هل المتحوّر الجديد لفيروس كورونا أكثر عدوى؟ وهل يصيب المُطعَّمين والمتعافين أيضًا؟ ما هي شدّة المرض الّتي يسبّبها؟ في الوقت الحالي لا يمكننا إلّا التكّهُن!
بدأت تقارير، يوم 23 تشرين الثاني 2021، بالانتشار حول العالم والحديث عن متحوّر جديد لفيروس كورونا تم تحديده في جنوب إفريقيا. في ظاهر الأمر، لا شيء خارج عن المألوف. للفيروس مئات السلالات المتحورّة وما يقارب الألفين من المتحوّرات الفرعيّة المعروفة، من المحتمل أنّه في المناطق التي لا تتمّ فيها متابعة تطور الفيروس وانتشاره بشكلٍ مستمر وحثيث، قد تتطوّر متحوّرات إضافيّة بسهولة، بحيث لا يتمّ اكتشافها إلّا عند وصولها إلى دول أخرى.
ستستمرّ المتحوّرات في النّشوء طالما أنَّ الفيروس ينتشر وينتقل بين النّاس، حيث تُعتبرهذه العمليّة تطوّريّة طبيعيّة تمامًا تحدث مع جميع أنواع الفيروسات أو البكتيريا، وفي الواقع لكلّ كائن حيّ. لكن هذا المتحوّر مختلف. الأمر مختلف تمامًا لدرجة أنَّ منظمة الصحّة العالميّة قد صنّفته بعد أيّام قليلة على أنّه "متحوّر مثير للقلق" (Variant of Concern)، وقد اكتسب حرف يونانيّ خاصّ به -أوميكرون - (Omicron)، وكان ردّ فعل الدول من جميع أنحاء العالم لظهوره إغلاق حدودها، على أمل اللحاق يمنعه من الوصول إليهم. على الأرجح، أنّه سيتّضح في الأيّام المقبلة أنَّ معظمهم قد "تأخّروا بالفعل عن هذا القطار".
تمّ جمع العيّنة التي تحتوي على المتحوّر الجديد لأوّل مرة في منتصف تشرين الثاني في جمهورية بوتسوانا ومحافظة خاوتينغ (Gauteng) في جنوب إفريقيا. عانت المحافظة سابقًا من اكتشافات متكرّرة لمتحوّرات الكورونا، التي كان آخرها، المتحوّر الذي تمّ اكتشافه قبل شهرين فقط. شهدت المنطقة هناك وخاصّة في الأسابيع الأخيرة بداية تفشٍّ جديدة، إضافةً إلى إجراء عمليّات التسلسل الجيني لرصد المتحوّر الجديد المسؤول عن ذلك. لقد كان متحوّرًا مختلفًا تمامًا عن سابقيه، حيث أنّه جمع 55 طفرة مقارنة بفيروس كورونا الأصليّ، وهو رقم كبير واستثنائيّ نسبةً لمتحوّر جديد. إضافة إلى ذلك، إنّ 60٪ من الطفرات حدثت في بروتين الشوكة Spike، والذي يساعد الفيروس على إصابة الخلايا البشريّة بالعدوى، ونصفها تقريبًا في منطقة على البروتين، المسؤولة عن ارتباط الفيروس بخلايانا البشريّة.
قد يبدو كأنَّ مثل هذه الحالة ستضرّ بنشاط الفيروس وتضعف من قدرته على الإصابة، لكننّا في الواقع نشهد أنَّ معدل الإصابة فيه مرتفع للغاية، على الأقلّ بقدر ما يمكن معرفته في مثل هذه المرحلة المبكّرة من التفشّي والانتشار، الأمر الذي يثير المخاوف، لأنَّ بعض التغييرات التي حصلت للفيروس قد "تحسّن" من قدراته. لقد لاحظنا، أنَّ هذا يحدث في بعض المتحوّرات السّابقة أيضًا، وخاصّة، ألفا (البريطانيّ) ودلتا (الهنديّ)، يبدو الآن أنَّ هناك خطرًا كبيرًا كوننا لم نصل بعد إلى ذروة قدرة الفيروس على الإصابة في العدوى.
