما يقلّل من الشّعرانيّة (Hirsutism) وحبوب الشّباب. أدّت هذه الفوائد إلى قيام عدد كبير من النّساء إلى تناول حبوب منع الحمل ليس فقط لمنع الحمل، بل كذلك لعلاج الحالات الصّحّيّة الأخرى.

تحتوي حبوب "اليوم التّالي"  (Levonorgestrel) المعروفة بالإنجليزيّة باسم  The morning-after pill على هرمون البروجسترون الاصطناعيّ بجرعة أعلى من تلك الّتي تحتوي عليها حبوب منع الحمل. يؤخّر هرمون البروجسترون خروج البويضة من المبيض، لذا، إذا تمّت علاقة جنسيّة في الأيّام القريبة من الإباضة، فإنّ الإباضة في الواقع تتأجّل وتقلّ فرصة الإخصاب بشكل كبير. ولكن إذا حدثت الإباضة أوالإخصاب بالفعل، فإنّ هذه الحبوب لن تكون فعّالة في منع الحمل. بل قد يكون لها أيضًا آثار جانبيّة غير سارّة، مثل النّزيف بين فترات الدّورة الشّهريّة والغثيان وآلام البطن.


الدّورة الشّهريّة مدّتها 28 يومًا، ويعتبر اليوم الأوّل من نزول دم الحيض هو اليوم الأوّل من الدّورة. تبدأ الإباضة في اليوم الرّابع عشر في مركز الرّحم والمبيض | Igdeeva Alena, Shutterstock

وسائل طبيعيّة لمنع الحمل

تختار العديد من النّساء اليوم تجنّب استخدام الهرمونات ويفضّلن اعتماد التّوجّه الطّبيعيّ. تعتمد طرق منع الحمل الطّبيعيّة مثل "الأيّام الآمنة" أو "التّوعية بالخصوبة" على معرفة المرأة بدورتها الشّهريّة، والّتي تختلف مدّتها من امرأة إلى أخرى.

تمثّل طريقة "الأيّام الآمنة" إشكاليّة، لأنّها تستند على افتراض أنّ الدّورة الشّهريّة تستمرّ 28 يومًا بالضّبط، وأنّ الإباضة تحدث بعد حوالي أسبوعين من الحيض. أي أنّ من يستخدم هذه الطّريقة يفترض أنّ المرحلة الّتي تسبق الإباضة، المرحلة الجُريبيّة (Follicular phase)، تستمرّ 14 يومًا بالضّبط، وكذلك المرحلة الأصفريّة (Luteal phase) بعد الإباضة. من النّاحية العلميّة، يختلف طول المرحلة الجُريبيّة ويتأثّر بالعديد من العوامل، بما في ذلك العمر، الوزن، جودة النّوم، التّوتّر والقلق، حتّى الأصل العرقيّ (الإثنيّ).

من ناحية أخرى، تعتمد طريقة "التّوعية بالخصوبة" على قياس درجة حرارة الجسم الأساسيّة (Basal body temperature) يوميًّا - وهي درجة حرارة الجسم في حالة الرّاحة والاسترخاء. قبل ساعات قليلة من الإباضة، يؤدّي ارتفاع مستوى هرمون البروجسترون وسماكة بطانة الرّحم إلى زيادة درجة حرارة الجسم الأساسيّة لدى المرأة بمقدار 0.3-0.5 درجة، لذلك يمكن الاستناد على هذه الطّريقة كمؤشّر للكشف عن موعد حدوث الإباضة. في الواقع، تكون درجة الحرارة الأساسية في الطّور الجريبيّ أقلّ بمقدار 0.3-0.5 درجة من تلك الموجودة في الطّور الأصفريّ. من المثير للاهتمام أنّ ارتفاع مستوى هرمون البروجسترون أثناء الحمل يعني أيضًا أنّ درجة حرارة الجسم الأساسيّة تظلّ أعلى من المعتاد.

عند استخدامها بشكل صحيح، تكون كفاءة الطّريقة عالية جدًّا، ولكن فقط عندما يتمّ قياس الحرارة بدقّة. تتأثّر درجة حرارة الجسم بعوامل لا علاقة لها بالدّورة الشّهريّة، مثل المرض، التّوتّر وجودة النّوم، لذا يجب تسجيل درجة حرارة الجسم الأساسيّة يوميًّا فقط عند الرّاحة الكاملة - على سبيل المثال، عند الاستيقاظ - وباستخدام جهاز قياس دقيق بشكل كافٍ لاكتشاف التّغيّرات الصّغيرة، حتّى مستوى خطأ يصل إلى 0.01 درجة.


