لا يزال العالم يتعافى من كورونا، ولكن من الواضح أنّه عاجلًا أم آجلًا سوف يتفشّى مرضٌ آخر، وسيكون أكثر فتكًا منها. أعدّت منظّمة الصّحّة العالميّة "قائمة بالمشتبه بهم"، الّذين يتوجّب الحذر منهم. من غير المفاجئ أنّ مصادرهم جميعها قادمة من الحيوانات
تمّ تسجيل المقال من قبل المكتبة المركزية للمكفوفين وذوي العسر القرائي
للقائمة الكاملة للمقالات الصوتيّة في الموقع
في أيّار 2023، أعلنت منظّمة الصّحّة العالميّة أنّ حالة الطّوارئ الصّحّيّة العالميّة، الّتي تمّ الإعلان عنها عقب انتشار فيروس كورونا قد انتهت. لم تتمّ هزيمة الفيروس، ولكن يبدو أنّنا تأقلمنا معه، وتعلّمنا التّعايش وإيّاه. ومع ذلك، فإنّ خطر الوباء العالميّ لا يزال يرافقنا، إذ يحذّر خبراء الصّحّة من أنّ الاحتمالات لتفشّي وباءٍ آخر في السّنوات المقبلة قد ازدادت. قد يكون وباءً أكثر فتكًا من الّذي سبّبه فيروس كورونا.
في مراجعة مخصّصة لتاريخ الأوبئة وصولًا إلى فيروس كورونا، كتب المحرّر السّابق لمجلّة تايم (Time) الشّهيرة، بريان والش (Walshe): "على مرّ التّاريخ، لم يقتل النّاس أيُّ شيء أكثر من الفيروسات والبكتيريا والطّفيليّات المسبّبة للأمراض. لا الكوارث الطّبيعية مثل الزّلازل أو البراكين، ولا الحروب - لا توجد مقارنة على الإطلاق". إنّ الأرقام ترينا أنّه خلال المئة عام الماضية، عدد الأمراض المعدية الجديدة التي اكتشفت، قد زاد أربع مرّات تقريبًا مقارنةً بالماضي. إنّ هذا التّوجّه المقلق يشير إلى ما ينتظرنا في السّنوات المقبلة.
في سباق الخنازير التّقليديّ لعام 2017 في ماريلاند لم تظهر الخنازير المشاركة في أفضل حالاتها، إذ عانت من الحمّى والتهاب العيون وسيلان الأنف. وعندما بدأت التّقارير ترد عن ظهور أعراض مماثلة لدى زوّار المعرض، بما في ذلك الحمّى والسّعال والتهاب الحلق، أضيئت الأضواء الحمراء في وزارة الصّحّة بولاية ماريلاند، وسرعان ما تمّ تشخيص إصابة أربعين مريضًا بأنفلونزا الخنازير، وبدأ القلق من أن يصيب هؤلاء المرضى عددًا آخر وكبيرًا من الأشخاص.
في معظم الأحيان، تكتفي فيروسات أنفلونزا الخنازير بالخنازير فقط ولا تُعدي البشر بسهولة، ولكن وبما أنّ فيروسات الأنفلونزا تمرّ بتغيّرات جينيّة متكرّرة (طفرات)، فقد تتطوّر في بعض الأحيان سلالةٌ جديدة تتلاءم أيضًا مع البشر، ويكمن فيها احتمال جدّيّ بالتّسبّب في إحداث وباء. إنّ تسرّب الفيروسات من الحيوانات إلى البشر يُعدّ ظاهرة شائعة جدًّا، وفي كلّ مرّة يكون هناك تخوّف من أن يتسبّب الفيروس الجديد في حدوث وباء.
من البعوض إلى القرود
تنتقل العديد من الأمراض إلى الإنسان من الحيوانات الأخرى. في كثير من الحالات، تحدث العدوى عندما يقوم حيوان مصاب بالعامل المُمرِّض بلسع أو عضّ إنسان، غالبًا من أجل الامتصاص من دمه. في هذه العمليّة، يقوم بإدخال العامل الممرّض إلى جسم الإنسان. هذه الأمراض تُدعى بالأمراض المنقولة بواسطة النّواقل، لأنّ ناقلي المرض، مثل البعوض أو ذبابة الرّمل أو القَراد، يكونون عبارة عن خطّ اتّصال (ناقل)، يتوسّط أو يصل بين مسبّب المرض وضحيّته البشريّة. يُصاب ملايين الأشخاص كلّ عام بالأمراض المنقولة بالنّواقل، بما في ذلك الملاريا وداء لايم وحمّى غرب النّيل وزيكا وحمّى الضّنك، خاصّة في المناطق الاستوائيّة من العالم.
نوع آخر من الأمراض الّتي تنتقل إلى الإنسان من الحيوانات هي الأمراض الحيوانيّة المنشأ، مثل داء الكلب وأنفلونزا الطّيور والإيبولا. تنتقل هذه الأمراض إلى الإنسان عن طريق ملامسة حيوانات مصابة بمسبِّب المرض، كالثّدييّات أو الدّجاج أو الزّواحف. أحيانًا يكون الاتّصال باللّمس المباشر لأنسجة وسوائل جسم الحيوان، مثل اللّحوم واللّعاب والدّم والإفرازات الأخرى، وفي أحيان أخرى يكون الاتّصال غير مباشر، من خلال الأسطح الملوّثة، أو التّواجد في مناطق تعيش فيها حيوانات مصابة تتجوّل في المكان.
