ترفق مع كلّ دواء ورقة رقيقة تحمل الكثير من معلومات، ومن الممكن أن تضمن قراءتها نجاح العلاج، بل ومن الممكن حتّى أن تكون منقذةً لحياة. نشرة المعلومات للمستهلِك.

 يواجه البطل نيو في بداية الفيلم "The Matrix"، خيارًا مصيريًّا بين قرص دواء أحمر وآخر أزرق، وليست هذه الأقراص إلّا رمزًا للفارق بين الواقع الملموس والواقع المصطنع، الّذي لم يتمكّن نيو من التّفريق بينهما بعد. يسلّط الفيلم الأضواء على أهمّيّة المعرفة وضرورة اتّخاذ القرارات، استنادًا إلى المعلومات والأدلّة العلميّة. لكن في الواقع، لو كان نيو يسعى حقًّا لاتّخاذ قرار عقلانيّ، لكان قد طلب بأدب: "هل يمكنني الاطّلاع على نشرة المعلومات الإرشاديّة، من فضلك؟".

عند شرائنا دواءً جديدًا من الصّيدليّة، نجد " نشرة المعلومات للمستهلك" مرفقة على هيئة ورقة رقيقة مطويّة بعناية فائقة. قد يميل بعضنا إلى تجاهل هذه النّشرة، أو يخطّطون إلى مراجعتها "لاحقًا" دون أن يحدث ذلك حقًا، بينما يحرص آخرون على مطالعة  النّشرة بالكامل، من البداية وحتّى النّهاية.

كشف استطلاع أُجري في بريطانيا أنّ أكثر من 90% من المشاركين، يحرصون على مراجعة نشرة المعلومات عند الحصول على دواء جديد، بيْد أنّ شخصًا واحدًا فقط من بين كل عشرة يبذل الجهد للقيام بذلك لدواء سبق له استخدامه. إذ يفضّل العديد منهم الاكتفاء بالتّوجيهات الّتي يقدّمها الطّبيب أو الصّيدليّ، ولو أنّهم قد يجدون، بعد العودة إلى البيت، أنّ بعض استفساراتهم ما زالت بدون إجابات. تلك هي اللّحظة المثاليّة لفتح العلبة واستخراج النّشرة من داخلها. تعتبر هذه النّشرة كنزًا من المعلومات الضّروريّة، نتاج سنوات من الأبحاث، هدفها تقديم أدقّ التّفاصيل حول الدواء بأسلوب ميسّر وواضِح للمريض.

لم تظهر النّشرات الإرشاديّة كما نعهدها اليوم إلّا في النّصف الثّاني من القرن العشرين، كجزء من تطوّر مفهوم الموافقة المستنيرة في المجال الطّبّيّ. فحتّى السّبعينات، لم تُشمل نشرة المعلومات إلّا في قلّة قليلة من الأدوية، نظرًا لصعوبة استخدامها. بدأ عهد نشرات المعلومات للمستهلكين في الولايات المتّحدة عام 1970، وفقًا لتعليمات إدارة الغذاء والدواء (FDA)، بضرورة تقديم معلومات أساسيّة لمستخدمي حبوب منع الحمل. توسّع نطاق استخدام هذه النّشرات بمرور الوقت، ليشمل الأدوية عالية الخطورة، والأدوية الّتي لا تتطلّب وصفة طبّيّة وغيرها، مع تحديد معايير لتنسيق النّشرات وجعلها متاحة بشكل واسع للعامّة. أمّا اليوم، فتوجد في الولايات المتّحدة عدّة أشكال من النّشرات الإرشاديّة، بمستويات تفصيلٍ وتغطية مختلفة، وتسعى الجهات الرّسميّة لترسيخ صيغة نموذجيّة جديدة وموحّدة، والّتي تقدم المعلومات بشكل واضح، موجز وميسّر لمستخدمي الأدوية بوصفة طبّيّة.

شهد الاتّحاد الأوروبيّ، بريطانيا، وغالبيّة الدّول المتقدّمة تطوّرات مماثلة، ومن المتوقّع أن يزداد دمج المكوّنات الرّقميّة في نشرات المعلومات في السّنوات القليلة المقبلة، بما في ذلك روابط للقراءة على الإنترنت، إمكانات مُعزّزة لدعم المكفوفين وضعاف البصر، فضلًا عن مقاطع فيديو توضيحيّة ومحتوى تفاعليّ إضافيّ.


لو كان نيو يسعى حقًّا لاتّخاذ قرار عقلانيّ، لكان قد طلب بأدب: "هل يمكنني، من فضلك، الاطّلاع على النّشرة الإرشاديّة؟". قرص أحمر وآخر أزرق. | Shutterstock, Rroselavy

النّشرة في إسرائيل

وفقًا لوزارة الصّحّة، "لن يتمّ تسجيل الدّواء في سجّل الأدوية بالولاية، إلّا بعد إثبات سلامته وفعاليّته وجودته. قسم الصّيدلة في وزارة الصّحّة هو الجهة المسؤولة عن تسجيل الأدوية واستيرادها، الرّقابة الدّوائيّة، توفير المعلومات الدّوائيّة والموافقة على التّجارب السّريريّة والإشراف عليها، والأبحاث وتأثير الأدوية على الإنسان، و الموافقة على النّباتات الطّبّيّة ومنتجات المعالجة المثليّة والعطور".

أصبحت إلزاميّة إرفاق نشرة المعلومات للمستهلك مع كلّ مستحضر طبّيّ هي مطلب قانونيّ في إسرائيل، وفقًا للوائح الصّيادلة (المستحضرات) لعام 1986. حتّى العام 1978، اُشترط إرفاق نشرة للأطباء فقط، وبلغة فنّيّة متخصّصة عسيرة الفهم للعامّة. يستند النّموذج المعتمَد محلّيًّا إلى المعايير المتّبعة في وكالة الأدوية الأوروبيّة (EMA)، حيث تُقدّم المعلومات باللّغات العبريّة، الإنجليزيّة والعربية، وتُضاف إليها اللّغة الرّوسيّة للمستحضرات الّتي تُباع بدون وصفة طبّيّة. قرّر قسم الصّيدلة مؤخّرًا استبدال النّصّ الإنجليزيّ في أغلب النّشرات برمز QR، ليوجّه المستخدمين إلى الشّرح الكامل في قاعدة بيانات الأدوية على موقع وزارة الصّحّة، بهدف إتاحة استخدام خطّ أكبر وتوسيع النّصّ في النّشرة.

