الأنواع الغازِيَة مسؤولة عن ثلث حالات انقراض الحيوانات في الآونة الاخيرة. لماذا تُشَكِّل هذه الأنواع تهديدًا إلى هذا الحد، وكيف يمكن الحد من هذا التّهديد؟
دوغلاس آدمز، "فرصة أخيرة للرؤية" ، ترجَمَهُ للعربية (عن الترجمة العبريَّة ليارون بن عامي) هشام مزعل، إصدار "عليات هغاغ"، ص 121-122.
يصف آدمز في كتابه الكاكابو (Strigops habroptilus تُسَمَّى، أيضًا، "ببغاء الليل")، نوعٌ من الببغاوات يعيش في جزيرة نيوزيلندا، ثقيل الوزن ويفتقر للقدرة على الطيران. والإجابة عن السؤال المطروح، حول كيفية نجاح الكاكابو في البقاء، هي أنه في معظم سنوات وجود الكاكابو لم تكن في الجزر حيوانات مفترسة. وعندما وصلت إلى هناك الجرذان والقطط وحيوانات القاقم (من فصيلة العرسيَّات، يُسَمَّى، أيضًا، "ابن عرس"، وقد اُشير إليه في الكتاب، بشكل خاطئ، بإسم "ابن مقرض") وغيرها من الحيوانات، بمساعدة من الإنسان، وجدت هذه الحيوانات أن الحياة في نيوزيلندا مناسبةٌ جدًا لها. الطيور الكثيرة التي عاشت هناك على مدار آلاف السنين بسلامٍ من دون التّعرض لخطر الحيوانات المُفترسة، لم تعرف كيفيَّة توخّي الحذر من الحيوانات الجديدة. النتيجة كانت ممتازة للجرذان وحيوان القاقم وسيئة بالنسبة لحيوانات الجزر الأصليَّة.
عاشت حيوانات الجُزُر بسلام على مدار آلاف السنين، إلى أن حلّت عليها كارثة حيوانات القاقم. الكاكابو، تصوير science photo library
"السفر تطفلاً"
منذ أقدم الأزمان، انتقلت الحيوانات والنباتات من مكان الى آخر. في مرحلة معيَّنة، وصل طائر الكاكابو، أيضًا، إلى نيوزيلندا واستقرَّ فيها. مع مرور الزَّمن، وخلال القُرون الأخيرة، وبفضل توفّر السفن، ومن بعدها الطائرات، انتقلت الحيوانات والنباتات إلى أماكن جديدة بسهولة أكبر. وعند وصولها إلى نظام بيئي مختلف، صادفت عددًا أقل بكثير من الحيوانات المفترسة والطفيليات، بالمُقارنة مع بيئتها السَّابقة. وفقًا لهذه الظّروف، أخذت هذه الأنواع الغازية بالتكاثر بسرعة متزايدة، موسّعةً انتشارها في بيئتها الجديدة، وبالتَّالي، سبَّبت أضرارًا جسيمة لهذه البيئة.
تعتبر الجزر المعزولة ، بشكل خاص، هدفًا سهلًا للأنواع الغازية وغالبًا ما يكون نظامها البيئي خاليًا من الحيوانات المفترسة. لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن رؤية أضرارها في سائر البلاد أيضًا . في اسرائيل توجد حشرات غازية، مثل، سوسة النخيل الحمراء، والذبابة البيضاء التي تصيب شجر الجوز، وهما تُسَبِّبان أضرارًا بالغة للمزروعات. الأنواع الغازية الأكثر شيوعًا في البلاد هي المينة الشائعة والباراكيت الأخضر؛ وهما نوعان تم جلبهما من آسيا لحدائق الحيوانات، السفاري وللتربية في البيوت. من هناك هربت هذه الطُّيور وبنت مساكنها في الطبيعة. الطيور الغازية تتنافس مع الأنواع المحلِّيَّة، وبما أنها تتغذى على الفاكهة، فهي تضر بالزراعة، أيضًا. إن قناديل البحر، التي تلسعنا على شواطئ البحر في إسرائيل، تسمى "الربلم الجوال"، وهي، أيضًا ، عبارة عن نوع مجتاح (غازٍ) تم جلبه بمُساعدة الإنسان. فقد انتقلت هذه القناديل من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، بعد أن تم حفر القناة وتمكّنت القناديل من التّسلُّل إلى البحر الأبيض المتوسِّط.
