بعد سنوات طويلة من التطوير، ينطلق أخيرًا المقراب (التيليسكوب) الفضائيّ جيمس ويب، والّذي من المُفترَض أنْ يزوّدنا بمشاهدات مذهلة ويقدّم إجابات عن العديد من الأسئلة المثيرة، ابتداءً من تكوُّن المجرّات الأولى ولغاية صلاحيّة الكواكب للحياة.

حتّى قبيل إطلاقه إلى الفضاء، كان المقراب جيمس ويب قد حطّم العديد من الأرقام القياسيّة: هذه مهمّة فضائيّة كما يبدو تخطيطها الأطول عبر التّاريخ - لقد مرّ ما لا يقلّ عن 25 عامًا من لحظة رسْم المقراب على طاولات تخطيط المهندسين وحتّى موعد إطلاقه. إنّها أيضًا واحدة من أغلى المهمّات الفضائيّة في التّاريخ، وبالتّأكيد أغلى مقراب  فضائيّ على الإطلاق، بتكلفة تزيد عن عشرة مليارات دولار - معظمها من جيوب دافعي الضّرائب في الولايات المتّحدة الأمريكيّة - وذلك ليس فقط كون مرآته مطليّة بالذّهب؛ بل إنّه أيضًا أكبر مقراب فضائيّ، وأكبر المركبات الفضائيّة غير المأهولة الّتي تمّ إطلاقها على الإطلاق. تأمل وكالة الفضاء الأمريكيّة، وكذلك الوكالات الأخرى المشاركة في المشروع، أن يؤتي الاستثمار الضخم أُكلَه بالفعل، محمّلًا بنتائج علميّة لم يستطع توفيرها أيّ مقراب فضائيّ قبل جيمس ويب.

טלסקופ ג'יימס וב על רקע שלל גרמי שמיים ותופעות קוסמיות | איור: ESA, NASA, S. Beckwith (STScI) and the HUDF Team, Northrop Grumman Aerospace Systems / STScI / ATG medialab
الجيل القادم للسفر بين الكواكب. مقراب جيمس ويب على خلفيّة مجموعة متنوّعة من الأجرام السماويّة والظواهر الكونيّة | رسم توضيحيّ: ESA و NASA و S. Beckwith (STScI) HUDF ، Northrop Grumman Aerospace Systems / STScI / ATG medialab
 

نظرة للوراء 

جيمس ويب هو مقراب بصريّ، مُصمَّم لالتقاط أشعّة الضوء المرئيّة، خاصّة الحمراء ذات الموجات الطويلة،على سبيل المثال، الأشعّة تحت الحمراء. وسوف يلتقط الضوء بواسطة مرآة عملاقة يبلغ قطرها 6.5 أمتار، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف مرآة مقراب "هَابل" الفضائيّ.

إنَّ الدّمج بين حجم المرآة والمشاهدات في هذه الأطوال الموجيّة سيمكّننا من المراقبة بشكلٍ أعمق بواسطة هذا المقراب إلى داخل الكون القديم، في محاولة لفهم كيفيّة تكوّن المجرّات الأولى. وفقًا للنظريّات المُتعارف عليها، بدأت المجرّات في التكوّن، فقط بعد بضع مئات ملايين السنين من حدوث الانفجار العظيم، وذلك على الرّغم من أنَّ الموضوع مثير للجدل وهناك دراسات تشير إلى احتمال حدوثه قبل ذلك بكثير.

مع تمدّد الكون، كلّما ابتعدنا عن المجرّة الّتي نراها، فهذا يعني أنّها أقدم أيضًا. على سبيل المثال، إذا رأينا مجرّة ​​على بعد 12 مليار سنة ضوئيّة، فهذا يعني أنَّ ضوءها استغرق مدّة 12 مليار سنة للوصول إلينا، وهي تظهر لنا كما ظهرت في حينه، عندما كان عمر الكون أقلّ من مليارَي سنة. بالطبع كلّما كانت المجرّة بعيدة عنّا أكثر، يقلّ الضّوء الواصل منها إلينا. بناءً على هذه الحقيقة؛ تتجلّى أمامنا ميزة المرآة الضّخمة للمقراب الجديد، الّتي تلتقط ضوءًا أكثر من المرايا الصغيرة، وبالتّالي تسمح لنا برؤية الأجسام البعيدة جدًّا من خلالها.

