أُطلق مشروع "أطلس خلايا الإنسان" عام 2016 بهدف طموح يتمثّل في إنشاء خرائط دقيقة لجميع الخلايا في جسم الإنسان. حتّى الآن، اكتملت مسوّدته الأولى

في منتصف السبعينيّات، صُدر كتاب الأطفال "كيف يعمل جسمك؟ رحلة في آلة جسم الإنسان" للكاتبة جودي هيندلي (Judy Hindley). ساهم الكتاب في تعريف الأطفال على جسم الإنسان كمجموعة من الآلات، التي توضّح الطريقة التي تعمل بها بعض الأعضاء الرئيسيّة في الجسم - على سبيل المثال الأمعاء، العضلات، القلب، الكلى والدماغ. من الواضح إذًا أنّنا نعرف منذ سنوات عديدة ما هي وظائف أعضائنا وكيف تعمل على المستوى التشريحيّ. مع ذلك، لا يزال أمامنا الكثير لنتعلّمه ونفهمه حول العناصر الأساسيّة، وهي الخلايا الخاصّة التي تبني العضو.

يتكوّن كلّ عضو من مليارات الأجزاء التي تعمل معًا بالتنسيق. هذه الأجزاء هي الخلايا - الوحدة الأساسيّة للحياة على الأرض. الإنسان هو كائن متعدّد الخلايا، والذي بحسب التقديرات الأخيرة، يتكوّن جسم شخص يزن 70 كيلوغرامًا من نحو ثلاثين تريليون خلية، بالإضافة إلى عدد مماثل من البكتيريا. فما هي هذه الخلايا، كيف تتكوّن وتعمل معًا؟ هذا هو بالضبط ما يحاول مشروع أطلس الخلايا البشريّة فكّ شيفرته. خصّصت مجلة "نيتشر"؛ Nature العدد الذي أصدرته في 20 تشرين الثاني للإعلان عن المسوّدة الأولى للأطلس. في هذا الإطار، نُشر ما يقرب من أربعين دراسة جديدة تتعلّق بالمشروع في العدد نفسه، وفي مجلّات أخرى التابعة لمجموعة Nature.

تأسّس المشروع كاتّحاد يضمّ حوالي ثلاثين عالِم من مختلف المجالات، الذين يتشاركون في رؤية إنشاء قاعدة بيانات استثنائيّة في نطاقها. اليوم يضمّ هذا الاتّحاد حوالي 3600 عالم من مائة دولة حول العالم. مؤسّستا المشروع هما سارة تيشمان (Sarah Teichmann) من جامعة كامبريدج في إنجلترا، وأفيف ريجيف (Aviv Regev) التي كانت باحثة ومحاضرة في معهد برود في الولايات المتحدة، وتشغل حاليًّا منصب نائبة رئيس شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكيّة "جينينتيك" (Genentech). يموّل هذا المشروع الاتّحاد الأوروبيّ والمعاهد الوطنيّة للصحّة (NIH) في الولايات المتّحدة والعديد من المؤسّسات الخاصّة.


رابطة من العلماء من مختلف المجالات الذين يشتركون في رؤية إنشاء قاعدة بيانات استثنائيّة في نطاقها. مؤسّستا المشروع، سارة تيشمان (على اليمين) وأفيف ريغيف | Genentech, Wellcome Sanger Institute

أيّ خليّة هذه؟

منذ القرن السابع عشر، تعلّمنا الكثير عن بنية أعضاء الكائنات الحيّة وكيفيّة عملها بفضل أنتوني فان ليفينهوك (Antonie van Leeuwenhoek)، الذي طوّر أوّل مجهر ضوئيّ وروبرت هوك (Robert Hooke) الذي استحدث مصطلح "خليّة". مع ذلك، في معظم هذه الفترة، كان تمييز أنواع الخلايا يعتمد بشكل أساسيّ على شكلها والميزات الأخرى التي يمكن تحديدها تحت المجهر.

