احتياطيّ هائل من البترول، مركبة فضائيّة إلى المرّيخ، الأضرار البيئيّة النّاجمة عن الجزر الاصطناعيّة - والهندسة المعقّدة في برج خليفة. كلّ ما تحتاج من معلومات عن الشّريك الجديد لإسرائيل في الخليج الفارسيّ
بعيدًا عن السّياسة والاعتبارات السّياسيّة، تنكشف الصّورة شيئًا فشيئَا، ويتّضح من خلالها أنّ إسرائيل ستجني أرباحًا طائلة، من خلال شراكتها المرتقبة مع الإمارات العربيّة المتّحدة، يشمل ذلك أيضًا مجالَي العلوم والتّكنولوجيا لقد قفزت هذه القوّة النّفطيّة الواقعة شرقي شبه الجزيرة العربيّة قفزةً تكنولوجيّةً مثيرةً للإعجاب، إذ بدأت تستثمر الموارد الضّخمة، في إطار خطّة بعيدة المدى، في تطوير مشاريع تهدف إلى وضع حدّ لاقتصار اقتصادها على واردات الوقود الأحفوريّ. أثمرت هذه الخطّة عن إقامة خطّة فضائيّة طموحة، واستثمار في الأبحاث والهندسيّات وغيرها.
مع انكشاف الاتّصالات الجارية بين الدّولتين في الأسبوع الماضي، شرعنا في فحص نعاين من خلاله وضع صديقتنا الجديدة، وهويّتها العلميّة والتّكنولوجيّة والهندسيّة.
البترول
الخليج الفارسيّ هو المنطقة الأغنى عالميًّا بالوقود الأحفوريّ. حيث يوجد فيه حوالي ستين بالمئة من احتياطيّ النّفط، وأربعين بالمئة من احتياطيّ الغاز الطّبيعيّ المتوفّر للبشريّة. تعود هذه الوفرة الكبيرة إلى التّاريخ الجيولوجيّ المستقرّ للمنطقة، والذي أتاح للطّبقات الصّخريّة الرّسوبيّة التّرسب في قاع البحر القديم بشكل متواصل عبر مئات ملايين السّنين، والاحتفاظ بكمّيّة كبيرة من الموادّ العضويّة في داخلها. يبلغ سمك الطّبقات الصّخريّة في عدد من الأماكن أكثر من ثلاثة عشر كيلومترًا، تُؤثّر بضغطٍ عالٍ جدًّا على أجزائها العميقة.
يؤدّي الضّغط العالي ودرجات الحرارة العالية السّائدة في أعماق قشرة الكرة الأرضيّة إلى تحليل الموادّ العضويّة المدفونة في الصّخور وتحويلها، من خلال هذه العمليّة، إلى بترول وغاز طبيعيّ. يتدفّق النّفط والغاز الطّبيعيّ بشكل بطيء من خلال مسامات الصّخور الرّسوبيّة إلى أن يصلا إلى طبقة صخريّة غير نفّاذة فيتجمّعان تحتها. بقيت هذه الزّيوت حبيسةً في باطن الأرض بسبب استقرار المنطقة الجيولوجي، الّذي منع تكوّن الإزاحات والتّصدّعات الكبيرة إلى أن أتت ماكينات الحفر والتّنقيب.
تقع الإمارات العربيّة المتّحدة في شبه الجزيرة العربيّة على شواطئ مركز حوض الخليج الفارسيّ، وهي ثالث أكبر منتجة للبترول من بين دول الخليج، والسّابعة على نطاق عالميّ. تصل قدرة إنتاجها إلى حوالي ثلاثة ملايين برميل من النّفط في اليوم الواحد (يتّسع برميل النّفط لـِ 159 لترًا). كما أنّها سابع دولة في العالم من حيث احتياطيّ البترول المتبقّي فيها، والّذي يُقدّر، وفقًا لتصريحات الحكومة الإماراتيّة، بحوالي مئة مليار برميل. سوف ينفد احتياطيّ البترول خلال أقلّ من مئة عام إذا استمرّت دولة الإمارات في إنتاج البترول بنفس الوتيرة الحاليّة، وإذا لم يتمّ اكتشاف مرابض بتروليّة جديدة فيها.