 

تطوّر المجرّات: العلم من وراء مقراب جيمس ويب (علم مقراب جيمس ويب الفضائيّ) (باللغة الإنجليزيّة):

 

بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لأنَّ الكون يتمدّد بوتيرة متسارعة؛ فإنّنا نبتعد عن المجرّات البعيدة  بوتيرة أسرع مقارنةً بسرعة التّباعد بيننا وبين المجرّات الأقرب. تدفع الوتيرة المتسارعة ضوء المجرّات البعيدة إلى "الانزياح نحو الأحمر" - ممّا يعني أنّه سيكون أقرب إلى الأطوال الموجيّة الحمراء.

لذلك، فإنّ المقراب ذا الحساسيّة الخاصّة للأضواء في هذا النطاق للتردّدات سيسمح لنا بمشاهدة أفضل لتلك المجرّات القديمة الموجودة في أواخر الكون. يأمل الباحثون أن يُمكّننا هذا الدمج بين المرآة الكبيرة والأجهزة الحسّاسة بشكلٍ خاصّ للضوء الأحمر بإعادة كتابة كتب تاريخ الكون بمساعدة مقراب جيمس ويب، وفهم كيفيّة تكوّن المجرّات الأولى بشكلٍ أفضل.

התפשטות היקום גורמת להתארכות אורכי הגל לכיוון האור האדום, ואפשר להדגים את זה עם מתיחת סרט אלסטי | מקור: NASA/JPL-Caltech
يؤدّي تمدّد الكون إلى إطالة الأطوال الموجيّة نحو الضوء الأحمر، ويمكن تجسيد ذلك من خلال مدّ شريط مرن | المصدر: NASA / JPL-Caltech
 

ولادة نجم

قد يساعدنا المقراب الجديد في حلّ لغز كونيّ آخر حول كيفيّة "ولادة" النّجوم. نحن نعلم أنّها تتكوّن من خلال سُحُب من الغاز والغبار، عندما تُركِّز الجاذبيّة ما يكفي من الموادّ في مكانٍ واحد - لكنّ تلك الغازات والغبار، الّتي لا يمكن اختراقها بشكل خاصّ بواسطة الضوء المرئيّ، تخفي عنّا تفاصيل سير العمليّة. ومع ذلك، أثناء تكوّن النّجوم، تنبعث حرارة على شكل أشعّة تحت حمراء، ويتوقّع الباحثون أن تساعد المشاهدات بهذه الأطوال الموجيّة في الكشف عمّا يحدث داخل السُّحُب الغازيّة، وفهم كيفيّة تكوُّن أنواع مختلفة من النجوم، بشكلٍ أفضل.

بعد تكوُّن النّجم، تتكوّن أحيانًا حوله كواكب سيّارة أيضًا. هذه الآليّة أيضًا ليست مفهومة بشكلٍ كامل، وقد تُلقي المشاهدات القادمة من مقراب جيمس ويب ضوءًا جديدًا عليها. يأمل الباحثون أنّ هذه المشاهدات لا تساعد فقط على فهم كيفيّة تكوُّن الكواكب نفسها، وإنّما أيضًا على كيفيّة تكوُّن الغلاف الجويّ حول بعض الكواكب، ولماذا يحدث هذا تحديدًا في كواكب معيّنة وليس في كواكب أخرى. 

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ قدرة جيمس ويب على مراقبة الأنظمة الشمسيّة البعيدة بتكبير غير مسبوق ستمكّن العلماء من بحث الموادّ المكوّنة لهذه الأغلفة الجويّة، وذلك بواسطة تحليل معطيات امتصاص الضوء الخاصّة بها. سيمكّننا ذلك من فهم كيفيّة تكوُّن الأغلفة الجويّة وتطوّرها، بشكلٍ أفضل، وأكثر من ذلك، تركيز عمليّة البحث عن علامات الحياة في أنحاء مجرّتنا.

