الشعيرات المتواجدة على الوجه تساهم في حاسّة اللمس، تساعد في عمليّة تلقيح الأزهار، ومنها من يمكنه التعرّف على أنفاس الديدان. شعر الشارب هو بالفعل أحد الأمور المميّزة والمفاجئة في الطبيعة.
شعر الشارب المتواجد في وجوهنا هو عبارة عن مجموعة من الشعيرات الجميلة والملفتة للأنظار. حسب كتاب غينيس للأرقام القياسية، يبلغ طول أطول شارب عند الإنسان 4.29 متر. أمّا عند بعض الحيوانات يمكنه أن يصل لأرقام أكبر. سنتطرّق إلى مجموعة متنوّعة من الحيوانات ذات شعر الشارب، ونستكشف قدراتهنّ مع هذا النوع من الشعر.
تعتبر القطط من الثدييات التي تستعمل شعر الشارب كمجسّات حسّيّة، بل هي قادرة على تحريكها طواعية لاستكشاف بيئتها القريبة. هذه القدرة أصبحت ممكنة بفضل البصيلات غير العاديّة المتواجدة في شعر الشارب. خلافًا لبصيلات الشعر العاديّة، فإنّ بصيلات شعر الشارب أعمق، وفي قاعدتها تجمّعات من الأوعية الدمويّة الدقيقة، المحاطة بخلايا عصبيّة، ممّا تمكّن أصحابها للانتباه لأي تقلّب وتغيّر طفيف في الشعر حسب حركة السائل داخله. عندما تنحني الشعيرات إلى الأمام، تستجيب البصيلة الموجودة في قاعدة كلّ منهما لاتّجاه الانحناء وسرعة حركة الشعيرات. بالتالي، تتمكّن الثدييات ذات الشارب التنقّل والحركة في البيئة المعقّدة حولها، وحتّى التمييز بين ملمس أجسام مختلفة الذي يولّد ضغطًا مختلفًا على الشعر. تعطي هذه القدرة ميزة خاصّة للثدييات اللّيليّة التي لا تستطيع الاعتماد على بصرها. لهذا، عادة ما يكون لهذه الثدييات اللّيليّة، وخاصةً تلك التي تعيش على الأشجار شارب طويل وكثيف. حتّى أنّ الثدييات التي تعيش جزءًا من وقتها في الماء كالفقمات، يكون لها شعر شارب حسّاس جدًّا.
تنمو بصيلات الشارب حول فتحتي الأنف وفوق الشفاه، وفي مناطق أخرى على وجه معظم الثدييات. لسوء الحظ بالنسبة للرجال، إنّ شعر الشارب عند بني البشر له بصيلات شعر طبيعيّة، لذلك لا يمكن له أن يعمل كجهاز حسّيّ في الجسم. لذا، يعتمد الإنسان على حاسّة اللمس المتطوّرة لديه في كفّة اليد، وكذلك على حاستيّ البصر والسمع.
من المثير للدهشة، أنّه على مدار سنوات لم يكن هناك أبحاثًا عن شعر الشارب. لكن مؤخرًا بدأ يظهر اهتمام بحثيّ عن شعر الشارب ومساهمته في الحواس. لذلك، يحاول الباحثون معرفة كيفيّة استخدام الحيوانات البرية للشارب، وكيف تتمّ ترجمة وتمثيل هذه التغييرات البيئية في أدمغتها. تأتي معظم المعلومات من مجموعة صغيرة من الثدييات: كالقوارض (معظمها من الجرذان والزبابات)، الثدييات البحريّة والشقبانيات (الجرابيات).
