قام الباحثون بتمرير تيار كهربائيّ عبر ظهور الأشخاص المصابين بالاكتئاب ورَصدوا تحسّنًا في الأعراض
وفقًا لاستطلاع رأي حديث، ما يقارب 30% من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من الاكتئاب، وحوالي 17% منهم يتلقّون العلاج بسبب الاكتئاب. الاكتئاب السريريّ (الاضطراب الاكتئابيّ الكبير) هو اضطراب في المزاج، الّذي يجعل من يعاني منه بالشّعور بتكدّر المزاج لمدّة لا تقلّ عن أسبوعين، وخلال هذه الفترة، ولمعظم اليوم أو طواله، يعاني من فقدان الاهتمام والمتعة في الأنشطة التي كانت تستهويه سابقًا.
الاكتئاب ليس مجرّد حالة من "المزاج السيِّء"، بل يشمل أعراضًا أخرى مثل الشعور بالتعب والإرهاق، صعوبات في اتّخاذ القرارات والتفكير بوضوح، والشعور بانعدام القيمة الذاتيّة. بالإضافة إلى ذلك، يؤدّي الاكتئاب إلى تغييرات في عادات النوم والأكل، ما يزيد من تعقيد الحياة اليوميّة للمتأثّرين به، ويعيق قدرتهم على العمل وأداء المهام اليوميّة بكفاءَة. في حالات معيّنة، قد يؤدّي الاكتئاب حتّى إلى مخاطر الانتحار. لذا، من الضروريّ جدًّا معالجة الاكتئاب والتخفيف من معاناة المتأثّرين به قدر الإمكان. نوبة الاكتئاب قد تستغرق أسابيع أو حتّى أشهر إذا لم تعالَج. الأحداث المؤلمة، مثل فقدان شخص عزيز، التعرّض للإساءة النفسيّة أو الجسديّة، الإصابة بأمراض خطيرة، أو التعرّض لإصابات، قد ترفع من خطر التعرّض للاكتِئاب لاحقًا في الحياة.
على مرّ السنين، تطوّرت العديد من الأساليب العلاجيّة لتخفيف آلام المعاناة من الاكتئاب، شملت هذه العلاجات العلاج النفسيّ، العلاج بالأدوية، استخدام مُخلّات النّفس، وفي الحالات الأكثر خطورة، العلاج بالصدمات الكهربائيّة، الذي أثبت فعاليّته لدى المرضى الذين لم تنجح معهم الطرق الأخرى. رغم هذا، لا تزال هناك حالات لا تستفيد من هذه العلاجات، بسبب الآثار الجانبيّة السلبيّة لبعض الطرق التي يصعب على المرضى المواظبة عليها. يقدم بحث جديد الأمل لهؤلاء المرضى، مقترحًا طريقة علاج جديدة وثوريّة للتعامل مع الاكتئاب: التحفيز الكهربائيّ للعمود الفقريّ.
على مرّ السنين، تمّ تطوير العديد من العلاجات للتخفيف من معاناة المصابين بالاكتئاب، بما في ذلك العلاج النفسيّ، العلاج بالأدوية وغيرها. توضيح لعلاج الاكتئاب بالأدوية.| David Gifford / Science Photo Library
مكمل الدماغ
قام الباحثون بتثبيت قطبيْن كهربائيّيْن على ظهور المشاركين، أحدهما في منتصف العمود الفقريّ والآخر على الكتف الأيمن، ثم قاموا بتمرير تيارات كهربائيّة بشكل دقيق عبر الجسم، من قطب إلى آخر. المشاركون في الدراسة كانوا من البالغين الذين تمّ تشخيصهم بالاكتئاب السريريّ، ولم يخضعوا لأيّ علاج دوائيّ خلال فترة الدراسة والشهر السابق لها. قام المشاركون بتعبئة استبيانات لتقييم شدّة أعراض الاكتئاب لديهم قبل بدء العلاج، ثمّ تمّ توزيعهم بشكل عشوائيّ إلى مجموعتيْن. مجموعة تلقّت التحفيز الكهربائيّ ثلاث مرات أسبوعيًّا لمدّة ثمانية أسابيع، بينما تمّ توصيل المجموعة الثانية بالأقطاب الكهربائيّة دون تفعيل النظام، وبالتالي لم يتلقّوا أيّ تحفيز كهربائيّ. كلّ جلسة تحفيز كهربائيّ استمرّت لمدّة 20 دقيقة وأُجريت في العيادة، وتمّ إزالة الأقطاب الكهربائيّة بعد كلّ جلسة حتّى موعد التحفيز التالي.
الدراسة كانت مزدوجة التعمية: لا المشاركون عرفوا لأيّ مجموعة ينتمون ولا الباحثون عرفوا لأيّ مجموعة ينتمي المشاركون. خلال أسابيع العلاج الثمانية، قام المشاركون بملْء استبيانات تقييم أعراض الاكتئاب. قام جميع المشاركين بملْء الاستبيانات أسبوعيًّا، وأبلغوا عن أعراض الاكتئاب. بعد انقضاء هذه الفترة طرَأَ تحسن كبير في أعراض الاكتئاب لدى المشاركين الذين تلقّوا العلاج، مقارنةً بمجموعة المراقبة.
