ما هي أسباب الهزّة الأرضيّة؟ لماذا من المستحيلِ تنبّئها؟ على الرّغم من ذلك، كيف يمكن الاستعداد لها؟ وأيضًا، ماذا يمكن أن نتعلّم منها؟
بدون أدنى شكّ، كانت الهزّات الأرضيّة إحدى أنواع الكوارث الطبيعيّة المحبطة جدًّا. منذ فجر التّاريخ، كان النّاس يكدحون مئات السنين من أجل بناء مدنٍ مزدهرةٍ، وعلى حين غرّة، ومن غير أيّ مقدّمات لذلك، كانت تنهار هذه المدن خلال ثوانٍ معدودةٍ جرّاء هزّةٍ قويّةٍ مفاجئةٍ تحدث داخل أعماق الأرض، ومن ثمّ تعود إلى أعماق الأرضِ كأنّه لم يحدث شيء.
الكوارث الطّبيعية الّتي وثّقت على مدار التّاريخ، والّتي تحدث في أيّامنا مرّةً كلّ بضعِ سنوات، هي حالاتٌ نادرةٌ لظاهرةٍ منتشرةٍ جدًّا. تقاس كلّ سنة نصف مليون هزّة أرضيّة بقوًى مختلفة في أرجاء العالم. يكون أغلبها أضعف من أن نشعر به، ويمكن كشفُها عن طريق أجهزةِ قياسٍ حسّاسة. الهزّات الأرضية الّتي نشعر بها، والّتي تحدث على سطح الكرة الأرضيّة، هي دلالة على حركاتٍ بطيئةٍ وواسعةِ النطاق، والّتي تذكّرنا أحيانًا أنّ الكرة الأرضيّة ليست مجرّد كتلة صخريّة ساكنة.
لم يتمكّن التقدّم العمليّ الّذي أُنجِز في القرن الأخير من أن يوفّر لنا القدرة على تنبّؤ الهزّات الأرضيّة، لكّنه هيّأً لنا فهمها وفهم العمليّات الطّبيعيّة الّتي تكمن خلفها، واستغلالِها لبحثِ أسرار أعماق عالمنا.
دمارٌ شاملٌ خلال ثوانٍ معدودة، رسم خشبيّ من سنة 1550 يوثّق هزّة أرضيّة قويّة في إسطنبول، تركيا، عام 1509 | المصدر: CCI ARCHIVES / SCIENCE PHOTO LIBRARY
ما هي أسباب الهزّات الأرضيّة؟
السّبب الرّئيسيّ للهزّات الأرضيّة، والطّاقة المدمِّرة الّتي تصدر وقت حدوثها، هو الفرق في درجة الحرارة بين نواة الكرة الأرضيّة الملتهبة، والّتي حسب التّقديرات تصل إلى أكثر من 5000 درجة مئوية، وبين غشاء الكرة الأرضيّة الّذي يلامس الفضاء البارد.
تسخّن الحرارةُ المرتفعةُ الّتي تخرج من مركز الكرة الأرضيّة القسم السّفليّ للغلاف، وهي الطّبقة السّميكة بين النّواة وبين الغشاء الخارجيّ. لكن مع مرور الوقت، وعلى الرّغم من كون الغلاف مكوّنًا من صخر صلب، اِختلاف درجة الحرارة المفرطة بين القسم السّفليّ والقسم العلويّ يولّد بها حركة دوريّة، والّتي من خلالها يرتفع قسمها العلويّ، يَبرُد ويُدفَع مرّةً أخرى إلى الأعماق من قِبَل غلاف جديد حارّ يأخذ مكانه، تمامًا كما يحدث في قدر ماءٍ ساخنٍ.