دعونا نأخذكم في جولة إرشاديّة عبر عالم نشرات المعلومات للمستهلك. نستكشف معًا الأماكن الجذّابة والنّقاط البارزة، نتسلّح بالمعرفة لنحذّر من المخاطر الكامنة للمستطلعين الغافلين، ونستكشف طبعًا الأماكن الخفيّة ومغامرات الإثارة العارمة. وأثناء توجّهنا لإجراءات التّفتيش الجمركيّ، قد نجد وقتًا لزيارة المتجر الحرّ (Duty free).


انضمّوا إلينا في جولة إرشاديّة عبر عالم نشرات المعلومات للمستهلك. إشارة تحذير مثلّثة مع أقراص الدّواء | Shutterstock, Arcady

المحطّة الأولى: بوّابة الدّخول إلى النّشرة

مبروك، تهانينا، لقد عُدتم للتّوّ من الصّيدليّة مع عبوة الدّواء الجديدة الّتي وصفها لكم الطّبيب. أخرجتم النّشرة المطويّة بعناية  وفردتموها أمامكم، وإذا بأعينكم تقع على النّصّ باللّغة العربيّة: "أهلًا بكم في نشرة معلومات المستهلك".

تستقبلكم في مدخل هذه النّشرة محطّة الفحص الأوّليّة: جملة تُعلمكم إذا ما كان الدواء  يتطلب وصفة طبّيًة. وبعدها مباشرةً ينتظركم عنوان فسيح يُطلعكم على وجهتكم الجديدة. يُعرّفكم هذا العنوان بالدواء، قوّته أو تركيزه، وشكله. وإن كانت الصورة لم تتّضح بعد، فإنّ التفاصيل تُعرض لكم بعد ذلك بكل وضوح.

في البدء هناك الاسم. يحمل كلّ دواء اسمًا عامًا يُشير إلى المادّة الفعّالة الّتي يحتويها، ومع ذلك، فإنّ الاسم الّذي يظهر في العنوان هو اسم الدّواء التّجاريّ الّذي تختاره وتُسوّقه الشّركة المُنتِجة. على سبيل المثال، يُسوّق الدّواء المُستخدم لعلاج الاكتئاب واسمه العام فلوكستين في إسرائيل، تحت الأسماء التّجاريّة بروزاك، فلوتين، وبريزما. وعادةً ما تبذل الشّركات جهودًا ضخمة في البحث عن أسماء جاذبة وفريدة بما يكفي، لتجنّب أيّ تشابه مع أسماء تجارية أخرى، ولضمان عدم ارتباطها بمعانٍ سلبيّة في الثّقافة المحلّيّة. على سبيل المثال، تمّ تعديل اسم الدّواء زوميتا (Zometa)، المُستخدَم لمنع تدهور العظام، إلى زوميرا في البلاد، لتجنّب التّشابه اللّفظيّ المُحرِج مع العبارة العبريّة "זו מתה" (زو=هذه،  ميتا=ميتة).

ستجدون تحت اسم الدواء أو بجانبه معلومات حول جرعة الدواء، أي كميّة المادّة الفعّالة أو تركيزها. يُمكن تحديدها بوحدات قياس الوزن كالميكروغرام، المليغرام، أو الغرام، أما التّركيز فيُعبّر عنه  بالنّسبة بين كمّيّة المادّة الفعّالة وكمّيّة المادّة المذيبة، وهي المادّة الخاملة الّتي تُرافِق المادّة الفعّالة. للإيضاح، يُسوّق الدواء ليبيتور، المستخدم لخفض مستويات الدّهون في الدّم، بقوىً تتراوح بين 10، 20، 40 وَ-80 مليغرام. ويأتي دواء كوباكسون، المُستخدم في علاج التّصلّب المتعدّد، في محلول بتركيزين: 20 مليغرام لكل مليلتر وَ-40 مليغرام لكل مليلتر.

تنبع الحاجة إلى جُرَع الدّواء المتنوّعة من التّباين بين المرضى وحاجاتهم. إذ يُفترض بالعلاج أن يُراعي عمر المريض ووزنه، شدّة حالته المرضيّة وبالطّبع أيّ أدوية أُخرى قد يتناولها في الوقت ذاته. مثلًا، يُعطى مسكّن الألم وخافض الحرارة، باراسيتامول، للبالغين بجرعات تتراوح بين 500 وَ-1000 ملغ لكل جرعة، بينما يتلقّى طفل بوزن 3 كيلوغرامات 45 ملغ لكل جرعة فقط. ونظرًا لكون الكثير من كبار السّنّ يُعانون من تراجع في وظائف الكبد والكلى، المسؤولتيْن عن التّخلّص من السّموم من الجسم، بما في ذلك الأدوية، ممّا يعني أنهم سيحتاجون إلى جرعات أقلّ.

هناك عوامل أخرى تؤثّر على تحديد الجرعة الصّحيحة. لنأخذ مرض الصرع على سبيل المثال، وهو حالة مرضيّة معقّدة قد تتطلّب أحيانًا استخدام مزيج من عدة أدوية معًا للسّيطرة على أعراض المرض بفعاليّة. يتطلب دمج الأدوية عناية فائقة وحذرًا شديدًا لإضافة  الأدوية أو إزالتها وتعديل قوّتها للوصول إلى التّركيبة العلاجيّة الأكثر فاعليّة.

