استُنبط اسم المسلسل "معضلة الأجسام الثلاثة" من مسألة فيزيائيّة حقيقية. عُرضت في هذا المسلسل أفكار علميّة وتكنولوجية أخرى، بدءًا من الاتّصالات بواسطة الغزل الكموميّ وانتهاءً بالمركبات الفضائيّة النوويّة- فما هي العلوم الحقيقيّة الّتي تقف وراءها؟

اختلطت الفيزياء والتكنولوجيا والكائنات الفضائيّة في المسلسل الناجح "معضلة الأجسام الثلاثة" والّذي أطلقته شبكة نتفليكس في شهر آذار/ مارس من هذه السنة (2024)، والّذي ألهم المشاهدين وساقهم في رحلة رائعة. يعتمد هذا المسلسل على كتاب المؤلّف الصينيّ ليو تسي شين (Cixin) الصادر سنة 2006، وهو الأوّل من بين الثُّلاثيّة  "ذاكرة ماضي الكرة الأرضيّة".

حظيت الفيزياء في الفترة الأخيرة باهتمام متزايد في دور السينما: تناول الفيلم "أوبنهايمر"، وهو واحد من أكبر أفلام الصيف الماضي، القنبلة الذريّة و الفيزيائيّين الّذين طوّروها. يَخلط المسلسل "معضلة الأجسام الثلاثة"، بخلاف ذلك، الكثير من الخيال العلميّ، إلّا أنّه يحوي بذورًا من الحقائق تظهر فيه من حين لآخر. سنتناول في هذه المقالة عددًا من المصطلحات الفيزيائيّة الّتي استُوحي منها المسلسل، والّتي انكشفت للجمهور من خلال شاشات التلفاز. هيّا بنا ننطلق، لكن الحذر- هناك ما يُفسد الأمر.


اجتاح الكثير من المشاهدين وساقهم في رحلة رائعة اختلطت فيها الفيزياء والتكنولوجيا سويّة مع الكائنات الفضائيّة. الكتاب الّذي يعتمد عليه مسلسل "معضلة الأجسام الثلاثة" | Shutterstock, Ralf Liebhold

معضلة الأجسام الثلاثة

فلنبدأ، وكيف لا، من اسم المسلسل. معضلة الأجسام الثلاثة هي واحدة من أقدم معضلات ميكانيكا الأجرام السماويّة، وهي تتناول المسألة التالية: كيف تتأثّر حركة كلّ من الشمس والكرة الأرضيّة والقمر ببعضها البعض؟ يصعب حلّ معضلة الأجسام الثلاثة باستخدام الورقة والقلم، صعوبة بالغة تصل درجة الاستحالة في غالبيّة الحالات، في حين أوجد إسحاق نيوتون حلًّا تحليليًّا لمسألة كيفيّة تأثُّر حركة جسمَين ببعضهما البعض من خلال قوّة الجاذبيّة، قبل حوالي 350 سنة، ويتعلّمه طلّاب   الجامعات خلال دراستهم للحصول على الدرجة الجامعيّة الأولى. 

يتوجّب علينا معرفة مكان وسرعة الجسم في كلّ لحظة كي نستطيع وصف حركته وصفًا كاملًا. توجد لكلّ جسم ثلاث إحداثيّات مكانيّة وثلاث إحداثيّات سرعة- الطول والعرض والارتفاع. تصل إحداثيّات الأجسام الثلاثة إلى ثماني عشرة إحداثيّة، ستّ إحداثيّات لكلّ جسم. يمتاز النظام المكوّن من ثلاثة أجسام بعشر قِيم تحافظ على ثباتها خلال الحركة، مثل طاقتها الإجماليّة إلى جانب قِيم أخرى ثابتة. تؤدّي كثرة القوى المؤثّرة في كلّ جسم في هذا النظام، ومختلف إمكانيّات الحركة، إلى جانب القيود الّتي تفرضها العوامل الثابتة، إلى صعوبة بالغة في تنبّؤ مسار كلّ واحد من الأجسام الثلاثة.


من الصعب حلّ معضلة سلوك النظام المكوّن من ثلاثة أجسام باستخدام الورقة والقلم. مسارات الأجسام الثلاثة في هذا النظام | ويكيميديا، Dnttllthmmnm

نجح نيوتون في تقدير حضيض القمر، أي أقلّ مسافة بينه وبين الأرض، مستعينًا ببعض التقريبات، إلّا أنّه اتّضح فيما بعد أنّه أخطأ وحصل على رقم يعادل ضعفَي النتيجة الحقيقيّة. وتابع بعده خيرة العلماء والمفكّرين الفرنسيّين، الرياضيّ جان لرون دالمبير (d'Alembert)، وخصمه اللدود ألكسيس كارلو (Clairaut) انشغالهم بالمعضلة ذاتها ولم يحرزوا تقدّمًا ملحوظًا، ووصل هذا المجال إلى طريق مسدود. 