خلال عمليّة ارتفاع الغلاف السّاخن إلى الأعلى، ينخفض الضّغط الواقع عليها تدريجيًّا، وعندما يقترب من السّطح يصبح ضعيفًا، وقسم منها ينصهرُ ويتحوّلُ إلى ماجما الّتي تنفجرُ خارج القشرةِ عن طريقِ شقوقٍ مطوّلةٍ الّتي تنشقُّ في قاعِ المحيطات. بعد خروجها من داخل الغلاف، تبرد الماجما بشكلٍ سريعٍ وتتحوّل إلى صخرةٍ بازلتيّةٍ متبقّية على السّطح، ويتم دفعها جانبًا مرةً تلوَ المرّة على يد ماجما أصغر منها الّتي تخرج من داخل الفجوات.
الماجما التي تخرج من غلاف الكرة الأرضيّة تولّد الصفائح التكتونيّة، وتسبّب ذبذباتها الهزّات الأرضيّة | رسم توضيحيّ:CHRISTOPH BURGSTEDT / SCIENCE PHOTO LIBRARY
تتطوّرعلى طرفي الشّقّ صفائح تكتونيّة محيطيّة وهي مستويات البازلت الموسّعة. عمليّة الدّفع الّتي تواجهها بسبب الذّوبان المستمرّ على الغلاف هي عبارة عن القوّة الّتي تدفع حركة الصّفائح التّكتونيّة فوق القشرة. هذه الدّفعة هي أيضًا مصدر الطّاقة لمعظم الهزّات الأرضيّة، الّتي تحدث نتيجة احتكاك الصّفائح التّكتونيّة الواحدة بالأخرى.
تتكوّن الصّفائح التّكتونيّة من عدّة قطعٍ موحّدة، وهي منظومةٍ شبكيّةٍ من كسورٍ وشقوقٍ تدعى منسوخات. ينبع اسمها بسبب النّسخ - حركة - على طولها بين قطعةٍ واحدة من اللّوح مع الأخرى. غالبًا، يكون خطّ الاحتكاك بين الألواح ليس أملس، ويمكن لعمليّةِ النّسخِ الّتي تحدث على طوله أن تواجهَ مقاومة، الّتي تُنتج تراكم ضغط مرِنًا بين الألواح المترابطة. إذا تمّ تحرير المقاومة بشكل مفاجئ، كما يحدث في مرّاتٍ كثيرة، يمكن أن يؤدّي إلى خروج الضّغط الهائل المتراكم بين الألواحِ في لحظةٍ معيّنة، ويهزّ الصّفائح التّكتونيّة الّتي حولها عن طريقِ أمواج الطّاقة الهائلة. تدعى النّقطة التي تخرجُ منها أمواج الطّاقةِ "بؤرة الهزّة".
هذا يعلو وهذا يهبط، تقلّبات قطعتين من صفيحة تكتونيّة واحدة مع الأخرى تؤدّي إلى هزّة أرضيّة | رسم توضيحيّ: VectorMine, Shutterstock
تأتي الضّجّة على شكل أمواج
يُطلق على موجاتِ الطّاقةِ الّتي تنبعثُ خلال الهزّاتِ الآرضيّة "أمواج زلزاليّة"، على اسم الكلمة اليونانيّة القديمة لظاهرة الطّبيعة، وهي تقسم إلى ثلاثة أنواعٍ رئيسيّة: موجات أوّليّة تسمّى أيضًا موجات P، موجات ثانويّة أو موجات S وموجات السّطح. تتحرّك الموجات الأوّليّة والثّانويّة داخل الكرة الأرضيّة، بينما تتحرّك موجات السّطح كما هو واضح من اسمها على سطح الكرة الأرضيّة ولا تخترقه.
الموجات الأوّليّة هي موجات ضغط، تتحرّك بشكلٍ أفقيّ عن طريق دفع الجسيمات إلى الأمام، تدفع هذه الجسيمات باقي الجسيمات الأخرى المتواجدة أمامها، ومن ثمّ تتحرّك الى الخلفِ لتعود إلى مكانها الأصليّ، تشبه هذه الآليّة حركة موجات الصّوت في الهواء. تتحرّك الموجات الأوّليّة بسرعة 24000 كيلومتر في السّاعة، تقريبّا 1.7 ضعف سرعة الموجات الثّانويّة، وهي الموجات الأولى الّتي يتمّ رصدها عن طريق محطّات قياس الزلازل.