إنّ فيروس SARS-CoV-2، المسبِّب لوباء كورونا العالميّ بداية العقد الحاليّ، هو أيضًا فيروس حيوانيّ المنشأ. لا يزال مصدره الدّقيق قيد التّحقيق، ولكن يُعتقد أنّه وصل إلى الإنسان من الخفافيش، ربّما بشكل مباشر أو عن طريق حيوان آخر أصيب بالعدوى من الخفّاش ومن ثمّ نقل المرض إلى الإنسان. عادةً لا تنقل الحيوانات المريضة العدوى إلى الإنسان، ولكن كلّما طالت فترة التّواجد حولها ازداد الخطر. عندما يحدث شيء من هذا القبيل، فإنّ اللّقاء بين العامل المسبِّب للمرض وجهاز المناعة البشريّ، الّذي لم يسبق له لقاءه من قبل، قد يؤدّي إلى تفشّي وباء قاتل.
الوباء الّذي قتل بحسب التّقديرات خمسين مليون شخص. مَرضى الأنفلونزا الإسبانيّة يتمّ إدخالهم إلى المستشفى في العاصمة واشنطن، الولايات المتّحدة | Everett Collection, Shutterstock
أمراض من كلّ مكان
في المجتمع الحديث، يعيش معظمنا في المدن ونادرًا ما نلتقي بالحيوانات في بيئتها الطّبيعيّة أو في الأراضي الزّراعيّة. في ظروف كهذه، من السّهل تطوير شعورٍ زائفٍ بالأمان، كأنّ الأمراض المعدية لا تخصّنا. إنّ هذا الاعتقاد خاطئ من أساسه، فكما رأينا خلال فترة وباء كورونا، إنّ الأمراض يمكنها أن تتفشّى في أيّة لحظة وتنتشر بسرعة.
وفقًا لتقديرات منظّمة الصّحّة العالميّة، يصاب كلّ عام ما يقرب من مليار شخص بأمراض مصدرها الحيوانات، ويدفع الملايين منهم حياتهم ثمنًا لذلك. في الواقع، حوالي ستّين بالمائة من الأمراض المعدية في العالم مصدرها من الحيوانات. في الثّلاثين سنة الماضية وحدها فقط، تمّ اكتشاف أكثر من ثلاثين مسبّبًا لأمراض جديدة تضرّ بالإنسان. 75% منها أتت من الحيوانات.
لم تتجاوز هذه المشكلة عن الشّرق الأوسط كذلك. في منظّمة الصّحّة العالميّة أشاروا إلى أنّه، خلال العقدين الأخيرين، تمّ الإبلاغ عن تفشّي الأمراض الحيوانيّة المنشأ في 18 دولة من دول المنطقة الإداريّة لشرق البحر الأبيض المتوسّط، الّتي تمتدّ من الصّومال إلى أفغانستان، ولكن لأسباب سياسيّة فإنّها لا تشمل إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، كان عدد الوفيات أعلى من أيّ منطقة أخرى.
في المنظّمة أوضحوا أنّ هناك العديد من العوامل الّتي تزيد من خطر تفشّي الأمراض ذات المصدر الحيوانيّ، تحديدًا في هذه المنطقة. من بين هذه العوامل، وجود عدد كبير نسبيًّا من السّكّان الّذين ما زالوا يتعاملون مع الزّراعة التّقليديّة، ويمارسون حياتهم عبرَ اتّصالٍ مستمرّ مع حيوانات المزارع. يضاف إلى ذلك زيادة حجم التّجارة العالميّة، وحركة الأشخاص الكبيرة بين دول المنطقة، وحركة الحيوانات بين الدّول المجاورة، والصّعوبة لدى الأنظمة الصّحّيّة في بعض دول المنطقة في التّعرّف إلى تفشّي الأمراض في مرحلة مبكرة وكبحها قبل أن تتحوّل إلى أوبئة.
يوجد في المنطقة العديد من الأمراض الّتي تظهر بانتظام وتنتشر من وقت إلى آخر، منها، على سبيل المثال، داء الكلب. عن هذه الأمراض نقول إنّها متوطّنة في الشّرق الأوسط (التّوطّن: التّواجد الطّبيعيّ لمجموعة بيولوجيّة (حيوانيّة أو نباتيّة) بصفة حصريّة في منطقة جغرافيّة محدّدة). في السّنوات الأخيرة، تمّ أيضًا تسجيل حالات تفشّي جديدة وغير عاديّة في المنطقة. في السّودان تفشّى مرض الحمّى الصّفراء - وهو مرض فيروسيّ ينتقل عن طريق البعوض، وفي اليمن، تفشّى مرض الشيكونغونيا، وهو مرض آخر ينقله البعوض ويمكن أن يكون مميتًا، في تونس تفشّت حمّى غرب النّيل، ومؤخّرًا تمّ اكتشاف بعوض مصاب بالفيروس في إسرائيل أيضًا، وفي جنوب أوروبا مات بعض الأشخاص بسبب هذا المرض. في أفغانستان وباكستان وإيران، يتمّ من وقت إلى آخر تسجيل حالات تفشٍّ لحمّى القرم والكونغو الّتي تنتقل عن طريق القَراد.
