كانت النساء اللّاتي وُلِدن بدون رحم، أو فقدن الرحم، يلجأن وهنّ مجبرات في السابق إلى اختيار التبنّي أو تأجير الأرحام ليصبحن أمّهات. يمنح العلاج التجريبيّ لزراعة الرحم أملًا جديدًا، إلى جانب وجود بعض المخاطر

في سنة 1988، وُلِدت طفلة اسمها داريا سيرت (Sert) في تركيا، وكانت تعاني من مشكلة تطوّريّة نادرة تُسمَّى متلازمة ماير روكيتانسكي كوستر هاوزر (MRKH)، والّتي تجلّت في غياب الرحم. كغيرها من النساء اللّاتي يعانين من مشاكل حادّة في الخصوبة، نشأت وهي تعلم أنّها لن تتمكّن أبدًا من الحمل والولادة، وأنّها إذا أرادت أن تصبح أمًّا فعليها اللجوء إلى التبنّي أو تأجير الأرحام. ولكن في سن الـ 23 أصبحت هي فيلمًا المرأة الأولى في التاريخ الّتي تجري عمليّة زراعة رحم ناجحة. من بعدها، وبعد عدّة حالات حمل فاشلة، أنجبت أخيرًا طفلًا سليمًا في سنة 2020.

تُشير التقديرات إلى أنّه حتّى الآن، تمّ إجراء أكثر من مائة عمليّة زراعة رحم في جميع أنحاء العالم، أدّت إلى حوالي سبعين ولادة ناجحة، بما في ذلك طفلة إسرائيليّة أولى وُلِدت في هذه السنة. تُظهِر الآن دراسة أُجريت في الولايات المتّحدة متابعة طبيّة رائدة لبعض النساء اللّاتي خضعن لهذا الإجراء الطبّيّ الرائد، بما في ذلك تفاصيل الحالة الطبيّة للمتبرّعين، ومتلقّي عمليّات زراعة الأعضاء والمولودين.


وُلِدت بعض النساء بدون رحم واضطرّت غالبيّتهنّ إلى استئصالها بعمليّة جراحيّة بسبب المرض. سرطان عنق الرحم والأعضاء التناسليّة الداخليّة عند الأنثى  | Adisak Riwkratok, Shutterstock

رحم لفترة محدودة

زرع الرحم مُخصَّص للنساء اللّاتي يعانين من العقم الرحميّ، وهي مشكلة تصيب واحدة من كلّ 500 امرأة، وتمنعها من الحمل بشكل طبيعيّ. لهؤلاء النساء لا يوجد رحم، أو أنّ الرحم موجودة، ولكنّها لا تعمل بشكل سليم، والغرض من عمليّة الزراعة هو السماح لهنّ بحمل الجنين في أجسادهنّ. الإجراء منوط بعدد غير قليل من المخاطر. أوّلًا، كما هو الحال مع أيّة عمليّة زراعة أعضاء من متبرّع غريب، هناك خطر احتماليّة رفض الرحم، ويتعيّن على متلقّيات الرحم تناول الأدوية الّتي من شأنها تثبيط جهاز المناعة لديهنّ، من بين أمور أخرى أثناء الحمل. بالإضافة إلى ذلك، في الوقت الحالي، تتمّ جميع الولادات لمن لديهنّ عمليّات زراعة الرحم بواسطة العمليّة القيصريّة، وعندما تنتهي المرأة من مرحلة الولادة في حياتها، يجب أن تخضع لعمليّة جراحيّة أخرى لإزالة الرحم. ولذلك فإنّ السؤال الّذي يُطرح هنا هو، هل هؤلاء النساء يعرّضن أنفسهنّ وأجنتهنّ للخطر من أجل تجربة الحمل؟.

تابعت الدراسة عشرين امرأة خضعن لعمليّة زراعة الرحم ما بين السنوات 2016-2019، عقب مشاكل في الخصوبة بسبب الرحم. وكان لدى جميعهنّ مبيض طبيعيّ واحد على الأقلّ. حصلَت 18 امرأة من النساء اللّواتي قمن بعمليّة الزراعة على الرحم من نساء على قيد الحياة تبرّعن بأرحامهنّ، بينما حصلت الاثنتان المتبقيتان على أرحام من نساء تمّ التبرع بأعضائهنّ بعد وفاتهنّ. تمّت زراعة الرحم بعمليّة جراحيّة، وتمّت إزالتها بعمليّة جراحيّة أخرى بعد ولادة واحدة أو ولادتين، أو في حالة رفض الجسم للعضو. في الوقت الّذي بقي الزرع موجودًا في أجسادهنّ، كنّ يتناولن أدوية لتثبيط جهاز المناعة، وتمّت مراقبتهنّ شهريًّا بحثًا عن وجود علامات رفض العضو المزروع- قبل الحمل، وبالطبع خلاله أيضًا.

نجحت العمليّة في 14 امرأة من المتعالجات. رفضت أجساد الستّ الباقيات الزراعة بعد أيام قليلة من العمليّة، بما في ذلك إحدى المتلقّيات للزرع، والّتي حصلت على رحم من متبرّعة متوفّاة. وقد عانت تسع من النساء من رفض العضو في غضون بضعة أشهر، ولكن تمّ علاج المشكلة بمساعدة الأدوية، ولم تكن هناك حاجة فوريّة لإزالة الرحم.