موجات القًطع هي الموجات الثّانويّة الّتي يتمّ رصدها في محطّات قياس الزّلازل، وهي تدفع الجسيمات إلى الأعلى والأسفل والجوانب خلال عمليّة تقدّمها. تأتي موجات السّطح بعد الموجات الثّانويّة، وتؤدّي إلى حركاتٍ ميكانيكيّةٍ متنوّعة، مثل حركات القًطع، الّتي من الممكن أن تصلَ إلى طول عدّة سنتيمترات. موجات لاب (Love) هي نوعٌ من هذه الموجات، وهي تحرّك السّطح من جانب لجانب بشكل متعرّج. نوع آخر، هو موجات رايلي (Rayleigh) الّتي تجعل الجسيمات على السّطح تكمل حركة دائريّة قبل أن تعود إلى مكانها، بنفس طريقة حركة أمواج المياه على سطح المحيط. تؤدّي الموجات الثّانويّة والسّطحيّة إلى الضّرر الأكبر عند وقوع الهزّة الأرضيّة، لأنها تهزّ الصّخور والمباني من جانبٍ إلى آخر.
تساعد معرفة صفات الموجات المختلفة في البحث العلميّ عن الهزّات الأرضيّة ومبنى الكرة الأرضيّة. أنواع الموجات والوسيط الذي تمرّ من خلاله | رسم توضيحي: VectorMine, Shutterstock
كشف حدوث الهزّة الأرضيّة
الطّريقة الرّئيسيّة لمتابعة وتوثيق وبحث الهزّات الأرضيّة تتمّ عبر جهاز قياس الزّلازل سيسمومتر (سيسموغراف). يستشعر هذا الجهاز تحرّكات الأرض أسفلهُ، ويسجّل مدّة ووتيرة حركتها، ويستطيع أن يميّز بين أنواع الموجات المختلفة. اِعتمدت أجهزة قياس الزّلازل الأولى على أدواتٍ كتابيّةٍ مربوطة بثقّالة معلقّة فوق ورقة. مبدأ تشغيل الأجهزة الحديثة لا يختلف كثيرًا، فهي تعتمد على مركبّات إلكترونيّة.
يمكن حساب قوّة الهزّة الأرضيّة وبُعدها عن مركز الهزّة عن طريقِ البيانات الّتي تسجّل من قبل جهاز قياس زلزال واحد، لكنّها غير كافية لتحديد من أيّ اتّجاه أتت. يَعتمِد اكتشاف بُعد الهزّة الأرضيّة من الجهاز على الفرقِ المعروف بين سرعة الموجات الأوّليّة، الّتي يتمّ التقاطها في المرحلة الأولى، وبين الموجات الثّانويّة الّتي يتمّ التقاطها بعد فترةٍ زمنيّةٍ معيّنة. الفترة الزّمنيّة بين التقاط الموجتين، مع سرعة كلّ موجة وموجة، تمكّن من إعادة قياس المسافة.
لتحديد بؤرة الهزّة الأرضيّة، هناك حاجة لثلاثة أجهزة قياس زلازل على الأقلّ موزّعة في أماكن مختلفة. بعد قياس بُعد الهزّة عن كلّ جهاز من الأجهزة، تتم عملية تثليث بين ثلاثة أبعاد ليتمّ إيجاد النّقطة الدّقيقة في الفضاء حولها.