ماذا؟ هل شعر الشارب يساعدني لاستكشاف البيئة حولي؟! قطّه وشاربها | Shutterstock, Real Moment
شارب الصمود
تستخدم الجرذان (Rattus) شعر الشارب للتنقل في الحفر والقنوات المظلمة لاستكشاف بيئتها. ينمو الشارب الطويل على هيئة أسطر على جانبي أنف الجرذان، ويخرج أيضًا من الحاجبين والخدّين. أما الشارب القصير فينمو حول أفواهها. تقوم هذه الحيوانات بتحريك شعيرات الشارب بسرعة، بمعدل ثماني مرّات في الثانية، والتي تمكّنها من الحصول على معلومات حول بيئتها القريبة. حركات بسيطة إلى الأمامِ وإلى الخلفِ تمكّنها من استيعاب الكثير من المعلومات، التنقّل بسهولة، العثور على الطعام واستكشاف الأجسام التي تواجهها وفحص ملمس المنطقة والمسطّح. أمّا في الظلام ، فتعتمد الجرذان على شعر الشارب أكثر من اعتمادها على حاسّة البصر عندما تريد قياس العمق- فتتحقّق ممّا إذا كان شعر الشارب يصل إلى قاع الحفرة أو الى الجانب الآخر من الفراغ. أحيانًا أثناء تحرّكها في الفراغ، تصدم هذه الحيوانات شاربها بنفس الجسم عدّة مرّات في أماكن مختلفة، ممّا يساعد في تشكيل صورة ثلاثيّة الأبعاد في ذهنها عن البيئة التي حولها.
مؤخّرًا، وجد باحثون من معهد وايزمان للعلوم أنّ سياق حركة الجرذان ووضعيّتها تؤثّر بشكل كبير على الطريقة التي تحرّك فيها شاربها. على سبيل المثال، عندما يركض الجرذ بشكل حرّ، فإنّه يستخدم شاربه بخلاف الوضعيّة التي يكون فيها رأسه أو جسمه ثابتًا في مكان واحد. مجال حركة الشارب عند الجرذان التي تتحرك بشكل حرّ هو صغير نسبيًّا، ويتمّ التركيز بشكل خاصّ على الحركة الأماميّة البطيئة والفضوليّة. يعتقد الباحثون أنّ هذه الطريقة تساعد الجرذان كي لا تصطدم بالأجسام التي تُعيق مسار طريقها. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أنّ الجرذان تهزّ شاربها أثناء فحصها للأجسام التي أمامها. تتيح مشاهدة هذا الاهتزاز للجرذان أن تحدّد ما تركّز عليه انتباهها أثناء تقدّمها في الحركة.
استخدمت الجرذان التي لم تتحرّك شاربها بطريقة مختلفة - على الرغم من أنّ الوقت الذي خصّص لحركته إلى الأمام والخلف ومدى اهتزازه كان متساويًا تقريبًا، لكن مجال الحركة لديه كان أكبر بكثير. لذلك يبدو أنّ الجرذان تزيد في وقت الحاجة عملها الحسيّ على أوسع نطاق.
ابتعد عن طريقي، أو سأشخّصُك بشاربي. جرذٌ بشارب- Shutterstock, OlgaOvcharenko
تحديد الهدف للفريسة
الزبابة القزميّة (Suncus etrudcus) وهي من أصغر وأسرع الثدييات في العالم، ممّا يمنحها قدرة جيدّة على الاصطياد. تتغذى الزبابة القزميّة على الحشرات كالصراصير- التي تكاد تكون بحجمها، وكذلك على الديدان، اليرقات والعناكب. نظرًا لحجمها الصغير وسرعة عملية الأيض لديها، يجب أن تأكل الزبابة القزميّة أكثر من وزن جسمها يوميًا. للقيام بذلك يجب عليها أن تأكل مرّة واحدة على الأقلّ في كلّ ساعة.
نظرًا لأنّ الزبابة القزميّة تسعى باستمرار للحصول على طعامها، يجب عليها تحسين قدراتها في الحفاظ على الطاقة قدر الإمكان والصيد بدقّة، دون أن يفوتها أيّ شيء. تكمن المشكلة في ضعف حاسّة البصر لديها، وغالبًا ما تعيش في مناطق مزدحمة ومليئة بالعقبات.