ذلك إلى أن صاغ الفيزيائيّ الأمريكيّ جورج هيل (Hill) في صباح يوم ماطر من سنة 1878، المعضلة من جديد. كتب هيل المعادلة الّتي عُرفت فيما بعد باسم معادلة هيل مدعيًّا أنّ المسألة تشبه كتلة مربوطة بزنبرك، أو كرة تتأرجح على خيط رفيع بتأثير قوّة الجاذبيّة- أو ما يًسمّى بـالمصطلح الفيزيائيّ "المتذبذب التوافقيّ". يكون تردّد الحركة ثابتًا، عادةً، في المتذبذب التوافقيّ، إلّا أنّ تردّد حركة المسارات في هذه الحالة هو دالّة متعلّقة بالزمن.

نتج عن هذه المعضلة جُلّ ما فهمناه عن المسارات الدوريّة، وهو مصطلح مهمّ في الميكانيكا: وهي المسارات الّتي تبدأ وتنتهي في نفس المكان وبنفس السرعة. تتميّز هذه المسارات بحركة ثابتة، بينما توجد، بخلاف المسارات الدوريّة، مسارات فوضويّة حسّاسة لأيّ تغيّر طفيف بمكان تواجد الجسم وسرعته الابتدائيّة، والحركة فيها مشتّتة وغير منتظمة بتاتًا. 

استدعى ذلك الحاجة لوصف ثبات المسارات. شكّلت "خرائط بوانكاريه"، والمُسمّاة باسم الرياضيّ الفرنسيّ هنري بوانكاريه (Poincaré) الّذي ابتكرها، إحدى الأدوات المفيدة الأولى لهذا الغرض، والّتي طُوّرت في نهاية القرن التاسع عشر. تعرض هذه الخرائط مقطعًا معيّنًا من المسار يُمَثل ماهيّته؛ يتمّ فحص المكان والسرعة في فترات زمنيّة معيّنة تنصاع لشرط رياضيّ محدّد بدلًا من رسم المسار كلّه، مثلًا المرور من خلال نقطة البداية. يمكن، من خلال الشكل الّذي نحصل عليه، تحديد نوعيّة المسار فيما إذا كان دوريًّا أو أنّه يشبه المسار الدوريّ أو أنّه فوضويّ. تُجرى دراسة معضلة الأجسام الثلاثة في العصر الحاضر بالاستعانة بِخوارزميّات متقدّمة، وحتّى بالاستعانة بالشبكات العصبيّة. توفّر هذه الأدوات مجموعات ضخمة من الحلول المحتملة للمسألة، والّتي تُطبَّق، بعد إدراج بعض الملاءمات المناسبة عليها، في مجالات الكيمياء النظريّة. 

يتّضح، على هامش الأمور لكن ليس على هامش أهميّتها، أنّ دولة إسرائيل تُشكّل اليوم مركزًا للنشاط والاكتشافات في موضوع الأجسام الثلاثة، وذلك من قِبل عدد من طواقم الدراسة والأبحاث. ساهم الدكتور نيك ستون والبروفيسور باراك كول من الجامعة العبريّة في القدس في النظريّة الإحصائيّة الّتي تقف وراء المعضلة، وأضاف البروفيسور حاجاي بيريتس وتلميذه يونداف بيري جينات من معهد التخنيون مساهمتهما للموضوع ذاته ومواضيع أخرى، وساهمت البروفيسورة الإسرائيليّة سمادار نؤوز من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس في موضوع معضلة التسلسل الهرميّ، كما وساهم البروفيسور بوعاز كاتس من معهد وايزمان للعلوم في الموضوع.


شكّلت "خرائط بوانكاريه"، باسم الرياضيّ الفرنسيّ هنري بوانكاريه (Poincaré) الّذي ابتكرها، إحدى أولى الأدوات المفيدة لوصف ثبات المسارات وتحديد خواصّها | Bill Sanderson / Science Photo Library