في منتصف القرن العشرين، توسّع المجال حيث بدأت الدراسات في وصف الخلايا، في تجارب تأسّست على الأنسجة أو مزارع الخلايا، وفقًا للبروتينات التي تنتجها، أو تلك التي تنشط فيها، أو من خلال الروابط التي تقيمها مع الخلايا الأخرى. على سبيل المثال، تمكّن العلماء من تحديد أن خلايا بيتا الموجودة في البنكرياس هي المسؤولة عن إنتاج هرمون الأنسولين. لكن حتّى في ذلك الوقت اقتصرت الدراسات على فحص نشاط مئات الآلاف من الخلايا معًا أو أكثر. ممّا يعني أنّ أنواع الخلايا النادرة، مثل الخلايا الجذعية، لم تأخذ جزءًا من الضوء الذي سُلّط على الخلايا الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، تنتِج كلّ خلية آلاف الأنواع من البروتينات بمستويات مختلفة، وفي أوقات مختلفة استجابةً لتغييرات معيّنة في بيئتها. لذلك، فإنّ الاعتماد فقط على عدد قليل من البروتينات يعني أنّه يتم اعتبار عدد قليل من المعلومات حول وظيفة الخليّة. ينطبق هذا فقط على الخلايا السليمة التي تعمل بشكل صحيح: نعرف اليوم عن وجود ما لا يقل عن مائة ألف نسخة من الجينات فيها طفرات مرتبطة بالأمراض الوراثيّة. مع ذلك، فإنّ المعلومات حول الخلايا المحدّدة التي تظهر فيها هذه الطفرات وتسبّب المرض تبقى غير مكتملة.

في نهاية العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، تغيّر التوجّه أخيرًا. تطوّرت تكنولوجيا تسلسل الحمض النوويّ (DNA) والحمض النوويّ الريبوزيّ (RNA) بشكل رائع وأصبحت رخيصة، سريعة ودقيقة مقارنةً بالماضي. الآن، لا يمكن للعلماء تحديد التسلسل الجينيّ الكامل لعشرات، بل مئات العيّنات في نفس الوقت فحسب، بل يمكنهم أيضًا تحديد تسلسل جزيئات الـ- RNA من تلك العيّنات، وتحديد مدى انتشارها في الخلية، ومن بين أمور أخرى، فكّ رموز البروتينات التي تُنتج بمساعدتها.


كانت أحدى الإنجازات هي إمكانيّة تسلسل جزيئات الحمض النوويّ الريبيّ (RNA) من عيّنات الخلايا. خلايا الرئة من أطلس الخلايا | Nathan Richoz University of Cambridge

شهدت بداية العقد الماضي قفزة التكنولوجية في تطوير "التسلسل الجينيّ للخليّة الفرديّة" (single-cell sequencing). أتاحت هذه الطريقة للباحثين تحليل الأنسجة إلى خلايا فردية وتحديد التسلسل الجينيّ لكلّ خليّة فيها. على الرغم من الافتراض، كقاعدة عامّة، بأنّ جميع الخلايا الموجودة في جسم الإنسان تحتوي على نسخة متطابقة تمامًا من المادّة الوراثيّة الموروثة من والديْه، إلّا أنّ الأمر أكثر تعقيدًا من الناحية العمليّة. هناك خلايا في جسمنا، مثل خلايا الجهاز المناعي، خضعت بعض جيناتها لإعادة تنظيم بحيث يكون لخلية معينة، أو على الأقل مجموعة من الخلايا، تسلسل جيني مختلف قليلًا عن بقية خلايا الجسم. بالمثل، أصبح من الممكن الآن فحص التغيّرات الجينيّة مع مرور الوقت، على سبيل المثال، عندما تتراكم الطفرات في الخلايا مع تقدّمنا في العمر، أو الكشف عن التنوع الجينيّ للخلايا في الورم السرطانيّ حيث لا تحمل جميعها نفس الطفرات.

بشكل مماثل، شهدت التكنولوجيا الخاصة في تسلسل الـ- RNA في الخليّة المنفردة تطوّرًا ملحوظًا. على الرغم من امتلاك الخلايا نفس الـ- DNA، يختلف مستوى النشاط (التعبير) الجينيّ - أي كمّيّة جزيئات الـ-RNA المنسوخة منه. بما أنّ الـ- RNA هو الذي يحدّد خصائص الخليّة، بما في ذلك تحديد البروتينات وكمّيّتها التي تنتجها، فقد بدأ الباحثون في توصيف الخلايا وفقًا لتركيب عشرات الآلاف من جزيئات الـ- RNA الموجودة في الخليّة، ما يسمّى بالنسخوم؛ "ترانسكريبتوم" (Transcriptome).