قد تشير الزّيادة الطّفيفة  في درجة حرارة الجسم الثّابتة  في الصّباح  الباكر إلى الإباضة.  متابعة حرارة الجسم الأساسيّة   | Manuel Findeis, Shutterstock

وسائل إضافيّة لمنع الحمل

هناك وسائل منع حمل عازلة، والّتي تمنع الالتقاء بين الحيوان المنويّ والبويضة، ومنها الّتي تضرّ بالحيوان المنويّ، مثل مبيد الحيوانات المنويّة. بالإضافة إلى الواقي الذّكريّ هناك أيضًا عازل أنثويّ، وهي عبارة عن أداة على شكل قبّة مصنوعة من السّيليكون يتمّ إدخالها في مهبل المرأة قبل القيام بعمليّة جنسيّة بحيث تغطّي عنق الرّحم. كذلك هناك جهاز داخل الرّحم غير هرمونيّ يفرز النّحاس،  آليّة عمله غير معروفة تمامًا، لكن من المفترض أنّ النّحاس يسبّب تفاعلًا التهابيًّا يضرّ بكفاءة الحيوانات المنويّة وحركتها، وقدرتها على الوصول إلى البويضة أو اختراقها.

إضافة لذلك، هناك أيضًا إجراءات لمنع الحمل بشكل دائم، مثل قطع القناة المنويّة (Vasectomy)، أو ربط قناتي فالوب، أو سدّ قناتي فالوب دون جراحة باستخدام اللّولب المعدنيّ (Essure)، الّذي يعزّز تكوين الأنسجة داخلها ويسدّ القنوات الّتي تمرّ البويضة من خلالها إلى الرّحم. يخضع اللّولب حاليًّا للمراجعة من قبل إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة (FDA) بعد الإبلاغ عن العديد من الآثار الجانبيّة (عوارض)، بما في ذلك الألم المستمرّ، ثقب الرّحم (Uterine perforation)، النّزيف غير الاعتياديّ والحساسيّات.


يطلق النّحاس وربّما يؤدّي إلى تفاعل التهابيّ يدمّر خلايا الحيوانات المنويّة. اللّولب الرّحميّ | New Africa

تطوير وسائل منع الحمل للرّجال

مرّ أكثر من ستّة عقود منذ تطوير حبوب منع الحمل، وحتّى يومنا هذا لا تعتبر مثاليّة، فقد تسبّب العديد من الآثار الجانبيّة. أمّا للرّجال، فإنّ الواقي الذّكريّ هو الطّريقة الوحيدة لمنع الحمل اليوم، وبصرف النّظر عن الإجراء الجراحيّ، لم يتطوّر هذا المجال على الإطلاق في المائة عام الماضية. في الآونة الأخيرة، بدأ تطوير عدّة أنواع من وسائل منع الحمل، لكلّ من النّساء والرّجال.

يتمّ إنشاء الهرمونات الجنسيّة الذّكريّة في آليّة مشابهة لتلك الموصوفة سابقًا: تفرز منطقة ما تحت المهاد الهرمون لتحرير الغدد التّناسليّة (GnRH)، والّذي يسبّب في قيام الغدة النّخاميّة بإفراز هرموني FSH وَ LH. بينما يسبّب هذان الهرمونان في إفراز هرمون الأستروجين والبروجسترون من المبيضين عند النّساء، فإنّهما يسبّبان في إفراز هرمون التستوستيرون من الخصيتين عند الرّجال. تحتوي موانع الحمل الهرمونيّة للرّجال على الأنروجينات، وهي مجموعة من الهرمونات وأهمّها هرمون التستوستيرون. على غرار هرمون الأستروجين والبروجسترون اللّذين يستند إفرازهما في الجسم على نظام الارتجاع السلبيّ، يُفرز التوستيستريون أيضًا بنفس الطّريقة. يوقف التستوستيرون نشاط منطقة ما تحت المهاد والغدّة النّخاميّة وبالتّالي يمنع إنتاج هرموني FSH وَ LH، ممّا يقلّل من إنتاج هرمون التوستيستيرون في الخصيتين، وبالتّالي تتضرّر عمليّة إنتاج الحيوانات المنويّة. أظهرت الدّراسات الّتي اختبرت مدى سلامة استخدام هذه المادّة أنّه عند التّوقّف عن الاستخدام تعود العمليّة إلى طبيعتها، ولا يوجد أيّ ضرر على إنتاج الحيوانات المنويّة. المشكلة هي أنّ هناك حاجة إلى جرعات عالية من هرمون التيستوستيرون، كما أنّ فعاليّته في منع الحمل ليست عالية بما فيه الكفاية. تعمل إضافة البروجسترون على تحسين نشاط هرمون التوستيستيرون في تثبيط إنتاج الحيوانات المنويّة. وسائل منع الحمل الهرمونيّة للرّجال الّتي تجمع بين هرمون التوستيستيرون والبروجسترون، في شكل هلام (جِل) يتمّ دهنه على الجلد بشكل يوميّ، هي بالفعل ضمن تجارب سريريّة، ويبدو أنّه ليس لها أيّة آثار جانبيّة خطيرة، إذ إنّ التّأثير الجانبيّ الأكثر شيوعًا هو ظهور حبّ الشّباب لدى ربع من المشتركين في البحث.