هناك أدوية تتطلّب الحفاظ على مستوى ثابت منها في الدم لتكون فعّالة أو آمنة، كدواء الوارفارين المضادّ للتّخثّر، لأنّ أيّ انحراف صغير للأعلى من المستوى المطلوب قد يكون سامًّا، وبالمقابل أيّ انحراف صغير للأسفل قد ينتهي  بتكوين جلطات. بالتّالي  تُسوَّق أقراص الوارفارين بمجموعة واسعة من القوى، لمساعدة المرضى على تحديد الجرعة بدقّة.


هناك اسم عام لكل دواء، وهو الاسم الّذي  يُشير إلى المادّة الفعّالة الّتي يحتويها. بالإضافة، هنالك  اسم  الدّواء التّجاريّ الّذي تختاره وتُسوّقه الشركة المنتج. أدوية مختلفة. | Shutterstock, Natalia Klenova

تتعدّد طرق تقديم الدّواء وتناوله، وهي عامل حاسم في فعاليّته. وعندما نفكّر بالدّواء، عادةً ما نتصوّر الأقراص والكبسولات، الّتي تُؤخذ عبر الفم، إلّا أنّ هناك أساليب متنوّعة أخرى لإيصال الدّواء إلى الجسم. منها استخدام المراهم للدّهن على الجلد، الحقن تحت الجلد، الحقن الوريديّة، قطرات ومراهم خاصّة بالعيون، الأذنين أو الأنف، بالإضافة إلى الاستنشاق عبر البخّاخات، والتّطبيقات المهبليّة أو الشّرجيّة.

تُحدّد كلّ طريقة من هذه الطّرق العقبات الّتي يجب على الدواء تجاوزها ليصل إلى هدفه. فلو نظرنا إلى الأدوية الّتي تُعطى من خلال الفم، يتعيّن عليها تحمّل البيئة الحمضيّة الشّديدة للمعدة أوّلًا، ثمّ التّحلّل والذّوبان، تجنّب التّفكّك بواسطة الإنزيمات الهاضمة، وتجنّب التّصريف من خلال أنسجة الهضم المخاطيّة، وثمّ النّفوذ عبر جدران الأمعاء إلى مجرى الدّم، وتفادي التّفكيك والإزالة في الكبد. لهذا السّبب، يُفضّل إعطاء الهرمون تستوستيرون، الّذي يتفكّك في الكبد، إمّا عبر الحقن أو عن طريق الجلد.

عندما نتحدّث عن أدوية للاستخدام الموضعيّ،عادةً ما  نقصد المراهم، المحاليل والمستحضرات الّتي توضع على الجلد، إلّا أنّها لا تنحصر بالجلد فقط، بل تشمل كذلك أعضاء خارجيّة أخرى مثل العينين، الأذنين، الأنف، المهبل ومنطقة الشرج. غالبًا ما تُصمّم هذه الأدوية  لتُبقي الجزء الأكبر من المادّة الفعّالة في المنطقة المصابة، دون أن تنفذ  إلى مجرى الدّم، ممّا يسمح بعلاج المنطقة المستهدفة مباشرةً دون التأثير على باقي الجسم. الكورتيكوستيرويدات مثلًا، هي فئة من الموادّ المضادّة للالتهاب الّتي تُستخدم في العديد من المستحضرات الموضعيّة، لعلاج أمراض الجلد مثل الإكزيما والصدفيّة. وفي حال لم يكن العلاج الموضعيّ  كافيًا، قد يؤدّي اللّجوء إلى البلع أو الحقن إلى أعراض جانبيّة خطيرة.

هنالك صيغ عدّة جرعة الدواء، أي طرق شتى لنقل جزيئات الدّواء إلى الموقع المستهدف داخل الجسم. يُتيح هذا التّنوّع ملاءَمة العلاج الدوائيّ لتلبية الاحتياجات الطّبّيّة والتّفضيلات الشّخصيّة لكلّ من المريض والفريق الطّبّيّ. يُمكن أن يُعطى المكوّن الفعّال في هيئة مستحضر صلب كالأقراص، الكبسولات، المساحيق، الخيوط أو اللّصقات الجلديّة؛ أو في هيئة مستحضر شبه صلب كالمراهم، الجلّ أو الكريمات؛ أو كمستحضر سائل كالقطرات، المحاليل للحقن، المعلقات أو الشراب. الاختيار الصحيح لشكل الجرعة  يُسهِّل من وصول المُكوّن الفعّال إلى الأعضاء أو الأنسجة المستهدفة، لتحقيق التّأثير المرجوّ.

تلعب العديد من العوامل دورًا في اختيار صِيغة الدّواء المناسبة. على سبيل المثال، يُفضّل تقديم الأدوية ذات الطّعم المُرّ في صورة كبسولات بلا طعم؛ أمّا الراغبون في الإقلاع عن التّدخين، فيُنصحون بلاصقات النيكوتين الّتي تُطلِق النيكوتين بشكل تدريجيّ ومتواصل، ممّا يساعد على التّحكّم في مستويات المادّة المسبّبة للإدمان في الدّم. وبالنّسبة لأدوية العيون، فهي تُعطى على شكل محلول صافٍ ومائيّ لا يؤثّر على الرّؤية، لكن يظلّ في العين لمدّة قصيرة فقط، أو كمرهم يعمل بشكل معاكس للقطرات، ويُحدّد الاختيار بينهما بناءً على طبيعة المشكلة الصّحّيّة للعين وغيرها من العوامل. أمّا المرضى الّذين يجدون صعوبة في بلع الأقراص كالأطفال، فيُمكنهم الاستفادة من الشّراب أو المسحوق.