بهذه الطريقة، تمكّن الباحثون من تحديد خلايا نادرة، التي يختلف النسخوم الخاصّ بها عن الخلايا الأخرى الموجودة في نفس النسيج. نظرًا لأنّ النسخوم ديناميكيّ، فمن الممكن أيضًا فحص كيفيّة التغيّر بمرور الوقت، على سبيل المثال، أثناء التطوّر من الجنين إلى مرحلة البلوغ، استجابة للتغيّرات البيئيّة، أو أثناء المرض والمزيد. حاليًا هناك دراسات قد بدأت في وصف الخلايا الفرديّة وفقًا لمحتواها البروتينيّ، أي مجموعة البروتينات الموجودة في الخليّة.


أدّت القفزة التكنولوجيّ التالية إلى إتاحة تقنيّة تسمح بتحديد التسلسل الجينيّ (DNA) لخليّة واحدة، ومن ثم تحديد تسلسل الحمض النوويّ الريبيّ (RNA) الخاصّ بها أيضًا. الخلايا المعويّة من أطلس الخلايا | Grace Burgin, Noga Rogel & Moshe Biton, Klarman Cell Observatory, Broad Institute

تزامنًا مع تطوّر التقنيات الخاصّة في تسلسل الأحماض الأمينيّة، طُوّرت الخوارزميّات الحسابيّة أيضًا، استنادًا إلى الإحصائيّات والذكاء الاصطناعيّ. أتاحت هذه الخوارزميّات جمع البيانات عن آلاف الجينات النشطة في كلّ خليّة بشكل فرديّ، واستخلاص الخصائص المميّزة لكلّ نوع خليّة، ومدى تشابهها أو اختلافها عن الخلايا الأخرى في الأنسجة.

يواجه الباحثون مشكلةً أخرى ذات طبيعة "جغرافيّة": عند تسلسل الخلايا الفرديّة، يتطلّب الأمر فصلها عن الخلايا المجاورة لها، وإذابة غشائها الخلويّ لاستخراج الـ-RNA منها. على الرغم من أنّ هذه الطريقة توفّر معلومات دقيقة عن الخليّة، إلّا أنّها لا تعكس وظيفتها داخل الأنسجة. على سبيل المثال، أين تقع الخليّة التي خضعت لتسلسل نسبة للخلايا المجاورة لها في النسيج؟ ما هي طبيعة العلاقات المتبادلة بينها وبين الخلايا المحيطة بها؟

جاء الحلّ من المجهر في تقنيّة تُسمّى "التهجين الموضعيّ المتألّق لجزيء واحد" (single molecule Fluorescent in Situ Hybridization، واختصارًا smFISH). تتيح هذه التقنيّة وضع علامة باستخدام صبغة الفلورسنت على جميع جزيئات الـ- RNA التي لديها نفس التسلسل، ممّا يُشير إلى أنّها أُنتجت من نفس الجين. بهذه الطريقة يمكن قياس عدد جزيئات الـ-RNA من نوع معيّن بالضبط في الخليّة، وتحديد موقعها بحسب تركيزها العالي، دون الحاجة إلى إذابة غشائها الخلويّ، أو فصلها عن الخلايا المجاورة لها.

عندما طوّرت هذه التقنية في سنوات التسعينيّات، كان بالإمكان اكتشاف الـ- RNA من ثلاثة إلى أربعة جينات في نفس الوقت فقط، بسبب صعوبة التمييز بين الألوان تحت المجهر. أمّا اليوم، يتيح تطور التكنولوجيا البصريّة والتفسير المحوسب للصور المجهرية تحديد الـ- RNA لمئات أو حتّى آلاف الجينات في نفس الوقت. 


اليوم، يمكن صبغ الحمض النوويّ الريبوزيّ (RNA) لمئات بل آلاف الجينات في نفس الوقت. خلايا معلّمة بألوان من الغدّة الزعتريّة، من أطلس الخلايا | Andrea Radtke / NIH