وهناك المزيد، ففي عام 1976 تفشّت في السّودان وفي جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطية - الّتي كانت تُسمّى آنذاك زائير - سلالتان مختلفتان من الحمّى النّزفيّة القاتلة، والّتي سُميت بالإيبولا. الفرضيّة هي أنّ الفيروس يعشّش في خلايا أجسام الخفافيش دون أن يسبّب أيّ ضرر لها، ثمّ ينتقل منها أحيانًا إلى قرود الشّمبانزي، الّتي تصيب بالعدوى البشر الّذين يدخلون موطنها.
ومن الأمراض المعدية الخطيرة الأخرى الّتي تتجلّى في النّزيف هي حمّى الوادي المتصدّع، الّتي تنتقل عن طريق لدغات البعوض أو عن طريق الاتّصال المباشر بالحيوانات المصابة. ينتشر هذا المرض بشكل رئيسيّ في شرق أفريقيا وفي جنوبها، في بلدان جنوب الصّحراء الكبرى. ومع ذلك، تمّ تسجيل تفشّي المرض أيضًا في مصر والمملكة العربيّة السّعوديّة واليمن. وهذا العام، على سبيل المثال، أعلنت منظّمة الصّحّة العالميّة عن تفشّي المرض في أوغندا.
إسرائيل كذلك غير محصّنة. في عام 2006، انتشر فيروس جديد لأنفلونزا الطّيور في عدّة دول في الشّرق الأوسط حيث أصاب البشر أيضًا، وفي عام 2009، أصيب به حوالي عشرة آلاف شخص في إسرائيل وغيرهم الكثير حول العالم. لا يزال المرض موجودًا، ومؤخّرًا ازدادت التّقارير عن إصابة الثّدييّات به، بما في ذلك الإنسان. لذلك، عندما تمّ اكتشاف الفيروس نفسه في شهر كانون الثّاني من هذا العام في حظائر الدّجاج في كيبوتس ماجال وبئير طوبيا، سارعت وزارة الصّحّة إلى عزل الطّيور المصابة أو تدمير جميع حظائر الدّجاج في المنطقة المصابة.
ومن الأمراض الحيوانيّة المنشأ الأخرى الجديرة بالذّكر، في الشّرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم، مرض الإيدز، الّذي ربّما يعود مصدره إلى الشّمبانزي، ومرض جدري القردة، الّذي وبالرّغم من اسمه، إلّا أنه شائع بشكل رئيسيّ في القوارض، وقد انتشر في العام الماضي (2022) في العديد من الدّول، من بينها إسرائيل.
حمّى نزفيّة مميتة تصل نسبة الوفيات فيها إلى 90 بالمئة. لافتة تحذيريّة من الإيبولا في المنطقة، جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة، 2013 | Sergey Uryadnikov, Shutterstock
الفيروس المثاليّ
تشير التّقديرات إلى أنّ هناك عشرة نونليون من الفيروسات على وجه الأرض - 1 وخلفه 31 صفرًا. من بينها نعرف حوالي 220 نوعًا من الفيروسات الّتي تصيب الإنسان. معظم هذه الفيروسات جاءت إلى البشر من الحيوانات، ويبدو أنّ أعدادها في ارتفاع.
الفيروسات هي طفيليّات، لكي تبقى على قيد الحياة وتتكاثر، يجب عليها أن تخترق خليّةً حيّةً لكائن آخر، بدءًا من البكتيريا والنّباتات حتّى خلايا الإنسان. عندما تدخل الفيروسات إلى الخليّة، تسيطر على آليّات الخليّة وتجبرها على إنتاج نسخٍ كثيرة من الفيروس، حتّى لا تعود الخليّة قادرة على احتوائها جميعًا، فتنفجر وتقذف الفيروسات الجديدة خارجًا، لتبحث تلك الفيروسات الجديدة عن خلايا جديدة لتصيبها. عادة ما يتخصّص الفيروس بنوع معيّن من الخلايا تنتمي إلى كائن حيّ معيّن. على سبيل المثال، الفيروس المناسب لإصابة بكتيريا E. coli، لن يكون قادرًا على إصابة خلايا البنكرياس في الدّبّ القطبيّ.
كي ينتقل الفيروس من نوع حيّ إلى آخر، عليه أن يجتاز عوائق عدّة. على سبيل المثال، لكي يصاب الإنسان بفيروس أنفلونزا الخنازير، يجب أن يكون على اتّصالٍ وثيق بخنزير مريض، وأن يستنشق أكبر قدر ممكن من الفيروسات إلى رئتيه. بعدها يجب على الفيروس أن يخترق خلايا الجهاز التّنفّسيّ لضحيّته، قبل أن يلتقطه الجهاز المناعيّ ويدمّره. للقيام بذلك، إنّه يحتاج إلى الارتباط بالمستقبِلات الموجودة على سطح الخلايا، والتّغلغل بواسطتها نحو الدّاخل، وأن ينجح في النّهاية في السّيطرة على آليّات الخليّة وجعلها تنسخ المزيد والمزيد من الفيروسات.