لقد تغيّرت التكنولوجيا، وبقيت المبادئ متشابهة. جهاز قديم محمول لقياس الزّلازل، معروض في متحف فيزوف في إيطاليا | تصوير: MAURO FERMARIELLO SCIENCE PHOTO LIBRARY
كان من الدّارج قديمًا وصف قوّة الهزّة الأرضيّة بواسطة سلّم ريختر، الّذي اعتمد على تردّد (ارتفاع) الموجات الزّلزاليّة حسب ما تمّ قياسه في جهاز قياس الزّلازل. طُوّر هذا السلّم لمتابعة الهزّات الأرضيّة في غرب الولايات المتّحدة بمساعدةِ أجهزةٍ قياسٍ خاصّة، ولم تكن بجودةٍ كافية لوصف هزّات أرضيّة في مناطق أخرى في العالم. من المتّبع اليوم تدوين قوّة الهزّة الأرضيّة بواسطة "سلّم مجنيتودا حسب الدّوران"، الّذي يعمل بنفس الطّريقة في كلّ نقطة في العالم. يعتمد هذا السّلّم على صلابة الأرض وأبعاد الحركة الّتي حدثت على طول الإزاحة، تشمل طول الحركة وحجم المساحة في الخطّ الواصل بين طرفي الإزاحة الّذي حدثت به الحركة.
يعبّر مقياس سلّم مجنيتودا حسب الدّوران عن قوّة الهزّة كقيمة بين 1 إلى 10 شبيهًا بمقياس سلّم ريختر. اِرتفاعُ وحدة واحدة في السّلّم تعني ارتفاع الطّاقة ب 31.6 أضعاف من الّتي تحرّرت عند الهزّة. ارتفاعُ وحدتين يعني ارتفاع بـِ 1000 ضعف في تحرير الطّاقة. تسبّب الهزّات الأرضيّة أضرارًا للمباني ابتداءً من درجة قوّة 4، وتصبح معرّضةً للخطر بشكل خاصّ ابتداءً من درجة قوّة 6.
الهزّات الأرضيّة بدرجة 6 وما فوق من الممكن أن تكون خطيرة. مستوى الضّرر حسب سلّم ريختر| رسومات: Tartila, Shutterstock
تنبّؤ الهزّات الأرضيّة
للأسف، لم يتمّ اكتشافُ أيّة طريقةٍ مجديّةٍ تتنبّأ بحدوث الهزّات الأرضيّة مسبقًا، لكن في بعضِ الدّول وُزّعت أجهزةٌ قادرةٌ على تحديد بداية الهزّة الأرضيّة، وبذلك يتمّ تحذير سكّان المنطقة بعشرات الثّواني قبل إصابتهم فعليًّا بموجات الطّاقة المدمّرة. هذه الأجهزة مزوّدة بمئات المجسّات الزّلزاليّة الموزّعة على سطح الأرض، وتعتمد طريقة عمَلِها على مبدأ أنّ موجات الطّاقة الأوّليّة غير الخطرة، تتحرّك بشكل أسرع من الموجات الثّانويّة، وبهذا الشّكل تدلّ على اقتراب الخطر. كلّما ابتعد الشّخصُ عن بؤرةِ الهزّةِ الأرضيّة توفّر لهُ وقتُ تنبيهٍ أكبر.
يكمن هنا الحديث عن وقت تحذير قليل، على الأغلبِ يكونُ ثواني معدودة، لكنّه من الممكن أن يوفّر القدرة للنّاس أن يختبئوا في مكانٍ آمنٍ داخل البنايات، إيقافِ وسائل النّقل الجماعيّ، إيقافِ معدّاتٍ ثقيلةٍ وتوقيفِ إجراءاتٍ طبّيّة. يقدّر أن من بين آلاف المصابين بالهزّة الأرضيّة لوما بريتا، الّتي أصابت مركز كاليفورنيا سنة 1989، كان نصفهم بسبب سقوط أغراض ثقيلة. هدف أجهزة الإنذار هو التّقليل من مدى هذه الإصابات. عندما حدثت الهزّة الأرضيّة الصّعبة في اليابان سنة 2011 سجّل هذا الجهاز المفعّل هناك نجاحًا، وتسبّبت هذه الهزّة في تسونامي، وفشل في محطة القوّة الذرّيّة فوكوشيما. ساهمَ الإنذارُ المبكّر في عدم انحراف أيّ قطار عن السكّة الحديديّة، الأمر الّذي كان من الممكن أن يؤدّي إلى إصابات كثيرة.
