ربما قد يكون مفاجئًا، لكن من الصعب تحديد من يُكلِّف ثمنًا بيئيًّا أعلى - الأدوات البلاستيكيّة أحاديّة الاستخدام أو المنتجات متكرّرة الاستخدام. المؤكّد، هو أنّه من المُفضل استخدام أدوات متوفّرة وعدم إنتاج جديدة
في الآونة الأخيرة، أُدخلت ضريبة على استهلاك أدوات الطعام البلاستيكيّة أحاديّة الاستخدام، إلى حيّز التنفيذ في البلاد، وذلك بهدف تقليل استهلاك المنتجات البلاستيكية المُلوِثَّة وتشجيع استخدام المنتجات القابلة للاستخدام المتكرّر. لكن هل يعني هذا بالضرورة أنّ الأدوات متكرّرة الاستخدام أكثر وديّة للبيئة؟
حاول العديد من الباحثين حساب حجم الموارد الطبيعيّة اللازمة لإنتاج منتجات معيّنة، كي يتمكّنوا من تقييم أي منها أكثر وديّة للبيئة. يمكن حساب الثمن البيئيّ بعدّة طرق. إحداها هو البصمة البيئيّة للمنتج، أي التأثيرات الناجمة عن إنتاج واستخدام المنتج على البيئة. يشمل الحساب، المواد المكوّنة للمنتج، وكذلك المواد المطلوبة في المراحل اللاحقة، حتّى وصولها إلى المستهلك. يمكن مقارنة هذا المقياس بحجم الموارد المتاحة في الطبيعة، بالتالي محاولة تقييم الضرر الذي يخلّفه في البيئة.
يتحلّل البلاستيك فيزيائيًّا إلى جزيئات صغيرة جدًّا تُسمّى اللدائن البلاستيكيّة الدقيقة، التي تخلق مجموعة متنوّعة من مشاكل تلوث الأنظمة البيئيّة في جميع أنحاء العالم. الصورة: David Pereiras Shutterstock
أضرار البلاستيك
يستخدم معظم البلاستيك المصنّع في العالم في صناعة المنتجات أحاديّة الاستخدام، مثل الأغلفة وأدوات الطعام أحاديّة الاستخدام. يبدأ إنتاجه عادةً من النفط الخامّ الذي يخضع لعملية البلمرة، أي تكوين سلسلة طويلة من وحدات متكرّرة لنفس الجزيء. يستخدم النفط في العديد من الاستخدامات خلافًا للبلاستيك، وفقط 6-4 في المائة من استهلاك النفط الخامّ في العالم مخصّص لإنتاج البلاستيك. لكنّ النفط هو مورد طبيعيّ معدّل تجديده بطيء للغاية ويمكن القول عمليًا بأنّه لا يتجدّد على الإطلاق. وفق معدل الاستهلاك الحاليّ، سوف تنفد احتياطيات النفط القائمة في غضون بضعة عقود.
ماذا يحدث بعد الاستعمال؟ في عمليّة إنتاج البلاستيك، تضاف عادةً مواد أخرى إليه، مثل الفثالات والبيسفينولات، بالتالي تتكوّن جزيئات أو مخاليط جديدة ذات خصائص تتمّ ملاءَمتها وفق حاجة المصنّعين. تكمن المشكلة الكبرى مع البلاستيك، أنّه بعد رمي المنتج في سلّة المهملات، لا توجد تقريبًا وسيلة طبيعيّة يمكنها تحليل سلاسل البوليمرات الاصطناعيّة هذه. أي أنّ البلاستيك لا يتحلّل بطرق بيولوجيّة تقريبًا. حتّى البكتيريا القادرة على تحليل البلاستيك تحتاج إلى ظروف خاصة ووقت طويل للقيام بذلك. قد تستغرق عمليّة التحلّل الطبيعيّ للبلاستيك مئات السنين.
في الوقت الحالي، يتحلّل البلاستيك فيزيائيًّا إلى جزيئات صغيرة جدًّا تُسمّى اللدائن البلاستيكيّة الدقيقة Micro-Plastics، وهي جزيئات متناهية الصغر من البلاستيك، التي تخلق مجموعة متنوّعة من مشاكل التلوّث في النظم البيئيّة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مصادر المياه. لذلك من الضروري إيجاد حلول للكمّيّات الهائلة من النفايات البلاستيكيّة المتراكمة. إحدى الطرق المعروفة هي إعادة التدوير، لكن هذه العملية أيضًا مكلفة بيئيًا، حيث تتطلّب بنية تحتيّة، التي بدورها تستهلك نفطًا وأنواع وقود أخرى، تؤدّي بدورها إلى انبعاث مواد ملوّثة. لذلك ليس من الواضح مقدار الفائدة البيئيّة من العمليّة. يتمّ إرسال المواد البلاستيكيّة غير القابلة لإعادة التدوير إلى مكبّات النفايات أو الحرق، أو ينتهي بها المطاف في البيئة الطبيعيّة. بالنتيجة، جميع الاحتمالات تنطوي أيضًا على أضرار بيئيّة.