تتفاعل البشريّة، في المسلسل التلفزيونيّ، مع كائنات فضائيّة أتت من نظام أكثر تعقيدًا، يتكوّن من أربعة أجسام- ثلاث شموس وكوكب سيّار-، اسمه ألفا قِنْطورَس (أو رِجْل قنطورس..) والّذي يبدو كأنّه نظام فوضويّ. كيف يمكن للحياة أن تنشأ في مثل هذا النظام إذًا؟ نظام ألفا قِنْطورَس ليس فوضويًّا في أرض الواقع. يتكوّن هذا النظام من نجمَين كبيرَين- هما ألفا قِنْطورَس A و B، ونجم صغير اسمه قنطورس الأقرب (بالإنجليزية: Proxima Centauri)‏. يُشكّل هذا النظام معضلة الأجسام الثلاثة إلّا أنّها تشبه، نظرًا لصغر قنطورس الأقرب مقارنة بالنجمَين الآخرَيْن، معضلة جسمَين اثنَين يتخلّلهما "تشويش صغير"، ومسار قنطورس الأقرب هو في الواقع مسار دوريّ. نعرف الآن أنّه توجد لهذا النجم ثلاثة كواكب سيّارة على الأقلّ. والسيّارالأوّل الّذي تمّ اكتشافه يشبه الكرة الأرضيّة بشكل نسبيّ، وتقارب درجة الحرارة السائدة عليه الصفر المئويّ (سيلزيوس)، الأمر الّذي قد يتيح الحياة عليه، لكنّ نشاطه المغناطيسيّ عالٍ، وهو مشبع بأشعّة رونتجن.لا يتيح هذان الظرفان، كما نعرفهما، نشوء وبقاء الحياة.


توجد ثلاثة كواكب سيّارة على الأقلّ للنجم قنطورس الأقرب، يشبه أحدها، نسبيًّا، الكرة الأرضيّة. رسم توضيحيّ لِلمنظر الطبيعيّ على وجه قنطورس الأقرب b، وثلاثة نجوم النظام مضيئة في سمائه | Mark Garlick / Science Photo Library

الاتّصال عن طريق الغزل الكموميّ

تُجري الكائنات الفضائيّة في المسلسل التلفزيونيّ الاتّصالات مع بني البشر- والأخطر من ذلك، فإنّ هذه الكائنات تتجسّس علينا وتتعقّبنا- عن طريق حواسيب متطوّرة جدًّا وصغيرة جدًّا في آن واحد، لا يتعدّى حجمها حجم البروتون وتُدعى "السوفونات". أُرسل اثنان من هذه السوفونات إلى الكرة الأرضيّة وبقي اثنان آخران في حوزة الكائنات الفضائيّة بحيث تُمرّر المعلومات بينها بواسطة آليّة الغزل الكموميّ. 

ظهر مصطلح الغزل الكموميّ بادئ ذي بدء في مقالة مبدعة من سنة 1935 كتبها ألبرت آينشتاين برفقة زميلَيْه بوريس بودولسكي وناتان روزن- والّذي قَدِم إلى البلاد فيما بعد وأصبح أحد أهمّ الفيزيائيّين في معهد التخنيون. ادّعى هؤلاء الثلاثة في مقالتهم، والّتي سُمّيت EPR حسب اختصارات أسماهم، أنّ ميكانيكا الكمّ ليست مكتملة وأنّه يجب إزالة الجزء الاحتماليّ، المسيطر عليها، منها؛ تمّ تمثيل ادّعائهم عن طريق تجربة ذهنيّة سُمّيت "العمل المُرعب عن بعد" (Spooky action at a distance). 

يُباعَد في هذه التجربة ما بين جزَيئين أ وَ ب وُلدا معًا ولهما خصائص محدّدة ومضادّة، بعدًا كبيرًا جدًّا. يبدو من النظرة الأولى أنّ قياس أيّة خاصيّة للجزيء أ تمنحنا المعلومات عن الخاصّية المضادّة للجُزيء ب وذلك بشكل فوريّ وبسرعة تفوق سرعة الضوء، ذلك لأنّ خواصّ الجُزَيئين  مضادّة لدى أحدهما عن الآخر ومتزامنة معها. 

هذا هو منطق فكرة الغزل فعليًّا، والّذي يبدو وكأنّه مناقضٌ لميكانيكا الكمّ الّتي لا تتيح للتجارب التأثير في بعضها البعض من مسافة بعيدة، أي إنّ الفيزياء هي موضعيّة.