سيسمح التكبير الهائل للمقراب أيضًا بإلقاء نظرة ثاقبة على أماكن معيّنة في نظامنا الشمسيّ، بدءًا من إكمال العديد من المشاهدات على المرّيخ وفحص غلافه الجويّ من زاوية جديدة، مرورًا باستكشاف كواكب بعيدة أكثر، وصولًا إلى مراقبة دقيقة للأجسام الأصغر مثل المذنّبات والكويكبات.

טלסקופ וב אמור לראות דרך ענני הגז, שנראים כאן בצילום של טלסקופ האבל | מקור: NASA, ESA, and The Hubble Heritage Team (STScI/AURA
في مجرّة ​​M82، وتيرة تكوُّن النجوم أعلى بعشر مرّات من وتيرة تكوُّن النجوم في بقيّة الكون. من المُفترَض أن "يرى" المقراب ويب عبر السُّحُب الغازيّة، الّتي تظهر هنا في الصورة الصادرة عن المقراب هَابل | المصدر: NASA, ESA, and The Hubble Heritage Team (STScI/AURA
 

مركب شراعيّ بحجم ملعب تنس

جيمس ويب هو مقراب بصريّ، لكن على عكس المقرابات المعروفة لدينا، فإنّ مراياه ليست مُغلقة داخل أنبوب. إنّه مصمّم كالمقراب الراديويّ، وتعمل المرآة الكبيرة كطبق قمر صناعيّ، بحيث تركّز الضوء الواصل إليها. تتكوّن المرآة من 18 مرآة سداسيّة، قطر كلّ واحدة منها 1.32 متر، مرتّبة في دائرتين: ستّ مرايا حول مركز المرآة، و 12 مرآة أخرى حولها. تشكّل معًا مرآة مقعّرة قليلاً، قطرها 6.5 أمتارٍ.

المرايا مصنوعة من البيريليوم، مطليّة بطبقة رقيقة جدًا من الذهب، لا يتجاوز سمكها 100 نانومتر فقط، أيّ 0.0001 ميليمتر. إنّها رقيقة جدًا لدرجة أنّه حتّى فوق مساحة المرآة بأكملها، والّتي تزيد عن 25 مترًا مربّعًا، فإنّها مُغطّاة بأقلّ من 50 غرامًا من الذهب. سبب استخدام هذا الطلاء الفخم، هو أنَّ الذهب يعكس الضّوء بشكلٍ ممتاز في نطاق اللون الأحمر وتحت الأحمر - وهذا أيضًا سبب رؤيتنا له بتدرّج الألوان، الأصفر - البرتقاليّ - الضّارب للحمرة.

يتركّز الضّوء من هذه المرآة في مرآة مقعّرة أصغر، قطرها 74 سم، والمُثبَّتة على بعد حوالي سبعة أمتار مقابل المرآة الكبيرة. وهي بدورها تُعيد الضوء المُركَّز إلى أجهزة المقراب البصريّة الأربعة، والّتي تشمل الكاميرات والمطاييف (جمع المطياف) للأطوال الموجيّة المختلفة، عبر الفتحة الموجودة في وسط المرآة الكبيرة.

התקנת המראה הראשית של טלסקופ ג'יימס וב | צילום: NASA Goddard Space Flight Center
طلاء ذهبيّ بسُمك 1/10,000 ميليمتر.. تركيب مرآة مقراب جيمس ويب الرئيسيّة | الصورة: NASA Goddard Space Flight Center
 

نظرًا لأنَّ الضوء الأحمر وتحت الأحمر هما أقلّ الأشعّة نشاطًا في نطاق الضوء المرئيّ والقريب منه، فإنّه كي يعمل النظام البصريّ للمقراب على النحو الأمثل، دون تشويشات من مصادر الأشعّة الأخرى؛ يجب أنّ يكون باردًا جدًّا: أقلّ من 50 درجة كلفن Kelvin، أي لا يزيد عن 223 درجة مئويّة تحت الصفر. في الفضاء السحيق، لا توجد مشكلة في الوصول إلى درجة حرارة كهذه، ولكن ليس في مكان تضيئه الشمس. لذلك فإنّ المقراب مفتوح وغير مُعبّأ داخل غلاف قد يحتفظ ببعض الحرارة، مثل المقرابات الفضائيّة الأخرى. كما أنّه، تمّ بناؤه بحيث يفصل بين الأجهزة البصريّة والشمس درع حراريّ على شكل طائرة ورقيّة، يبلغ طوله حوالي 22 مترًا وعرضه حوالي 14 مترًا، أي أنَّ مساحته مماثلة لمساحة ملعب تنس.