عادةً لا تصيب الفيروسات الحيوانيّة البشر، بسبب الاختلافات الكبيرة بين المستقبلات الّتي تكون على الخليّة لدى الحيوان وتلك الموجودة على الخلايا البشريّة. لكن، في بعض الأحيان يحدث خطأ ما في عمليّة إنتاج الفيروس، ويتمّ إنشاء فيروس ذي بنية مختلفة قليلًا. معظم هذه الأخطاء، الّتي تُسمّى طفرات، ليس لها أيّ تأثير، بل إنّ بعضها ضارٌّ بالفيروس نفسه. لكن وفي أحيان نادرة يحدث تغيّر يسمح للفيروس بالتّعرّف إلى مستقبلات لنوع حيّ آخر، فيستخدمها لاختراق خلاياه. هناك حالات لا يكتسب فيها فيروس جديد ومحظوظ جدًّا تغيّرًا جينيًّا واحدًا فحسب، بل سلسلة كاملة من التّغيّرات المطلوبة سويّة لإصابة نوع حيّ جديد.
كلّما كان الحيوان البديل الجديد يشبه الحيوان البديل الأصليّ، زادت احتماليّة نجاح عمليّة الانتقال. لذلك، إنّ الفيروس الّذي تمّت ملاءمته على سبيل المثال مع الشّمبانزي، الّذي يشبهنا من النّاحية الوراثيّة، يمكنه أن ينتقل إلى البشر بسهولة تامّة.
يمكن للفيروس الّذي ينجح في إصابة نوعين مختلفين من الأحياء أن يستمرّ في التّكاثر في كليهما، وأن يركم تدريجيًّا المزيد والمزيد من التّغيّرات. تدريجيًّا قد تتراكم الطّفرات الّتي من شأنها أن تغيّر خصائصه بشكلٍ يجعله أكثر عنفًا وأكثر قدرةً على العدوى. وإذا كان ذلك فيروسًا لم يتعرّض له معظم أو كلّ النّاس من قبل، ولم يكتسبوا مناعةً ضدّه، فقد ينتشر بسهولة من شخص لآخر مسبّبًا وباءً. فيروسات الجهاز التّنفّسيّ، الّتي تنتقل عن طريق قطرات صغيرة من اللّعاب تطفو في الهواء عندما نسعل أو نعطس، فتنتشر بهذه الطّريقة بسهولة شديدة للغاية. يزداد الخطر أكثر عندما يطوّر الفيروس من مقدرته على إصابة ضحايا إضافيّين حتّى قبل ظهور أيّة أعراض تشير إلى أنّ الشّخص مريض، لأنّه يصعب في هذه الحالة عزل المريض ووقف انتشار الفيروس من شخص إلى آخر.
من وقت لآخر قد تتطوّر سلالة جديدة تكون متكيّفة أيضًا مع البشر ولها قدرة كبيرة على التّسبّب في وباء. مزرعة خنازير مصابة بأنفلونزا الخنازير | elmar gubisch, Shutterstock
القائمة السّوداء
بحسب البيانات الرّسميّة، سبعة ملايين شخص تقريبًا، من جميع أنحاء العالم، ماتوا بسبب وباء كورونا. عمليًّا، يُرجّح أن يكون عددهم أعلى من ذلك بكثير، بسبب التّقارير غير الموثوقة لدى بعض دول العالم. وبالرّغم من أنّ هذا العدد ضخم، إلّا أنّ فيروس كورونا ليس مميتًا بشكل خاصّ، ومعظم من يصابون به يتعافون منه. هناك من الأمراض القاتلة ما هو أكثر بكثير. على سبيل المثال، في الحالات الأخيرة الّتي تفشّى بها مرض الإيبولا في أفريقيا، توفّي حوالي 60% من المرضى، وكذلك فيروسات أنفلونزا الطّيور من سلالة H5N1 تقتل حوالي 56% من المصابين بها. الفيروس المسبّب لمرض MERS - وهو نوع من أنواع فيروسات كورونا الشّهير SARS-CoV-2 المعروف لنا من خلال الجائحة، وبالرّغم من أنّه نادرًا ما يصيب البشر - حوالي ثلث مرضاه لا ينجون منه. يخشى خبراء الصّحّة أن يكون الوباء المقبل أكثر فتكًا من جائحة كورونا وأن يودي بحياة الكثيرين، ويكون ذلك ربّما على غرار الأنفلونزا الإسبانيّة أوائل القرن العشرين، الّتي قتلت، بحسب التّقديرات، نحو خمسين مليون إنسان.
بما أنّ مسبّبات الأمراض المحتملة الّتي قد تضرّ بالإنسان عددها كبير جدًّا، في حين أنّ موارد البحث والتّطوير محدودة، فقد أعدّت منظّمة الصّحّة العالميّة قائمة بالأمراض "الّتي تشكّل أكبر خطر على الصّحّة العامّة، بسبب قدرتها الوبائيّة، أو بسبب عدم وجود تدابير كافية ضدّها، أو أيّة تدابير على الإطلاق". عمليّة إعطاء أولويّات لأمراض معيّنة، والّتي يتمّ تحديثها من وقت إلى آخر، تهدف إلى توجيه العلماء والحكومات والمنظّمات إلى أماكن ومواضع استثمار الجهود والميزانيّات. تشمل القائمة بشكل رئيسيّ مسبّبات الأمراض الحيوانيّة المنشأ، الّتي لم تسبّب إلى الآن عدوى جماعيّة للبشر، لكنّها قد تكتسب مثل هذه القدرة في المستقبل.