إنتاج الزجاج المعاد تدويره أرخص من إنتاج زجاج جديد، وذلك لأنَّ درجة حرارة اللازمة لصهر المواد في عمليّة إعادة التدوير أقلّ بكثير من درجة حرارة الخاصة بالرمل الخام | الصورة: wernimages و Shutterstock ChiccoDodiFC
يُصنع الزجاج غالبًا من الرمل. لإنتاجه، يُخلَّط الرمل مع كربونات الصوديوم وأكسيد الكالسيوم (الجير الحي) ويتمّ تسخينه حتّى درجة حرارة مرتفعة جدًّا. يُعتبر الرمل من أكثر المواد الخام استهلاكًا في العالم بعد الماء - فهو يستخدم لبناء المنازل والبنى التحتيّة وحتّى لإنتاج المكونات الإلكترونيّة. وتعتبر حصّة الزجاج في استنفاذ موارد الرمال في العالم هامشيّة للغاية.
ربّما قد يكون هذا مفاجئًا، لكن الرّمال أيضًا، هي مورد محدود، واليوم هناك نقصٌ عالميّ ملموس في الرمال. معظم الرمال المتاحة لاستخدامنا في العالم، مصدرها من الأنهار والمناطق الساحليّة. هناك عواقب بيئيّة ناتجة عن عمليّة التعدين، إذ أنّها تؤثر على مستويات المياه الجوفيّة، والتيّارات المائيّة في الأنهار وعلى امتداد الشواطئ، كما تؤدّي إلى اقتطاع ضفاف الأنهار، وتدمّر البيئات الحيّة في قاع البحار أو الأنهار وتَضرّ بالنباتات والحيوانات وتقلّص من مواطن الأنواع المهدّدة بالانقراض. وكلّ هذا ما هو غيض من فيض ولا يتعدّى "طرف الشوكة متعددة الاستعمال".
الجانب الإيجابي في الموضوع، أنّ الزجاج يُعتبر أحد المواد الوحيدة التي يمكن إعادة تدويرها مرارًا وتكرارًا دون المساس بجودة المادّة. شيء آخر يجب أخذه بعين الاعتبار، هو أنَّ عمليّة إنتاج الزجاج المعاد تدويره أرخص من عملية إنتاج زجاج جديد، حيث أنَّ درجة حرارة انصهار المادّة في عمليّة إعادة التدوير أقلّ بكثير من تلك الخاصّة بالرمل الخام.
ماذا يحدث للبلاستيك بعد أن نقوم باستخدامه؟ | Emma Bryce Teded
عمليّة حسابيّة قد تعقّدت
تعتبر "المادّة" مكوّنًا حاسمًا في عمليّة حساب الثمن البيئيّ للمنتج، لكن ليس ذلك فحسب. يجب أخذ عامل آخر بالحسبان، وهي حقيقة أننا بعد تناولنا الطعام من الأطباق واستعمالنا أدوات المائدة القابلة للاستخدام المتكرّر، نقوم بغسلها بالماء والصابون، وفي حال استعمالنا جلايّة الصحون، فيجب أيضًا الأخذ بالحسبان استهلاكها للطاقة. بينما بعد استخدام الأدوات أحاديّة الاستخدام، نقوم برميها في سلّة المهملات، وهكذا نستهلك الكثير من الأدوات ونزيد قليلًا من استهلاك أكياس القمامة أيضًا .
كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أمرًا آخر مهمًّا، وهو الحاجة إلى المنتج. عندما يكون أحد المنتجات التي اشتريناها غير صالح للاستخدام أو لا يتلاءَم مع احتياجاتنا، فإنّنا سنستخدمه عدّة مرّات فقط، قبل أن نتخلّص منه - على سبيل المثال، زجاجة شرب غير مغلقة بإحكام. مثل هذا المنتج، الذي اشتريناه كمنتج قابل للاستخدام المتكرّر، وفي النهاية استخدمناه مرات قليلة فقط، قد يلوّث أكثر بكثير من المنتجات أحاديّة الاستخدام والتي سنستخدمها لنفس الأهداف.