كيف هي طريقتها بالمناورة؟ يبدو أن شعر الشارب لدى الزبابة القزميّة يلعب دورًا مهمًا. في دراسة نُشرت في عام 2011، وضع الباحثون صراصير بلاستيكيّة، قريبة من بعضها البعض بالقرب من أجسام بلاستيكيّة من نفس الحجم، لكنها ليست على شكل صراصير. تبيَّن من هذه التجربة أنّ الزبابة القزميّة تعتمد بشكل أساسيّ على شعر الشارب الطويل والحسّاس حتّى تتعرّف على فريستها. تحرّك هذه الحيوانات خلال عمليّة الصيد شاربها إلى الأمام وإلى الخلف بشكل دوريّ، بوتيرة 14 مرّة في الثانية، حتّى يلمس الشارب الفريسة. جزء كبير من مخّ الزبابة القزميّة الصغير (فقط 60 ملغ) مكرّس لردّة فعل عمليّة اللمس. لذلك، بناءً على عمليّة اللمس بين الشارب والفريسة، تتولّد في مخّ هذه الثدييّات صورة تمثّل شكل الفريسة المحتمل. عن طريق هذه المعلومات تتمكّن حيوانات الزبابة القزميّة من القيام بِردّة فعل سريعة جدًّا عند وجود الفريسة، خلال مدّة زمنيّة تقارب 25-30 ميلي ثانية، و تهاجم الفريسة بنسبة نجاح عالية جدًّا. عمليًّا، هذه الحيوانات سريعة جدًّا حتّى أنّها تقوم أحيانًا بمهاجمة الحشرات قبل أن تقوم الحشرة بمناورة الهروب.
هل هذا صرصور؟ دودة؟ شعر الشارب يعرف الجواب. تظهر الزبابة القزميّة شاربها المميّز. Shutterstock, Wirestock Creators
كما تستعين القطط بشاربها لكي تحدّد مكانها في الفراغ، وتزيد من حاسّة اللمس إلى ما بعد جسمها، وعن طريق ذلك تبتعد عن العقبات التي أمامها وخاصّةً في حالات الظلمة. تؤثّر طريقة استعمال الشارب على شكله ومدى تطوّره. على سبيل المثال: يتميّز شارب القطط التي تولد عمياء بمقدار طوله، وتكون منطقة اللمس في غلاف المخّ لديها متطوّرة أكثر مقارنةً مع القطط المبصرة.
لشعر شارب القطط دلالة ورمزيّة خاصّة، ويطلق اسمه على اسم إحدى النباتات- شارب القطة (Orthosiphon aristatus)، الذي يشبهها بالشكل. أزهار هذه النبتة بيضاء وتتواجد سدّاداتها على أعمدة تشبه شارب القطط.
الشارب الرمزي للقطط منح اسمه للنبتة التي سداداتها تشبه الشارب الطويل عند القطط. زهرة شارب القطة، Orthosiphon aristatus| تصوير: Shutterstock, fotone agus
الشارب على الأمواج:
شعر الشارب هو أداة حسيّة مهمّة لدى الحيوانات البحرية المفترسة أيضًا. حيوان الفظ (Odobenus rosmarus)، أسد البحر (Zalophus californianus) وكلب البحر(Phocidae) تستعمل شواربها لاستشعار تيّارات الماء، بما في ذلك تلك التي أنشأتها حيوانات بحريّة أخرى، كما تستعملها لاستشعار أجسام نشطة أخرى تحت سطح الماء.
يختلف شكل الشارب عند الثدييات البحريّة من حيوان لآخر، لأسد البحر شارب أملس وبيضويّ، أما شارب كلاب البحر فهو مموّج وبيضويّ، بينما حيوان الفظ وثديات بحريّة ضخمة أخرى التي يصل وزنها إلى طن ونصف وطولها حوالي 3.5 متر، ولديها شارب أملس ودائريّ. حتّى أنّ شكلها منح البشر إلهامًا لتصميم الشارب كشارب هذه الحيوانات، وأطلق عليه: شارب الفظ.