تنتشر الأمراض الحيوانيّة المنشأ في الأماكن الّتي تتعامل فيها أعداد كبيرة نسبيًّا من السّكّان مع الزّراعة التّقليديّة، والعيش باتّصال دائم مع حيوانات المزرعة. اِمرأة ترعى قطيعًا من الأغنام في إيران | Hamed Yeganeh, Shutterstock
نيباه
العامل المسبّب للمرض: فيروس نيباه (NiV)
ينتقل عن طريق: الثّدييّات. بشكل أساسيّ الخفافيش وحيوانات المزرعة
الأعراض: الحمّى وأمراض الجهاز التّنفّسيّ، والّتي قد تتفاقم لتصل إلى التهاب في الدّماغ
معدّل الوفيات: 40-75 بالمئة
وبالتّفصيل: تمّ التّعّرف إلى فيروس نيباه (Nipah) أوّل مرّة منذ أكثر من عشرين عامًا، عندما انتشر مرض غير معروف بين مربّي الخنازير في ماليزيا. لم يمض وقت طويل بعدها حتّى وصل إلى سنغافورة أيضًا من خلال خنازير مصابة. وفي المجمل، تمّ تسجيل حوالي 300 مريض في ذلك الانتشار للفيروس، وتوفّي أكثر من مئة منهم من المرض. وفي عام 2001، وبعد أن كان المرض قد اختفى من ماليزيا، عاد الفيروس إلى الظّهور مجدّدًا، هذه المرّة في بنغلاديش والهند، حيث لا يزال يهدّد الصّحّة العامّة هناك حتّى اليوم. وفي أيلول 2023، أبلغت السّلطات الصّحّيّة في الهند عن ستّة مصابين جدد، من بينهم حالتا وفاة. ونتيجة لذلك، تمّ على وجه السّرعة اتّخاذ إجراءات لوقف انتشار الفيروس.
يصيب الفيروس بشكل طبيعيّ خفافيش الفاكهة والحيوانات الأليفة وحيوانات المزرعة مثل الخنازير، والخيول، والقطط، والكلاب. يمكن أن ينتقل منها إلى البشر، وفي حالات نادرة قد تنتقل العدوى مباشرة عن طريق اللّمس بين إنسان وإنسان. نظرًا لأنّه لا ينتقل بسهولة بين النّاس، فمن غير المتوقّع أنّه سيشكّل وباءً عالميًّا في المستقبل القريب. القلق الرّئيسيّ هو ممّا سيحدث فيما لو تغيّر الفيروس بطريقة تسهّل عليه إصابة البشر. لهذا السبب، تراقبه منظّمة الصّحّة العالميّة عن كثب.
يسبّب الفيروس ارتفاعًا في درجة الحرارة، وآلامًا في الرّأس والحنجرة. وعند تفاقم الوضع، قد تتطوّر أيضًا التهابات مهدّدة للحياة في الدّماغ وفي الجهاز التّنفّسيّ. تشير التقديرات إلى أنّ المرض يقتل ما بين 40 إلى 75 بالمئة من المصابين به. ونظرًا لكون الفيروس خطيرًا إلى هذه الدرجة، فإنّ الأبحاث المتعلّقة به محصورة حاليًّا على عدد قليل جدًّا من المختبرات حول العالم. إلى هذه اللّحظة لا يوجد للمرض أيّ علاج أو لقاح.
القلق الرّئيسيّ هو ممّ سيحدث فيما لو تغيّر الفيروس بطريقة تسهّل عليه إصابة البشر. فيروسات نيباه الأخضر | المصدر: National Institutes Of Health / Science Photo Library
حمّى القرم – الكونغو النّزفيّة
العامل المسبّب للمرض: فيروس CCHFV
تنتقل عن طريق: القراد
الأعراض: نزيف حادّ وفشل الأعضاء المتعدّد
معدّل الوفيات: 10-40 بالمئة
وبالتّفصيل: حمّى القرم - الكونغو النّزفيّة (CCHF) هي مرض فيروسيّ ينتشر عن طريق القراد، أو ينتقل عن طريق لمس سوائل جسم البشر المصابين أو الحيوانات المصابة. يسبب الفيروس ارتفاعًا في درجة الحرارة، وعادة نزيفًا حادًّا بسبب تلف الأوعية الدّمويّة والقلب.
يتواجد المرض بشكل دائم في أفريقيا وفي بعض دول الشّرق الأوسط، في تركيا والهند وبعض دول جنوب وشرق أوروبا. في عام 2022، تمّ اكتشاف تفشّي المرض في روسيا والعراق، وقد أدّى إلى وفاة العشرات. في الآونة الأخيرة، هناك زيادة ملحوظة في حدوث الإصابة بالمرض، إذ في عام 2022 وحده قفزت الزّيادة بنسبة 500 بالمئة في إيران. يبدو أنّ ظاهرة الاحتباس الحراريّ تؤدّي إلى توسيع موائل القراد وأماكن معيشتها، فتحملها الطّيور المهاجرة إلى مناطق جديدة.
يموت ما بين عشرة إلى أربعين بالمئة من المصابين بالفيروس بسبب المرض. في بلغاريا تمّ تطوير لقاح ضدّ الفيروس، ولكن في ظلّ عدم وجود بيانات موثوقة حول درجة فعاليّته وسلامته، لم تتمّ الموافقة بعد على استخدامه في أيّ مكانٍ آخر. هناك لقاحات أخرى قيد التّطوير. تراقب منظّمة الصّحّة العالميّة بعناية انتشار المرض، للتّأكّد من عدم تطوّره إلى وباء يهدّد الصّحّة العامّة.
