كشفت دراسة لفحص العوامل الّتي تؤدّي إلى النوبات القلبيّة لدى البشر في منتصف العمر وجود فروق كبيرة بين الرجال والنساء
كشفت دراسة جديدة أنّ هناك سبعة عوامل رئيسة قد تؤدّي إلى نوبة قلبيّة في جيل مبكّر نسبيًّا، إلّا أنّها تختلف لدى الرجال عنها لدى النساء. يؤكّد الباحثون، بناءً على ذلك، أهميّة اتّخاذ وسائل الوقاية الخاصّة بكلّ واحد من الجنسين.
النوبة القلبيّة، أو باسمها الطبّيّ: احتشاء عضلة القلب، هي عبارة عن حادث فجائيّ يحصل عندما لا يصل الأوكسجين الكافي إلى أنسجة القلب بسبب انسداد أحد الشرايين الّتي تزوّدها بالدم انسدادًا تامًّا أو جزئيًّا. قد تموت أجزاء من عضلة القلب نتيجة لذلك وتُخلّف ضررًا كبيرًا لا يمكن إصلاحه في عمل القلب. البشرى السارّة هي أنّ غالبيّتنا يستطيعون التقليل من خطر حدوث النوبة القلبيّة بشكل كبير عن طريق تبنّي أسلوب حياة مناسب.
تحدث النوبة القلبيّة بسبب عدم وصول الأوكسجين بكميّة كافية إلى أنسجة القلب وذلك نتيجة انسداد تامّ أو جزئيّ في أحد الشرايين الّتي تزوّدها بالدم. يصف التخطيط ما يحدث في القلب عند حصول النوبة القلبيّة | Shutterstock,Explode
النوبة القلبيّة في جيل مُبكّر
تؤدّي النوبات القلبيّة في أيّامنا إلى الغالبيّة العظمى من حالات الوفاة في المجتمع الغربي. يتعرّض نحو 80،0000 شخص في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحدها للنوبة القلبيّة كلّ عام، بوتيرة تعادل نوبة قلبيّة واحدة كلّ 40 ثانية. وأصبحت أمراض القلب في السنوات الأخيرة تحتلّ الصدارة بين مسبّبات الوفاة لدى الأشخاص الّذين تقلُّ أعمارهم عن 55 عامًا وذلك بعد الارتفاع الكبير والمقلق في عدد النوبات القلبيّة لدى هذه الفئة العمريّة.
هناك فروق كبيرة بين الجنسين فيما يتعلّق بأمراض القلب، حيث تصيب النوبات القلبيّة الرجال أكثر من النساء، إلّا أنّ عدد النساء المتوفَّيات بسبب النوبات أكبر ممّا لدى الرجال. تُدركُ نحو نصف نساء الولايات المتّحدة فقط حقيقة أنّ أمراض القلب تتصدّر مُسبّبات الوفاة، بما فيها السرطان، وذلك رغم ازدياد الوعي تجاه هذه المسألة في العقود الأخيرة. توفيت 30،1280 امرأة من نساء الولايات المتّحدة سنة 2019م بسبب أمراض القلب- وهو ما يُشَكّل خُمس حالات الوفاة بين النساء هناك-.
وما يزيد الطين بِلّة، أنه لوحظ في العقود الأخيرة ازدياد عدد النساء الشابّات اللاتي لا تزيد سنّهنّ عن خمسة وخمسين عامًا، ويُصَبْن بالنوبات القلبيّة. ويُعتبر هذا ازديادًا حادًّا بالمقارنة مع الرجال في نفس الفئة العمريّة أو مع نساء أكبر منهنّ سنًّا، ويبدو أنّ هذا الفارق ناجمٌ عن مشاكل عدّة، منها التشخيص الخاطئ، وقلّة الوعي في هذا المجال، وقلّة الدراية الكافية بعوامل الخطر والفروق بين النساء والرجال في هذا السياق.
وقد أُجريت في الآونة الأخيرة دراسة في المركز الطبّيّ ييل نيو هيفن في الولايات المتّحدة الأمريكيّة ونُشرت في مجلة JAMA Network، شخّص فيها الباحثون عوامل الخطر الّتي تؤدّي إلى حدوث النوبات القلبيّة عند الرجال والنساء الّذين لا تزيد أعمارهم عن خمسةٍ وخمسين عامًا- وانكشفت بذلك الفروق بين الجنسين فيما يتعلّق بهذه العوامل. تمّت في هذه الدراسة معاينة ومتابعة المُعطيات الّتي جُمعت ضمن إحصاءٍ عن الصحّة والتغذية أجريَ في الفترة ما بين السنتين 2008 و 2012م بشأن أكثر من ألفَي شخص لا تزيد سنّهم عن خمسة وخمسين عامًا كانوا تعرّضوا للنوبة القلبيّة الأولى في حياتهم. شكّلت النساء اللاتي تتراوح سنّهن بين 44-52 عامًا نسبة تسع وستين بالمئة منهم. شملَت مُعطيات الإحصاء مميّزاتٍ اجتماعيّة وديموغرافيّة والتاريخ الطبّيّ وأمراض القلب والأوعية الدمويّة في العائلة وعوامل نفسيّة واجتماعيّة. وقارنَ الباحثون هذه المعطيات مع مثيلاتها لدى الأشخاص المعافين.