يتكوّن الدّرع الحراريّ من خمس طبقات رقيقة من مادّة بوليمريّة تُسمّى كابتون Kapton، تتميّز بقدرتها على العزل الحراريّ، وهي مطليّة بطبقة رقيقة من الألومنيوم والسيليكون. يتمّ تثبيت الطبقات في مكانها باستخدام دبابيس معدنيّة على بعد بضع سنتيمترات عن بعضها البعض، بحيث يضمن هذا الترتيب ارتداد حرارة الشمس منها وتوزيعها على الجوانب.

وهكذا، في حين أنَّ جانب الدرع الحراريّ المواجه للشمس قد تصل درجات حرارته إلى 120 درجة أو أكثر، فإنّ درجة حرارة الجانب الآخر تصل إلى حوالي 237 درجة مئوية تحت الصفر، ممّا يمكّن الأنظمة البصريّة من العمل على النحو الأمثل. ميزة الحفاظ على البرودة هي أيضًا سبب جعل المقراب مفتوحًا نحو الفضاء، وعدم تثبيته في نظام مغلق.

يشتمل النظام بأكمله، والّذي يبدو أشبه بسفينة شراعيّة غريبة، أكثر من كونه مقرابًا فضائيًّا متطوّرًا، على ألواح شمسيّة لتوليد الكهرباء اللازمة لأنظمة المقراب، وأيضًا يشتمل على نظام تثبيت يضمن بقاء الدرع الحراريّ مواجهًا للشمس بواسطة نظام ملاحة لمسح السماء، ونظام توجيه ّيمكِّن توجيه المقراب إلى أهدافه المُحدّدة، وذلك بمساعدة عجلات متحرّكة ومِدوار (Gyroscope)، وبالطّبع نظام اتّصال يمكن من خلاله تشغيل المقراب من الأرض والحصول على الصور الّتي التقطها.


أكبر مركبة فضائيّة غير مأهولة. عمّال في مشروع المقراب على خلفيّة نموذج للمقراب جيمس ويب بالحجم الواقعيّ، في مركز جودارد التّابع لوكالة ناسا | الصورة: NASA/Goddard Space Flight Center/Pat Izzo

 

بمساعدة نقطة لاغرانج L

جيمس ويب هو مقراب فضائيّ ضخم في حجمه. للمقارنة، يبلغ قطر مرآة مقراب "هابل" الفضائيّ العملاق 2.4 متر فقط، مقارنة بـ 6.5 أمتار في مقراب "جيمس ويب" - أكبر بثلاثة أضعاف تقريبًا.  يخلق هذا الحجم تحدّيات غير بسيطة عند الإطلاق: يدخل مقراب "هابل" بالكامل إلى المكّوك الفضائيّ الّذي يضعه في مداره، لكنّ هذا مستحيل مع جيمس ويب، لأنّ المكّوكات لم تعد نشطة، والمقراب كبير جدًّا على أيّ حال.  

لذلك يتوجّب إطلاقه بواسطة صاروخ كبير تستخدمه وكالة الفضاء الأوروبيّة. لتعبئة المقراب داخل صاروخ أريان 5 (Ariane-5) طوى المهندسون جزءًا من المرآة الكبيرة إلى الخلف، كما يتمّ طيّ الجناحين. تمّ طيّ الدرع الحراريّ بما لا يقلّ عن 12 مرّة، مثل الأوريغامي (فنّ طيّ الورق)، وتمّ أيضًا طيّ الأذرع الّتي تحمل المرآة الصغيرة المقابلة للمرآة الكبيرة. تمّ تصميم نظام كامل من المحرّكات، الزنبركات والتقانة الناريّة للتأكّد من أن ينطلق وينفتح المقراب كما هو مُخطّط له عندما يصل إلى وجهته.