يسبّب الفيروس ارتفاعًا في درجة الحرارة، وعادة نزيفًا حادًّا بسبب تلف الأوعية الدّمويّة والقلب. فيروسات CCHF (الصّفراء) تخرج من خليّة مصابة | المصدر: National Institute Of Allergy And Infectious Diseases, National Institutes Of Health / Science Photo Library
حمّى لاسا
العامل المسبّب للمرض: فيروس LASV
تنتقل عن طريق: الجرذان
الأعراض: بدءًا من الحمّى الخفيفة حتّى الإجهاض وفقدان السّمع وفشل الأعضاء
معدّل الوفيات: 2-5 بالمئة
وبالتّفصيل: حمّى لاسا (Lassa fever) هي مرض فيروسيّ ينتقّل في بول وبراز الجرذان المصابة، عن طريق اللّمس المباشر أو عن طريق تناول طعام ملوّث. كما يمكن أن ينتشر الفيروس من إنسان لإنسان آخر من خلال ملامسة إفرازات الشّخص المريض أو الاتّصال الجنسيّ أو استخدام أدوات طبّيّة ملوّثة.
عادة ما تكون أعراض المرض خفيفة وتشمل ارتفاعًا خفيفًا في درجة الحرارة، ضعفًا عامًّا وصداعًا. ومع ذلك، فإنّ واحدًا من كلّ خمسة مرضى تتطوّر لديه أعراضٌ خطيرة تشمل النّزيف، ضيق التّنفّس، التّقيّؤ والصّدمة. في غضون أسبوعين قد تظهر مشاكل عصبيّة مثل فقدان السّمع، الّذي يعتبر من المضاعفات الشّائعة للمرض، والرّجفة والتهاب الدّماغ والموت بسبب فشل الأعضاء. كما أنّ تقريبًا جميع النّساء الحوامل اللّواتي تُصبن بالمرض يُجهضن أجنّتهنّ.
يتواجد الفيروس بشكل دائم في بعض دول غرب أفريقيا. يصاب كلّ عام ما بين 100 إلى 300 ألف شخص بحمّى لاسا، ويموت حوالي 5000 منهم بسببها. حتّى الآن لم يتمّ تطوير لقاح ضدّ هذا المرض.
يعاني واحد من كلّ خمسة مرضى من أعراض حادّة تشمل النّزيف، وضيق التّنفّس والتّقيّؤ والصّدمة. فيروسات لاسا (الأخضر) وحولها شظايا خلايا (الأحمر). | المصدر: Ami Images / Science Photo Library
حمّى الوادي المتصدّع
العامل المسبّب للمرض: فيروس RVF
تنتشر عن طريق: البعوض والذّباب الّذي يعضّ حيوانات المزرعة
الأعراض: مرض خفيف مع مجموعة متنوّعة من المضاعفات الشّديدة
معدّل الوفيات: 1 بالمئة
وبالتّفصيل: ينتقل فيروس حمّى الوادي المتصدّع (Rift valley fever) إلى الإنسان والحيوان عن طريق لدغات البعوض والذّباب الّذي يتغذّى على الدّم. ومع ذلك، عادةً ما يصاب البشر بالمرض من خلال ملامسة سوائل جسم أو أنسجة حيوانات مصابة، وليس من خلال اللّدغ. معظم المصابين يعانون من مرض خفيف وعابر، لكن 8-10 بالمئة منهم تتطوّر لديهم أعراض حادّة تشمل إصابات في العيون والتهابًا في الدّماغ وحمّى نزفيّة. واحد في المئة من المصابين يموتون بسبب المرض.
المرض شائع بشكل رئيسيّ في أفريقيا في جنوب الصّحراء الكبرى، ولكن تفشّى أيضًا في مصر، أوغندا، المملكة العربيّة السّعودية واليمن. يبدو أنّ الفيضانات تساهم في تكاثر الحشرات المصابة وفي انتشار المرض. تشخيص سريع للمرض يمكنه أن يحدّ بشكل ناجع من انتشاره. هنالك لقاح ضدّ الفيروس، ولكن لم تتمّ الموافقة بعد على استخدامه على نطاق واسع، وهو غير متاح لعامّة الناس.
ينتقل إلى الإنسان والحيوان عن طريق لدغات البعوض والذّباب الّذي يتغذّى على الدّم. فيروس حمّى الوادي المتصدّع | Kateryna Kon, Shutterstock
الإيبولا وحمّى ماربورغ
العوامل المسبّبة للمرض: فيروسات الإيبولا من نوع EBOV، من بينها فيروس إيبولا زائير (ZEBOV) وفيروس إيبولا السّودان (SEBOV)، وفيروس ماربورغ (MARV)
تنتشر عن طريق: الخفافيش وثدييّات أخرى (يُعتقد)
الأعراض: اِرتفاع في درجة الحرارة ونزيف في جميع أعضاء الجسم
معدّل الوفيات: الإيبولا: 25-90 بالمئة؛ ماربورغ: 90 بالمئة
وبالتّفصيل: الإيبولا وحمّى ماربورغ هما مرضان فيروسيّان خطيران يثيران قلقًا كبيرًا. تمّ اكتشاف فيروس الإيبولا أوّل مرّة عام 1976 قرب نهر الإيبولا في زائير (جمهورية الكونغو الدّيمقراطية الآن)، وتمّت تسميته على اسمه. ومنذ ذلك الحين يتفشّى الفيروس من وقت لآخر في أماكن مختلفة، بالأساس في أفريقيا الاستوائيّة. الانتشار الأخير للمرض حتّى الآن حصل عام 2022 في أوغندا.