يستفيد المرضى الذين يجدون صعوبة في بلع الأقراص، كالأطفال، من الدواء المحلول أو المسحوق. طفلة تنظر الى معلقة من المحلول.| Shutterstock, Kaspars Grinvalds

الفصل الأوّل: إلى أين وصلنا؟

آن الأوان للغوص في عمق النّشرة. لقد اطّلعنا على اسم الدّواء ومكوّناته، ولكن هل هذا هو الخيار الأمثل لنا؟ وما هو الغرض منه؟

يُكرّس الفصل الأوّل من النشرة كدليلٍ للاستخدامات والفئة العلاجيّة للدّواء، أو بعبارة أبسط، لأيّ غرض تمّ تطوير الدّواء. يُشار هنا إلى الحالات الصّحّيّة أو الأمراض الّتي يُصرّح باستخدام الدّواء لعلاجها. بالنّسبة للأطباء، يحدّد دليل الاستخدامات الظّروف الّتي يُمكنهم فيها وصف الدّواء للمرضى، وبالتّالي يحدّد أيضا الحالات الطّبّيّة الّتي يُحظر عليهم وصفه لها.

تُعبر الفئة العلاجيّة عن الفئة الأوسع أو مجموعة الموادّ الّتي ينتمي إليها الدّواء. غالبًا ما يتمّ التّصنيف استنادًا إلى آليّة العمل، أو يُجمع تحته كافّة الأدوية المُعالجة لمرض محدّد. مثلًا، يُشار إلى الميتفورمين كعلاج لسكّري النّمط الثّاني، وخاصّةً للأشخاص ذوي الوزن الزّائد، وينتمي إلى فئة مركّبات البيغوانيد لخفض مستويات الجلوكوز في الدّم.

رغم أنّ دليل الاستخدام يحدّد الحالات الّتي يُمكن فيها وصف الدواء بدقّة، إلّا أنّه ومع مرور الوقت، تتراكم معرفة وتجربة عمليّتين تُظهر فعاليّة الأدوية في حالات غير تلك المُحدّدة مسبقًا. يستفيد الأطبّاء من هذه المعلومات لتوسيع دائرة استخدام الأدوية، ويُعرف هذا الاستخدام بـِ"خارج التّصريح" أو- Off-label، وصُمّم خصيصًا لتجاوز الفجوة بين النّصّ القانونيّ والتّطبيق العمليّ. لو أخذنا الميتفورمين كمثال، يُمكن بالإضافة إلى استخدامه المُعتمد، استخدامه في علاج متلازمة المبيض المتعدّد الكيسات، سكّري الحمل، وحتّى كوقاية من بعض أمراض الشّيخوخة وغيرها. عادةً ما تطلب السّلطات الصّحّيّة إجراء أبحاث موسّعة، قبل الموافقة على استخدام جديد لدواء معتمد. 


رغم أنّ دليل الاستخدام يحدّد الحالات التي يُمكن فيها وصف الدواء بدقّة، إلّا أنّه ومع مرور الوقت، تتراكم معرفة وتجربة عمليتين تُظهر فعالية الأدوية في حالات غير تلك المُحدّدة مسبقًا. علبة دواء عليها مليئة بالأقراص والكبسولات وتحمل إشارة تحذير.| Shutterstock, Olivier Le Moal

الفصل الثاني: في الأزقّة المظلمة

لكلّ دواء جانبه المظلم - أزقّة ضيقة ومظلمة حيث تتربص حساسيّات خطيرة، أعراض جانبيّة غير مريحة، بل ومهدّدة للحياة أحيانًا، وتفاعلات دوائية ضارة. الفصل الثّاني من النّشرة، موجّه للاستخدام قبل بدء العلاج، يهدف إلى تسليحنا بالمعرفة لتجنّب هذه المخاطر، أو التعرف على العلامات التّحذيريّة والتّصرّف بسرعة قبل تفاقم الوضع.

يبدأ هذا القسم بتسليط الضّوء على "الموانع"، أو متى لا يمكن تناول الدّواء؟ - الحالات الّتي يُحظر فيها تناول الدّواء. أوّلًا وقبل كلّ شيء، يُحذر من تناول الدّواء إذا كنتم تعانون من حساسيّة معروفة تجاه المادّة الفعّالة أو أي من المكوّنات الأخرى.

الحساسيّة هي نتيجة ردّ فعل مناعيّ مفرطة ضدّ مادّة غير ضارّة بالأساس، وعادةً ما تتسبّب الحساسيّة بصعوبات في التّنفس، الحكّة، الطّفح الجلديّ، وفي الحالات الشّديدة قد تؤدّي الى انخفاض ضغط الدّم، فقدان الوعي بل وحتّى الموت. وبالطبع، هناك موانع استخدام أخرى غير الحساسيّة. استخدام الدواء ايزوتريتينوين، على سبيل المثال،  لعلاج حبّ الشباب، يُمنع بشكل قاطع للنساء الحوامل بسبب خطر العيوب الخلقيّة. كما يُمنع استخدامه في حالات معيّنة مثل مرض الكبد أو لمن يعاني من مستويات دهون عالية جدًّا في الدم، حيث يمكن أن يزيد الدواء من خطورة هذه الحالات.

بعد سرد الموانع، يتمّ مباشرة تفصيل قائمة التحذيرات، وهي الحالات التي يُسمح باستخدام الدواء فيها، لكن مع أخذ الاحتياطات اللازمة أو البقاء تحت المراقبة الطبّيّة. في هذا السياق، تُطرح الحالات التي يُسمح باستخدام الدواء فيها فقط عند عدم وجود بدائل علاجيّة أخرى. نشرة إيزوتريتينوين، على سبيل المثال، تحذّر من إعطائه لأشخاص عانوا من أمراض نفسيّة سابقة، نظرًا لإمكانيّة تفاقم مخاطر الإصابة بالاكتئاب. يُحذّر أيضًا الرياضيّين من استخدامه بسبب الأضرار المحتملة على العضلات، ويُنصح بتجنّب التعرّض المباشر لأشعّة الشمس، واستخدام مستحضرات لمكافحة جفاف الجلد والعينين للوقاية من الأعراض الجانبية. والتوصية هنا لا تنصّ على  المنع التامّ، بل على استخدام الدواء بعقلانيّة تحت إشراف طبّيّ مُحكم.

