ستمنح الجائزة للباحثَين المكتشفَين لنشاط القنوات الأيونية المسؤولة عن استشعار اللمس ودرجة الحرارة
تقرّر منح الجائزة هذا العام لكلٍّ من ديفيد جوليوس David Julius وإرديم باتابوتيان Erdem Patapoutian لاكتشافاتهما للاكتشافات التي يسّرت فهم نشاط الخليتين المسؤولتين عن استشعار الحرارة واللمس وتمرير المعلومات إلى الدماغ.
استشعار درجة الحرارة والضغط. دايفيد جوليوس (يمين) وإردم بتبوتيان| رسم توضيحي: موقع جائزة نوبل
سيتم منح جائزة هذا العام لاكتشاف العلاقة بين القنوات الأيونية واستشعار درجة الحرارة والإحساس باللمس. هذه القنوات هي بروتينات محفوظة جيدًا عبر مراحل التطور، وحتى لدى اللافقاريات، حيث تم اكتشفها لأول مرة على يد الباحث الإسرائيلي باروخ مينكا من الجامعة العبرية في القدس.
تعمل هذه البروتينات عن طريق توصيل جسيمات مشحونة تسمى الأيونات وتغيير الجهد الكهربائي لغشاء الخلية استجابة للتغيرات في درجة الحرارة. تؤدي هذه التغيرات إلى استجابة عصبية تصل إلى الدماغ وتساعدنا في التعرّف عليها. تتمركز هذه القنوات في أغشية الخلايا في جلدنا وفي أماكن أخرى كثيرة في الجسم.
هناك عدة أنواع من هذه القنوات، والتي تستشعر درجات الحرارة في نطاقات مختلفة وتساعدنا على التمييز بين حرارة يوم ربيعي لطيف وبين حرارة قهوة ساخنة لاسعة. كذلك يمكن لهذه القنوات أن تتنشّط عند شرب الكحول أو تناول الأطعمة ذات الجزيئات التي تعطي إحساسًا بالحرق أو اللذع مثل الكابسيسين - المكون النشط في الفلفل الحار. هذا هو السبب في أننا نشعر بإحساس قوي بالحرارة عندما نأكل الشطّة.
القنوات الأيونية عبارة عن بروتينات أسطوانية الشكل مزروعةِ داخل غشاء الخلية، وتُستخدم لتوصيل وتمرير الذرات المشحونة كهربائيًا (الأيونات) من الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم وغير ذلك. تنقل كل قناة أيونات معينة، وتؤثر أيضًا على التوترات بين داخل الخلية وبيئتها الخارجية، مما يسمح بنقل الإشارات العصبية. هناك أنواع من القنوات الأيونية التي تلعب أدوارًا رئيسية في التوصيل العصبي ونشاط العضلات وغير ذلك. للقنوات المختلفة آليات فتح وإغلاق متنوعة، والتي تسمح بالتحكم في الإشارة العصبية وفقًا لمحفزات مختلفة. استطاع الفائزان اكتشاف نوعين من هذه القنوات، ذوات آليات فتح مختلفة، أحداهما مستشعرة ذات حساسّية لدرجة الحرارة والأخرى للضغط الميكانيكي، وتلعب كلتاهما دورًا مهمًا في تحديد المحفزات من البيئة.
استخدم ديفيد جوليوس من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو الكابسيسين كوسيلة لتحديد البروتين المسؤول عن استشعار الحرارة. حيث عزل ملايين شظايا الحمض النووي من الخلايا العصبية الحسية وأدخلها في الخلايا المستنبتة. بعد ذلك قام جوليوس بتعريض الخلايا لمادة الكابسيسين، وتمكن بفضل رصد التغيرات في تركيز الكالسيوم في الخلية من تحديد الخلايا التي تنتج استجابة عصبية بعد ملامستها للمادة اللاذعة. من الخلايا التي استجابت، قام جوليوس بعزل تسلسل الحمض النووي الذي يشفر القناة الأيونية، وبهذا اكتشف قناة جديدة أطلق عليها اسم TRPV1، وهي المسؤولة عن الإحساس بالحرارة العالية، وهي تنتمي لعائلة من القنوات التي تعرف باسم TRP.