يتجلّى المرض بحمّى شديدة ونزيف حادّ من جميع أعضاء الجسم، بما في ذلك الأنسجة الدّاخليّة، والجلد، وفتحات الجسم كالعينين، والأذنين، والأنف، والفم. والفرضيّة الحالية هي أنّ الفيروس يستوطن في أجسام الخفافيش دون أن يصيبها بالمرض، ومن حين إلى آخر ينتقل منها إلى حيوانات أخرى مثل الشّمبانزي، والقرود والظّباء، الّتي قد ينتشر منها إلى البشر. وبعد ذلك يمكن للفيروس أن ينتقل من شخص إلى آخر، عن طريق الاتّصال المباشر بسوائل جسم المريض، أو بشكل غير مباشر من خلال الأغراض أو الأسطح الملوّثة.
معدّل الوفيات بسبب الإيبولا يتراوح بين 25% إلى 90%، وذلك حسب الظّروف وجودة الرّعاية الطّبّيّة. على الرّغم من أنّ احتمال تفشّي وباء إيبولا خارج أفريقيا منخفض جدًّا، إلّا أنّ الهيئات الصّحّيّة مثل مراكز مكافحة الأمراض واتّقائها (CDC) في الولايات المتّحدة، تتّخذ العديد من الاحتياطات من أجل منع انتشار الفيروس. في غينيا وجمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة، بدؤوا باستخدام اللّقاحات على نطاق محدود، من أجل منع تفشّي فيروس إيبولا، وفي عام 2020 وافقت إدارة الغذاء والدّواء في الولايات المتّحدة على أوّل علاج بالأجسام المضادّة للإيبولا.
فيروسات ماربورغ هي أقرباء لفيروسات الإيبولا، وتسبّب مرضًا مماثلًا، يمكن أن يصل معدّل الوفيات فيه إلى 90 في المئة. هذا المرض معدٍ عن طريق الاتّصال المباشر بسوائل جسم المريض، وقد يكون أصله الحيوانيّ المنشأ مشابهًا للإيبولا. تشير منظّمة الصّحّة العالميّة إلى أنّ خطر تفشّي وباء عالميّ من فيروس ماربورغ منخفض، وأنّ الخطر الرّئيسيّ يقع على مَن يعيشون في محيط المنطقة الّتي ينتشر فيها المرض. اللّقاحات ضدّ فيروس ماربورغ قيد التّطوير.
في عام 2020، وافقت إدارة الغذاء والدّواء في الولايات المتّحدة على أوّل علاج بالأجسام المضادّة لمرض الإيبولا. فيروس الإيبولا تحت المجهر| Nixx Photography, Shutterstock
زيكا
العامل المسبّب للمرض: فيروس زيكا (ZIKV)
ينتشر عن طريق: البعوض الزّاعج Aedes
الأعراض: عادة ما تكون خفيفة، ولكن قد يحدث ضرر لأجنّة نساء حوامل أصبن بالمرض
معدّل الوفيات: منخفض جدًّا
وبالتّفصيل: فيروس زيكا (Zika) يسبّب عادةً مرضًا بلا أعراض، أو أعراضًا خفيفة وعابرة مثل الحمّى، الطّفح الجلديّ والصّداع. ومع ذلك، عندما تصاب امرأة بفيروس زيكا أثناء الحمل، يمكن أن ينتقل الفيروس إلى جنينها ويسبب له ضررًا جسيمًا. أدّى تفشّي المرض الّذي حدث في البرازيل عام 2015 إلى ولادة الآلاف من الأطفال الّذين يعانون من تشوّهات خلقيّة في الدّماغ مثل صغر الرّأس - وهي حالة يكون فيها الرّأس والدّماغ أصغر بكثير من حجمهما الطّبيعيّ.
تنتشر فيروسات زيكا من شخص لآخر عن طريق لدغات البعوض الزّاعج (Aedes) المصابة بالفيروس. يمكن للمرض أيضًا أن ينتقل عن طريق الاتّصال الجنسيّ، وربّما عن طريق عمليات نقل الدّم، ولكن بشكل عامّ، إنّ العدوى من إنسان إلى آخر نادرة الحدوث. لا توجد اليوم علاجات فعّالة لمرض زيكا، أو لقاحات ضدّ فيروسات زيكا. يقتصر انتشار الفيروس على المناطق الّتي يعيش فيها البعوض الزّاعج (Aedes). اِحتمال انتشار المرض في إسرائيل منخفض للغاية، على الرّغم من أنّه يتمّ أحيانًا تشخيص حاملين للفيروس في البلاد.
عند المرأة الحامل، قد ينتقل الفيروس إلى الجنين ويسبب له أضرارًا خطيرة. فيروس زيكا | Kateryna Kon, Shutterstock
أمراض كورونا
العامل المسبّب للمرض: فيروسات من عائلة كورونا
تنتشر عن طريق: الخفافيش، الثّدييّات الأخرى والطّيور
الأعراض: متنوّعة
معدّل الوفيات: يعتمد على الفيروس
وبالتّفصيل: اِقتحمت فيروسات كورونا، من فصيلة Orthocoronavrinae، الوعي العالميّ عام 2020، في تفشّي الجائحة العالميّة الّتي أدّى إليها فيروس كورونا SARS-CoV-2. تنتشر فيروسات كورونا في الطّبيعة لدى الثّدييّات والطّيور، وهناك خوف دائم من أن تمرّ بطفرات تجعلها مناسبة لإصابة الإنسان أيضًا.