نجح مقراب "هابل" الفضائيّ في العمل حوالي ثلاثين عامًا، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًّا إلى حقيقة أنّه يدور حول الأرض على ارتفاع حوالي 550 كيلومترًا. سمح ذلك لوكالة ناسا بإطلاق أربع بعثات خدماتيّة، والّتي قامت بالعديد من الإصلاحات والتحسينات على مرّ السنين. في حالة مقراب جيمس ويب، لن تتمكّن ناسا حتّى في أحلامها بأن تقوم بمثل هذه البعثات. 

ليس فقط أنّه لم تعد (ناسا) تملك مكّوكات فضائيّة مناسبة للإمساك بالأقمار الصناعيّة في الفضاء والّتي قد تمكّن روّاد الفضاء من العمل عليها لعدّة أيام، إنّما أيضًا، سيتمركز المقراب جيمس ويب بعيدًا، في نقطة لم يصل إليها البشر بعد.

تمّ تصميم المقراب الفضائيّ الجديد للعمل من نقطة L2، واحدة من خمس نقاط لاغرانج (Lagrange points)، الّتي فيها تلغي جاذبيّة الجسمَيْن - في هذه الحالة الأرض والشمس - بعضهما البعض. تقع نقطة L2 على جانب الأرض المقابل للشمس، على بعد حوالي 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، أي أربعة أضعاف البعد عن القمر.

إيجابيّة هذا الموقع هي أنَّ الجسم الموجود في نقطة لاغرانج لا يحتاج إلى استثمار أيّة طاقة تقريبًا للحفاظ على مساره. سيكون المقراب في الواقع في مدار صغير حول النقطة نفسها، وعمليًّا يدخل في مدار حول الشمس، حيث تكون الأرض دائمًا بينه وبينها. وهي أيضًا أبعد نقطة لاغرانج عن الشمس، وبالتّالي فهي الأبرد، ولكن لا يزال لديها ما يكفي من ضوء الشمس لتوليد الكهرباء اللازمة لتشغيل المقراب. سينضمّ مقراب جيمس ويب إلى العديد من المقرابات الفضائيّة الّتي دارت حول نقطة L2، بما في ذلك مقراب "غايا" الأوروبيّ، الّذي لا يزال نشطًا ويقوم بمسح فلكيّ لمجرّة درب التبّانة.

 מיליון וחצי קילומטר מכדור הארץ: המסלול של טלסקופ ג'יימס וב סביב נקודת L2 (האיור אינו בקנה מידה: המרחק בין השמש לארץ גדול פי 100 מהמרחק בין הארץ ל-L2) | איור: NASA
مليون ونصف كيلومتر من الأرض: مدار مقراب جيمس ويب حول نقطة L2 (الرسم التوضيحيّ لا يعكس المقاييس الحقيقيّة: المسافة بين الشمس والأرض أكبر 100 مرّة من المسافة بين الأرض و نقطة L2) | رسم توضيحيّ: وكالة ناسا
 

استثمار واسع

رسميًّا، يُعَدّ مقراب جيمس ويب تعاونًا بين وكالات الفضاء الأمريكيّة، الاتّحاد الأوروبيّ وكندا. من الناحية العمليّة، تقع الغالبيّة العظمى من التمويل، أكثر من 90 في المائة منه، على عاتق دافعي الضرائب في الولايات المتّحدة. ومن بين التكلفة المتراكمة الّتي اقتربت من 11 مليار دولار، ساهم الاتّحاد الأوروبيّ بنحو 850 مليون دولار، بما في ذلك إطلاق المقراب، والوكالة الكنديّة بنحو 150 مليون دولار. تمّ استثمار الغالبيّة العظمى من التكلفة في تصميم وتطوير المقراب، ومن المُتوقّع أن تبلغ تكلفة تشغيله خلال رحلته في الفضاء، بضع مئات ملايين الدولارات "فقط".