انطلقت الإمارات العربيّة المتّحدة نحو مشروع "رؤيا 2021" تحسُّبًا واستعدادًا لهذه الإمكانيّة الّتي تلوح في الأفق البعيد. يرتكز هذا المشروع بشكل أساسيّ على تنويع مصادر الدّخل، ووضع حدٍّ للتّعلّق المطلق بالوقود الأحفوريّ. تبدو الجهود الّتي بُذلت حتّى الآن واعدةً للغاية: لقد شكّلت صناعة الوقود 85 بالمئة من اقتصاد الإمارات سنة 2009 و تقلّصت اليوم إلى 25 بالمئة فقط. لقد تمّ تصميم المشروع على أساس مبدأ رائد آخر، هو الاستدامة البيئيّة الّتي تتوافق كثيرًا مع تقليص استخدام الوقود المُلّوِّث.
الإمارات العربيّة المتّحدة هي ثالث أكبر منتج للنّفط من بين دول الخليج | تصوير Shutterstock
الجزر الاصطناعيّة
تحتلّ السّياحة حجمًا آخذًا في الازدياد من اقتصاد الإمارات كمصدر دخل جديد. تستثمر الد ولة مبالغَ ماليةً طائلة لهذا الغرض، وذلك من خلال مشاريع إقامة مبانٍ سكنيّة وفنادق فخمة، آملةً في جذب أغنياء العالم إليها. تتصدّر هذه المشاريع إقامة مجموعة من الجزر الاصطناعيّة على طول خطّ السّاحل.
يتم تشييد هذه الجزر من خلال استعادة التّربة، إذ تُسكبُ كمّيّات هائلةٌ من الرّمال داخل مياه البحر الضّحلة، فتتكوّن يابسة جديدة. تُعتبر الجزر الاصطناعيّة الّتي تكوّنت مقابل شواطئ دُبي المدينة، مثل "نخيل جبل عليّ" الشّهيرة، من أكبر الجزر الاصطناعيّة في العالم. لقد تمّ استخراج كمّيّات خياليّة من الرّمال من قاع الخليج لإقامة هذه الجزر.
كان لإقامة هذه الجزر ثمن بيئيّ كبير. لقد أقيمت جزيرة نخيل جبل عليّ مثلًا، مكان المحميّة البحريّة الّتي تحمل نفس الاسم، والّتي شكّلت إحدى المحميّات الطّبيعيّة ذات التنوّع البيولوجيّ الأكبر في الخليج الفارسيّ. وأدّى استخراج الرّمال من قاع البحر إلى تحليق جسيمات صغيرة عكّرت المياه وقلّلت من كمّيّة الضّوء الضّروريّ لنموّ الطّحالب، الّذي يمرّ من خلالها. عندما تترسّب هذه الجسيمات فإنّها تدفن تحتها الكائنات الموجودة في قاع البحر، وتؤدّي إلى تغييرات كبيرة في البيئة الدّقيقة الحساسة في قاع الخليج.
كلّفت إقامة الجزر ثمنًا بيئيًّا باهظًا، فقد أقيمت جزيرة نخيل جبل عليّ مثلًا مكان محميّة بحريّة. تصوير Shutterstock
برج خليفة
لقد اضطرّت الإمارات العربيّة المتّحدة إلى استيراد الرّمل من استراليا لإتمام بناء برج خليفة، لأنّ احتياطيّ الرّمل المستخدَم في البناء نفدَ بعد أن تمّ استخدامه في إقامة الجزر الاصطناعيّة. كما تُبذل موارد ضخمة في إقامة المباني الشّعبيّة وناطحات السّحاب. يشكّل ذلك ركنًا هامًّا آخر من أركان مشروع تنويع الاقتصاد ومصادر الدّخل في الدّولة. وتيرة النّموّ المدنيّ في دُبي - أكبر مدن الإمارات وعاصمة إمارة دبي - هي من أسرع وتيرات النّموّ عالميًّا. أحد الدّلائل الّتي تشير إلى سرعة وتيرة النّموّ المدنيّ هو أنّه في العام 2012 تمّ تشغيل حوالي ثلاثين ألف رافعة ضخمة، وهي ربع عدد الرّافعات الضّخمة في العالم، .
يتصدّر برج خليفة، دون أدنى شكّ، قمّة مشاريع البناء في الإمارات، ويبلغ ارتفاعه 829 مترًا. لقد استُثمر في تخطيط البرج، بالإضافة إلى المبالغ المادّيّة الهائلة، الأفكار الكثيرة الّتي أتاحت لإتمام هذا الإنجاز الهندسيّ غير المسبوق.