من بين فيروسات كورونا الّتي لاءمت نفسها مع خلايا الإنسان، هناك نوعان آخران يُعتبران خطيرَين. في شباط 2003، تفشّى في شرق آسيا مرض من أمراض الجهاز التّنفّسيّ يُدعى السارس (المتلازمة التّنفّسيّة الحادّة الوخيمة SARS: Severe Acute Respiratory Syndrome)، الّذي انتشر خلال وقت قصير إلى دول أخرى وأودى بحياة 774 مريضًا من بين حوالي 8000 مصاب مؤكّدين. منذ عام 2004، لم يتمّ الإبلاغ عن أيّ مصابين جدد بالسارس في أيّ مكان في العالم.
أمّا المرض الثاني فهو ميرس MERS (متلازمة الشّرق الأوسط التّنفّسيّة MERS: Middle East Respiratory Syndrome) الّذي تمّ اكتشافه أوّل مرّة عام 2012 في المملكة العربيّة السّعوديّة. ينتقل المرض إلى البشر عن طريق الجِمال، الّتي على ما يبدو انتقل إليها من الخفافيش، وينتشر بالأساس بين الأشخاص الّذين يعيشون ويعملون في بيئة الجِمال. عانى معظم المصابين بالمرض من الحمّى والسّعال وضيق التّنفّس وتوفّي نحو ثلثهم. يمكن للفيروس أن ينتشر من شخص إلى آخر من خلال الاتّصال الوثيق مع شخص مريض، ولكن ليس بفاعليّة عالية، ولذلك فمن غير المتوقّع أن يُسبّب وباءً، إن لم يخضع لطفرة من شأنها أن تحسّن بشكل كبير من قدرته على إصابة البشر. هنالك عدة لقاحات قيد التّطوير حاليًّا، لكن لم تتمّ الموافقة على أيّ منها إلى الآن.
ينتقل المرض إلى الإنسان من الجِمال، ويمكنه في ظروف معيّنة أن ينتقل من شخص إلى آخر. فيروس كورونا المسبّب لمرض MERS | المصدر: Festa, Shutterstock
المرض الّذي يمكن أن يكون قاب قوسين أو أدنى
العامل المسبّب للمرض: غير معروف
ينتقل عن طريق: غير معروف
الأعراض: شديدة
معدّل الوفيات: مرتفع
وبالتّفصيل: من خلال التّجارب السّابقة نعلم أنّه دائمًا هناك احتمال لظهور مسبّبٍ لمرض جديد غير معروف، الّذي قد يشعل وباءً، تمامًا كما حدث مع فيروس كورونا عام 2020.
من الصّعب الاستعداد لمرض غير معروف، لكنّ الاستجابة حين تكون سريعة وصحيحة قد توقف من انتشار المرض أو تقوم بكبحه على الأقلّ. لأجل ذلك، ينبغي على دول العالم استثمار جهود مكثّفة في مراقبة تفشّي الأمراض في جميع أنحاء العالم عن كثب، وتطوير أنظمةٍ للتّعرّف المبكر إلى العوامل المسبّبة للأمراض، والحدّ من تسرّب الأمراض من الحيوانات إلى البشر، وتعزيز أنظمة الصّحّة العامّة، وتخصيص الموارد للبحث وتطوير اللّقاحات والأدوية، ومشاركة المعلومات العلميّة والطّبّيّة مع بقيّة العالم.
الاستعداد للوباء القادم
أدّت جائحة كورونا إلى تسريع وضع المخطّطات لحالات الطّوارئ الصّحّيّة القادمة. يُخصّص معظم الجهد للأمراض الّتي مصدرها هو الحيوانات، لأنّ معظم الأوبئة الموثّقة وجميع الأمراض المدرجة في "القائمة السّوداء" لمنظّمة الصّحّة العالميّة مصدرها الحيوانات. حسب التّقديرات، هناك احتمال كبير أنّ الوباء القادم سوف يصلنا من الخفافيش أو القوارض أو الطّيور.
السّبب في التّركيز على هذه الأنواع، هو أنّ الفيروسات الّتي لم يتعرّض لها جهاز المناعة البشريّ في الماضي، سوف تنتشر بسهولة أكبر من مسبّبات الأمراض التي قد تعلّمت أجسامنا عنها وطوّرت مناعة ضدّها. لذلك، من الضّروريّ اتّخاذ تدابير من شأنها التّقليل من اتّصال البشر بالحيوانات البرّيّة. ولفعل هذا، من الضّروريّ الحدّ من إزالة الغابات للأغراض الزّراعيّة، تنظيم صيد الحيوانات البرّيّة والاتّجار بها، ومراقبة العوامل المسبّبة للأمراض الّتي قد تنتشر من الحيوانات إلى البشر مراقبة حريصة. ينبغي على المواطنين والمسافرين تجنّب أيّ اتّصال مع الحيوانات البرّيّة والخفافيش والقوارض، وتوخّي الحذر عند إعداد طعام من الحيوانات، والحفاظ على النّظافة والحصول على اللّقاحات وفقًا للتّوصيات. اللّقاحات هي الطّريقة الأكثر فاعليّة للحماية من الأمراض ووقف انتشارها. لنبقَ على أمل ألّا نعيش أوبئة جديدة أبدًا.