يصعب تطوير أنظمة الإنذار المبكّر للهزّات الأرضيّة، فهي بحاجةٍ إلى شبكة معقّدة. اِستغرق تأسيس جهاز ShakeAlert، الّذي تمّ تشغيله على طول الشّاطئ الغربيّ للولايات المتّحدة، 15 سنة، وبلغت تكلفتُهُ حوالي 60 مليون دولار. يُمكن استقبال الإنذارات الّتي ترسل من هذا الجهاز بشكل مباشر على الهاتف النقّال، عن طريق تطبيق MyShake المخصّص لذلك.
أخذت شركة جوجل فكرة استعمال الهواتف النقّالة كأجهزة التّحذير المسبق من الهزّات الأرضيّة خطوة إضافيّة إلى الأمام، وقامت بتثبيت في نظام التّفعيل في الأجهزة النقّالة أندرويد، برنامجًا قادرًا على أن يتعرّف على الهزّات الأرضيّة، بدون الحاجة إلى المجسّات الأرضيّة. يعتمدُ هذا البرنامج على استعمالِ مقياس التّسارع المثبّت في كلّ جهاز نقّال تقريبًا، وبهذا حولّت الجهاز النقّال لجهازِ استشعار الزّلازل. عندما يميّز أكثر من مئة جهاز في وقت واحد وفي منطقة معيّنة حركة شبيهة للهزّة الأرضيّة، يرسل النظام تنبيهًا لكلّ أجهزة الأندرويد في المنطقة. ما زال النّظام تحت التّجربة، وهو مفعّل اليوم في اليونان ونيوزيلندا فقط.
على الرّغم من عدم القدرة على التّنبّؤ بحدوث هزّة أرضيّة، يمكن أن يتمّ التّحضير لها مسبقًا بواسطة طرق بناء تزيد من مقاومة الأبنية ضدّ تحرّكات قويّة. إحدى الطّرق الأكثر انتشارًا هي عزل قاعدة المبنى عن الأرض الّتي أسفلها باستخدام المزيج من المكوّنات المطّاطيّة أو كوابل كبيرة، الّتي تمنع انتقال الطّاقة المرنة من الأرض إلى المبنى. غالبًا، لا تسعى هذه المقاييس الموجّهة لبناء أبنية مقاومة للهزّات الأرضيّة من منع الضّرر نهائيًا، إنّما تعمل قدر الإمكان للتّجنّب من إصابات في الأرواح. حُدّدت في إسرائيل مقاييس لبناءٍ مقاومٍ للهزّات الأرضيّة، الّتي أصبحت سارية المفعول في سنة 1980.
إنذار قصير، أوقات التحذير حسب البُعد عن بؤرة الهزّة ( علامته -+) في الهزّة الأرضيّة التي حدثت في نيبال في عام 2015 | رسم توضيحيّ: Blue8111, Wikipedia
الهزّات الأرضيّة كأداة بحث
تثير الهزّاتُ الأرضيّةُ لدينا الشّعور بالخطر، ورغم خصائصها المدمّرة، تستطيع، وبفضل موجات الطّاقة الخاصّة التّي تتحرّر خلالها، أن تعلّمنا كثيرًا عن المبنى الدّاخليّ للكرة الأرضيّة. عِلم الزّلازل، مجال بحثيّ للهزّات الأرضيّة، هو أحد مجالات العلم المركزيّة لدراسة التّركيبة الدّاخليّة للكرة الأرضيّة، كواكب وأجسام أخرى، مثل القمر أو المرّيخ.
