في الرحلة التجريبيّة السادسة للنظام الفضائيّ ستار شيب (Starship)، تخلّت شركة سبيس إكس (SpaceX) عن التقاط صاروخ الإطلاق في منصة الإطلاق، لكنّ أداء المركبة الفضائيّة كان جيّدًا، بما في ذلك عمليّة تشغيل المحرّكات في الفضاء.
رافقت الرحلة التجريبيّة السادسة لنظام "ستارشيب" خيبة أمل جزئيّة، عندما أعلنت شركة "سبيس إكس" بعد وقت قصير من الإطلاق أنّها لن تحاول الإمساك بصاروخ الإطلاق، SuperHeavy، وإعادته الى برج الإطلاق مرة أخرى، كما فعلت بنجاح في الاختبار الخامس، منذ ما يزيد عن شهر تقريبًا. وبدلًا من محاولة الهبوط في موقع الإطلاق في جنوب تكساس، غيّر الصاروخ اتّجاهه وقام بمناورة الهبوط فوق البحر، وبعد تحويم متحكّم فوق سطح الماء، غاص في مياه خليج المكسيك.
قالت الشركة إنّها تخلّت عن محاولة الهبوط، لأنّ "نتائج الاختبارات الآليّة للأجهزة الأساسيّة في برج الإطلاق والاعتراض قد أدّت إلى إلغاء محاولة الاعتراض". وأكّدت الشركة مسبقًا أنّ هبوط الصاروخ على منصّة الإطلاق لن يتمّ إلّا في حال استيفاء جميع شروط السلامة - في الصاروخ وفي موقع الإطلاق- وبعد موافقة رئيس فريق المراقبة النهائيّة. وفي حال وجود خوف من وجود خطر على السلامة، سيُوجَّه الصاروخ للهبوط في البحر كما حدث الليلة.
إطلاق ناجح وهبوط لصاروخ "سوبر هيفي" في البحر
عملت بقيّة مكوّنات الإطلاق بشكل جيّد: كان الإطلاق سلسًا، حيث عملت جميع محرّكات رابتور Raptor لمركبة "سوبر هيفي" البالغ عددها 33 محركًا على النحو المنشود. وبعد حوالي 2:40 دقيقة من الإطلاق، تمّ تنفيذ مرحلة الانفصال الساخن: حيث فُعّلت محرّكات المركبة الفضائيّة نفسها "ستار شيب" قبل ثوانٍ قليلة من انفصالها عن مركبة الإطلاق، واستمرّت كما هو مخطّط لها في الفضاء.
وبعد حوالي ستّ دقائق، تمّ إيقاف تشغيل محركات رابتور الستّة للمركبة الفضائيّة كما كان مخططًا لها، واستمرّت في مسار باليستي أوصلها إلى ارتفاع 200 كيلومتر تقريبًا، وبسرعة تزيد على 26 ألف كيلومتر في الساعة، وأجريت التجربة السادسة بعد نحو نصف ساعة من الإطلاق، حيث أعيد تشغيل أحد محرّكات "ستار شيب" الستّة لأوّل مرّة في الفضاء.
يعدّ تشغيل المحرّكات في الفضاء خطوةً مهمّةً نحو تحقيق خطط الشركة المستقبليّة، للهبوط بطريقة محكمة في منصّة الإطلاق وليس الصاروخ فقط، إنّما أيضًا المركبة الفضائية نفسها. سيكون تشغيل المحرّكات ضروريًّا أيضًا لوضع المركبة الفضائيّة في مدار حول الأرض، وهو ما لم يتم القيام به بعد؛ للعودة إلى الغلاف الجوّيّ من هذا المدار، ولمناوَرات التزوّد بالوقود بين المركّبات الفضائيّة، وبالطبع للطيران إلى وجهات أخرى مثل القمر والمريخ، والهبوط على سطحِهما.
بعد حوالي أربعين دقيقة من الإطلاق، بدأت مرحلة دخول المركبة الفضائيّة مرّة أخرى إلى الغلاف الجوّيّ بسرعة عالية. وأجرى مهندسو "سبيس إكس" بعض التغييرات على هيكل الدرع الحراريّ للمركبة الفضائيّة، وهو أصغر ممّا كان عليه في التجربة السابقة. لقد أزالوا عدّة آلاف من البلاطات الذي يتكوّن منها، لاختبار مقاومة أجزاء المركبة الفضائيّة لدرجات الحرارة المرتفعة عند عودتها إلى الغلاف الجوّيّ، والتركيبة المختلفة قليلًا للطبقات الواقية الأخرى.
اجتازت المركبة الاختبار بنجاح كبير، حيث هبطت بشكل مثاليّ في الموقع المحدّد في المحيط الهنديّ، على الرغم من التغييرات في نظام الحماية الحراريّة. تمّ التخطيط للهبوط المائيّ هذه المرّة في وضح النهار، لتوفير صور أفضل من الكاميرات الموجودة على العوامات حول موقع الهبوط، ليس فقط للعلاقات العامّة، ولكن بشكل أساسيّ للتحقيق في وظيفة المركبة الفضائيّة وأنظمتها.