قنديل البحر من نوع "الربلم الجوال". تصوير shutterstock
بالرغم من أنّ الإنسان كان المسؤول عن انتقال الأنواع الغازية إلى مكانها الجديد، إلا أنه، في الغالب، قام بذلك بغير قصد. على سبيل المثال، لم يكن الهدف من تخطيط قناة السويس هو التسبب في انتقال الربلم الجوال، والأنواع الأخرى، من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، إلا أنّ هذا ما حدث بالفعل. كذلك، وصلت الجرذان إلى عدد كبير من الجزر على متن السفن، وكانت هذه الجرذان بمثابة "ركاب مخفيين" غير مرغوب بهم. هكذا وصلت، أيضًا، أفعى الشجر البنية (البويقة الشاذة Boiga irregularis) إلى جزيرة غوام، وتسببت في إبادة حوالي نصف أنواع الطيور والسحالي واثنين من أنواع الخفافيش الثّلاثة. مع ذلك، توجد أنواع أخرى أُحضرت عمدًا: الأبقار، الأغنام، الخيول والخنازير الموجودة اليوم في كل مكان على الأرض ، تقريبًا. إن رعيَ هذه الحيوانات يؤدي الى حدوث تغييرات كبيرة في البيئة المحلية. في عدد ليس بقليل من المناطق، هربت الخيول، والخنازير بشكل خاص، من رُعاتها وأصبحت برِّيَّة، وهي تعيش اليوم في البرية وتتسبَّب بأضرار جسيمة.
لقد تم جلب الأرانب إلى أستراليا في القرن الثَّامن عشر، بطلب من المستوطنين الإنجليز الذين بحثوا عن حيوان معروف يمكنهم إطلاق النار عليه من أجل رياضة الصيد. بمجرد أن تم إطلاق سراح هذه الأرانب إلى الطبيعة، خرجت عن السيطرة وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء القارة. حتى يومنا هذا، تحاول حكومة استراليا مكافحة كارثة الأرانب بطرق مختلفة، من بينها بناء أسوار على طول آلاف الكيلومترات. لقد وصلت الأرانب إلى نيوزيلندا، أيضًا. وقد تم جلبُها إلى هناك بقرار متسرِّع من السلطات التي أرادت جلب طائر القاقم لغرض اصطياد الأرانب. اليوم، يُشَكِّل طائر القاقم، الذي فضَّل الطيور المحليَّة وبيوضها على الأرانب، أحد أكبر الآفات في الجزيرة. في ظروف مماثلة تم جلب نوع مفترس من الحلزون (Euglandina rosea) إلى هاواي لكي يصطاد نوعًا مُجتاحًا آخر جاء قبله ويقضي عليه؛ الحلزون الأفريقي العملاق (Achatina fulica)، المضر بالزِّراعة ، والموجود عندنا، أيضًا. وكما هي الحال بالنسبة للقاقم، فقد فضَّلَ الحلزون المفترس التغذي على الحلزونات المحلية وتسبب في انقراض 134 نوعًا على الأقل .
