بحث جديد يؤكّد: على الرغم من أنّ التمارين الرياضيّة ليست بديلًا عن المساعدة المهنيّة، إلّا أنّها وسيلة فعّالة ومفيدة للتعامل مع القلق
كم مرّة قمت بالتخطيط للخروج لممارسة التمارين الرياضيّة، ولكن لم تكن لديك الرغبة في النهوض عن الأريكة؟ يُظهِر بحث جديد أنّه من المستحسن بذل هذا الجهد. وجدت الدراسة أنّ التمارين المعتدلة أو الشاقّة، يمكنها أن تساعد بشكل كبير في تقليل أعراض القلق، حتّى في حالات القلق المزمن.
هزّت أزمة الكورونا العالم بأسره. منذ تفشّي الفيروس، تمّ إجراء العديد من الدراسات حول تداعيات الوباء على الصحّة الجسديّة والعقليّة. تظهر الدراسات أنّ القدرة على التأقلم ذهنيًّا وعاطفيًّا في ظلّ الأزمات، أو ما يُدعى بالـ "مرونة النفسيّة" (Psychological resilience) للكثيرين، في إسرائيل وحول العالم، تضرّرت في أعقاب الجائحة. نتيجةً لذلك، ازدادت حالات القلق والاكتئاب لدى الناس. أفادت مراكز مكافحة الأمراض واتقائها في الولايات المتّحدة (CDC) مؤخّرًا أنّ مستويات القلق والاكتئاب التي يعاني منها الكبار، بدأت في الارتفاع بعد شهر آب 2020، بموازاة انتشار الجائحة، وبلغت ذروتها خلال شهريْ كانون الأوّل 2020 وكانون الثاني بعد ذلك. بدأ معدّل الإصابة بالأعراض بالانخفاض تدريجيًّا حتّى حزيران 2021، ربّما بعد حملة التطعيم وتراجع معدّل الإصابة بالأمراض، لكنّه بقي أعلى ممّا كان عليه قبل تفشّي الفيروس.
يشعر الكثير أنّ المرونة النفسيّة لديهم تضرّرت نتيجة جائحة الكورونا. بالموازاة، هناك ازدياد ملحوظ في حالات القلق والاكتئاب لدى الناس | Gajus, Shutterstock
ليس مجرّد خوفٍ
القلق هو ردّ فعل طبيعيّ للجسم، الذي ينشأ في ظلّ ظروف الخطر أو التهديد. في بعض الأحيان، يكون التهديد حقيقيًّا، لكن في كثير من الحالات تكون مجرّد أفكار غير عقلانيّة، أي أنّ شدّة القلق لا تتناسب مع الخطر الحقيقيّ الذي يتعرّض له الشخص. يمكن أن يظهر القلق من خلال عدّة أشكال وشدّة، وعادةً ما تكون مصحوبة بأعراض جسديّة مزعجة، كالضّائقة (distress)، تسارع نبضات القلب، الرعشة، التعرّق، الدوار وضبابيّة في الحواس.
يمكن للقلق أن يضعف العمليّات الذهنيّة، ويسبّب صعوبة في التركيز ومعالجة المعلومات. في الواقع، من الممكن أن يؤدّي الشعور بالقلق بقوّة وبشكل متواصل إلى تعطيل الروتين اليوميّ. هذه الظاهرة منتشرة جدًّا، لدرجة أنّ المعهد الوطنيّ للصّحّة العقليّة (NIMH) في أمريكا يُشير إلى أنّ قرابة ثلث إجماليّ المراهقين والبالغين في الولايات المتّحدة يصابون باضطراب القلق، أو يعانون من القلق في مرحلة ما من حياتهم، بطريقة من شأنها أن تُعطّل روتينهم اليوميّ.
عادةً، يتمّ إحالة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق إلى العلاج النفسيّ، أو وصف المهدّئات لتخفيف القلق أو أدوية أخرى المضادّة للقلق. لكنّ العديد من الأشخاص لا يطلبون المساعدة المهنيّة على الإطلاق، والبعض الآخر لا يستجيب للأدوية أو يطوّر مقاومة لتأثيرها.
القلق هو ردّ فعل طبيعيّ للجسم، لكنّ التعرّض بالقلق بقوّة وبشكل متواصل، يؤدي إلى تعطيل الروتين اليوميّ للأشخاص | GoodStudio, Shutterstock
النّفس السليمة في الجسم النّشيط
تُظهر العديد من الدراسات التي أُجريت في السنوات الأخيرة، أنّ التمارين المنتظمة قد تساعد في تحسين الحالة المزاجيّة، وتخفيف أعراض الاكتئاب والقلق. المشكلة أنّ النتائج التي توصلوا إليها كانت متناقضة في بعض الأحيان، والكثير منها تعاني من نقاط ضعف، مثل الاعتماد على تقرير المريض الذاتيّ - والذي قد يكون متحيّزًا، أو عدم وجود مجموعات مرجعيّة (control groups)، أو استخدام أدوات غير موحّدة لتحليل الاستبيانات.
