اكتشف باحثون كيف تستعيد قناديل البحر أذرع صيد فعّالة خلال بضعة أيام من قطعها

تغمر قناديل البحر البحار والشواطِئ في فصل الصيف من كلّ عام، عندما يبدأ موسم الاستحمام، ويتعرّض كلّ من يقضي وقتًا في البحر لخطر اللسع أو الحروق. تُعتبر قناديل البحر مصدر إزعاج لنا كونها مخلوقات مكوّنة من مادة شبيهة بالجيلاتين، عديمة الدماغ والقلب والأوعية الدمويّة، وخلاياها حارقة وخطيرة. إلّا أنّ قناديل البحر هي كائنات حيّة مثيرة للاهتمام، وليست بسيطة على الإطلاق. نُشرت، قبل حوالي سنة، دراسة كشفت كيف تستطيع قناديل البحر من النوع "قنديل البحر الأبديّ" (Turritopsis dohrnii) أن تحيا حياة خالدة أبدية.

يشبه جسم قنديل البحر جرسًا في طَرفيْه أذرع صيْد. في هذه الأذرع، عادةً، خلايا حارقة تُمكّن قنديل البحر من شلّ فريسته ونقلها إلى تجويف الهضم. ولهذه الأذرع أهمّيّة بالغة في بقاء قنديل البحر على قيد الحياة، وقد طوّرت غالبية قناديل البحر القدرة على تنميتها من جديد عند إصابتها أو قطعها. 

التجدّد (regeneration)، وهو القدرة على تنمية أعضاء الجسم من جديد، موجود لدى الوزغة (أبو بريص) والسرطانات وقناديل البحر. يعتمد تجديد نموّ العضو المقطوع على تكوين مجموعة من الخلايا، الّتي تسمّى المأرمة (البلاستيما) بمقدورها إصلاح الضرر. المأرمة هي عبارة عن مجموعة من الخلايا القادرة على التحوّل إلى خلايا من نوع آخر، من خلال العمليّة التي تُسمّى التمايز. تظهر خلايا البلاستيما عند الكائنات البرمائيّة بعد تعرّضها لجروح، وهي تتيح إصلاح الكثير من الأضرار واستعادة الأنسجة التالفة. إنّ المعلومات المتوفّرة عن تشكيل البلاستيما كثيرة جدًّا، إلّا أنّ جُلّ الدراسات التي أُجريت حتّى اليوم وتناولت عمليّة التجدّد، تركّزت على الحيوانات الأكثر تطوّرًا، مثل السلمندر والضفادع، بينما نفتقر إلى المعلومات التي تخصّ الحيوانات، التي تطوّرت في مرحلة مبكرة أكثر من مراحل التطوّر، قناديل البحر مثلًا. 

كشفت دراسة جديدة أجرتها مجموعة يابانيّة، عن الآليّة التي تتيح لقناديل البحر الصغيرة Cladonema pacificum تجديد نموّ أذرع الصيد المصابة، أو المقطوعة خاصّتها خلال يومين إلى ثلاثة. 


أذرع الصيد القابلة للتجدّد بعد قطعها. قنديل البحر Cladonema pacificum | المصدر: Sosuke Fujita, The University of Tokyo

الجذع الذي ينمو منه كلّ شيء

تعقّب الباحثون تطوّر أذرع صيد قناديل البحر الصغيرة بعد قطعها، وصبّوا أنظارهم على الخلايا التي تنمو في موقع القطع، لفحص كيفيّة تكوُّن البلاستيما لديها. توجد في قاعدة ذراع قنديل البحر منطقة تُسمّى الدرنة، الّتي تحوي خلايا جذعيّة تتواجد هناك بشكل دائم. وتتحوّل هذه الخلايا الجذعيّة، وفق الحاجة، إلى خلايا أعضاء في جسم قنديل البحر خلال حياته، وتساهم في التئام الجروح. 

اكتشف الباحثون، عندما تفحّصوا الخلايا في البلاستيما، تكوّن نسيج جديد من الخلايا بعد تعرّض قنديل البحر للإصابة، فضلًا عن الخلايا الجذعية المعروفة، المسمّاة resident homeostatic stem cells أو RHSC باختصار. لا تكون خلايا النسيج الجديدة - repair-specific proliferative cells أو  RSPCA - متمايزة إلى الخلايا التي تتشكّل منها أذرع الصيد بعد، إلّا أنّه بمقدورها استعادة الأذرع. تفحّص الباحثون الفروق بين نسيجَيْ الخلايا، واكتشفوا أنّ الخلايا الجذعيّة المعروفة ضروريّة، لتكوّن الخلايا في أذرع الصيد واستطالتها، بينما تكمن ضرورة خلايا النسيج الجديدة التي تم الكشف عنها في استعادة ذراع الصيد، لأنّها تساهم في تكون البلاستيما، وتكوّن الظِّهارة (الابيتاليوم)، وهي طبقة خارجيّة رقيقة من الخلايا، لاحقًا.


يقوم ذراع الصيد بوظيفته على أحسن وجه بعد 72 ساعة من قطعه. ذراع الصيد المتجددة لقنديل البحر | Sosuke Fujita, The University of Tokyo 

التشابه، على الرغم من البُعد التطوريّ

شاهد الباحثون في الماضي كيفيّة ظهور الخلايا الجديدة، التي تساهم في تجدّد العضو المقطوع لدى الحيوانات الأكثر تقدّمًا في التطوّر، مثل السلمندر. بيّن الباحثون ضمن دراستهم هذه، لأوّل مرّة، وجود تشابه في الآليّات التي تتيح استعادة الأعضاء لدى الكائنات الحيّة الأكثر تعقيدًا، مثل السلمندر، ولدى الكائنات الأبسط، مثل قنديل البحر، على الرغم من أنّ جدهم القديم المشترك عاش قبل مئات الملايين من السنين. 

قد يساهم اكتشاف آليّات إصلاح واستعادة الأعضاء في تشخيص المكوّنات التي تحتلّ دورًا في هذه العمليّة داخل الخليّة، وكذلك في تطوير أدوات تتيح تحسين القدرة على مداواتنا وشفائنا، كبشر. 

 

0 تعليقات