قام بعد ذلك بحقن جين البروتين الجديد في بيض الضفادع، وهي خلايا تعتبر كبيرة الحجم جدًا، مما سمح له بقياس التيارات الكهربائية بشكل مريح استجابةً للتعرض للمادة اللاذعة. اكتشف لاحقًا أيضًا القناة المسؤولة عن استشعار البرد (TRPM8) التي يتم تنشيطها استجابةً لجزيء المنثول. من ضمن عدة مهام تؤديها هذه القناة فهي مسؤولة أيضًا عن الشعور بالبرودة في الفم عند مضغ علكة النعناع.
اكتشف باتبوتيان أيضًا هذه القناة في ذات التزامن.
تبين لاحقًا أن القناة المسؤولة عن الإحساس بالحرارة لها أيضًا العديد من الأدوار الإضافية في الإحساس بالألم والاستجابة المناعية. لذلك، فإن البروتينات التي تشكل القناة هي موقع مستهدف للباحثين المشاركين في تطوير مسكنات الألم.
أما باتبوتيان فقد اكتشف القنوات الأيونية المستخدمة لاستشعار اللمس أو الضغط الخفيف. حيث وجد أن بعض الخلايا، عند لمسها أو الضغط عليها بماصة زجاجية رقيقة مخبرية، تخضع لتغييرات كهربائية في الجهد، وقام بفحصها باستخدام خلايا معدلة وراثيًا، حيث قام بتغيير التعبير الجيني لهذه القنوات. قام بعزل جينات القنوات الأيونية، وأطلق عليها اسم PIEZO1 و PIEZO2. في دراسة نُشرت عام 2010، حدد باتبوتيان أنه عندما يلغي التعبير الجيني عن هذه الجينات، تفقد الخلايا حساسيتها للمس. في دراسة أخرى، أظهر أن الفئران التي تم فيها إلغاء التعبير عن جين PIEZO2 داخل الخلايا قد فقدت الكثير من حاسة اللمس لديها. والمثير للدهشة أن هذه القناة الأيونية ليست مسؤولة عن الإحساس بالألم الناتج عن الضغط القوي على الجلد، مثل ضربة أو قرصة، ولا يزال البحث عن القنوات المسؤولة عن هذا الإحساس مستمرًا حتّى هذا اليوم.
من بيروت إلى ستوكهولم، مرورًا بلوس أنجلوس
ولد جوليوس عام 1955 في نيويورك، وحصل على الدكتوراه عام 1984 من جامعة كاليفورنيا، بيركلي. في عام 1989 تم قبوله كباحث في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، حيث يعمل أستاذًا حتى يومنا هذا. في عام 1996، حصل على درجة الدكتوراه في علم الأحياء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. وقد حصل على العديد من الجوائز عن عمله بما في ذلك جائزة Cavalli في عام 2020 (مشاركة مع باتبوتيان)، وجائزة شو في عام 2010، وجائزة غايردنر في عام 2017، وجائزة Breakthrough في عام 2020.
ولد باتبوتيان عام 1967 في لبنان، وبعد الحرب هناك هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة في عام 1986. حصل على درجة الدكتوراه في عام 1996 من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech)، ثم تابع زمالة ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو. وهو يعمل منذ عام 2000 باحثًا في معهد سكريبس في كاليفورنيا.
فيديو الإعلان عن الجائزة:
في العام الماضي ، مُنحت جائزة نوبل في الطب لكل من هارفي ألتر Alter، ومايكل هوتون Houghton وتشارلز رايس Rice، عن الدراسات التي أدت إلى اكتشاف وتحديد الفيروس المسبب لالتهاب الكبد الفيروسي (التهاب الكبد C). وفي عام 2019 مُنحت الجائزة إلى ويليام كيلين Kaelin وبيتر راتكليف Ratcliffe وغريغ سيمينزا Semenza، لفك تشفير الآليات الجزيئية للتحكم في الجينات المسؤولة عن استشعار نقص الأكسجة (Hypoxia) والتعامل مع مثل هذه الحالة.أما في عام 2018 فقد مُنحت الجائزة في الطب بالمناصفة بين جيمس أليسون Allison وتسوكو هونجو Honjo، لتطويرهما عقاقير تعمل على تحسين قدرة الجهاز المناعي على محاربة النمو السرطاني. منذ عام 2015، لم تكن هناك امرأة من بين الحاصلين على جائزة نوبل في الطب، حيث مُنحت في ذلك العام للباحثة الصينية يو تو، لمساهمتها في تطوير عقار الأرتيميسينين لعلاج الملاريا.