تُمنح جائزة نوبل لهذا العام (2022م) لِألان أسبا وجون كلاوزر وأنطون زيلينغر تقديرًا للدراسات التي أجرَوْها في مجال ميكانيكا الكمّ (الكوانتُم). عرض هؤلاء الثلاثة سلسلةً من التّجارب مثّلت حقيقة وجود ظاهرة التّشابك الكمومي التي لا يمكن، وِفقًا للفيزياء الكلاسيكيّة، أن تتواجد.

أعلنت لجنة نوبل في الفيزياء لسنة 2022م، وبعد مرور ثلاثين عامًا، عن منح الجائزة هذا العام لثلاثة باحثين بيّنوا من خلال ما عرضوه أنّ تنبُّؤات ميكانيكا الكمّ، التي أغضبت اينشتاين كثيرًا، قائمةٌ على أرض الواقع.

מימין לשמאל: אספה, קלאוזר וציילינגר | איור: Niklas Elmehed © Nobel Prize Outreach
تنبّثؤات ميكانيكا الكمّ "الجنونيّة" قائمةٌ فعلًا. من اليمين إلى اليسار: أسبا وكلاوزر وزيلينغر | الرسم التّوضيحي: Niklas Elmehed © Nobel Prize Outreach 

 

لم يكن ألبرت أينشتاين هو الوحيد الذي تنصّلَ من نظريّة الكمّ عند بداية تبلورها في مطلع القرن الميلادي الماضي (القرن العشرين). أقلقت غرابةُ هذه النّظريّة وعدم تناسبها مع كلّ ما نعرفه في الحياة اليوميّة مجموعةً من العلماء البارزين. الأمر الذي أقلق هؤلاء في هذه النظريّة بشكل خاص هو نقص الحتميّة - أي حقيقة أنّ تكرارَ التجربة ذاتها لا يُفضي إلى نفس النّتائج. تتواجد المنظومة المعيّنة عادةً، وفقًا لِنظرية الكمّ، في ما هو دمجٌ مُتراكِب لعدّة حالات، فيما يُسمّى"superposition" وهي لا تتواجد في حالةٍ مُحدّدةٍ مُعرّفة. فسّرَ رُوّادُ نظريّة الكمّ عمليّة القياس بأنّ المنظومة "تنهار" نحو حالة واحدةٍ مُعيّنة لحظةَ إجراء القياس.لا يتمّ اختيار الحالة المُعيّنة اختيارًا حتميًّا متوقّعًا- وكأنها مسألة حظٍّ أو يا نصيب.

كانت مجموعةُ علماء من الدنمارك وعلى رأسهم عالِم الفيزياء نيلس بور (Bohr)، هي المسؤولة عن هذا التفسير (اليانصيب) الذي يُسمّى اليوم "تفسير كوبنهاجن". تصعّبَ اينشتاين في تقبُّل هذا الافتراض الغريب وصرَّحَ أنّ "الله لا يلعب النّرد". تطوّرَ مفهوم نظريّة الكمّ منذ ذلك الحين، ويسود اليوم "تفسير العوالم المُتعدّدة" الذي ينصُّ على أنّ الحالات المختلفة تستمرُّ في الوجود في نفس الوقت ولا ترتكن النّظريّة على افتقار الحتميّة. 

حاول اينشتاين ضمن جداله مع بور نقضَ الافتراضات الأساسيّة التي أقيمت عليها نظريّة الكمّ. نشرَ أينشتاين ومعه علماء الفيزياء بوريس بودولسكي (Podolsky) ونتان روزين (Rosen) مقالةً اقترحوا من خلالها تجربةً فكريّةً هدفها كشف التناقض الدّاخلي في نظريّة الكمّ. اكتشف الثلاثة، بدلًا من التناقض، ظاهرةً غريبةً جديدةً في النظرية: هي ظاهرة "التشابك الكمّي".  

لا يمكن التطرّق، في إطار ظاهرة التشابك الكمّي، إلى الحالات الكوانتيّة لِلجُسيمات على أنها كِيانات مُستقلّة، بشكل منفصل الواحد عن الأخريات، وإنما يُنظر إليها بأنَّ لها حالةٌ كوانتيّة مشتركة. عندما نُجري عمليةً ما على أحد الجسيمات فإننا نجريها في الواقع على الحالةِ المشتركةِ للجسيمات، بحيث تتأثرُ الجسيمات الأخرى بهذه العمليّة. إذا فرضنا من البداية بأنّ الجسيمات هي كياناتٌ منفصلة، يتراءى لنا كأنّ هناك تأثير متبادلٌ فوريٌّ فيما بين الجسيمات وهو لا يتعلق بالأبعاد التي بينها. 

إنّ هذا تفسيرٌ ومفهومٌ بعيد المدى إذ لم تصادف العلوم أيةَ ظاهرةٍ أو تأثيرٍ من شأنها أن تحدث بسرعةٍ تفوق سرعة الضَّوْء حتى الان. ادّعى كلٌّ من اينشتاين وبودولسكي وروزين أنّ التشابكَ الكمّي غيرُ مُمكن، واستَخدموا اكتشاف التشابك الكمّي ليثبتوا وجود مشكلةٍ في نظريّة الكمّ. إلّا أنَّ الجدلَ ظلَّ قائمًا.

