في إطار إجراء تجريبيّ، تمّ إدخال عضيّات سليمة لخلايا أطفال يعانون من خلل وراثيّ فيها. وُجِدَ أنَّ الإجراء آمن لدرجة أنّه أدّى إلى تحسّن طفيف في حالتهم
هناك أشياء لا يمكن إلّا للأمّ أن تعطيها، إحدى هذه الأشياء هي المتقدّرة (الميتوكوندريا) (من اليونانيّة، المفرد: الميتوكندريون) - عضيّات في الخلايا البشريّة والعديد من الحيوانات الأخرى، ومن وظائفها أنّها تساعد الخلايا على إنتاج الطّاقة. تنتقل الميتوكوندريا إلى النّسل من خلال البويضة فقط، لذلك لا يكون للآباء أيّ تأثير. تمتلك الميتوكوندريا حمضها النّوويّ المنفصل الخاصّ بها، والّذي يختلف عن المادّة الجينيّة "العاديّة" في نواة الخليّة. توجد في الحمض النّوويّ للميتوكوندريا تعليمات لإنتاج البروتينات الّتي تساعد العضيّات على إنتاج الطّاقة.
كما هو الحال مع الحمض النّوويّ الرّيبوزي منقوص الأكسجين (DNA) في نواة الخليّة، قد تحدث تغيّرات (طفرات) في الحمض النّوويّ الموجود في الميتوكوندريا الّتي ستخلّ في وظيفتها. يمكن أن تنتقل الطّفرات وراثيًّا، وقد تسبّب بعضها أمراضًا أو متلازمات، وتتأثّر شدّتها بطبيعة الضّرر وعدد عضيّات الميتوكوندريا التّالفة. تحتوي كلّ خلية على آلاف النّسخ من الميتوكوندريا. إذا أصيب عدد قليل منها فقط، فقد لا يكون المرض خطيرًا وقد لا يتمّ ملاحظته. بالمقابل، في حالة تلف معظمها، يمكن أن يسبّب أمراضًا خطيرة، مثل متلازمة بيرسون ومتلازمة كيرنز ساير.
تتجلّى متلازمة بيرسون في فقر الدّم وفي الخلل الوظيفيّ للبنكرياس منذ الولادة. تتميّز متلازمة كيرنز ساير بوجود مشاكل شديدة في العين، العضلات والقلب خلال فترة البلوغ. لا يوجد علاج حتّى اليوم لهاتين المتلازمتين النّادرتين.
يمكن أنّ يتسبّب الضّرر الّذي يلحق بنشاط الميتوكوندريا، أو في عددها، في أمراض متفاوتة في شدّتها. ميتوكوندريا وعضيّات أخرى داخل الخليّة | الصّورة: Christoph Burgstedt, Shutterstock
تقوية الميتوكوندريا
تقدّم دراسة إسرائيليّة جديدة، نُشرت مؤخّرًا في مجلّة Science Translational Medicine، توجّهًا علاجيًّا جديدًا، قد يكون قادرًا على المساعدة في علاج هذه الأمراض وغيرها. الفكرة الأساسيّة: حقن أكبر عدد ممكن من نسخ الميتوكوندريا السّليمة في الخلايا، وبالتّالي تحسين وظيفة الخلايا، وتقليل شدّة الأعراض.
إذا وضعنا خلايا حيّة في أنبوب اختبار وأضفنا الميتوكوندريا إلى المحلول، فإنَّ بعض العضيّات ستدخل الخلايا وتتكاثر فيها وتعمل بشكل طبيعيّ. أظهرت الدّراسات أنّه يمكنها، أيضًا، الانتقال إلى خلايا جديدة والتّكاثر فيها. بناءً على ذلك، قام باحثون بقيادة إلعاد يعكوبي من مختبر أبحاث عاموس توران في مستشفى شيبا بالتّحقّق ممّا إذا كانت الميتوكوندريا السّليمة، الّتي يتمّ زرعها في خلايا المرضى، سوف تتكاثر وتنتقل إلى خلايا أخرى في الجسم، وبالتّالي تؤدّي إلى تحسين حالتها.
أجروا التّجربة على أربعة أطفال مصابين بمتلازمة بيرسون وطفلين مصابين بمتلازمة كيرنز ساير، في إطار "العلاج العاطفيّ" - وهو علاج تجريبيّ يُعطى للمرضى الّذين تكون حالتهم صعبة، ولا يوجد علاج آخر من شأنه أن يفيدهم.
يقوم الأطبّاء بعزل خلايا الدّم الجذعيّة للمرضى - خلايا من النّخاع العظميّ تتشكّل منها جميع أنواع الخلايا في الدّم. في الوقت نفسه، تمّ عزل الميتوكوندريا من دم الأمّهات اللّواتي لم يعانين من المرض، لأنَّ الطّفرات الضّارّة نشأت تلقائيًّا في خلايا الأطفال ولم يتمّ توريثها من بويضة الأمّ. ثمّ سمحوا للميتوكوندريا السّليمة بدخول الخلايا الجذعيّة، ثمّ أعادوا الخلايا إلى أجسام الأطفال وتابعوا حالتهم مدّة تصل إلى خمس سنوات.
أظهرت النّتائج أنَّ العلاج آمن. ظلّ جميع الأطفال على قيد الحياة ولم يتعرّضوا لأيّة آثار جانبيّة من العلاج. لم يشفِ العلاج الأطفال، لكن طرأ تحسّن في حالتهم. بعد العلاج، ظهرت لدى الأطفال المزيد من عضيّات الميتوكوندريا في خلايا الدّم البيضاء، و ATP أكثر- وهي جزيئات عالية الطّاقة تنتجها الميتوكوندريا. اِكتسب خمسة من الأطفال وزنًا، وأظهر اثنان تحسّنًا في قوّة العضلات والقدرة على التّحمّل القلبيّ - الرّئويّ.
لا يزال العلاج تجريبيًّا، ومن الضّروريّ التّحقّق من مدى فعاليّته وأمانه. بالإضافة إلى ذلك، شارك عدد قليل جدًّا من الأشخاص في الدّراسة، ويجب تكرار العلاج مع المزيد من المشاركين. ومع ذلك، هذا أوّل دليل على أنّ زرع الميتوكوندريا ممكن وآمن، وربّما في المستقبل سوف يسمح في علاج أمراض الميتوكوندريا.