يتغيّر اتّجاه تقدّم موجات الطّاقة وقوّتها حسب كثافة وليونة الموادّ الّتي تخترقها، تمامًا مثل انكسار موجات الضّوء عندما تمرّ من الهواء إلى داخل الماء. يتكوّن باطن الأرض من طبقاتٍ مختلفة، تختلف الواحدة عن الأخرى بكثافتها، وبحالة التّراكم لديها.
عندما تنتقل موجات الزّلازل من طبقة إلى أخرى داخل الكرة الأرضيّة، تبدّل اتّجاهها وسرعتها، وتكمل حركتها حتّى تصل مرّةً أخرى إلى قشرة الكرة الأرضيّة، هناك يتمّ التقاطها عبر محطّات القياس. التقاطع الّذي يحدث بين المكان والزّمن الّذي يتمّ بها التقاط الأمواج في نقاط مختلفة على سطح الأرض، وبين موقع مركز الزّلزال، يمكّن من حساب المسار الّذي مرّت به الموجات في الكرة الأرضيّة، والحصول على معلومات عن الطّبقات الّتي تتكوّن منها.
تصوير مقطعيّ زلزاليّ. متابعة الموجات الناتجة عن الهزّة الأرضيّة تساعد في تخطيط مناطق على سطح الكرة الأرضيّة، مثل البقع التي تحت الغلاف في الجهة اليمنى من الصورة | رسم توضيحيّ: CLAUS LUNAU / SCIENCE PHOTO LIBRARY
اِكتشف الباحثون سنة 1926 أنّ بؤرة الكرة الأرضيّة سائلة. تبلور هذا المفهوم على يد عالمَي الزّلازل البريطانيّيْن ريتشارد ديكسون أولدهم (Oldham) وهارولد جبريس (Jeffreys)، عندما لاحظا أنّ حول النّقطة المقابلة لمركز الهزّة، في الجهة الثّانية للكرة الأرضيّة، ظهر "ظلّ" للموجات الثّانويّة، أي المنطقة الّتي تمّ فيها التقاط الموجات الأوّليّة فقط الّتي تحرّرت من الهزّة. وهذا بخلاف باقي النّقاط في كوكب الكرة الأرضيّة، الّتي تمّ بها التقاط نوعي الموجات. بما أنّ موجات القطع، مثل الموجات الثّانويّة، لا تمرّ من خلال سائل بينما موجات الضّغط تمرّ منه، استنتج الباحثان أنّ هناك وسطًا سائليًّا في مركز الكرة الأرضيّة.
بعد عشر سنوات، في سنة 1936، اكتشفت باحثة الزّلازل الدّنماركيّة إينجه لهمان (Lehmann) أنّه في مركز الوسط السّائليّ يوجد وسط صلب، ويعرَف اليوم بطبقة النّواة الدّاخليّة.
تغطّي اليوم آلاف المجسّات الزّلزاليّة مختلفة الأنواع وجه الكرة الأرضيّة، الّتي توفّر تسجيلات لانهائيّة من المعطيات. المعلومات الكثيرة الّتي يتمّ الحصول عليها باستمرار بعد الهزّات الزّلزاليّة على سطح الأرض، تتيح اكتشاف وجه الكرة الأرضيّة بدقّة عالية لم يكن من الممكن الحصول عليها في الماضي.
اِستعمال طرق من مجال التّصوير الطّبقيّ الّزلزاليّ، يساعد الجيولوجيّين في مسح عمق الكرة الأرضيّة وإنتاج نماذج ثلاثيّة الأبعاد للأجسام ولمبانٍ محلّيّة داخل الغلاف والنّواة، مثل نقاط ساخنة (Hotspot) وصفائح تكتونيّة مغمورة، وهذا يساعدنا على توسيع إدراكنا للسّيرورة التّاريخيّة للكرة الأرضيّة.