بدأ تطوير المقراب الفضائيّ الجديد على طاولة التخطيط منذ عام 1996، عندما بدأت وكالة ناسا بالتفكير في "خليفة" للمقراب هابل، وسُمِّيَ (NGST (Next Generation Space Telescope، وهو اختصار (في الانجليزيّة) لـ "الجيل التالي من المقرابات الفضائيّة". كان إطلاقه في الأصل مُخطّطًا في عام 2007، مُزوّدًا بمرآة قطرها ثمانية أمتار، بتكلفة تصل إلى نصف مليار دولار.

ومع ذلك، فقد تبيّن أنَّ تصميم المقراب كان أكثر تعقيدًا ممّا كانوا يعتقدون في البداية، وتمّ تغيير الخطط صباحًا ومساءً، وتمّ تأجيل موعد الإطلاق بشكلٍ متكرّر، وزادت تكاليف التطوير وتضخّمت في عام 2010، تمّ الانتهاء مجدّدًا من إجراء شامل لإعادة تصميم المقراب، وتمّ تحديد موعد الإطلاق لعام 2015، ولكن تمّ  تأجيله مُجدّدًا إلى عام 2016، ثمّ إلى عام 2019 و 2020. عند اقتراب موعد الإطلاق، دخلت جائحة الكورونا إلى حياتنا، وكما هو الحال مع الأنشطة الفضائيّة الأخرى، فقد أخّرت أيضًا المراحل النهائيّة من تحضير المقراب للإطلاق. هكذا وصلنا إلى كانون الأوّل من عام 2021 - أي 15 عامًا بعد تاريخ الإطلاق الأصليّ. مع كلّ سنة من التأجيل ومع كلّ تغيير في المواصفات الفنيّة، ارتفعت أيضًا تكاليف التصميم بشكل كبير، لتصل إلى سعر يجعل من المقراب الفضائيّ الجديد واحدًا من أغلى الأجهزة العلميّة في التاريخ.

كما أنتجت السنوات الطويلة المبذولة في عمليّة تطوير المقراب، والاستثمار الّذي بلغ مليارات الدولارات، العديد من التقنيّات الجديدة ذات استخدامات كثيرة أخرى. كانت مرآة التيليسكوب الكبيرة مُقعّرة قليلًا؛ كي تُركّز الضوء الواصل إليها باتجاه المرآة المواجهة لمركزها. لضمان حدوث ذلك، طُلِب من المهندسين قياس مبنى المرآة بدقّة كبيرة ومستوى الانتظام المثاليّ لطلاء الذهب الرفيع. الأدوات الّتي طوّروها لهذا الغرض مُستخدَمة بالفعل من قبل أطبّاء العيون لمسح العدسات وأجزاء أخرى من العين، لاختبارات الرؤية وتشخيص الأمراض وملاءَمة العدسات اللاصقة.

تشمل براءات الاختراع الأخرى الّتي تمّ تطويرها أثناء عمليّة إنتاج واختبار المقراب المركّب مقاييس تداخل حديثة، والّتي تقيس الفروق الدقيقة بين أشعّة الليزر، وتُمكّن من تحييد الضجيج البيئيّ وقياس عمل المرآة والمكوّنات الأخرى للمقراب في ظروف مشابهة لتلك الموجودة في الفضاء. الشركة الّتي طوّرتها تبيعها بالفعل لمجموعة واسعة من الاستخدامات، ليس فقط في صناعات الطيران والفضاء، ولكن أيضًا في مجال المعدّات الطبيّة، الإلكترونيّات وغيرها. حتّى المجسّات الضوئيّة الّتي تمّ تطويرها للاستخدام في المقراب، وجدوا لها استخدامات في صناعات أخرى.

من المثير للدهشة، أنَّ أحد التطويرات المُصمَّمة للمقراب المستقبليّ ساعد في إصلاح مقراب هابل الفضائيّ، وهو يعمل بالفعل في الفضاء. إحدى التقنيّات اللازمة للمقراب الجديد هي الدوائر الإلكترونيّة المتكاملة (Integrated Circuit) الّتي يمكن أن تعمل في درجات حرارة منخفضة للغاية. لقد نجح مهندسو مقراب جيمس ويب في إيجاد طريقة لتطوير مثل هذه الدوائر الصغيرة جدًّا، الّتي يمكن برمجتها أيضًا. تمّ دمج هذه الدوائر بواسطة نظام تمّ تثبيته بمقراب هابل في آخر مهمّة إصلاح له، ممّا حَسَّنَ من قدرات الكاميرا الخاصّة به.