حتّى الآن، لا تفسير لسبب شكل الشارب الدائريّ أو البيضويّ، لكنّنا نعلم أنّ الثديّيات البحريّة تستعمله بالأساس للبحث عن غذاء. يستعمل حيوان الفظ ما بين 600-700 من شعيرات الشارب الدائري، كي يبحث عن أجزاء صغيرة من الغذاء عن طريق ملمس مباشر، مثل الصدف، على أرضيّة المحيط، تمامًا كالجرذان حين تستعمل شاربها.
أمّا كلاب البحر، فإنّها تستعمل شاربها بطريقة مختلفة. فقمة المرفأ ( Phoca vitulina) على سبيل المثال، هي حيوان كبير جدًّا من فصيلة كلاب البحر التي تتمتّع بفرو منقّط قليلًا وتعيش في جميع المحيطات. شعر الشارب لديها يعتبر الأطول من بين جميع المخلوقات، شكلها متموّج، وكميّة أطراف الأعصاب في البصيلات لديها أكبر بعشر مرّات من الكمّيّة لدى الجرذان. على ما يبدو، فإنّ مبنى هذا الشارب وشكله يساهم بمعالجة المعطيات بشكل أنجع وأسرع: أظهرت الأبحاث أنّ بصيلات شعر الشارب لدى الفقمة تستطيع أن تستوعب بنجاعة تغييرات صغيرة جدًّا بتيّار الماء، وكذلك الحركات من قبل حيوانات أخرى التي تولدت وقت سباحتها، وبعدها إرسال معلومات مفصّلة عن جميع أحداث حولها. هذا الإحساس متطوّر جدًّا لدى فقمة البحر، لدرجة أنّها قادرة على تحديد حركة السمك المائيّة حتّى ما بعد 35 ثانية من سباحة السمكة في تلك المنطقة، واستشعار الفريسة في المياه العكرة. لهذا، نصادف أحيانًا كلاب بحر عمياء تكون في حالة ارتياح تامّ وشبع، كما يبدو أنّ حاسّة النظر لديهم ليست مهمّة لعمليّة الصيد.
شكل الشارب المميّز عند الفقمة أعطى إلهامًا لتصميم شوارب مشابهة عند بني البشر. الفقمة (من اليمين) ورجل مع شارب الفقمة |shutterstock, Frank Middendorf, Mats Brynolf
الشارب المتحدي- השפם המאביק
تشير الأبحاث العلمية إلى أنّ لبعض الثديّيات، كالأسود، أسود البحر الأستراليّة (Neophoca cinerea) والدب القطبيّ، نمط وشكل خاصّ للشارب المتواجد على جنبيّ الأنف. يستطيع الباحثون أن يتعرّفوا على تفاصيل مختلفة في المخلوقات عن طريق برنامج لمعالجة الصور. حتّى الآن غير واضح جدًّا ما هي العوامل التي تؤثّر على ترتيب شعر الشارب، لكن يتنبّأ الباحثون أن هذا يعود لمزيج من العوامل، مثل البيئة، الغذاء، الجينات والجيل.
يُعتبر التعرّف وتحديد الهويّة الهدف الأساسي لواحد من أكثر أنواع شعر الشارب تطوّرًا، ويتواجد هذا النوع لدى حيوان طمارين الإمبراطور (Saguinus imperator). يقال إنّ عالِم الحيوانات السويسريّ إميل جولدي (Goeldi)، تعرّف على جنس جديد من القردة الصغيرة في أمريكا الجنوبيّة، وأطلق عليه مازحًا اسم " القياصرة" لتشابه شاربها مع شارب القيصر الألمانيّ حينها ويليام الثاني. هذا اللقب الذي منح على سبيل المزاح أصبح الاسم الرسمي لتلك القردة.