التّطوّر الإضافيّ الّذي تمّت دراسته حاليًّا هو جزيئات صغيرة تلتصق بخلايا الحيوانات المنويّة وتتداخل مع نضوجها. وبما أنّ هدف هذه الجزيئات ليس الهرمونات، بل هدف محدّد موجود فقط في الجهاز التّناسليّ، فإنّه من المحتمل أن يقلّل استعمالها بشكل كبير من الآثار الجانبيّة.


وسيلة منع الحمل القديمة للرّجال إلى جانب العلاج الدّوائيّ المحتمل في المستقبل. الواقي الذّكريّ في غلاف وحبوب منه الحمل للرّجال | TanyaJoy, Shutterstock

مستقبل منع الحمل

تمّ طرح طريقة إضافيّة لمنع الحمل وهي استخدام جهاز المناعة لدى المرأة. وُلدت الفكرة بعد العثور على أجسام مضادّة في دم العديد من الأشخاص المصابين بالعقم - رجال ونساء - تتعرّف إلى الخلايا المنويّة وتهاجمها. أظهرت التّجارب على الحيوانات أنّ الحيوانات المنويّة يمكن أن تسبّب استجابة مناعيّة تسبّب العقم. تمّت دراسة هذا الموضوع منذ ثمانينيّات القرن الماضي، ولكن إذا تمّ تطوير وسيلة منع الحمل هذه، فسوف يتمّ إعطاؤها بطريقة مشابهة للّقاح، حيث تكون الاستجابة له مختلفة لدى كلّ امرأة، ولن تكون بالضّرورة كلّ امرأة تلقّت اللّقاح محميّة من الحمل. لذلك، تمّ مؤخّرًا تطوير جسم مضادّ معدّل وراثيًّا يتمّ إدخاله في المهبل حيث يتعرّف هناك إلى خلايا الحيوانات المنويّة البشريّة. يجري الآن فحصه في التّجارب السّريريّة. وفي تجربة سريريّة أولى، شارك فيها عدد محدود من الأشخاص، تبيّن أنّ العلاج آمن للاستخدام وفعّال في منع الحمل.

تركّز دراسات أخرى على وسائل منع الحمل الّتي تمنع الحمل، وتحمي من انتقال الأمراض المنقولة جنسيًّا. يعتبر الواقي الذّكريّ المنتج الوحيد المتاح اليوم الّذي يمنع أيضًا، إلى حدّ ما، انتقال الأمراض المنقولة جنسيًّا. يتمّ الآن التّحقيق في وسائل منع الحمل للنّساء بحثًا عن أدوية تشمل تقنيّات الوقاية متعدّدة الأغراض (Multipurpose Prevention Technologies، باختصار MPTs) الّتي تمنع كذلك الإصابة بالفيروسات الّتي تسبّب أمراضًا مثل الإيدز والهربس، لكن لم يتمّ العثور على أيّ دواء فعّال بدرجة كافية يمكن الاعتماد عليها.

سواء اخترتم وسيلة منع حمل مبتكرة أو اخترتم وسيلة قديمة، فمن المهمّ الأخذ بعين الاعتبار ليس فقط الحالة الصّحّيّة للشّخص، بل أيضًا خلفيّته الاجتماعيّة والثّقافيّة. كلّ ما تبقّى هو أن نأمل أن تكون هناك وسيلة مناسبة وغير مقيّدة للغاية لمنع الحمل لكلّ من يريدها، إلّا إذا كنتم تفضّلون النّهج الكاثوليكيّ على الإطلاق.

 

0 تعليقات