يُباعَد في هذه التجربة ما بين جزيئَين أ وَ ب وُلدا معًا ولهما خصائص محدّدة ومضادّة، بعدًا كبيرًا جدًّا. رسم توضيحيّ للغزل الكموميّ  | Victor de Schwanberg / Science Photo Library

أظهر الفيزيائيّ الإيرلنديّ جون ستيوارت بِل (Bell) بعد بضع سنين أنّه يمكن حلّ هذه المفارقة بالاعتماد على وجود متغيّرات مخفيّة- قيود تهدف التعبير عن الاختلافات بين ميكانيكا الكمّ والميكانيكا الكلاسيكيّة. أظهر بِل أنّ تأثير التجربة في التجربة الأخرى لا يحصل بشكل فوريّ إذا كان النظام الكمّيّ يحقّق مبدأ الموضِعيّة. وأضاف بِل مبدأ الواقعية الّذي ينصّ على أنّ الخواصّ الفيزيائيّة قائمة بمجرّد وجودها ولا حاجة لقياسها. سُمّيت هذه الاستنتاجات فيما بعد بـِ "متباينات بِِل". 

تخالف ميكانيكا الكمّ قيود الميكانيكا التقليديّة المتمثّلة بالموضِعيّة والواقعيّة؛ لا يمكن أن تكون ميكانيكا الكمّ موضِعيّة وواقعيّة (حقيقيّة) في آن واحد. حاز كلّ من الفيزيائيّين آلان أسبا (Aspect) وجون كلاوزر (Clauser) وأنطون تشالينجر (Zeilinger) على جائزة نوبل في الفيزياء لسنة 2022 مقابل قياسِهم هذه المخالفة بتجارب فيزيائيّة.

لا يتيح الغزل الكموميّ، على الرغم من ذلك ووفقًا لما نعرفه حتّى الآن، نقل المعلومات بسرعة تفوق سرعة الضوء، حتّى من الناحية النظريّة. تضيق الرقعة هنا من الخوض في التعقيدات المتعلّقة بسبب عدم  إتاحة نقل المعلومات الآنيّ الكموميّ وحده لنقل المعلومات. قد يجرّنا مصطلح نقل المعلومات الآنيّ للوقوع في الخطأ، وذلك بسبب سياقاته الثقافيّة، إلّا أنّه يعني في هذا السياق هدم حالة كموميّة في مكان معيّن وإنشاء حالة مطابقة في مكان آخر، في نفس اللحظة. توجد حاجة لنقل إضافيّ للمعلومات وبصورة تقليديّة مقيّدة بسرعة الضوء من أجل استخلاص معلومات عن عمليّة ما. 


لا يتيح الغزل الكموميّ، وفقًا لما نعرفه حتّى الآن، نقل المعلومات بسرعة تفوق سرعة الضوء. رسم توضيحيّ لقياس جزيئات مغزولة، أحدهما موجود في الصين والآخر في النمسا | Jose Antonio Peñas / Science Photo Library

الدّفع النوويّ

شارك عالِم الرياضيّات اليهوديّ البولنديّ ستانيسلاف أولام (Ulam) في مشروع مانهاتن لتطوير القنبلة النوويّة الأمريكيّة، حيث عمل جنبًا إلى جنب مع كلّ من روبرت أوبنهايمر (Oppenheimer) وإدوار تلِر (Teller) وإنريكو فيرمي (Fermi) وآخرين ممّن تركوا بصماتهم على هذا الإنجاز. خطرت  في ذِهن أولام، بعد نهاية الحرب العالميّة الثانية ومع بداية العصر النوويّ، فكرة مثيرة يتمّ بموجبها توظيف القوّة النوويّة للقيام برحلات بين الكواكب بدلًا من توظيفها للأغراض العسكريّة.

أخذت هذه الفكرة تنمو سنة 1955 عندما اقترح أولام وزميله فريدريك راينس (Reines)- والّذي اكتشف النيوترينو في ذلك الوقت وحاز فيما بعد على جائزة نوبل مقابل هذا الاكتشاف- تصنيع طائرة وصواريخ تُدفع بقوّة التفجير النوويّ. اكتسبت الفكرة زخمًا عندما اطّلع عليها الرئيس الأمريكيّ آنذاك، أيزنهاور. تمّ فحص هذه الإمكانيّة من الناحية النظريّة في السنين اللّاحقة من خلال "مشروع أوريون" الّذي موّلته الحكومة الأمريكيّة. وصدرت في سنة 1963 معاهدة منع إجراء التجارب النوويّة في الغلاف الجويّ وفي الفضاء الخارجيّ وفي البحار، فأُقفل المشروع وتُرك نهائيًّا سنة 1965. واصل الأمريكيّون، على الرغم من ذلك، العمل على الفكرة بإصرار، بتغيير عناوينها، كان أهمّها "مشروع روفر". تمّ إلغاء المشروع بعد إنفاق مبالغ طائلة عليه دون أن يرسل حتّى صاروخ واحد يتحرّك بالقوة النوويّة.


