فحصت دراسة جديدة كيف تؤثّر الابتسامة المصطنعة في الشعور العاطفيّ عند الإنسان، وذلك في محاولة لاستعادة تجربة علميّة معروفة أجريت قبل ثلاثة عقود وتبيّن فيها أنّ الابتسامة المصطنعة من شأنها أن تزيد من الشعور بالفرح.
تمّ تسجيل المقال من قبل المكتبة المركزية للمكفوفين وذوي العسر القرائي
للقائمة الكاملة للمقالات الصوتيّة في الموقع
نظام المشاعر المتطوّر لدى بني البشر يساعدهم في اتّخاذ القرارات وفي التلميح بمشاعرهم لمن حولهم.
تتكوّن المشاعر من ثلاثة مُركِّبات- المشاعر الشخصيّة أو الّذاتيّة الّتي نكون فيها على علم ودراية بما نشعر به، والتعبير الفيزيولوجيّ أو الجسمانيّ (مثل التعرّق و تغيّر وتيرة نبضات القلب أو النّفَس)، والجانب السلوكيّ (مثلًا، تفعيل العضلات الإراديّة).
يطرح السؤال التالي نفسه في هذا السياق: ما الّذي يؤثّر في ماذا بهذا النظام؟ لقد بُحِثت العلاقات المتبادلة بين هذه المُكوِّنات الثلاثة مِرارًا، وهناك ادّعاء طويل الأمد بأنّ سلوك الجسم لا يتأثّر بالدماغ فقط، وإنّما يُرسلُ الجسم إلى الدّماغ مردودًا عن حالته ، خاصّةً من تعابير الوجه، الأمر الّذي قد يؤدّي إلى تغيُّر مشاعرنا الشخصيّة. فقد تثير الابتسامة شعورًا إيجابيًّا وقد يثير عبوس الوجه شعورًا سيّئًا. هذه الفرضيّة تُسمّى فرضيّة التغذية المرتدّة لِإيماءات الوجه، أو Facial feedback hypothesis.
يدرس الطلّاب والطالبات الجامعيّون في موضوع علم النفس، منذ سنين طويلة، التجربة الشهيرة الّتي طُلِبَ فيها من مجموعةٍ من الأشخاص المشاركين تثبيت قلمٍ بين أسنانهم دون أن تمسَّه شفاههم، بوضعٍ يُؤدّي إلى تشغيل عضلات معيّنة فيبدو الشخص مبتسمًا، وطُلب من مجموعة أخرى من المشاركين تثبيت القلم بشفاههم، فيبدو الوجه عابسًا. طُلبَ من المشاركين، خلال ذلك، إظهار ردود فعلهم على سلسلة من الصور المَرِحة الّتي عُرٍضت أمامهم. تبيّنَ أنّ الأشخاص الّذين ثبّتوا القلم بين أسنانهم، بتعبيرٍ باسم، قالوا إنّ الصور كانت أكثر مُسليّةً ومرِحة، مقارنةً بالأشخاص الّذين ثبّتواالقلم بشفاههم، بتعبيرٍ عابس. لم تنجح الدراسات الكثيرة الّتي أُجرِيت فيما بعد في استعادة النتائج ذاتها. وَرَد في دراسة أُجرِيت سنة 2016 أنّه جرت محاولات لاستعادة نتائج التجربة الأصليّة في 17 مختبرًا في أرجاء العالم، إلّا أنّها لم تنجح في الحصول على نفس النتائج الّتي حصلت بتأثير عامل القلم المُثبَّت بين الشفاه. نشب جدال صاخب بين الباحثين والباحثات في هذا المجال. كان الاستنتاج، في هذه المرحلة، أنّه لا يمكن دحض فرضيّة التغذية الرجعيّة لِتعبير الوجه، إلّا أنّه، في الوقت ذاته، لا يمكن المصادقة عليها وإقرار صحّتها. اقترح الباحثون فرضيّات مختلفة لشرح النتائج المتباينة، مثل الثقافة المختلفة للمشاركين، أعدادهم وتنوّعهم، ووجود الكاميرات خلال سير الأبحاث المتأخّرة، وحتّى الافتراض بأنّه من المحتمل ألّا يسبّب تثبيت القلم بصورة غير- طبيعيّة ابتسامةً، وإنّما يسبّب وضعيّة جسديّة مختلفة عن الابتسامة- الفكّان أكثر تباعدًا عن بعضهما، والشفاه غير ممتدّة، وبالتالي، لا تبدو هذه الهيئة كالابتسامة.