ليس هناك أي بلد تريد أنّ تكون هي الدولة التي يتعلّم منها باقي العالم حول المتحوّر الجديد. الكاونترات مغلقة في المطار عقب إلغاء الرحلات بسبب تفشّي المتحوّر | الصورة: CatwalkPhotos، Shutterstock
القلق من انخفاض محتمل في فاعليّة اللقاحات الحاليّة
أحد أكبر المخاوف بشأن المتحوّرات الجديدة هو أن تنجح في الإضرار بقدرة الحماية التي توفّرها اللقاحات الحالية ضدّ المرض. يساعد اللقاح أجسامنا على تحديد منطقة معيّنة في غلاف الفيروس، ومهاجمتها بناءً على هذا التحديد. كلّما كانت هذه المنطقة في الفيروس أكثر اختلافًا عن تلك المنطقة في الفيروس الأصليّ الذي تمّ تطوير اللقاح ضدّها، قد يؤدّي ذلك إلى انخفاض في فاعليّة اللقاح. عادةً ما يكون هذا الانخفاض تدريجيًّا، لذا، حتّى لو انخفضت فاعلية اللقاح، فلن يحدث ذلك دفعةً واحدةً. مع ذلك، في حال انخفاض فاعليّة اللقاح وارتفاع معدّلات الإصابة بالعدوى بالمقابل، قد تظهر موجة إصابات جديدة بالمرض.
هذا هو الوضع الذي كنا فيه في البلاد الصيف الماضي، حيث نشأت موجة كبيرة من الإصابات بالمرض وخاصّة بعد انخفاض فاعليّة اللقاح، بالتوازي مع دخول فيروس شديد العدوى (المتحوّر دلتا). العزاء الوحيد، هو أنّه بناءً على التجارب السابقة، حتّى لو كانت فاعليّة اللقاح ضدّ العدوى غير كافية، يبدو أنَّ الحماية من الإصابة بمرض خطير ستظلّ كبيرة، لذلك من المنطقي بالتأكيد تلقّي اللقاح حتى لو انخفضت فاعليّته بالفعل.
أعلنت شركتا "فايزر" و"موديرنا" أنّهما قد بدأتا بالفعل، بالاختبارات المخبريّة، لفحص ما إذا كانت الأجسام المضادّة التي تتطور بتأثير لقاحاتها قادرة على إبطال المتحوّر الجديد. من المتوقّع نشر نتائج الاختبارات قريبًا جدًّا. مع ذلك، يُستحسن التعامل مع هذه النتائج ببعض الشكّ. سابقًا، عندما تمّ اكتشاف متحوّرات بيتا، غاما ودلتا لأوّل مرّة، توقّعت الاختبارات أنَّ فاعلية اللقاح ستضرّر. في الواقع، لم تتحقّق التوقّعات على أرض الواقع، وذلك لأنَّ الأجسام المضادّة هي فعلًا جزء مهمّ من الاستجابة المناعيّة، ولكنّها أبدًا ليست الوحيدة. سيكون الامتحان الحقيقيّ هو فحص معدّلات العدوى والإصابة في المرض الحقيقي، والتي ستظهر نتائجه بعد عدّة أسابيع فقط.
إنّ معدّل المُطعَّمين في جنوب إفريقيا منخفض نسبيًّا، وحتّى الآن لم يكمل سوى ربع سكّانها جرعات اللقاح الكاملة. أنواع اللقاحات المستخدمة هناك متنوّعة أيضًا وتشمل تلك العائدة إلى شركة "فايزر" و "موديرنا" و جونسون آند جونسون وسينوفاك، وحتّى الآن لم يتمّ إعطاء أي جرعات معزّزة (الجرعة الثالثة) هناك على الإطلاق. بالمقابل، معدّل التعافي مرتفع نسبيًّا. سيصعب هذا التعقيد تحديد ما إذا كان هذا المتحوّر بالفعل أكثر مراوغة من سابقيه. لكن في الأيّام الأخيرة، وصلت المزيد والمزيد من التقارير حول إصابات في المتحوّر "أوميكرون" من جميع أنحاء العالم، لذلك سيكون لدينا قريبًا بيانات كافية والتي ستمكّننا من تأكيد أو دحض المخاوف بشأن المتحوّر. خلال هذه الفترة، لا تخاطر العديد من الحكومات وتقوم باتّخاذ خطوات مدروسة بهدف إبطاء قدر الممكن من انتشار الفيروس في أراضيها، من أجل كسب وقت كافٍ لتمكينهم من الاستعداد أكثر في حالة انتشاره في أراضيهم.