اقترح أولام وزميله فريدريك راينس تصنيع طائرة وصواريخ تُدفع بقوة التفجير النوويّ. رسم توضيحيّ لصاروخ من مشروع أوريون والّذي لم يبلغ حيّز التنفيذ | NASA 

عادت فكرة الدفع النوويّ برمّتها لِتطفو على السطح في عهد الرئيس كلينتون، إلّا أنّها سرعان ما أهملت ثانيةً؛ وها هي تندفع من جديد في الآونة الأخيرة- إذ تمّ هذه المرّة تحديد تاريخ إجراء التجارب الأولى، بريادة شركة لوكهيد مارتين وشركاء آخرين. علوم ليست في الخيال تمامًا!


عادت فكرة الدفع النوويّ لتطفو مؤخّرًا على السطح من جديد، وتمّ هذه المرة تحديد تاريخ إجراء التجارب الأولى. رسم توضيحيّ لمركبة فضائيّة تندفع بقوّة التفجير النوويّ | Christian Darkin / Science Photo Library

الألياف النانويّة 

تُدير إحدى بطلات المسلسل، عالِمة اسمها أوغي، شركة لإنتاج ألياف سمكها نانومتريّ. تضطرّ هذه العالِمة الى التوقّف عن الدراسة في أعقاب وصول بلاغ من الكائنات الفضائيّة، إلّا أنّها تتمكّن بعد ذلك من العودة لاستخدام تلك الألياف كي تنتقم من أشخاص من بني البشر يُجرون اتّصالات متواصلة مع الكائنات الفضائيّة.  

عُرضت هذه الألياف على أنّها قادرة على قطع الماس بضربة واحدة؛ إلّا أنّ الماس معروف، وبحقّ، بأنّه المادّة الأقسى في الطبيعة. يتصدّر الماس الموادّ في درجة قساوته فعليًّا، على الرغم من احتمال وجود موادّ أقسى منه من الناحية النظريّة. لذلك، لا يمكن لأيّ ليف نانويّ مهما كانت درجة متانته أن يُقَطّع الماس إربًا إربًا بضربة واحدة.

قد تُضاهي مادّة الجرافين- والّتي تتكوّن من طبقة واحدة من ذرّات الكربون- قساوة الماس. يتمتّع الجرافين، عند لفّه على شكل أنابيب نانويّة، بخواصّ مثيرة للاهتمام مثل المرونة والمتانة النسبيّة، إلّا أنّه لا يصلح للقصّ، أضِف إلى ذلك أنّ الأنابيب النانويّة قصيرة للغاية، إذ يبلغ طولها بضعة سنتيمترات، نظرًا لظهور العيوب فيها فيما إذا كانت أطول من ذلك. 

إنّ الأبحاث والدراسات الجارية على الألياف النانويّة واسعة النطاق وهي تُغطّي العديد من المجالات. من بين التطبيقات الّتي عُرضت منذ فترة طويلة كانت فكرة استخدام الألياف النانويّة البوليمريّة في صناعة الروبوتات، لمحاكاة الأنسجة الحيّة. كما وقد استُخدمت الألياف النانويّة في الصناعة الكهربائيّة- البصريّة والخلايا الكهروضوئيّة (الفوتوفولتيّة)، ونال هذا الاستخدام إسنادًا ودعمًا من الأبحاث والدراسات. لا يحتلّ قصّ الحيطان أو جدران وسائل النقل البحريّة- كما تفعل أوغي في المسلسل التلفزيونيّ-،  حاليًّا على الأقلّ، مكانة مركزيّة في الأبحاث والدراسات الجارية.


تُبدي مادّة الجرافين عند لفّها على كلّ أنابيب نانويّة قوّة ومتانة ومرونة، بالمستوى الميكروسكوبيّ على الأقلّ، إلّا أنّها لا تصلح للقصّ. أنبوب نانويّ من الجرافين  | Robert Brook / Science Photo Library

خلاصة القول - هل تسمعون؟

يستخدم مسلسل "مسألة الأجسام الثلاثة"، كما في الكثير من مسلسلات وأفلام الخيال العلمي، العلومَ الحقيقية قاعدةً لعرض الأفكار الخيالية. لا بد لنا أن نجد، عوضًا عن  وفيما وراء التأثيرات المبهرة والحبكة المنسوجة حول هذه الأفكار، جانبًا إيجابيًّا يتمثل في انكشاف جماهير كثيرة للأفكار العلمية - حتى وإن كانت أولية أو حتى مُبكرة زمانيًّا. تقدّم "مسألة الأجسام الثلاثة" خدمة جيدة للعلوم ولمحبي المسلسلات أينما وجدوا. تمتعوا بالمشاهدة إلى أن يصبح الخيال العلمي علومًا حقيقية.

0 تعليقات