قام الباحثون بتثبيت قطبيْن كهربائيّيْن على ظهور المشاركين، أحدهما في منتصف العمود الفقريّ والآخر على الكتف الأيمن، ثم قاموا بتمرير تيارات كهربائيّة بشكل دقيق عبر الجسم، من قطب إلى آخر. صورة من البحث | Photo/Colleen Kelley/UC Marketing + Brand
لا تخلو هذه الدراسة من المشاكل: فقد شملت 19 مشاركًا ، وفقط 14 مشاركًا منهم استمرّوا طوال الفترة الزمنيّة للدراسة. فقدان حوالي ثلث المشاركين يطرح تساؤلات حول سهولة العلاج. إضافة إلى ذلك، لم يفحصِ الباحثون ما إذا كان التحسّن في أعراض الاكتئاب يدوم على المدى الطويل.
على الرغم من القيود، هناك العديد من المزايا في هذه الدراسة: التحفيز الكهربائيّ لا يحتاج لجراحة، والآثار الجانبيّة قد تشمل الوخز في الجلد أو الاحمرار، لكنّها أخفّ بكثير من الآثار الجانبيّة للعلاجات التقليدية الأخرى. على سبيل المثال، الآثار الجانبيّة الشائعة للصدمات الكهربائيّة، الّتي تشمل تأثيرات على الذاكرة قصيرة الأمد، والآثار الجانبيّة للأدوية قد تشمل التغييرات في الوزن، تغييرات في أنماط النوم، وحتّى زيادة الميول الانتحاريّة. المخاطر المرتبطة بالاكتئاب غير المعالج تفوق الانزعاج أو المخاطر من الآثار الجانبيّة، والتي يمكن تقليلها بمتابعة ودعم طبيّ مناسب، ولكن بالطبع، سيكون هناك فائدة كبيرة للعلاج مع آثار جانبيّة أقلّ. بالإضافة إلى ذلك، النظام غير مكلف، ويمكن تطوير علاج بسيط ومتاح.
بعد ثمانية أسابيع من العلاج، طرأ تحسّن ملحوظ في أعراض الاكتئاب لدى المشاركين الذين تلقّوا التحفيز مقارنةً بالمجموعة الضابطة. الأقطاب الكهربائيّة التي استُخدمت في العلاج.| Photo/Colleen Kelley/UC Marketing + Brand
من الجسم إلى الدماغ ومن الدماغ إلى الجسم
في العمود الفقريّ، توجد خلايا عصبية وامتدادات طويلة لخلايا أخرى، تربط بين الدماغ وأعضاء الجسم. لكن، ما العلاقة بين هذا والاكتئاب؟ الحبل الشوكيّ هو في الحقيقة امتداد مباشر للدماغ. بين الخلايا العصبيّة التي تجري عبر الحبل الشوكيّ، توجد خلايا مسؤولة عن الحركة. عندما يتم تنشيط منطقة معيّنة في الدماغ مرتبطة بالحركة، فإنّ الخلايا العصبيّة في الدماغ ترسل إشارات كهربائيّة إلى الحبل الشوكيّ، حيث تستقبل خليّة عصبيّة مرتبطة بالحركة - خليّة عصبيّة حركيّة سفليّة- هذه الإشارة وتحفّز العضلات خلال إشارة كهربائيّة أخرى. كردّ فعل على ذلك، تتقلّص العضلة ممّا يؤدي إلى حدوث حركة في الساق أو الذراع، على سبيل المثال.
بالتوازي مع ذلك، يتلقّى الدماغ معلومات عمّا يحدث خارجيًّا عبر الاتّجاه المعاكس – من الجسم إلى الدماغ. على سبيل المثال، المستقبلات على سطح الجلد تستشعر اللمس أو التغيّرات في درجة الحرارة، وتحوّل هذه المحفّزات إلى إشارات كهربائيّة تتحرّك صعودًا عبر الحبل الشوكيّ إلى الدماغ.
عبر الحبل الشوكي، الدماغ يرسل إشارات إلى العضلات، ويتلقى إشارات من البيئة. توضيح للإشارات التي تمر عبر الحبل الشوكي. | Shutterstock, Designua
بيّنت الدراسات السابقة أنّ الإشارات القادمة من الجسد إلى الدماغ - كدرجة حرارة الجسد، الشعور بالجوع، أو الحكّة - لها تأثير على الحالة المزاجيّة، الدافعيّة للفعل، وعلى مناطق في الدماغ مسؤولة عن معالجة المشاعر. وُجد أنّ الأفراد المصابين بالاكتئاب يُظهِر دماغهم حساسيّة أقلّ تجاه هذه الإشارات الواردة من الجسم. الرسائل المتعلّقة بتوتّر العضلات أو معدّل التنفّس، مثلًا، لا تستثير في الدماغ استجابة مماثلة لتلك في الأشخاص الأصحّاء، مما يجعل الدماغ يواجه صعوبة في صياغة التوقّعات والردّ بطريقة متغيّرة ومتكيّفة مع الظروف. فرانسيسكو رومو-نافا (Romo-Nava)، أحد رؤساء البحث، أشار: "نعتقد أنّ العلاقة بين الدماغ والجسم هي عنصر جوهريّ في الاضطرابات النفسيّة. يمكن اعتبار العديد من الأعراض لاضطرابات المزاج أو اضطرابات الأكل كفشل في تنظيم الصلة بين الجسم والدماغ.".
هذه الدراسة أوّليّة ولها ما لها وعليها ما عليها، لكنّها تمثّل اتّجاهًا جديدًا ومثيرًا للاهتمام، الّذي قد يقدّم الأمل لملايين الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب حول العالم.