إحدى الصّعوبات المركزيّة الّتي تواجه إقامة المباني العالية هي شدّة الرّياح الّتي تصطدم بالمبنى، والّتي قد تكون سرعتها عالية جدًّا، على ارتفاع مئات الأمتار عن سطح الأرض. عندما تهبّ رياح متناسقة على البرج، فإنّها تدفع بالهواء على أحد جانبيه، وتسحبه من الجانب المقابل. تتكوّن، نتيجةً لذلك، منطقةٌ تتأثّر بضغط منخفض في جانب البناية المعاكس لاتّجاه الرّيح. تملأ الدّوّامات (الجيوب الهوائيّة) القادمة من جانبي البناية هذا النّقص بواسطة ضخّ الهواء إليه.
تبقى الدّوّامات الهوائيّة مستقرّة نسبيًّا في مكانها عندما لا تكون الرّياح شديدة، وتبدأ بالتّرنّح من جانب إلى آخر، وتُعطّلُ الجريان السّلس للهواء على وجه المبنى، إذا اشتدت الرّيح وفاقت سرعتها حدًّا معيّنًا. قد تهزّ الدّوّامات المترنّحة البناية وتقلق سكينة الأشخاص فيها، وقد يُشكّلُ ذلك في الحالات المتطرّفة خطرًا على تكامل هيكل البرج.
إحدى الأدوات الرّئيسيّة الّتي تُستخدَم في مواجهة هذه الاهتزازات هي تركيب كابح صدماتٍ ثقيل يشبه لهاة الحلق، في الجزء العلويّ من البرج. يتأرجح كابح الصّدمات في اتّجاه معاكس لاهتزاز البناية، ويقلّلُ من مجال حركتها. لقد ثُبّتَ كابح صدمات كهذا في برج تايبيه 101 في تايوان، الّذي كان أعلى بناية في العالم قبل إتمام بناء برج خليفة.
كابح الصّدمات في تايبيه 101. تصوير Shutterstock
استغنى مهندسو برج خليفة كليًّا عن هذا النّوع من التّكنولوجيا، وفضّلوا حماية البرج من الرّياح، وتثبيته بواسطة شكله الدّيناميكيّ الهوائيّ (اليورو دينامي) فقط. لقد تمّ تخطيط شكل المبنى بحيث يمكنه تعطيل تكوّن الدّوّامات الهوائيّة الدّائمة من حوله مسبقًا، بدلًا من مقاومة تأرجح هذه الدّوّامات، ويَبْطُل بذلك خطر الدّوّامات غير المرغوب بها.
هذه الميزة تتشكّل عن طريق الدّمج بين عدّة أدوات هندسيّة: يتكوّن المقطع العرضيّ للمبنى من ثلاث أرجل داعمة بشكل Y، تتراجع نحو الدّاخل تدريجيًّا مع الصّعود إلى أعلى. يضفي ذلك شكلًا مُحدّبًا للبناية. يتيح هذا الشّكل، بالإضافة لمساهمته المباشرة في تثبيت المبنى، استخدام أداة إضافيّة لمنع الدّوّامات الهوائيّة: تتراجع رِجْلٌ داعمةٌ واحدة فقط من بين ثلاث أرجل نحو الدّاخل في كلّ مقطع من مقاطع البرج، وتظلُّ الرِّجلان الأخريان في ارتفاع إلى الأعالي دون تغيير في عرضها. يضفي التّغيير التّناوبي في العرض شكلًا حلزونيًّا على المبنى، إذ يمنع هذا الشّكل استقرار الدّوّامات الهوائيّة الّتي تتكوّن في الأعالي. يجسّد الفيديو التّالي هذا الأمر:
المركبة الفضائيّة أمل
أقامت الإمارات العربيّة المتّحدة وكالة الفضاء الإماراتيّة سنة 2014، مقتحمةً بذلك مجالًا آخر أكثر طموحًا وتكلفةً. تعمل الوكالة على تطوير الصّناعات الفضائيّة عن طريق التّعاون الدّوليّ وتمويل المسارات الأكاديميّة، وتطوير المهامّ الفضائيّة في مجالات الأبحاث والدّراسات. كانت للوكالة الخاضعة لمركز الفضاء على اسم محمد بن راشد في دُبي إنجازات كثيرة خلال وقت قصير. من ضمن هذه الإنجازات إرسال عدد من الأقمار الاصطناعية، لتدخل في مدارات حول الكرة الأرضيّة، وافتتاح برنامج تعليم للّقب الثّاني في مجال الفضاء، وذلك في معهد "مصدر". يتصدّر إرسال أوّل مركبة فضائيّة عربيّة إلى المرّيخ، قبل حوالي شهر، أعمال وإنجازات الوكالة بدون أدنى شكّ.