كما هُناك أحيانًا فقرات إضافية مُنفصلة تتناول جوانب معيّنة، مثل تلك المتعلّقة بالأطفال، التدخين، أو الاختبارات والمتابعة الطبّيّة، حالات أو فئات سكّانيّة مُحدّدة. على سبيل المثال، هل الدواء مناسب للأطفال، كبار السنّ، مرضى الكلى، أو المدخّنين؟ هل يتوجّب إجراء فحوصات خاصّة أثناء العلاج أو قبل بدايته؟ هل من المُمكن تناول الكحول خلال فترة العلاج؟


تتسبّب الحساسيّة بصعوبات في التنفّس، الحكّة، الطفح الجلديّ وفي الحالات الشديدة قد تؤدّي إلى انخفاض ضغط الدم، فقدان الوعي بل وحتّى الموت. شخص مع إسوارة تشير إلى حساسيته يحمل حفنة من أقراص الدواء.| Shutterstock, Angela Schmidt

عادةً ما تحظى التفاعلات بين الأدوية اهتمامًا خاصًّا، وهي الحالات التي يمكن أن يؤثّر فيها دواء معيّن على فعاليّة دواء آخر. تُقسم هذه التأثيرات إلى فئتيْن أساسيّتيْن: التفاعلات الحركيّة-الدوائيّة (Pharmacokinetics)، حيث يؤثّر الدواء على امتصاص، توزّع، استقلاب، أو إخراج دواء آخر، وتفاعلات الديناميكا-الدوائيّة (Pharmacodynamics)، حيث قد تزيد الأدوية أو تقلّل من الفعالية العلاجيّة لدواءٍ آخر. على سبيل المثال، عندما يسرع دواء مضادّ للاكتئاب في تفكيك واستقلاب حبوب منع الحمل بالكبد، ممّا يؤدّي إلى خطر الحمل غير المخطّط له، نشهد تفاعلًا من النوع الحركيّ-الدوائيّ. وعندما يتم تناول مسكن ألم من الأفيونيّات القويّة مع أقراص النوم من فئة البنزوديازيبينات، ويؤدّي أحدهما لتعزيز التأثير المهدّئ للآخر، حتّى يصل إلى نقطة قد تسبّب توقّف التنفّس، فذلك يمثّل تفاعلًا ديناميكيًا.

لا تتساوى جميع التفاعلات بين الأدوية في الأهمّيّة. فبعضها قائم على التكهّنات فقط، ويرجّح بوجودها استنادًا إلى آليّة عمل الدواء، دون أن تُثبت بدراسات علميّة، والبعض الآخر معروف لكنّه نادر الحدوث، ولا يُعتبر ذا أهمّيّة كبرى. وهناك تفاعلات يستعدّ الأطبّاء لتقبّل مخاطرها، طالما يخضع المريض للمراقبة.

نظرًا للمخاطر المحتملة التي تنطوي عليها التفاعلات بين الأدوية، من الضروريّ أن يكون الجميع على دراية بكافّة الأدوية التي يتناولها المريض، بما في ذلك الأطباء والصيادلة والمرضى أنفسهم، لأخذ ذلك بعين الاعتبار عند وصف أو تناول دواء جديد. ينبغي أن يمتدّ هذا الحذر ليشمل الأدوية التي لا تتطلّب وصفة طبّيّة، وحتّى المكمّلات الغذائيّة كالفيتامينات والمعادن والأعشاب، والتي قد تؤدّي هي إيضًا إلى تفاعلات مع الأدوية. كما يجب الانتباه للتفاعلات بين الأدوية وبعض المأكولات، فقد يؤثّر عصير الجريب فروت، على سبيل المثال، بشكل كبير على مستويات بعض الأدوية في الدم، وقد تتسبّب الأجبان الصلبة واللحوم المعالجة، الغنيّة بالتيرامين، في رفع ضغط الدم لمستويات خطيرة عند تناولها مع أدوية معيّنة.


نظرًا للمخاطر المحتملة التي تكمن في التفاعلات بين الأدوية، من الضروريّ أن يكون الجميع على دراية بكافّة الأدوية التي يتناولها المريض، بما في ذلك الأطباء والصيادلة والمرضى أنفسهم. علبة دواء منظّمة بحسب أيّام الأسبوع | Shutterstock, Yana Kho

أمّا بالنسبة للتساؤل الشائع حول ما إذا كان يجب تناول الدواء قبل أو بعد الطعام، فنجد إجابته في قسم استخدام الدواء والطعام في نشرة المعلومات للمستهلك. وبالفعل، يُفضّل تناول بعض الأدوية على معدة فارغة، لتجنّب عسر امتصاصها بسبب وجود الطعام، بينما قد يُنصح بتناول أدوية أخرى بعد الأكل، لتخفيف تأثيرات جانبيّة مثل التهيّج الهضميّ أو الغثيان. يمكننا تناول معظم الأدوية بغضّ النظر عن كمّيّة الطعام في المعدة، لكن من المهمّ الحفاظ على روتين ثابت، بتناولها بأوقات ثابتة إمّا بتناولها دائمًا مع الطعام أو بدونه، لضمان استقرار تركيز الدواء في الجسم، وتسهيل مراقبة أي أعراض جانبيّة.

عندما تتناول المرأة الحامل دواءً، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار بأنّ الجنين قد يتأثّر به أيضًا. ساد الاعتقاد في الماضي أنّ الجنين محميّ في رحم الأم، ولا يتأثّر بالمواد التي تتناولها، بما في ذلك الأدوية. إلّا أنّ هذا المفهوم تبدّل جذريًّا في ستينيّات القرن العشرين، بعد الأزمة الصّحّيّة بل والفضيحة التي تسبّب بها دواء الثاليدوميد، الذي كان يُستخدم كعلاج للغثيان للنساء الحوامل وأدى إلى ولادة آلاف الأطفال بتشوّهات خلقيّة خطيرة. وأصبح هذا المفهوم أكثر شمولًا في السبعينيّات، عندما أظهرت الدراسات أنّ الهرمون الصناعي دياثيل ستيلبسترول، الذي كان يُعطى للنساء الحوامل لمنع الإجهاض، يمكنه أن يسبّب تشوهات خلقيّة في الجهاز التناسليّ للأجنّة، ويزيد من خطر الإصابة بالسرطان.