هنا يدخل إلى الصورة معيار آخر متعلق بمتانة المنتج. على سبيل المثال، قد يكون عمر الأدوات الزجاجيّة الدقيقة والقابلة للانكسار الافتراضيّ، أقصر بكثير ممّا هو متوقّع من منتج قابل لإعادة الاستخدام، أو من الأكياس القابلة للاستخدام المتكرّر التي تتمزق بعد ملئها مرَّة تلو الأخرى. علينا ألّا نتجاهل العديد من المنتجات أحاديّة الاستخدام والتي لا ينتهي بها المطاف في سلّة المهملات إنّما تُنسى في النزهة أيضًا، إذ تتطاير مع الريح إلى أماكن معيّنة، ممّا قد تضرّ بالنظام البيئيّ. أمن الصعب إنشاء آليّة تأخذ بعين الاعتبار كلّ هذه العوامل، وتقوم بحساب ما هو الحلّ الأفضل لنا؟
معظم الرمال المتاحة لاستخدامنا في العالم، مصدرها من الأنهار والمناطق الساحليّة. لتعدينها عواقب بيئيّة. الصورة: Mario Hagen Shutterstock
ما هو الأفضل لنا محليًّا...
في مقابلة قُدِمَت لموقع معهد دافيدسون الإلكتروني، أوضحت الدكتورة حاجيت أولنوفسكي، الخبيرة في إدارة المخاطر الصحّيّة والبيئيّة في واجهة العلوم والسياسات Science-Policy Interface، أنَّ حساب الثمن البيئيّ ليس معقدًا للغاية فحسب، بل يختلف أيضًا من مكان إلى آخر في العالم. في إسرائيل، على سبيل المثال، يتمّ تنقية معظم المياه المستخدمة للاستخدام المنزليّ، بما في ذلك المياه المستخدمة في غسل أدوات الطعام، وتنتقل للاستخدام المتكرّر في الزراعة. في المقابل، في البلدان التي تخضع فيها مياه الصرف الصحّيّ لمعالجة جزئيّة فقط، هناك قلق أكبر من وصول الملوّثات إلى البيئة الطبيعيّة.
مثال آخر يتطرّق إلى مناطق في العالم، التي تعاني من نقص في مياه الشرب. نظرًا لصعوبة نقل المياه مقارنةً بنقل السلع الاستهلاكيّة، فقد تُقدَّم أدوات المائدة أحاديّة الاستخدام، في مثل هذه الأماكن حلاً أكثر نجاعة من الأطباق وأدوات تناول الطعام التي تتطلّب غسلًا يوميًا. أمرٌ إضافيّ يُصعِّب حساب الثمن البيئيّ هو الاقتصاد العالميّ، إذ قد يحدث في العديد من الأحيان الضرر في مكان بعيد جغرافيًا عن المكان الذي تمّ فيه استهلاك المنتج.
أكثر الأدوات الصديقة للبيئة هي الأدوات الموجودة بالفعل في مكان ما. الصورة: ZikG Shutterstock
إذن ما الحل الأفضل؟
إنّ محاولة حساب حجم الموارد المطلوبة لإنتاج منتج ما، هي مهمّة معقّدة، التي تتطلب الكثير من الافتراضات والفرضيّات، لذلك ليس من الواضح مدى موثوقيّة وواقعيّة الإجابة على السؤال "ما الذي يلوّث أكثر؟". لذلك يكاد يكون من المستحيل الحسم بشكلٍ مطلق حول ما الأفضل، استخدام الأدوات أحاديّة الاستخدام التي يمكن التخلّص منها أو الأدوات متكرّرة الإستخدام.
مع ذلك، يمكن القول باحتماليّة عالية جدًّا، إنَّ استخدام الأدوات متكرّرة الاستخدام القائمة، حتّى لو كانت بلاستيكيّة، هو الخيار الأكثر وديِّة للبيئة. تلخص أولنوفسكي، وتقول: "الأدوات الأكثر وديَّة للبيئة هي الأدوات الموجودة بالفعل في مكانٍ ما. "شراء زجاجة جديدة عالية الجودة، حتى لو كانت مصنوعة من أكثر المواد وديَّة للبيئة، تبقى أقلّ وديّة للبيئة من شراء زجاجة مستعملة من متاجر التوفير "يد ثانية".