من المقراب الفضائيّ إلى طبّ العيون. نظام ليزر مُطوَّر لمسح مكوّنات المقراب، أجرى تحويلًا طبيًّا |  الصورة: Abbott Medical Optics Inc
 

ويب، جيمس ويب

في عام 2002، بعد إحدى مراحل إعادة تصميم المقراب، قرّرت ناسا تغيير اسمه إلى جيمس ويب (Webb)، باسم مدير وكالة الفضاء الثاني. كان ويب الّذي ولد وتوفي بين الأعوام (1902-1996) طيّارًا في قوّات المشاة البحريّة في الثلاثينات، ثمّ درس القانون، وعمل مع أعضاء الكونجرس وشركة ملاحة جويّة، وتجنّد مرّة أخرى للخدمة العسكريّة في الحرب العالميّة الثانية، تولّى بعدها مناصب عُليا في وزارة الماليّة ووزارة الخارجيّة. في الخمسينيّات، عاد إلى السوق الخاصّة، حتّى عام 1961، حينها جنّده الرئيس الجديد، جون كينيدي (John F. Kennedy)، لرئاسة وكالة الفضاء الحديثة. قاد ويب الوكالة في فترة أولى رحلات الفضاء المأهولة، بعثة ميركوري وبعثة جمناي Gemini ، وقاد عمليّة التطوير وتجنيد الموارد لبعثة أبولو Apollo، الّتي أنزلت أوّل البشر على سطح القمر.

لم يحظَ ويب بفرصة قيادة وكالة ناسا في عصر بعثة أبولو نفسها، إنّما قادها في فترة إعادة التأهيل للبعثة القمريّة بعد كارثة حريق المركبة الفضائيّة أبولو 1 عام 1967، ولكن كما تُلزم الإدارة السليمة استقال من وظيفته في نهاية ولاية الرئيس ليندون جونسون (الرئيس البديل لجون كينيدي، الّذي اُغتيل عام 1963)، بحيث أفرغ مكانه قبل أربعة أيام فقط من إطلاق المهمّة الأولى في بعثة أبولو، الّتي أُطلِق عليها اسم أبولو 7. على الرغم من أنّه لم يعمل في مجال الفضاء، فقد قاد الوكالة خلال واحدة من أهمّ الفترات في تاريخها، ونجح في إدارة تجنيد ميزانيّات ضخمة كانت مطلوبة لبعثة أبولو، وحقّق لها إنجازات مبهرة.

ومع ذلك، فإنّ تسمية المقراب باسم ويب لم تمرّ دون انتقادات عامّة. اتّهمته العديد من المؤسّسات والأفراد برهاب المثليّة الجنسيّة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أنّه شغل مناصب عُليا في وزارة الخارجيّة خلال الفترة المعروفة باسم الذعر الأرجوانيّ The Lavender Scare، في أوائل الخمسينيّات من القرن الماضي، عندما تمّ طرد الآلاف من أفراد مجتمع المثليّين أو أُجبروا على الاستقالة بادّعاء أنَّ توظيفهم كان يُشكِّل خطرًا أمنيًّا. على الرغم من أنَّ ويب نفسه لم يكن على الأرجح أحد المبادرين إلى "التطهير"، لكن ادّعى النقّاد بأنَّ صمته في خضمّ الأحداث كان كافيًا لحرمانه من تسمية المقراب باسمه. ناقشت وكالة الفضاء هذه المسألة، بل وعيّنت أحد مؤرّخيها للتحقيق فيها، وقرّرت في نهاية الأمر، قبل ثلاثة أشهر أنّه لا توجد معطيات تبرّر تغيير اسم المقراب.