في الوقت الراهن، يُصنّف مستوى الخطر الذي قد يُشكّله الدواء على الجنين إلى عدّة فئات. مع ذلك، لا تفصح نشرات المعلومات الطبّيّة بشكل قاطع بأمان الدواء للاستخدام في قسم الحمل والرضاعة، بل تُوجّه الأمهات المستقبليّات لاستشارة الطبيب أو الصيدليّ. تكمن المشكلة في أنّ الدراسات السريريّة للأدوية الجديدة تميل إلى استبعاد النساء الحوامل من عيّناتها بدافع الحذر، ممّا يحدّ من توفّر المعلومات الكافية، لتقييم أمان الدواء لهذه الفئة بشكل قاطع. كذلك، تفضّل شركات الأدوية عدم الإعلان عن أمان استخدام أدويتها خلال الحمل، لتجنّب المخاطر القانونيّة في حال حدوث أيّ ضرر للجنين.

العديد من الأدوية قد تؤثّر على يقظة المستخدمين، مسببةً لهم النعاس أو الدوخة، كما قد تُحدث اضطرابات في الرؤية، تُبطئ من سرعة الاستجابة، أو تؤثّر سلبًا على القدرات الحركيّة. في هذه الحالات، يُشير قسم السياقة واستخدام الآلات في النشرة الإرشاديّة إلى ضرورة الامتناع عن تناول هذه الأدوية، قبل القيام بأنشطة تتطلّب تركيزًا ويقظة عاليَيْن مثل القيادة، ركوب الدراجات، تشغيل آلات خطيرة وما إلى ذلك.

تحتوي النشرة الإرشاديّة، بالإضافة إلى ذلك، معلومات حيويّة تخصّ بعض المكونات غير الفعّالة المستخدمة في الدواء، والتي تشمل مواد حافظة، مثبّتات، مواد مالئة، مواد تشحيم، مواد للنكهة والرائحة، وغيرها. قد تُسبب بعض هذه المكوّنات بإثارة الحساسيّة لدى بعض الأشخاص. في إسرائيل، يُتبع في هذا الشأن المعايير والتوجيهات الصادرة عن الوكالة الأوروبيّة للأدوية، التي تحدد  بوضوح المكوّنات، التي قد تشكل خطرًا على ذوي الحساسيّة تجاهها. 


على المرأة الحامل ان تكون على دراية بأن الجنين قد يتأثر هو الآخر عند تناولها الدواء المرأة الحامل دواءً، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار بأن الجنين قد يتأثر به أيضًا. إمرأة حامل تحمل الدواء وتطالع نشرة المعلومات للمستهلك.| Shutterstock, SNeG17

الفصل الثالث: دليل السائح

عند زيارة مكان جديد، من المهم معرفة كيفيّة التعامل مع السكّان المحلّيّين، ما هي قواعد السير على الطرق؟ هل من المعتاد ترك بقشيش في المطعم؟ وأين يمكن شراء تذكرة يوميّة للقطار؟ فأنت بالتأكيد لا تودّ أن تكون الوحيد الذي يسير على الجانب المخالِف من الطريق. صُمّم الفصل "كيف تستخدم الدواء؟" ليحميَنا من متاعب نحن بالغنى عنها في وجهتنا غير المألوفة … وهي الدواء الجديد.

يوضّح هذا الفصل كيفيّة تناول الدواء وكيفيّة استخدامه، وعادةً ما يُفصّل الإرشادات بخصوص الجرعة، تواتر الاستخدام ومدّة العلاج المعتادة. في حالات أخرى، أو عندما يتعلّق الأمر بعلاج خطير أو معقّد، ستُحيل النشرة المريض لطلب المعلومات من الطبيب. نجد هنا أيضًا تعليمات وتحذيرات متعلّقة بكيفيّة استخدام الدواء، مثل ما إذا كان يُسمح بسحق أو تقسيم القرص، أين يجب أن تُعطى الحقنة في الجسم، هل يجب هزّه قبل الاستخدام، هل يُمنع البلع، وإذا ما كانت المادّة مُخصّصة للاستخدام الخارجيّ فقط وغيرها. كما يُذكر ما يجب فعله في حالات تناول جرعة زائدة، تخطّي جرعة أو التوقّف المفاجِئ عن العلاج.

الهدف من هذا الفصل هو تزويد الشخص العاديّ بمعلومات واضحة، والّتي تساعده على تناول الأدوية بنجاح، إلّا أنّه في الواقع  المؤسف يتناول العديد من المرضى الأدوية بجرعات غير صحيحة، بتواتر عالٍ جدًّا أو منخفض جدًّا أو بطريقة خاطئة. على سبيل المثال، عندما كنت صيدلانيّة واجهت مرضى يرشّون بخّاخ الأنف في فمهم، أو يبلعون قطرات من مستحضر سائل مُعدّ لعلاج موضعيّ للفطريات على الجلد. وفي حالة أُخرى، لم ينسّق الوالدان فيما بينهما إعطاء المضادّ الحيويّ  لابنتهما وتناولت جرعات بتواتر ضعف المطلوب.

إليكم هذه الحالة الروائية المأخوذة من مسلسل "هاوس"، حيث تقوم مريضة باستخدام جهاز الاستنشاق بخلاف التعليمات:

 الفصل الرابع: توقّع غير المتوقع

قد تُفسد المفاجآت غير المتوقّعة، مثل هطول أمطار غزيرة أو إضراب في وسائل النقل، رحلة كانت تبدو ممتعة، كذلك قد يرافق استخدام الدواء أعراض جانبيّة مزعجة. تُمثّل هذه الأعراض ردود فعل غير مقصودة، غير مرغوب فيها أو ضارّة، والّتي تحدث بجانب الفائدة الطبّيّة المرجوّة من الدواء.