ماذا تشمل قاعدة البيانات؟

إنّ الجمع بين كلّ هذه التقنيّات، والذي بدأ "بالنّضوج" في منتصف العقد الماضي، أتاح بناء قاعدة بيانات أطلس الخلايا البشرية. اعتبارًا من اليوم، تتضمّن هذه القاعدة 62.7 مليون خليّة جُمِعت من 9200 متبرّعًا في 15 نسيجًا مختلفًا، بالإضافة إلى أنسجة الأجنّة والأعضاء المصغّرة البسيطة (organoids)، المشتقّة من مزرعة خلايا جذعيّة ثلاثيّة الأبعاد. تعتمد قاعدة البيانات هذه على عيّنات أُخذت من أشخاص ينتمون لخلفيّات عرقيّة وبيئات معيشيّة بشريّة متنوّعة، ممّا يساهم في تحديد فيما إذا كانت طريقة تكوين الأنسجة، وتطور الخلايا فيها، أنواعها ونشاطها مرتبط بعوامل وراثيّة، بيئيّة أو مزيج من الأثنين معًا. تتضمّن البيانات تسلسل الـ-RNA من تقنيّة التسلسل الجينيّ للخليّة الفرديّة، وكذلك التهجين الموضعيّ المتألّق لجزيء واحد والمزيد. تحتوي قاعدة البيانات على 448 دراسة رسميّة تضمّنت في المشروع، ويتمّ إضافة دراسات جديدة طوال الوقت. 

ماذا يعلمّنا الأطلس؟

يهدف الأطلس برسم خريطة للخلايا الموجودة في أعضاء الجسم، ممّا يسمح بفهم أنواع ووظائف الخلايا الموجودة فيها. بالإضافة إلى ذلك، يتيح الأطلس فهم التغييرات التي تحدث للخلايا في بعض الأمراض. على سبيل المثال، قارنت دراسة مبنيّة على أطلس الجهاز الهضميّ بين خلايا الأشخاص الأصحّاء بمعلومات عن 1.6 مليون خليّة، من مرضى يعانون من أمراض معويّة مثل مرض كرون (Crohn's Disease)، التهاب القولون التقرّحيّ (Ulcerative colitis)، مرض حساسيّة القمح (Celiac Disease) والسرطان. وجد الباحثون أنّه في حالات الالتهابات المعويّة، تتغيّر بعض الخلايا الجذعيّة بطريقة تشجّع الالتهاب وبالتالي تساهم في تطوّر المرض. قد تساعد هذه المعلومات في تطوير أدوية التي قد تمنع هذا التغيير في الخلايا، أو النشاط الالتهابيّ الذي يتبعه. 

أُعتبرت دراسة التي تناولت تطوّر الغدّة الزعترية (Thymus) - تنضج فيها الخلايا التائية (T cells) للجهاز المناعيّ - بمثابة الأساس لخريطة العضو في مراحل تطوّر مختلفة من مرحلة الجنين حتّى الولادة، وأشارت إلى مكان كلّ نوع من الخلايا التائيّة. وفقًا للباحثين، فإنّ الخريطة ستمكّن من التعرّف على العيوب في تطوّر الغدّة، لدى الأطفال المصابين بمتلازمة داون أو الوهن العضلي ويبل (Myasthenia Gravis). يأمل الباحثون أن تحدد الخريطة الطريق لإنتاج غددٍ زعتريّة طبيعيّة من خلال هندسة الأنسجة. كما أظهرت خريطة تفصيليّة للمشيمة في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، أنّ خلاياها تتصرّف بطريقة تذكّرنا إلى حدّ ما بالخلايا السرطانيّة، بل وتنشّط آليّات الدفاع ضدّ الجهاز المناعيّ للأمّ. يمكن أن تساعد هذه النتائج في العثور على أسباب الإجهاض في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وربّما حتّى نموّ الأجنّة في رحم صناعيّ.


مقارنة بين خلايا الأشخاص الأصحّاء ومعلومات عن 1.6 مليون خليّة لمرضى يعانون من أمراض معويّة مثل مرض كرون، التهاب القولون التقرّحيّ، مرض حساسيّة القمح والسرطان. الخلايا المعويّة لمريض يعاني من مرض التهاب الأمعاء | مقتبس من المقال A. Oliver, N. Huang, R. Li, et al. 2024

من أبرز الأمثلة على أهمّيّة الأطلس في مجال مكافحة الأمراض هي جائحة الكورونا، حين رسم الباحثون خرائط للخلايا التي يصيبها الفيروس في الأنسجة المختلفة، وجمعوا معلومات حول نشاط الجهاز المناعيّ. أسفرت هذه الخريطة عن نحو عشرين دراسة ساعدت في فهم أنواع الخلايا المعرّضة للإصابة بالفيروس، وما الضرر الذي يسبّبه في أنسجة الأشخاص الأصحّاء، مقارنةً بالمرضى المصابين بأمراض مزمنة، وغيرها.