طوّرَ جون ستيوارت بِل (Bell) في سنوات الستّين من القرن الماضي (القرن العشرين) منظومةً من المتباينات التي جسّدت حاجزًا علويًّا لكمّية المعلومات التي يمكن استخلاصها من مصدرين تقليديين للمعلومات - أي غير كوانتيّة - توجد علاقة مترابطةٌ ما فيما بينهما. التشابك الكمّي هو عبارةٌ عن ترابطٌ في العلاقة بين مصادر معلوماتيّة، الأمر الذي يتيح استخدام متباينات بِل لِمقارنتها مع ترابط العلاقة التقليدي. يمكن، وفقًا لِتنبّؤات نظريّة الكمّ، الحصول،  بواسطة التشابك الكمّي، على كمّيةٍ من المعلومات تزيد عن كمّية المعلومات القصوى الممكنة بالاعتماد على متباينات بِل. ذلك يعني أنّ التّشابك الكمّي يتيح إجراء عمليّةٍ هي ممنوعةٌ في الفيزياء التقليديّة من النّاحية الرّياضيّة. من هنا فإنّ عرض حالةٍ واقعيّةٍ تكسرُ مُتباينات بِل من شأنه أن يُؤكِّدَ وجود ظاهرة التّشابك الكمّي ويمهّدَ السبيل لِفهم ميكانيكا الكمّ.

استحقّ كلٌّ من ألان أسبا (Aspect) وجون كلاوزر (Clauser) وأنطون زيلينغر(Zeilinger) اليوم جائزة نوبل في الفيزياء بفضل هذه العروض. كان كلاوزر أوّل من كوّن تشابكًا كمّيًا في تجربة; أجرى أسبا تحسينات على تجربة كلاوزر ضمنت عدم وجود أيةُ طريقة لتفسير نتائج التّجربة عدا عن كَسْرِ متباينة بِل; امّا زيلينغر فقد أضاف تحسينًا إضافيًّا على التجربة إذ عرضَ استخدام التشابك الكمّي في نقل الحالات الكوانتيّة إلى مسافات طويلة (النّقل الآني الكمّي) الذي يُعدُّ أساس العديد من التكنولوجيات التي طُوّرت في العصر الحاضر. استخدم الثلاثة تشابك الفوتونات - الجسيمات الضّوئيّة ذات الصفات الكوانتيّة الواضحة. 

توجد لِنتائج تجارب كلِّ واحدٍ من ثلاثة الحائزين على الجائزة أهميّةٌ كبيرةٌ جدًّا في فهم أسس ميكانيكا الكم ومنها فهم ظواهر كثيرة تلعب فيها ميكانيكا الكمّ دورًا هامًّا. ويتيح فهم ميكانيكا الكم، بالإضافة إلى ذلك، تطوير تكنولوجيا تعتمد على الظواهر الكوانتيّة مثل الحواسيب الكوانتيّة. يُشكّلُ عرض الحالة التي زودتها هذه التجارب والتي يمكن فيها لِمنظومةٌ كوانتيّة تنفيذ مهمةٍ تُعدُّ غير قابلةٍ للتنفيذ في إطار المنظومة التقليديّة دافعًا هامًّا لِتطوير تكنولوجيات كوانتيّة.  

قُسّمت جائزة نوبل في الفيزياء في العام الماضي (2021م) بين ثلاثة علماء: مُنحَ نصف الجائزة لِشوكورو منابي (Manabe) من جامعة پرينستون في الولايات المتحدة الأمريكية ولِكلاس هاسيلمان (Hasselmann) من معهد ماكس بلانك للأرصاد الجويّة في مدينة هامبورغ اللذين طوّرا نماذج لِتنبُّؤ التغيّرات المناخيّة، ومُنح النصف الاخر من الجائزة لجورج باريسي (Parisi) من جامعة سبيانتسا في مدينة روما تقديرًا لتطوير موديلات نظريّة تتيح إجراء الأبحاث على المنظومات المُعقّدة. 

حاز روجر بنروز على نصف جائزة نوبل في الفيزياء للعام 2020م تقديرًا للفسير المتجدّد للنّظريّة النسبيّة الذي وضّحَ قابليّة وجود الثقوب السّوداء، ومُنح النّصف الآخر من الجائزة لِراينهارد جنزل (Genzel) وأندريا غيز (Ghez) تقديرًا للأرصاد الفلكيّة التي أجرياها على الثقب الأسود الضّخم في مركز مجرتنا. 

تقاسَمَ كلٌّ من جيمس بيبليس (Peebles) من كندا، مقابل سلسلة من الاختراقات في مجال علم الكونيات، وكلٌّ من ميشيل مايور (Mayor) وديدييه كالو (Queloz)، تقديرًا لأوّل اكتشافٍ لكوكبٍ سيّارٍ في مجموعة شمسيّة غير مجموعتنا، جائزة نوبل في الفيزياء لِسنة 2019م.

 

0 تعليقات