أرسلت وكالة الفضاء الإماراتيّة القمر الاصطناعيّ "أمل" إلى كوكب المرّيخ في التّاسع عشر من تمّوز 2019ويُتوقّع وصوله إلى الهدف في شهر شباط / فبراير سنة 2021. كانت تلك أوّل عمليّة إرسال قامت بها الوكالة نحو كوكب آخر. لقد تمّ تصنيع المركبة الفضائيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة باستثمار ومبادرة من الإمارات العربيّة المتّحدة. تولّت هيئاتٌ ذات دراية كبيرة في تخطيط المهامّ إلى المرّيخ، والمركبات الفضائيّة، ووسائل الدّراسات والأبحاث، مَهمّةَ التّنفيذ الفعليّ لمشروع صناعة المركبة. كان مختبر فيزياء الفضاء والغلاف الجوّيّ (LASP) التّابع لجامعة كولورادو في بولدر، من ضمن هذه الهيئات.
تمّ تجهيز القمر الاصطناعيّ بلوحات شمسيّة وكاميرا ومِطيافان (سبكتروفوتومتر)، يمكنهما قياس الأشعّة الكهرومغناطيسيّة تحت الحمراء وفوق البنفسجيّة. من المتوقَّع أن يدور القمر الاصطناعيّ حول كوكب المرّيخ في مسار بيضاويّ الشّكل، ويراقب جزءًا كبيرًا من الغلاف الجوّيّ للكوكب، ويبحث عن الفروق بين اللّيل والنّهار في نفس المكان - الأمر الّذي لم يكن في السّابق. ومن المتوقّع أيضًا أن يقوم القمر الاصطناعيّ بدراسة الدّورات اليوميّة والموسميّة في الغلاف الجوّيّ للمريخ وأنماطه الجغرافيّة. كما يُتوقَّع أن يقوم "أمل" بدراسة الأحداث النّاجمة عن حالة الطّقس مثل عواصف الغبار وتوثيقها بدرجة عالية من الوضوح والدّقّة. هناك من يسمي هذا القمر الاصطناعيّ "القمر الاصطناعيّ الأول المختصّ بحالة الطّقس في المرّيخ".
إحدى التّحدّيات الأخرى في مهمّة "أمل" هي تقصّي العلاقة بين الطبقة السّفلى من الغلاف الجوّيّ للمرّيخ، والّتي تحدث فيها غالبيّة الأحداث النّاجمة عن حالة الطّقس، وبين الطّبقات العليا. اختارت وكالة الفضاء الإماراتيّة هذه المهامّ بالتّشارك مع منتدى دراسة وبحث وتحليل المرّيخ، وذلك لتعبئة الفجوات في معرفتنا عن مناخ الكوكب السّيّار الأحمر، وتكوين صورة أكثر تكاملًا عنه.
وكالة الفضاء الإماراتيّة مسؤولة عن تطوير الصّناعات الفضائيّة من خلال التّعاون الدّوليّ، وتمويل المسارات الأكاديميّة، وتطوير مهامّ فضائيّة للأبحاث والدّراسات. المصدر: موقع وكالة الفضاء الإماراتيّة.
تعمل الوكالة الإماراتيّة على إقامة مدينة في صحاري الإمارات، كجزء من تطلّعات ورؤيا مركز الفضاء على اسم "محمّد بن راشد"، ليصبح هو اللّاعب الرّئيسيّ في الأبحاث حول المرّيخ، وربّما توطين الكوكب الأحمر في المستقبل. لن يتمّ إنتاج الأكسجين في هذه المدينة، ولن يكون تسارع الجاذبيّة فيها مطابقًا لتسارع الجاذبيّة على المرّيخ لكنّها ستكون مغطّاةً بواسطة قبب "أسقف"، وسيحاولون من خلالها إيجاد الحلول للتّحدّيات المختلفة مثل حفظ الغذاء والماء والطّاقة، واستخدامها في كوكب المرّيخ.
وكالة الفضاء الإماراتيّة تبني مدينةً خاصةً في صحاري الإمارات. المصدر: موقع وكالة الفضاء الإماراتية