أُجريت في السويد دراسة جديدة وشاملة، ونُشرت في مجلّة تتناول الاضطرابات العاطفيّة، والتي تُدعى "جورنال اوف افيكتيف ديسورديرز" (Journal of Affective Disorders). تدور هذه الدراسة حول تأثير النشاط البدنيّ على المرضى الذين يعانون من اضطرابات القلق، وتمّ تقييم مدى مساهمة شدّة النشاط البدنيّ على أعراض القلق. بالمقابل، تمّ فحص تأثير النشاط البدنيّ على أعراض الاكتئاب.
تابعت الدراسة 286 مريضًا يعانون من اضطرابات القلق، والذين كانوا يخضعون للعلاج النفسيّ. عانى حوالي نصف المشاركين من حالات القلق، على مدى فترة طويلة لا تقلّ عن عشر سنوات، واستخدم الثّلثان منهم تقريبًا دواءً واحدًا على الاقلّ مضادًّا للقلق. تمّ تقسيم المرضى بشكل عشوائيّ إلى ثلاث مجموعاتٍ: الأولى كانت بمثابة مجموعة مرجعيّة، والتي لم تقم بأيّ نشاط بدنيّ على الإطلاق. خضع المرضى في المجموعتين المتبقيّتين لتدريب جماعيّ لمدّة ساعة واحدة تقريبًا، ثلاث مرّات في الأسبوع لمدّة ثلاث أشهر، تحت إشراف أخصّائي في العلاج الطبيعيّ.
خضع أعضاء مجموعة واحدة من المرضى إلى تدريب جماعيّ معتدل، والذي تضمّن تدريبًا منخفض الشدّة أدّى إلى الوصول لنسبة 40-59 في المائة من الحدّ الأقصى لمعدّل ضربات القلب. أمّا المجموعة الثانية، فخضع المرضى فيها لتدريب جماعي شاقّ، الذي مكّنهم من الوصول إلى 60-94 في المائة من الحدّ الأقصى لمعدّل ضربات القلب. شمل البرنامج التدريبي مسارين من خلال 12 محطّة تدريبية، والتي جمعت بين تمارين البدنية الهوائية للحصول على اللياقة القلبيّة-التنفسيّة وتمارين الأثقال، بالإضافة إلى تمارين الإحماء في البداية وتمارين الإطالة في النهاية. في نهاية 12 أسبوعًا، أكمل الأشخاص استبيانات لتقييم مستوى قلقهم (Beck Anxiety Inventory) ومستوى الاكتئاب (MADRS-S).
كانت النتائج لا لبس فيها؛ انخفضت مستويات القلق لدى المشاركين في كلا المجموعتين، اللتين خضعتا للتدريب البدنيّ بشكل ملحوظ مقارنةً بالمجموعة المرجعيّة، والتي فيها لم يمارس المشتركون الرياضة. انخفض مستوى القلق من مرتفع/معتدل إلى منخفض لدى معظم المرضى الذين مارسوا التمارين. تحسّنت أعراض القلق لدى المرضى في المجموعة، التي خضعت لتمارين عالية الكثافة أكثر قليلًا من المجموعة التي خضعت لتمارين منخفضة الكثافة، لكن الفرق بينهما لم يكن ذا دلالة إحصائيّة. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ تحسّن في أعراض الاكتئاب لديهم. كما لوحظ انخفاض طفيف في مستوى القلق في المجموعة المرجعيّة، مقارنةً بمستوى القلق الأوليّ.
تتمثّل إحدى محدوديّات الدراسة في حقيقة أنّها اعتمدت على التقييم الذاتيّ، والذي يرتكز على مشاعر المرضى، بدلًا من مقياس موضوعيّ. تعتبر هذه التقييمات غير موضوعيّة نظرًا للمبالغة في التقدير أو تقليل من مستوى الأعراض من جانِب المرضى. من الممكن أيضًا أنّ الاهتمام الذي تلقّاه المرضى أثناء التدريب من أخصائيّ العلاج الطبيعيّ والأعضاء الآخرين في المجموعة، ووجود تفاعل اجتماعيّ -على عكس المجموعة المرجعيّة- أثّر أيضًا على النتائج. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن استبعاد تأثير الأدوية التي تناولها المرضى لتخفيف القلق، على الدراسة.
تشير نتائج الدراسة إلى أنّ التمارين البدنيّة الموجّهة، خلال ثلاثة شهور، قد تحسّن حالة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق. تعزّز هذه النتائج أهمّيّة تشجيع المرضى على القيام بالنشاط البدنيّ.
للنشاط البدنيّ العديد من المزايا: فهو علاج متاح، وبدون أيّ آثار جانبيّة تقريبًا، كما أنّه غير مُكلف ويساهم في الصحّة العامّة للمرضى. يمكن أن تساعد التمارين وحدها في حالات القلق الخفيف، أو تتكامل مع العلاجات المقدّمة والمقبولة في يومنا هذا لحالات القلق الأكثر حدّة، كما هو الحال في هذا البحث. لذلك، إذا كنت تمرّ بفترة صعبة مصحوبة بالقلق، لا تتردّد - اِذهب في نزهة سيرًا على الأقدام أو اِجرِ لمسافة صغيرة أو قم بزيارة النادي الرياضيّ. وإذ لم يكن ذلك كافيًا، فلا تتردّد في طلب المساعدة الطبيّة أو النفسيّة.