هبوط المركبة الفضائيّة في المحيط الهنديّ
ملخّص الفصول السابقة والقادمة
كما ذكرنا سابقًا، كان الإطلاق هو الرحلة التجريبيّة السادسة لنظام "ستار شيب". في التجربة الأولى، في أبريل 2023، فشلت المركبة الفضائيّة في الانفصال عن مركبة الإطلاق، فانفجر كلاهما في الهواء. وفي الاختبار الثاني، في نوفمبر 2023، وصلت المركبة الفضائيّة إلى الفضاء لكنّها انفجرت هناك، وانفجرت مركبة الإطلاق أثناء محاولتها القيام بمناورة الهبوط فوق الماء.
في الاختبار الثالث، في مارس 2024، احترقت المركبة الفضائيّة وانفجرت مرّةً أخرى في الغلاف الجوّيّ فوق المحيط الهنديّ، وأجرت مركبة الإطلاق جزءًا من مناورة الهبوط فوق البحر، لكنّها فشلت في إكمالها. في الاختبار الرابع، في يونيو 2024، أكملت المركبة الفضائيّة بنجاح الدخول إلى الغلاف الجوّيّ، وعلى الرغم من الأضرار التي لحقت بجناحيها، قامت بمناورة الهبوط فوق مستوى سطح البحر في المحيط الهنديّ.
كما أكملت مركبة الإطلاق مناورة الهبوط، فوق مستوى سطح البحر في خليج المكسيك، على مسافة ليست بعيدة عن موقع الإطلاق. وفي التجربة الخامسة، كما ذكرنا، قامت مركبة الإطلاق بهبوط مثاليّ في موقع الإطلاق، مع الإمساك بأذرع منصة الإطلاق، ونجحت سفينة الفضاء نفسها في إجراء مناورة الهبوط فوق المحيط الهنديّ، ثم غاصت كما هو مخطّط لها في البحر. في التجارب القادمة، من المتوقّع أن تتقدّم شركة "سبيس إكس" لإدخال السفينة في مدار حول الأرض، ومحاولة الهبوط المتحكّم فيه على الأرض، لكلّ من صاروخ الإطلاق والمركبة الفضائيّة نفسها.
وفي التجارب القادمة سيحاولون إنزال السفينة على اليابسة. هبوط المركبة الفضائيّة في المحيط الهنديّ في التجربة السادسة | لقطة شاشة من بث "سبيس إكس"
سعيًا للوصول إلى المريخ بنجاح
تُعدّ هذه التجربة علامةً فارقةً أخرى على الطريق نحو هدف "سبيس إكس" طويل المدى، وهو تطوير نظام إطلاق موثوق وقابل لإعادة الاستخدام لإطلاق حمولات كبيرة وثقيلة إلى الفضاء. سيسمح هذا النظام لشركة "سبيس إكس" بتخفيض تكاليف الإطلاق بشكل كبير، من آلاف الدولارات للكيلوغرام الواحد إلى 200 وحتّى 100 دولار للكيلوغرام الواحد.
من المفترض أن يتمّ استخدام "ستارشيب" كمركبة هبوط تابعة لناسا على القمر في أوّل عمليّات هبوط مأهولة لبرنامج Artemis، وسوف تسمح لشركة "سبيس إكس" بتوسيع شبكتها من أقمار الاتّصالات Starlink بالفعل. في التجربة السادسة أيضًا مكنت من التواصل المستمر مع المركبة الفضائية طوال المهمة وفي الفضاء وفي عمليّة العودة إلى الغلاف الجوّيّ.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ نظام الإطلاق الهائل سيمنح "سبيس إكس" سيطرة شبه حصريّة على سوق إطلاق الحمولات الثقيلة مثل المحطات الفضائيّة، أقمار الاتّصالات الكبيرة، والتلسكوبات الفضائيّة وسيسمح ببنائها بشكل أكبر وأقوى ممّا تمّ إنجازه حتّى الآن.
إذا تحقّق برنامج "ستارشيب" كما هو مخطّط له، فمن المرجّح أن تصبح "سبيس إكس" قوّة فضائيّة رائدة، تتمتّع بقدرات للتنافس مع معظم البلدان. لكن هدف إيلون ماسك الأكثر بُعدًا وطموحًا ليس احتلال مكان بارز في المدار حول الأرض، بل استخدام مركبة فضائيّة لإنشاء وتطوير مستعمرة مأهولة على المريخ. ولهذا الغرض، تخطّط "سبيس إكس" بالفعل نماذج أكبر من السفن الفضائيّة ذات القدرات المتقدّمة.
ولتحقيق أهداف أقلّ طموحًا حتى، مثل رحلات المركبات الفضائيّة إلى القمر، لا تزال شركة "سبيس إكس" بحاجة إلى تطوير بعض القدرات الأساسيّة، مثل مناورة المركبة الفضائيّة في الفضاء، الالتحام بها والتزوّد بالوقود في الفضاء، بما في ذلك التزوّد بالوقود في حالة انعدام الجاذبيّة. يجب أن يعمل كلّ واحد من هؤلاء بشكل مثاليّ حتّى في المهام الأبسط بكثير من الوصول للمريخ. مع ذلك، تُظهر "سبيس إكس" مرارًا وتكرارًا أنّها ليست خائفة من التحدّيات، وقبل كلّ شيء - أنّها تتعلّم وتتحسّن من تجربة إلى أخرى.