شعر الشارب لحيوان الطمارين القيصري مركّب من شعيرات عادّية، كشارب الإنسان، ولا يساعد في عمليّة الإحساس. عدا عن وظيفته بالتعرّف على مخلوقات أخرى داخل المجموعة، من الممكن أنه يقوم بوظيفة مهمّة أخرى وهي: تلقيح الأزهار. يتغذّى بالأساس حيوان الطمارين القيصريّ على الفاكهة، الأزهار ورحيق النباتات، وفي بعض فصول السنة تتمحور قائمة غذائه على جنس خاصّ من النباتات. عندما تنتقل حيوانات الطمارين من غصن إلى غصن آخر للوصول الى رحيق الأزهار، يتّسخ شعر الشارب لديها من حبيبات اللقاح. يدّعي بعض الباحثين أنّ هذه الحيوانات عندما تنتقل من زهرة إلى أخرى تنقل اللقاح الذي التصق بشعيرات الشارب الطويلة لديها لنباتات أخرى، كما تفعل الحشرات تمامًا.
هل شعر الشارب لديّ يجعلني أبدو كقيصر ألمانيا؟ الطمارين القيصريّ| Shutterstock, coxy58
ليس فقط للثدييات
الشارب التقليديّ مصنوع من الشعر، لذلك يتواجد فقط عند الثدييات، لأنّها هي الحيوانات الوحيدة التي تُنبت الشعر. مع ذلك، هناك حيوانات أخرى لديها مجسّات استشعار حول الفم والرأس تشبه شعر الشارب. واحد من هذه الحيوانات هي أسماك السلوريات (القراميط) שפמנון-التي أطلق عليها اسمه.
أسماك السلوريات (Siluriformes) هي مجموعة كبيرة من الأسماك التي يصل عدد أنواعها إلى 3000 نوع في العالم. سمكة السلور الأفريقي أو القرموط الأفريقيّ (Clarias gariepinus)، على سبيل المثال هي أكبر سمكة تعيش في المياه العذبة في إسرائيل. لهذا النوع من الأسماك يوجد أربع شعيرات طويلة حول الفم، وكذلك أعضاء ومجسّات شعوريّة تشبه شعر الشارب. يتواجد على شعر شارب سمك السلور براعم تذوّق، تتيح لها التعرّف على مواد كيميائية داخل الماء للبحث عن مصادر غذاء.
في إحدى الأبحاث التي ركزّت على أسماك السلور من الجنس الياباني Plotosus japonicus وُجِدَ أنّها تستعمل شعر شاربها كي تحدّد أيّ اختلاف بدرجة حموضة المياه، والتي تحصل بسبب تغيير في مستوى ثاني أوكسيد الكربون المخلوط بها.
كل المخلوقات الحيّة، من ضمنها الديدان، الأسماك والبرمائيات الصغيرة والتي هي غذاء لأسماك السلوريات (القراميط)- تطلق غاز ثاني أوكسيد الكربون في عملية التنفّس. عندما يطلق كائن بحريّ ثاني أوكسيد الكربون داخل المياه يؤدّي إلى ارتفاع بسيط بمستوى الحموضة في المياه. حينها، تستطيع المجسّات الدقيقة للحموضة أن تحدّد وتتعرّف على وجود كائنات حيّة بالقرب من سمك السلور. وجد الباحثون أنّ المجسّات في الشارب حسّاسة جدًّا، لدرجة أنّها تستطيع أن تحدّد التغييرات الدقيقة بحموضة المياه بسبب عمليّة التنفّس عند الديدان.
نتذوّق المياه، ونشعر بثاني أوكسيد الكربون. يحمل الرجل سمكة سلور كبيرة، ذات شعيرات شارب طويلة | Shutterstock, KAAN MERTCAN EKER
هكذا تنجح أسماك السلور عن طريق مجسّات الشارب أن تتعقّب فريستها في بيئة وحليّة، عندما تختبئ الديدان داخل الأرض، وحتّى في أوقات الظلام الدامس. سمك السلّورهو أوّل نوع سمك وجد لديه مجسّات تستشعر نسبة حموضة الماء. هذا الاكتشاف يدلّ على أنّ سمك السلور يتأثّر سلبًا بسبب التغييرات في حموضة المياه، جراء الازدياد المتواصل في نسبة ثاني أوكسيد الكربون التي يبثّها الإنسان إلى غلاف الجو، ومع الوقت تذوب في المحيطات.