يُعدّ الفصل المخصّص للآثار الجانبيّة في النشرة من أكثر الأقسام إثارةً للجدل، ويعود ذلك لأسباب متعدّدة، فيعتقد البعض أنّه يُقدّم قائمةً لا نهائيّة وغير واقعيّة بكافّة الآثار الجانبيّة الممكنة، وُضعت أساسًا لحماية الجهة المصنعة من الدعاوى القضائيّة، لذلك لا يمكن الاعتماد عليها. بينما يتجنّب آخرون قراءتها خوفًا من القلق الذي قد تُسبّبه. وهناك من يُسرِعون لإلقاء اللوم على الدواء لأيّ أعراض يواجهونها أثناء استخدامه، حتّى لو كانت هناك تفسيرات أخرى محتملة. مع ذلك، من الضروريّ الإشارة إلى أنّ كلّ الأعراض الجانبيّة المُدرجة في النشرة، قد تمّ التوصل إليها عبر الدراسات العلميّة، وبالتالي من المهمّ أن نطالعها لنكون على دراية بما قد نتوقّعه، وكيف نتصرّف إذا ما واجهنا أحد هذه الآثار.

تُصنّف الأعراض الجانبيّة ضمن النشرة بحسب شدّتها ومدى تكرارها. تظهر الأعراض الجانبيّة الخطيرة أو المهدّدة للحياة في صدارة القائمة، مرفقة مع توجيهات بضرورة إيقاف العلاج والتوجه فورًا للحصول على المساعدة الطبّيّة. وعادة ما تُصنّف الأعراض الجانبيّة على أنّها خطيرة إذا كانت تهدّد الحياة، تستلزم الدخول إلى المستشفى، تسبّب عجزًا أو إعاقة كبيرة، تؤثّر على سلامة الحمل، تُسبّب تشوهات خلقيّة، أو تتطلّب تدخّلًا طبّيًّا لمنع تدهور الحالة.

تتبع ذلك قائمة بكافّة الأعراض الجانبيّة الأخرى المحتملة، مُرتبة وفقًا لمدى شيوعها وتكرارها، بدءًا من تلك الشائعة جدًّا والتي تحدث لأكثر من واحد من كلّ عشر مرضى، مرورًا بالشائعة (واحد من كلّ مئة على الأقلّ)، إلى غير الشائعة (واحد من كل ألف على الأقل)، وصولًا إلى النادرة (واحد من كل عشرة آلاف على الأقل)، وأخيرًا النادرة جدًّا التي نادرًا ما تؤثّر على المرضى. يمكننا فهم هذه التصنيفات في تجنّب المخاوف، إذ يُظهر التصنيف أنّ احتماليّة التعرّض للأعراض الموجودة في نهاية القائمة منخفضة للغاية. لكن، تجدر الإشار الى رجوح  الأعراض الجانبيّة النادرة أحيانًا، وأنّ بعضها قد يشكّل خطرًا حقيقيًّا يهدّد حياة المريض، ويتطلّب استجابة طبّيّة سريعة.

من خلال عمليّة الموافقة على استخدام الدواء، يتعيّن على الشركات المصنعة إثبات أنّ فوائد الدواء تفوق المخاطر المرتبطة باستخدامه. يتكفّل مجال اليقظة الدوائيّة (pharmacovigilance أو سلامة العلاج الدوائيّ) في الصيدلة بجمع، تحديد، وتقييم المعلومات التي تسهم في تقليل معدّل الأعراض الجانبيّة للأدوية. كما يستمرّ رصد المعلومات في هذا المجال حتّى بعد طرح الدواء في السوق، إذ قد تظهر آثار جانبيّة طويلة الأمد، أو نادرة لم يكن ممكنًا رصدها خلال التجارب السريريّة، كما قد يطرأ تغير في تكرار الأعراض الجانبيّة المعروفة سابقًا. ألزمت التشريعات في إسرائيل المؤسّسات الطبّيّة بالإبلاغ عن الآثار الجانبيّة للأدوية بدءًا من العام 2013، ونحن كمرضى أيضًا بإمكاننا الإبلاغ عنها بأنفسنا إلى الطبيب المعالج أو من خلال موقع وزارة الصحّة.

للمتابعة هنا  تأثير عمليّ ملموس؛ على سبيل المثال، تم سحب مسكن الألم الشهير فيوكس (Vioxx) من الأسواق في عام 2004، بعد خمس سنوات من الموافقة على استخدامه، إذ تبيّن أنّ استخدامه المطوّل يزيد من خطر الإصابة بأزمات قلبيّة وسكتات دماغيّة.


يستمرّ رصد المعلومات في هذا المجال حتّى بعد طرح الدواء في السوق. نشرة ورقيّة تفصّل الأعراض تحتوي تفصيلًا للأعراض الجانبيّة.| Shutterstock, Zerbor

الفصل الخامس: هل حزمتم أمتعتكم بأنفسكم؟

التغليف السليم هو أمر ضروريّ وحاسم، كما يعلم يقينًا كلّ من نسي قطعة شوكولاتة في جيبه خلال يوم صيفيّ حارق. تأخذنا رحلتنا في دليل المستهلك إلى كيفيّة تخزين الدواء. ضمن أمور اخرى، سيتمّ في هذا الفصل شرح الظروف المثاليّة لحفظ الدواء، مثل الدرجة المناسبة للحرارة والرطوبة، حساسيّته للضوء، الإجراءات المتّبعة عند انقضاء تاريخ الصلاحيّة، والمدّة التي يبقى خلالها صالحًا للاستخدام بعد فتحه.

