يمكن للباحثين معرفة تاريخ الفترات الممطرة أو الجفاف منذ آلاف السنين- حسب النسب الكميّة بين الأنواع المختلفة لذرّات الكربون لنوى الزيتون الموجودة في المواقع الأثريّة
هناك العديد من الطرق لمعرفة مناخ منطقة معيّنة في فترات زمنيّةٍ سابقة. لا توجد سجلّات منتظمة بواسطة أدوات القياس إلّا منذ القرن التاسع عشر، لكنّ علماء المناخ يستخدمون الأحافير، الأنهار الجليديّة والرواسب في قاع البحيرات والمحيطات أو حلقات جذوع الأشجار للحصول على معلومات حول درجات الحرارة وهطول الأمطار وبيانات مناخيّة أخرى من الماضي البعيد. في مقال نُشر في المجلّة العلميّة SienceDirect، ذكرت الدكتورة ياعيل إرليخ وزملاؤها من وحدة الآثار العلميّة في معهد وايزمان أنّهم وجدوا طريقة للتعرّف على تاريخ المناخ باستخدام نوى الزيتون.
تنتشر أشجار الزيتون بكثرة في بلادنا. تُشير العديد من الدراسات إلى أنّه تمّ تدجين الزيتون في وادي الأردن منذ نحو 7000 عام، الّذي يُعتبَر أولى المناطق في العالم الّتي تمّ فيها تدجين أشجار الزيتون، واُستخدِمت ثمارها في الطعام، والإضاءة والعبادة. استخدم الباحثون في هذه الدراسة نوى الزيتون المتفحّمة الّتي تمّ جمعها من المواقع الأثريّة في جميع أنحاء البلاد. تمّ العثور على النوى في حالة جيّدة، بفضل الفحم الّذي ساعد في الحفاظ عليها. استخدم الباحثون طرق تحليل الكربون لفهم فترات الجفاف الّتي حدثت في مناطق مختلفة في البلاد.
استخدم الباحثون نوى الزيتون المتفحّمة الّتي تمّ جمعها من المواقع الأثريّة في جميع أنحاء البلاد. ثمار ونوى الزيتون على الأرض| Cooper T Photography, Shutterstock
مفتاح الكربون
تستخدم النباتات ثنائي أكسيد الكربون كمادّة أوليّة في عمليّة التمثيل الضوئيّ. تحوي معظم نوَيات ذرّات الكربون 12 نيترونًا، وبالتالي تُسمّى الذرّات كربون-12. ولكن في حوالي واحد بالمئة من جميع ذرّات الكربون، يكون عدد النيوترونات في النواة 13، وبالتالي يطلق عليها اسم كربون-13. تُعتبر ذرّات الكربون-12 والكربون-13 نظائر لعنصر الكربون؛ ممّا يعني أنّ لها نفس عدد البروتونات ولكن عدد مختلف من النيوترونات، وفي حالة الكربون-12 والكربون-13، كلاهما طبيعيّ ومستقرّ.
تمتصّ النباتات ثنائي أكسيد الكربون الّذي تحتاجه في عمليّة التمثيل الضوئيّ من خلال فتحات في الأوراق تُسمّى الثغور. خلال فترات الجفاف، تفتح النباتات ثغورها لفترات زمنيّة قصيرة قدر الإمكان للحدّ من فقدان المياه للبيئة. لذلك، تنجح بامتصاص كميّة أقلّ من ثنائي أكسيد الكربون. تفضّل النباتات عمومًا استخدام الكربون الأخفّ، كربون-12؛ لكن خلال فترات الجفاف، تُجبر على أن تكون أقلّ انتقاءً، فتقوم باستهلاك الكربون الأثقل أيضًا، كربون-13. في المقال الجديد، أفاد الباحثون أنّه وفقًا للنسبة بين كميّات هذين النظيرين في نوى الزيتون، تمكّنوا من تحديد فترات الجفاف في منطقتنا وتحديد فترات هطول أمطار عالية.
جمع الباحثون نوى الزيتون من 51 موقعًا أثريًّا من فترات مختلفة. قام الباحثون بتحديد عمر كلٍّ من نوى الزيتون باستخدام تاريخ الكربون-14. ثمّ قام الباحثون بفحص النسبة بين كميّات نظائر الكربون-12 والكربون-13 في نوى الزيتون، وبناءً على ذلك، استنتجوا كميّات الترسيب خلال فترة نضجها. على سبيل المثال، كانت الفترة ما بين سنة 1950 و 1700 قبل الميلاد، على ما يبدو، فترة غزيرة الأمطار مقارنةً بالسنوات الّتي سبقتها حتّى في منطقة بيسان، الّتي تُعتبر اليوم منطقة جافّة بشكل خاصّ. ومع ذلك، من خلال فحص نوى الزيتون الّتي تمّ جمعها في منطقة القدس، استنتج الباحثون أنّه خلال هذه السنوات كانت المنطقة حارّة وجافّة.
بفضل انتشار أشجار الزيتون في منطقة الشرق الأوسط، وإمكانيّة الحفاظ على النوى عبر السنين، يمكن استخدام الزيتون كأداة فعّالة لدراسة الظواهر المناخيّة الّتي حدثت منذ آلاف السنين.