شارب العصفورة والفراشة:
بعض الطيور تمتلك شارب شبيه بالريش، لكنه لا يستعمل بالضرورة كأداة حسّيّة. طائر خرشنة الإنكا (Larosterna inca) في جنوب أمريكا، على سبيل المثال، لديه شارب أبيض من ريش شبيه بشارب المجعد عند الفنان الإسباني سلفادور دالي. طول الشارب يدلّ على صحّته ووضعه الجسديّ، حيث يتمتع الطائر صاحب الشارب الطويل بصحّة أفضل من غيره، وتختارها إناث هذا الطائر كزوج لها.
انظروا إلى شاربي! أنا سليم وقويّ. ذكر طائر خرشنة الإنكا يعرض شاربه الريشيّ الأبيض| Shutterstock, markusmayer
في سنة 2009 استطاعت أمينة مجمع الفراشات في متحف مجمع الطبيعة في لندن، بلانكا هوارتس (Huertas)، أن تكشف عن نوع جديد من الفراشات التي وصلت من كولومبيا، التي أسمتها Splendeuptychia ackeryi. عند هذه الفراشات الجديدة يوجد صفة مثيرة: الفرق الوحيد بينها وبين وفراشات أخرى من نفس العائلة أنّ لديها شعيرات غير عاديّة حول منطقة الفم التي تشبه شعر الشارب، لكن حتّى الآن من غير الواضح وظيفة هذا الشارب.
يتواجد في الطبيعة عدد مثير وغريب من شعر الشارب: لدى ثعبان الأنهار Erpeton teltaclatum مجسّات حسيّة طويلة على أطراف وجهه، التي تساعده بالتعرّف على الذبذبات التي تقوم بها فريسته؛ لدى طائر البوم Megascops trichopsis ريش يشبه الشارب حول منقاره؛ عند ذكر العلجوم (ضفدع الطين) Leptobrachium boringi ينمو شارب من أشواك في فترة التزاوج، التي تساعدها في عملية القتال ومغازلة الإناث؛ وهنالك أيضًا خفّاش يدعى الخفاش المخفوق (Myotis mystacinus)، لكنّ اسمه مضلل، حيث لا يميّز بشعر الشارب أكثر من باقي الخفافيش.
أنا لا أفهم ماذا يريدون مني بالضبط- يوجد لدي شعيرات على وجهي، لكنّها ليست أكثر من باقي الخفافيش. خفاش المخفوق | Shutterstock, Ferdy Timmerman
صعود الشارب البشريّ وهبوطه
على مدار التاريخ البشريّ، كانت هناك عمليّة دخول وخروج لشعر الشارب في عالم الموضة، وتأثّرت تنميته جراء أسباب شكليّة، حضاريّة وحتّى نفسيّة. يعتبر الشارب في الحضارة البشريّة واحد من دلالات الرجولة: يبدأ بالنمو عند المراهقين في فترة البلوغ كجزء من تطوّرهم الهرمونيّ، عندما تزداد نسبة هرمون الجنس الذكريّ تستوستيرون. تشارلز داروين، الذي طوّر نظريّة التطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعيّ، ادّعى في فترةٍ معينة أنّ شعر الوجه في الجنس الذكريّ هو دلالة على القوّة التي وظّفت له من أجل مغازلة وجذب الجنس الأنثويّ عند البشر. حتّى أنّه حاول أن يثبت أنّ الرجال أصحاب الذقن يتكاثرون أكثر من الرجال أصحاب الوجه الأملس، لكن اليوم، هذه الادّعاء غير واضح إن كان الشعر بين الأنف والفم يساعد صاحبه للحصول على قرينات أكثر، أو أنّه ساعد في ذلك في الماضي.
في السنوات الأخيرة بيّنت بعض الأبحاث العلميّة أنّه من الممكن أن يمنح شعر الوجه ميّزة تطوريّة أخرى، كحماية من الأشعة الفوق بنفسجية، أو حتى امتصاص بعض الطاقة الموجّه إلى الوجه.