كما نعلم، فإنّ الأدوية المخزّنة في ظروف غير ملائمة قد تفقد فعاليتها، تتلّوث، تتدهور، وقد تصبح مضرّة لمستخدميها. رغم أنّ تاريخ الانتهاء المحدّد من قِبل الشركة المصنّعة يضمّ عادةً هامشًا من الأمان، إلّا أنّه من المُفضّل دائمًا الحرص وعدم استخدام الأدوية منتهية الصلاحية. كما أنّه من الضروريّ أن نتذكّر حساسيّة بعض الأدوية للعوامل البيئيّة، وأنّ الشركة المصنّعة وحدها هي التي يمكنها الموافقة على تمديد صلاحية الدواء، استنادًا إلى اختباراتها الداخلية. مثلًا، قد يبقى قلم الإبيبن الذي يحتوي على الإبينفرين لعلاج حالات الحساسيّة الشديدة المهدّدة للحياة، صالحًا للاستخدام لمدّة تصل إلى عامين بعد انتهاء صلاحيّته تحت ظروف مثاليّة، لكن إذا ما تعرّض لدرجات حرارة شديدة الارتفاع أو الانخفاض، فقد يتأثّر أداؤه حتّى خلال فترة الصلاحيّة المُعلنة.

يتوجّب كذلك حفظ الدواء بعيدًا عن متناول الأطفال والرضّع، لتجنّب مخاطر التسمّم. إذ تُظهر بيانات وزارة الصحّة أنّ حوالي نصف حالات التسمّم التي تمّ الإبلاغ عنها للمركز الوطنيّ للمعلومات حول التسمّم عام 2022، كانت مرتبطة بالتسمّم من خلال الأدوية، وشملت نصف هذه الحالات الأطفال دون السادسة على وجه الخصوص. تنجم غالبية هذه الحالات التسمّم عن حفظ  الأدوية في متناول يد الأطفال، إلّا أنّ هنالك حالات تسمّم أخرى تحدث نتيجة الاستخدام الخاطئ للأدوية أو تناول الجُرَع الزائدة. تقع المسؤوليّة عن منع هذه المخاطر على عاتق الأهل بالطبع .

أخيرًا، يُحظر التخلّص من الأدوية عبر إلقائها في سلة المهملات، الحوض، أو شطفها في المرحاض بشكل قاطع، إذ يمكن أن تنتهي بقاياها في مصادر مياه الشرب والأنظمة البيئيّة، ما يُسبّب تلوثًا ضارًّا. بدلًا من ذلك، يجب إعادة الأدوية التي انقضت مدّة صلاحيّتها إلى الصيدليّات أو العيادات، حيث يُعتنى بها بالطريقة الصحيحة، ويتمّ التخلّص منها بشكل آمن. كما يُوصى أيضًا  تقديم الأدوية التي لا تزال صالحة للاستخدام، ولم تعد هناك حاجة إليها إلى منظمات مثل أصدقاء الطبّ، التي تقوم بدورها بإعادة توزيع هذه الأدوية على المرضى الذين يحتاجون إليها، ما يُعدّ مساهمة قيمة في دعم الصحّة العامّة والمسؤوليّة البيئيّة.


يظهر هنا تحذيرٌ للحفاظ على الدواء بعيدًا عن متناول الأطفال والرضّع لتجنّب مخاطر التسمّم. طفل صغير يمده لقارورة الدواء.| Shutterstock, Zhuravlev Andrey

الجزء السادس: بالخط الرفيع

ستجدون تحت العنوان "معلومات إضافيّة" معلومات عن المكوّنات غير الفعّالة للدواء، مُرتّبة تنازليًّا حسب الكمّيّة، وشكل الدواء، اللون وميزات أخرى تُسهّل تمييزه، بالإضافة إلى أحجام العبوات المتوفّرة في السوق المحلّيّ، ومعلومات عن المُصنّع وصاحب الترخيص، وهي الشركة المُخوّلة بتسويق الدواء في الدولة. من الضروريّ جدًّا أن يعرف المرضى الذين يستخدمون العديد من الأدوية، أو من يُعتنون بهم، شكل الأقراص والكبسولات التي يتناولونها. فليس من المُستغرب أن تحدث أخطاء عندما تُستبدل الصيدلية دواء بنسخته الجنيسة، التي تحتوي نفس المادة الفعّالة ولكن مظهرها مختلف قليلًا.

في النهاية تُقدّم النشرة معلومات حول آخر تحديث لها، فشركات الأدوية مُلزمة بتحديث العامّة بأيّ معلومات جديدة تخصّ الدواء.

الاستثمار في الوقت لقراءة النشرة يستحقّ العناء

قصة حقيقية تُروى: تمّ نقل شابة حامل إلى المستشفى بسبب حمى مرتفعة ومستمرة لم تستجب للعلاجات المعتادة. تبيّن خلال فترة الإقامة في المستشفى أنّ الحمّى ناجمة عن عدوى يُمكن معالجتها بالمضادّ الحيويّ سيبروفلوكساسين. كما تم تشخيصها بفقر دم تم علاجه بمكملات الحديد. أطلق الأطباء سراحها إلى منزلها مع وصفة لسيبروفلوكساسين والحديد، لكونهم قلقين من احتمالية إصابتها بعدوى أخرى في المستشفى.

ألا أن حرارة الشابة ام تنخفض على الرغم من العلاج. اكتشفت والدة المريضة بعد مراجعة النشرات المرفقة مع الأدوية، أنه يجب عدم تناول نوعيْ الدّواء معًا بسبب تفاعل دوائي بينهما، والّذي بدوره يمنع امتصاص كليهما. وفعلًا، بعد أن أخذت الأدوية بشكل منفصل، اختفت حمى المريضة خلال أسبوع وتحسنت حالتها الصحّيّة. وهكذا تمكّنت امرأة ذكية دون تأهيل طبّيّ أو مهنيّ من التغلّب على مشكلة خطيرة في العلاج الدوائيّ، بفضل النشرة الإرشاديّة.

إذًا، النشرة ليست مجرّد قطعة ورق بلا قيمة، بل هي عنصر هام يُمكِّن كلّ شخص من فهم العلاج الدوائيّ المُقدَّم له، ويتيح له المشاركة في اتّخاذ القرارات المتعلّقة بصحّته، التواصل مع الفريق الطبّيّ، والمساهمة في نجاح العلاج. لذا، فضلًا لا تتجاهل النشرة ولا تخف منها - وكما فعل نيو، اختر الحبّة الحمراء. فالنشرة مُصمَّمة لتحسين حياتكم.

 

0 تعليقات