الحلزون E.rosea (في اليمين)، جُلب الى هاواي لكي يقضي على الحلزون الأفريقي (في اليسار)، لكنه تسبب في انقراض أنواع أخرى . تصوير shutterstock
مجتاح أم محلي، هل يوجد فرق؟
لم ينقرض، حتى الآن، طائر الكاكابو ولكنه مُهَدَّد بخطر الإنقراض. لكن في كثير من الحالات الأخرى لعبت الأنواع الغازية دورًا أساسيًّا في انقراض أنواع أخرى من الحيوانات والنباتات. إن انقراض الأنواع يحدث طيلة الوقت، ولكن اليوم، وبسبب نشاطات البشر المختلفة، أصبح معدل الانقراض أسرع بكثير. نحن في خضم الفترة التي تُسَمى "الانقراض السادس"، التي أتت بعد خمس فترات من الإنقراضات الواسعة النِّطاق، التي حدثت نتيجة الكوارث الطبيعية العالمية، أو نتيجة التغيير المناخي. والسؤال هو: إلى أي مدى تُعتبر الأنواع الغازية مسؤولة عن ذلك؟ يوجد خلاف حول هذا الموضوع. هناك باحثون يعتقدون أنه ليس من الضروري النظر إلى الموطن الأصلي للنوع، لأن الأهم هو تأثيره. فالأنواع المحلية، التي تنتشر وتتكاثر في بيئتها، يمكنها، هي أيضًا، أن تتسبب بأضرار أو أن تؤدِّي الى انقراض حيوانات أخرى، وقد لوحظ وجود مثل هذه الحالات. فمثلًا، قنفذ البحر الأرجواني (Strongylocentrotus purpuratus) لعب دورًا في انقراض بقرة البحر ستيلر (Hydrodamalis gigas)، من الثَّدييات البحرية التي كانت تعيش في الماضي في بحر بيرنغ. عندما ازدادت أعداد قنافذ البحر بشكل كبير، نتيجة عوامل مختلفة، مثل صيد القُضاعات (ثعالب الماء) التي تُعتبر إحدى الحيوانات المُفترسة الرئيسيَّة لها، قامت هذه القنافذ بالقضاء على معظم طحالب الكِيلب في المنطقة. هذه الطحالب هي المصدر الأساسي للغذاء بالنسبة لبقرة البحر، لذلك، تضاءَلَت أعداد هذه الطحالب، الأمر الذي ساهم في انقراض الثدييات البحرية. حدث كل هذا بدون أن تكون قنافذ البحر قد انتقلت من مكان إلى مكان آخر، بل نتيجة تكاثرها وازدياد أعدادها في مكانها الأصلي .
تيم بلاكبيرن (Blackburn) وزملاؤه، من كلية لندن الجامعية، حاولوا تحديد إذا ما كانت هناك ميزاتٌ خاصة لدى الانواع الغازية، وهل يوجد لها دور في أكثرية حالات الإنقراض، بالمُقارنة مع الأنواع المحليَّة. في المقال الذي نُشر مؤخرًا تم فحص 153 نوعًا من النباتات و- 783 نوعًا من الحيوانات التي انقرضت في السنوات الخمسمائة الماضية. هذه الأنواع مفصلة في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) مع العوامل التي ساهمت في انقراضها. بالنسبة لبعض هذه الأنواع فحص الباحثون إلى أي مدى كانت أسباب الإنقراض تتعلَّق بالأنواع الغازية، وإلى أي مدى كانت الأنواع المحليَّة تُشَكِّل السبب في الإنقراض. لقد وجدوا أن الأنواع الغازية شاركت في انقراض حوالي ثلث أنواع الحيوانات وحوالي ربع أنواع النباتات. كما وجد الباحثون أن الأنواع الغازية ساهمت، أكثر من أي عامل آخر، في أكثر حالات الإنقراض.على سبيل المثال، ساهم الصَّيد في حوالي 18% من حالات انقراض الحيوانات. الأنواع المحلية، من ناحية أخرى، ساهمت في 2.7%، فقط، من حالات انقراض الحيوانات و- 4.6% من حالات انقراض النباتات. هذا يعني أن الانواع الغازية مسؤولة عن انقراض الحيوانات أكثر من الأنواع المحليَّة بـ 12 ضعفًا، على الأقل.
بالإضافة إلى ذلك، كانت الأنواع الغازية السبب الوحيد لانقراض 126 نوعًا، بينما لم تكُن الأنواع المحليَّة، بأي حال من الأحوال، سببًا وحيدًا، بل كانت تساهم في الانقراض الذي نجم عن عوامل أخرى مثل الصيد، الأوبئة أو أي عامل آخر. يقول بلاكبيرن: "هناك من يرى أن الأنواع الغازية لا تسبب المزيد من اختفاء الأنواع في أزمة الانقراض الحالية بالمقارنة مع الأنواع المحليَّة، ولكن تحليلنا يظهر أن هذه الأنواع المُجتاحة تُشَكِّلُ مشكلة أكبر بكثير.