معدل تلقي اللقاح منخفض نسبيًا. دور الانتظار لفحوصات كورونا في جنوب إفريقيا | الصورة: yebo_levy، Shutterstock
أصول المتحوّر
قد يشير التباين الكبير في المتحوّر إلى أصله. عندما تمّت مقارنة تسلسله الجينيّ مع المتحوّرات الأخرى، وجد أنّه مختلف تمامًا عنها، على غرار المتحوّرات الرئيسيّة السابقة التي تمّ العثور عليها. تشير المعطيات إلى أنّه ربّما قد تطوّر في جسم مريض واحد، يعاني من تثبيط مناعي وحمل الفيروس لفترة طويلة من الزمن.
قد يشير الاختلاف الكبير بين المتحوّر "أوميكرون" والمتحوّرات السابقة إلى أحد الاحتمالين: الأوّل: هو أنّه كان هناك انتشار كبير وقع دون ملاحظة ومراقبة في مكان ما في إفريقيا، ولم يتمّ تحديده إلّا عند تشخيص المرضى الأوائل في جنوب إفريقيا. هذا احتمال غير مرجّح بشكلٍ خاصّ، حيث تشير التقديرات إلى أنَّ المتحوّر انفصل عن آخر أب معروف في مكان ما في ربيع عام 2021، ومن الصعب تصديق أنَّ الكثير من الوقت قد مرّ دون وصول متحوّرات أخرى من سلالته إلى المواطنين.
الاحتمال الثاني هو أنَّ الفيروس قد احتُضن لفترة طويلة في جسم شخص يعاني من تثبيط مناعيّ. وبسبب ضعف جهازه المناعيّ، لم يتمكّن جسمه من التغلّب على المرض وبقي حاملًا للفيروس لفترة طويلة. خلال هذا الوقت استمرّ الفيروس في التكاثر والتغيّر. لو كان المريض حاصلًا على اللقاح، أو تلقّى علاجًا على أساس أجسام مضادّة، لكان من الممكن أن يُطوّر الفيروس تغييرات جينيّة متناسقة مع هذه الأجسام المضادّة، ونجح في مراكمة طفرات في المناطق التي تقدر هذه الأجسام على تحديدها، أي بروتين الشوكة.
قد يكون هذا السيناريو مبالغًا به ولكنّه ممكن. من المحتمل أنّه في الأسابيع المقبلة سنكتشف المزيد عن المتحوّر الجديد. سنكتشف مدى انتشاره وسنرى إلى أيّ مدى يميل إلى إصابة المُطعّمين القدامى، خاصّة على الذين تلقّوا الجرعة المعزّزة والمتعافين، في حال كان قادرًا على إصابتهم أصلًا. قريبًا، سنكتشف أيضًا ما إذا كان لديه نمط مغاير في النشاط - ما إذا كان يصيب مجموعات عمريّة مختلفة بشكلٍ مختلف، وما إذا كانت شدّة المرض التي يسبّبها مختلفة عن أعراض المتغيّرات الأخرى، وما إذا كان المرض الذي يسبّبه أكثر حدّة. هناك أمل في أن يكون "أوميكرون" من ناحية معديًا جدًّا، ولكن من ناحية أخرى أن لا يُسبب إلّا لمرض بسيط. بالتالي، سيصبح COVID-19 فيروسًا شتويًّا عاديًّا مثل الفيروس الذي يصيب ملايين الناس سنويًّا. قد يحدث هذا في المستقبل، لكن ليس من المؤكّد حقًّا أنّه سيحدث مع هذا المتحوّر.