هذه ليست إلّا عينة صغيرة من الأبحاث التي بدأت قاعدة البيانات هذه في إنتاجها، حتّى قبل إطلاقها رسميًا. بالإضافة إلى المعلومات البيولوجيّة-الطبّيّة، يعمل باحثو الاتّحاد على تطوير أدوات حسابيّة جديدة ودقيقة، الّتي تعتمد على التعلّم الآليّ والذكاء الاصطناعيّ. من بين الأربعين مقال الّتي نُشرت ضمن إطار الإعلان عن المسوّدة الأولى للأطلس، يتناول 14 مقالًا - أكثر من ثلثها- الأدوات الحسابيّة لتحليل قواعد البيانات الكبيرة.

تُعتبر قاعدة البيانات هذه مهمّة أيضًا لإنشاء لغة مشتركة بين جميع الباحثين. من المتوقّع أن يعتمد الباحثون على أطالس الأنسجة المختلفة للمقارنة في الدراسات المستقبليّة، على غرار مشروع الجينوم البشريّ، الذي ارتكزت عليه جميع الدراسات الوراثيّة التي تلته. كذلك، يكشف بناء خريطة للأنسجة، عن الفجوات في البيانات المتاحة، مثل المناطق والخلايا، ممّا يلزم إجراء دراسات إضافيّة لإكمالها.


من المتوقّع أن تكون أطالس الأنسجة المختلفة بمثابة أساس للمقارنة في الدراسات المستقبليّة. الخلايا المعويّة لمريض يعاني من مرض التهاب الأمعاء | مقتبس من المقال A. Oliver, N. Huang, R. Li, et al. 2024

ماذا يحمل المستقبل؟

أشار تيشمان وريجيف وزملاؤهما في مقال مكتوب للعدد الخاصّ من مجلّة "نيتشر" أنّ النماذج الحسابيّة التي طُوّرت كجزء من المشروع ستساعد في التنبّؤ بأنواع جديدة من الخلايا، التي لم تُكتشف بعد في التجارب التي أُجريت. كما يتوقّعون أن تساهم خرائط الأنسجة البشريّة في تطوير خرائط الخلايا للكائنات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، ستكون النماذج الحسابيّة ذات أهمّيّة كبيرة، حيث تُظهر سلوك الخلايا داخل الأنسجة مع مرور الوقت - على سبيل المثال أثناء التطوّر الجنينيّ، أو أثناء مرحلة البلوغ والشيخوخة أو أثناء المرض. ستساعد قواعد البيانات في تشخيص الأمراض وتحديد أسبابها، على سبيل المثال، من خلال مقارنة تحليل الخلايا الفرديّة في التشخيص النسيجيّ (Biopsy) لمرضى السرطان بالأطلس المناسب. وستعمل مثل هذه الدراسات على إثراء الأطلس بطبقة أخرى، ممّا سيجعل من الممكن تحديد أنواع الخلايا المتأثّرة بالمرض، وبالتالي المساعدة في تطوير أدوية خاصّة بهذه الخلايا. ويعتمد المزيد والمزيد من الأدوية والعلاجات قيد التطوير بالفعل على بيانات الأطلس، ومن المتوقّع أن يتعزّز هذا الاتّجاه مع مرور الوقت.

إنّ خرائط الخلايا التي رُسِمت في المشروع والتي يبلغ عددها 63 مليونًا، لا تمثّل سوى حوالي 0.00021 بالمائة من إجمالي عدد الخلايا في جسم الإنسان. وهذا يعني أنه على الرغم من الإنجاز المذهل الذي حققه المشروع، إلا أننا لا نزال بعيدين جدًا عن رسم خريطة لجميع الخلايا في جسم الإنسان. ومن المسلّم به أنّ الدراسات أصبحت أكبر وأكثر شمولًا، ومن المتوقّع أن يزداد عدد الخلايا في المشروع بشكل كبير في السنوات القادمة. لكن وجود المشروع يعتمد على استمرار تمويل المشروع بأكمله والباحثين المشاركين فيه. هل ستستمرّ صناديق البحث في تمويل المشروع لمدّة خمس أو عشر أو عشرين سنة أخرى؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.

0 تعليقات