في بحث أُصدر في سنة 2019، وُجد أنّ الأطفال الصغار استطاعوا أن يربطوا بين شعر الشارب ومقدار السيطرة، بينما ربطوه أقلّ مع مزايا مثيرة أو مقدار جودة الأبويّة. وبيّن البحث أيضًا أن للأولاد الذي كان لآبائهم شعر شارب، كانت لهم توجّهات إيجابيّة للوجوه ذات الشارب بشكل عامّ، وكان لديهم أيضًا ميل لربطه بصفات مجتمعيّة إيجابيّة.
على النقيض من الحيوانات، عند البشر يتواجد شعر الشارب عند الذكور فقط. وهذا صحيح بالأخصّ في المجتمعات الغربيّة، التي يُعتبر بها الشارب عند النساء نقص في جمالها، لذا تسعى تلك النساء عادة للتخلّص منه. من المهمّ ذكره أنّ ظهور الشعر على الوجوه يكون بسبب تغيّرات بيولوجيّة وهورموناليّة، عند قسم من النساء خلل في نسبة التستوستيرون في أجسادهنّ، تؤدّي أحيانًا لظهور الشعر على الوجه. تبرز هذه الظاهرة خصوصًا عند الانخفاض في نسبة إفراز الهورمونات الأنثوية الاستروجين والبروجسترون في سنّ اليأس. يعتبر الشارب عند النساء طبيعيًّا جداً كالشارب عند الرجال، ويعود الفرق بينهم لأسباب حضاريّة وثقافيّة فقط.
غيّروا وضع صحّة الرجل! إعلان ينشر من قِبَل موفمبر، حركة للتوعية بشأن صحة الرجل | Shutterstock, Wink Images
شهر نوفمبر الذي مرّ علينا مؤخرًا يدعى أيضًا بشهر موفمبر، جاءت هذه التسمية من مزج الكلمات نوفمبر وشارب معًا باللغة الإنجليزيّة (moustache)، يعني "نوفمبر شهر الشوارب". ظهر هذا الاسم كجزء من حركة اجتماعيّة هدفها زيادة التوعية بخصوص صحّة الرجل، خصوصًا بما يتعلّق بالصحّة النفسيّة، سرطان البروستاتا والخصية.
بدأت هذه الحركة فعالياتها في سنة 2003 عند اجتماع مجموعة من الأصدقاء في مدينة ملبورن في أستراليا. هذه المجموعة أرادت عن طريق المزاح أن تعيد موضة الشارب عند الرجال. وبسبب إلهام إحدى أمهات هؤلاء الأصدقاء، التي كانت تجنّد الأموال لمكافحة سرطان الثدي عند النساء، قرّر الأصدقاء- هذه المرّة وهم في قمّة الجديّة- أن يبدأوا بحملة توعيّة لصحّة الرجل، وكان رمزها تنمية الشارب في شهر نوفمبر.
يعتبر الشارب رمزًا مرئيًّا بارزًا، لذا يستعين المشتركون في الحملة بذلك لإبراز وجوههم وتجنيد الأموال ليحقّقوا هدفهم. وخلال فترة قصيرة انتشرت هذه المبادرة لخارج حدود استراليا ووصلت إلى 21 مدينة، أعلن المنظّمون لهذه الحملة أنّه حتّى سنة 2020 اشترك بـ" موفمبر" أكثر من 6.5 مليون مشترك ومشتركة، الذين جمعوا أكثر من 750 مليون دولار أستراليّ لأكثر من 1250 برنامج وبحث طبّيّ في مجال صحّة الرجل، وساهمت حملتهم مساهمةً مهمّةً في تشجيع الخطاب المجتمعي بخصوص صحّة الرجل.
في سنة 2020 أضيف 34 برنامجًا جديدًا لهذه المبادرة، التي كُرِّست لصحة المراهقين والرجال الذين يعانون من الوحدة بسبب الإغلاق العام في وباء كورونا، أو بسبب ظواهر فيزيولوجيّة مستمرّة عند المتعافين من وباء كورونا (Long-COVID).
هدف الأصدقاء المؤسّسين من ملبورن كان تغيير وجه المجتمع- وهم ينجحون في ذلك في كلّ موفمبر جديد.