إلى اليمين: تثبيت القلم بين الأسنان وتعبير الوجه الباسم، وإلى اليسار: تثبيت القلم بين الشفتين وتعبير الوجه العابس. التخطيط التوضيحيّ: ماريا ڠوروحوڤسكي من Vector_KIF, Shutterstock
تجربة الابتسامة نسخة 2022
في تجربة جديدة بريادة نيكولاس كوليس (Coles) من جامعة ستانفورد في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، نُشِرت تفاصيلها في مجلّة Nature Human Behaviour، طُلبَ من 4000 شخصٍ من 19 دولة مختلفة شاركوا في التجربة تثبيت القلم بين أسنانهم في محاولةٍ لِمحاكاة الابتسامة، أو بين شفاههم لمحاكاة تعابير وجهٍ حياديّ. لم يكتفِ الباحثون بذلك، بل أضافوا مهمّة طلَبوا فيها من المشاركين محاكاة تعابير وجوه ممثّلين تمّ تصويرهم وهم مُبتسمون، وذلك لمدّة خمس ثوانٍ، ومهمّة ثالثة طلبوا فيها من المشاركين الابتسام بصورة مبالغ فيها. كلّفَ الباحثون المشاركين بمهامّ حركيّة أخرى وطرحوا عليهم أسئلة رياضيّة صارفةً للانتباه لكي لا يُدركوا الهدف الحقيقيّ من التجربة الّتي يخوضونها. كما وأُدرِج تغييرٌ آخر في هذه الدراسة، إذ طلبوا من المشاركين أن يُدلوا بِمدى شعورهم بالغِبطة والسرور بشكل عامّ، وليس بالمَرح الّذي شعروا به تجاه مُحفِّز خارجيّ.
لم تنجح نتائج هذه التجربة أيضًا في استعادة نتائج التجربة الأصليّة. لم تُوفّر نتائج التجربة دليلًا قاطعًا يثبت تأثير تثبيت القلم بالفم على مدى سرور المشاركين، إلّا أنّها أظهرت أنّ اصطناع تعابير الوجه الباسم له تأثير في درجة السرور والغبطة الّتي أدلى بها المشاركون. من المحتمل أن يَنجم تأثير عامل زيادة درجة الغبطة و السرور عن عمليّةٍ يستنتج فيها الدماغ أنّه مسرور بسبب الابتسامة، أو نتيجة تغذيةٍ رجعيّةٍ فسيولوجيّة تلقائيّة تجاه وضع الجسم، مصدرها من العضلات، الأمر الّذي يُنَشِّط مكوّنات عاطفيّة إضافيّة في الدّماغ. يقول كوليس، رائد الدراسة، في مقابلة أجريت معه، "لم يتجلَّ العامل بوضوح عندما جرّبنا حالة تثبيت القلم في الفم. ولسنا واثقين من السبب الحقيقيّ. افترضنا في بداية الدّراسة أنّ الطرق الثلاث الّتي استُخدمت في التجربة تُكوّن الهيئة الصحيحة للعضلات، والّتي تُعبّر عن الفرح. إلّا أنّنا وجدنا دلائل على أنّ تثبيت القلم في الفم لا ينجم عنه تعبير يشبه الابتسامة".
هل يُستحسن إذًا أن نستهلّ صباحنا بخمس ثوانٍ من الابتسام أمام المرآة؟ قد يُؤثّر ذلك في مستوى الضغوطات اليوميّة، إلّا أنّنا غير واثقين من ذلك. ما زال الباحثون منقسمين في آرائهم، لأنّه على الرغم من أنّ هذا التأثير ثابت حقًّا، إلّا أنّه تأثير ضعيف. تُظهِر النتائج أنّ لنشاط الجهاز العصبيّ المحيطيّ تأثيرًا حقيقيًّا في الشعور العاطفيّ كما أنّها تعرض حقيقة أنّ الشعور هو عبارة عن الدمج بين حالتنا الباطنيّة وبين التعبير الخارجيّ.