أشارت نتائج هذه الدراسة إلى وجود سبعة عوامل رئيسة من شأنها أن تؤدّي إلى حدوث النوبة القلبيّة في جيل مبكّر نسبيًّا. العوامل الستّة الأولى هي السُّكّري، والإحباط أو حالات التوتّر النفسيّ، وضغط الدم العالي، والتدخين، ووجود أمراض قلبيّة في جيل مبكّر لدى أفراد العائلة، ومستوى عالٍ من الدهنيّات والكولسترول في الدم. ويتميّز العامل السابع، وهو دَخل الأسرة المتدنّي، بأنّه لا يُعدُّ عادةً من بين عوامل الخطر التقليديّة لأمراض القلب.
خطورة مختلفة عند النساء والرجال
وجد الباحثون، عندما قاموا بفصل المعطيات المتعلقة بالرجال عن تلك المتعلقة بالنساء، فروقًا كبيرة في دور عوامل الخطر المختلفة في احتماليّة الإصابة بنوبة قلبيّة لدى الجنسين.
فقد اتّضح أنّ العامل الرئيس الّذي يزيد من خطر الإصابة بالنوبة القلبيّة لدى النساء هو السُّكّري، يليه التدخين، ثمّ الإحباط النفسيّ، وبعده ضغط الدم العالي، ثمّ الدخل المتدنّي، ووجود حالات من الإصابة بالنوبات القلبيّة في جيل مبكّر لدى أفراد العائلة. وفي المقابل، فإنّ العامل الرئيس الّذي قد يؤدّي إلى الإصابة بالنوبة القلبيّة لدى الرجال هو التدخين، ثمّ وجود حالات من الإصابة بالنوبات القلبيّة في جيل مبكّر لدى أفراد العائلة، يليه ضغط الدم العالي، وبعده مستوى الكوليسترول العالي في الدم، ثمّ حالات الإحباط النفسي، فالسكّري، والسمنة الزائدة، وقلّة النشاط الجسمانيّ.
تُظهر هذه الدراسة أنّ الحالة النفسيّة وحالات الخوف والهلع والقلق على مصدر رزق العائلة، لدى النساء في جيل الشباب، تأثير بالغ في خطر الإصابة بالنوبة القلبيّة. ولم تتبيّن، في مقابل ذلك، علاقة وثيقة بين مستوى الكوليسترول والنشاط الجسمانيّ وبين خطر الإصابة بالنوبة القلبيّة. أمّا عند الرجال، فلم يكن دخل العائلة أحد عوامل الخطر بالنوبة القلبيّة، واحتلّ عامل الإحباط النفسيّ مرتبة منخفضة نسبيًّا بين عوامل الخطر. ربّما يعود ذلك إلى أنّ الرجال لا يُظهِرون عادةً الضائقات النفسيّة، مقارنةً بالنساء. إضافةً لما ذُكر، ارتبط خطر إصابة الرجال بالنوبة القلبيّة في جيل الشباب ارتباطًا وثيقًا بوجود حالات من المشاكل القلبيّة الوراثيّة بين أفراد العائلة. يجدر بالذكر، أنّ هذه النتيجة ظهرت خلافًا لنتائج دراسات مشابهة أجرِيَت على فئات عمريّة بالغة، حيث تُعتبَر هذه المشاكل عامل خطورة ثانوي نسبيًّا لديهم.
بإمكاننا التأثير في بعض عوامل الخطر المذكورة، مثل التدخين وضغط الدم العالي والسكّري والإحباط النفسيّ، وتقليص الخطر إلى حدٍّ كبير إذا كنّا على دراية بآثارها المحتملة. وهناك أهميّة كبيرة لزيادة الوعي بعوامل الخطر لدى الشباب والأطبّاء القائمين على علاجهم.
تبرز أهميّة التعامل المختلف مع الذكور والإناث، ولدى النّساء خاصّةً، حيث أن عوامل الخطر الخاصّة بالنساء، مثل الضائقة النفسيّة والدخل المتدنّي، تجاهلتها الكثير من الدراسات في الماضي. كما أنه لا تظهر، غالبًا، معلومات عن هذه العوامل ضمن المعطيات الطبيّة الخاصّة بالمرضى. من هنا، فإنّه من المهمّ أن يقوم الأطباء باستجواب مرضاهم عن هذه الأمور أيضًا وأن يأخذوها بالحسبان عند اتّخاذ القرارات الطبيّة بشأنهم. يمكننا تجنيد دوائر الرفاه الاجتماعيّ والرعاية الطبيّة في المجتمع لمساعدة النساء في سنّ الشباب؛ إذا استطعنا تشخيص وجودهنّ في دائرة خطر الإصابة بالأمراض القلبيّة، وذلك قبل تطوّر العمليّات الفيزيولوجيّة الّتي تؤدّي إلى هذه الأمراض، وبالتالي فإننا نقلّل ظواهر النوبات القلبيّة لديهنّ وربّما لدى الرجال أيضًا.