قبل إجراء عمليّات الزراعة، خضعت النساء لعلاجات الخصوبة، والّتي شملت استخراج البويضات والتخصيب في المختبر. بعد ستّة أشهر (ثماني متعالجات) أو ثلاثة (ستّ متعالجات) بعد العمليّة، تمّ إجراء المحاولة الأولى  لعمليّة استرجاع الأجنّة، والغرض منها هو تحقيق استيعابها في الرحم. في غضون دورة واحدة أو أكثر، أصبحت جميع النساء الـ 14 اللّاتي خضعن لجراحة زراعة الرحم بنجاح حوامل. واختارت اثنتان منهنّ الاستمرار في حمل آخر، بعد أن مرّ حملهنّ الأوّل دون أيّة مضاعفات. وفي المجمل، بلغ معدّل الحمل بزراعات الرحم في الدراسة 43% في المتوسط ​​لكلّ محاولة لاسترجاع الأجنّة، وهو رقم مماثل لفرص نجاح علاجات الإخصاب في المختبر بشكل عامّ. وانتهت 16 حالة من حالات الحمل الـ 24 بالولادة، وانتهت الحالات الباقية بفقدان الحمل خلال الثلث الأوّل أو الثاني من الحمل.

إلى جانب الإنجازات، من المهمّ أن نأخذ في عين الاعتبار المضاعفات الطبيّة الّتي تعرّضت لها النساء أثناء الحمل- وهي كثيرة. 11 من المتعالجات عانين من مضاعفات: بعضهنّ عانين من ارتفاع ضغط الدمّ ومشاكل في عنق الرحم؛ وانتهت خمس حالات حمل بالولادة المبكّرة في الأسبوع 31-36 من الحمل؛ واضطرّت اثنتان إلى الولادة المبكّرة بشكل استباقيّ- إحداهما بسبب النزيف والولادة المبكّرة، والأخرى بسبب تسمّم الحمل.

أمّا النّساء اللّاتي تبرّعن بأرحامهنّ، فقد واجهت أربع منهنّ مضاعفات طبيّة صعبة: إحدى المتبرّعات عانت من تمزّق في جرح العمليّة داخل المهبل، وأخرى عانت من إمساك شديد تطلب علاجًا تحت التخدير لفتح الانسداد في الأمعاء\، ومتبرعة أخرى عانت من جلطة دمويّة أدّت إلى انسداد الحالب– الأنبوب الّذي ينقل البول من الكلية إلى المثانة، وعانت الأخيرة من إصابة حراريّة للحوالب. وتسبّبت الإصابة في تسرّب البول، وتطلّبت إجراء عمليّة جراحيّة. مع ذلك، لم تعانِ أيّة متبرّعة من أعراض جانبيّة طويلة المدى خلال السنوات الأربع التالية للجراحة.


انتهت 16 حالة من حالات الحمل الـ 24 بالولادة، وانتهت البقيّة بالإجهاض خلال الثلث ألأوّل أو الثاني من الحمل. طفل مولود للتوّ | Mongaman, Shuttestock

الحلم ومخاطره

تبلورت فكرة زراعة الرحم لأغراض الخصوبة منذ منتصف القرن العشرين. وكانت بدايتها في ستينيّات وسبعينيّات القرن، عندما أظهرت التجارب على الحيوانات أنّ الرحم المزروعة كانت قادرة على دعم الحمل لدى القوارض. وقد أتاح التقدّم التكنولوجيّ والطبيّ فيما بعد إجراء عمليّات زراعة ناجحة أيضًا لإناث الأنواع الأكبر حجمًا، مثل القرود والبشر.

تمّت المحاولة الأولى لزراعة الرحم لدى امرأة في سنة 2000، في المملكة العربيّة السعوديّة، ولكن بسبب مشاكل تدفّق الدم إلى الرحم المزروعة، كان لا بدّ من إزالتها بعد ثلاثة أشهر. لكنّ الجهود استمرّت، وفي سنة 2014، وُلد أوّل طفل في السويد بعد عمليّة زراعة رحم، أي بعد حوالي سنة من إجراء عمليّة الزراعة. وبعد النجاحات، تمّ تطوير برامج مماثلة في العديد من المراكز الطبيّة، بما في ذلك جامعة بايلور في تكساس، والّتي قادت البحث الحالي.

وفي مقابلة مع موقع ماكو السنة الماضية، تحدّث مدير قسم الطبّ النسائيّ في مستشفى شيبا، الطبيب النسائيّ روي ماشياح، عن التعقيد الأخلاقيّ لهذه القضيّة، وقال: "إنّ زراعة الرحم مسألة إشكاليّة للغاية في الطب. عادة، يتعهّد العلاج الطبيّ في المقام الأوّل بعدم إحداث أيّ ضرر. وفي هذه الحالة، فهو علاج معقّد للغاية، ولا ينقذ الأرواح". في الواقع، تشير نتائج الدراسة الجديدة إلى أنّ الإجراء منوط بعدد من المخاطر الصحيّة، سواء بالنسبة للمتبرّعات بالرحم أو بالنسبة للمتلقّيات. ومن ناحية أخرى، يظهر أنه عندما تنجح العملية، هناك فرص جيّدة لتنجب هؤلاء النساء أطفالًا  أصحّاء وسليمين.

0 تعليقات