في فلوريدا يشجعون صيدها من أجل حماية أنواع تعتبر مسكينة. أفعى البايثون البورمية. تصوير science photo library
القتل من أجل المحافظة
هل يمكن فعل شيء ما لحل هذه المشكلة؟ الطريقة السهلة هي، بالطبع، التخلص من الأنواع الغازية – أي قتلها. إن قتل الحيوانات من اجل الحفاظ على البيئه يبدو، إلى حدٍّ ما، كالتدخين من أجل هواء نقي. لكن العديد من دعاة حماية الحيوانات يدَّعون أنه لا يوجد خيار آخر. عالمة الأحياء هولي جونز (jones) صرّحت لموقع popular sciences بأن "عدم القيام بشيء لمنع الانقراض هو بحد ذاته عملٌ مجحفٌ لا يرحم الأنواع المحلية". في كثير من الحالات، تكون الأنواع المحلية فريدة من نوعها في المنطقة التي تعيش فيها. لقد صرحت جونز أن الخيار واضح: "يمكننا ان نفقد نوعًا معيَّنًا إلى الأبد أو أن نتخلص من نوع يمكنه أن يعيش ويزدهر في مكان آخر".
في الجزر، حيث تسببت الحيوانات المجتاحة بأكبر الأضرار، من السهل فعل ذلك. هناك عدد من الحالات التي سجلت نجاحًا. في العام 2016 نشرت جونز وزملاؤُها بحثًا يتطرَّق إلى خطط حماية في 181 جزيرة، شملت التخلص من الأنواع الغازية، وتبيَّن أن ذلك حسَّن حال 236 نوعًا محلِّيًّا. تقول جونز: " هذا ليس أمرًا سهلاً، لا تقللوا من صعوبته، ولكنه يُعتبر حلًّا بسيطًا بالمُقارنة مع خطط الحماية الأخرى". على سبيل المثال، تمَّت استعادة ثعالب الجزر في ولاية كاليفورنيا بنجاح، بعد أن تم صيد جميع الخنازير البرية التي جاءَت أسلافها إلى جزر كاليفورنيا في القرن التاسع عشر. الجهود المبذولة لحماية طائر الكاكابو الثقيل الوزن، الذي افتتحنا المقال بالحديث عنه، شملت اصطياد هذه الطيور ونقلها الى الجزر التي تمت "تنقيتها" من الأنواع الغازية. في القارات، يكون الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للتخلص من حيوان مجتاح معين. ولكن هذا لا يمنع منظمات الحماية من المُحاولة. في فلوريدا، في الولايات المتحدة، هناك العديد من الأنواع الغازية التي كان يتم الاحتفاظ بها في البيوت، ثم هربت وتكاثرت في الطبيعة. أبرز هذه الأنواع وأكثرها ضررًا هي البايثون البورمية (Python bivittatus)؛ أفعى يمكن أن يصل طولها إلى خمسة أمتار او أكثر. اليوم تقام في الدولة مسابقات البايثون مع جوائز مالية للصيادين المتميزين.
بالطّبع، إذا كان الأمر ممكنًا، يُفَضَّل منع دخول الأنواع الغازية أصلًا. لهذا السبب، تحرص العديد من الدول، وخاصة دول الجزر، وكذلك استراليا المعزولة، على عدم إدخال أي شحن، يُمكن أن يحتوي على بذور أو حشرات من نوع غريب، إلى أراضيها. هذا يشمل، مثلًا، أحذية أشخاص عملوا في حظيرة أبقار، أو تمثالًا ُ منحوتًا من خشب.
كما اظهر بلاكبيرن وزملاؤُه، فان الانواع الغازية تشكل خطرًا مهددًا للتنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم؛ هذا هو الخبر السَّيِّئ . أما الخبر السار فهو أنه يمكننا فعل شيء حيال هذا الخطر، بنجاح ليس بضئيل، في الجُزر المعزولة على الأقل.
الترجمة للعربيّة: هشام مزعل
التدقيق اللغوي: خالد صفدي
التدقيق العلمي: رقيّة صبّاح