זכה להנצחה בשם הטלסקופ, למרות המחלוקת. ג'יימס וב (במרכז) מקבל אות הוקרה מהנשיא ג'ון קנדי | מקור: NASA
رغم الجدل، تمّ تخليد ذكراه بتسمية المقراب باسمه. جيمس ويب (في الوسط) يتلقّى رسالة تقدير من الرئيس جون كينيدي | المصدر: وكالة ناسا
 

طريق طويلة 

إن لم تكن هناك تأجيلات إضافيّة في اللحظة الأخيرة، فسيتمّ إطلاق مقراب جيمس ويب في 25 كانون الأوّل عام 2021 من قاعدة الفضاء الأوروبيّة في كورو الواقعة في غينيا الفرنسيّة. إنَّ صاروخ أريان -5 الأوروبيّ كبير بما يكفي لحمل المقراب إلى مدار حول الأرض، والّذي على الرغم من قياساته الضخمة فإنّه لا يزن سوى 6.5 أطنان. 

من هناك، في المرحلة النهائيّة سيوجّه الصاروخ المقراب المُعبّأ إلى وجهته، نقطة L2، ومن المفترض أن يصل إلى هناك بعد رحلة تستغرق شهرًا تقريبًا. سيستغلّ مشغّلو المقراب الرحلة الطويلة لتحضيره تدريجيًّا للقيام بالمهام: في المرحلة الأولى، سيتمّ فتح الدرع الحراريّ وتثبيته، في عمليّة ستستغرق أكثر من أسبوع. بعد ذلك ستُفتَح القضبان الّتي تحمل المرآة الثانويّة المُثبَّتة مقابل المرآة الرئيسيّة، وفي النهاية ستُفتَح الأجزاء المطويّة للمرآة الرئيسيّة.

מוכן למסע הארוך. טלסקופ החלל ג'יימס וב מקופל וארוז בתוך טיל השיגור האירופי, אריאן-5 | מקור: Arianespace/ESA/NASA
جاهز للرحلة الطويلة. مقراب جيمس ويب الفضائيّ مطويّ ومُعبّأ داخل صاروخ الإطلاق الأوروبيّ أريان-5 | المصدر: Arianespace / ESA / NASA
 

بمجرّد دخول المقراب إلى المدار حول النقطة L2، سيقوم مشغّلوه بتوجيهه، بحيث يفصل الدرع الشمسيّ بين المرايا والشمس، وبعد ذلك سيستغرق ثلاثة أسابيع أخرى حتّى تنخفض درجات الحرارة إلى النطاق المطلوب. ثمّ تبدأ بعد ذلك عمليّة بطيئة ومرهقة لفحص جميع الأجهزة وتفعيلها ومعايرتها. ستستغرق هذه العمليّة حوالي نصف عام، وإذا سارت الأمور على ما يرام، سيبدأ المقراب في العمل في صيف عام 2022.

في الأشهر القليلة الأولى، سيُخصَّص كلّ وقت المقراب لدراسات مُحدَّدة مُسبقًا، والموجودة في سلّم الأولويّات العلميّة. سيتمّ بعد ذلك فتح جزء من وقت المراقبة لمجموعات بحث من الدول الشريكة في المقراب، ولاحقًا، سيتمّ تخصيص "وقت حرّ"، والّذي يمكن أن يطلبه أيّ باحث في العالم مهتمّ في ذلك، ليقدّم اقتراحًا بحثيًّا مناسبًا. في المحصّلة، من المقرّر أن يعمل المقراب لمدّة خمس سنوات تقريبًا، لكن يأمل المهندسون والعلماء في أن يعمل بنجاح لفترة عقدٍ كامل. يأمل الجميع أن ينجح المقراب خلال هذا الوقت في  تبرير الاستثمار الضخم، وإيفاء الوعد بإلقاء ضوء جديد على ماضي وحاضر ومستقبل الكون الّذي نعيش فيه.

تم إطلاق مقراب جيمس ويب كما كان مخططًا في 25 من شهر كانون الأول 2021. أثناء رحلته إلى النقطة L2 أكمل نشر الدرع الحراري، تلاه تثبيت المرآة الثانوية وفتح المرآة الرئيسية. في 24 كانون الثاني، وصل إلى نقطة L2 ودخل في المدار من حولها. بدأ العلماء في اختبار أداء جميع الأجهزة، وسيبدأون قريبًا في إجراء الملاحظات الأولى.

 

فيديو تابع لـ ناسا - مقراب جيمس ويب:

0 تعليقات