عَرضت دراسةٌ جديدةٌ طريقةً تُمَكّنُنا من أن نُعلّمَ الجسم مجدّدًا بأنّه لا يتوجّب عليه مهاجمة الموادّ الّتي تسبّب الحساسيّة
يتيح جهاز المناعة النّاجع والمحكم مكافحة مختلف أنواع البكتيريا والفيروسات وغيرها من مسبّبات الأمراض الّتي تحاول مهاجمة جسم الإنسان. لكنّ هذا الجهاز ليس كاملًا متكاملًا، وقد يكون ضارًّا أحيانًا. ذلك ما يحدث مثلًا في حالة الحساسيّة - وهي عبارة عن ردِّ فعل غير مرغوب وغير ضروريّ لجهاز المناعة على عاملٍ لا يشكّل خطرًا على الجسم. يعمل جهاز المناعة في مثل هذه الحالة في الواقع ضدّ الجسم فيتحوّل إلى حالةٍ مزعجةٍ قد تُشكّل خطرًا على الحياة بدلًا من أن يقوم بحمايته.
هناك أنواعٌ كثيرة ومختلفةٌ من مُسبّبات الحساسيّة وهي الموادّ الّتي تؤدّي إلى إثارة وتنشيط ردّ الفعل الحساسيّ. شَعرُ القطط وحبيبات لقاح الأزهار وأنواعٌ معينةٌ من الغذاء مثل البيض والجوز من ضمن هذه الموادّ.
الحساسيّة للغذاء ظاهرة شائعةٌ في المجتمعات الغربيّة. يعاني خمسة عشر مليون شخص في الولايات المتّحدة من هذه الظّاهرة، ويعاني ولد من كلِّ ثلاثة عشر ولدًا أمريكيًّا من الحساسيّة للغذاء. يتمّ اكتشاف الحساسيّة في حالات كثيرة في جيل مُبكّر ممّا يتيح منع تعرّض الولد لمسبّب الحساسيّة لديه وحمايته. تكون الحساسيّة في بعض الحالات شديدةً جدًّا وتؤدّي إلى ردّ فعل شديد. تستدعي هذه الحالات التّدخّل والعلاج الطّبّيّ السّريع، وإلّا فقد يؤدّي عدم العلاج إلى نتائج خطيرة قد تنتهي بالوفاة.
يتوجّب على الشّخص الّذي تمّ تشخيص الحساسيّة الشّديدة لديه الامتناع عن التّعرّض للغذاء مسبّب الحساسيّة، حتّى القليل منه. تصعب الحياة كثيرًا بوجود هذه الحالة الّتي تتطلّب من الشّخص الانتباه إلى ما يتناوله من الطّعام بشكل دائم، ويكون الأمر أكثر تعقيدًا لدى الأطفال. يحاول العلماء فهم آليّة عمل ردّ الفعل الحساسيّ من أجل تطوير علاج يمكن بواسطته تعليم جهاز المناعة لدى الأشخاص ذوي الحساسيّة أن يكون أكثر "تسامحًا".
وجدَ باحثون من جامعة ساسكاتشوان في كندا آليّةً من شأنها أن تُسهِّلَ حياة الأشخاص الّذين يوجد لديهم ميلٌ للحساسيّة. أعلن الباحثون عن ذلك في مقالةٍ نُشِرت في مجلة Journal of Allergy and Clinical Immunology. اِستطاع هؤلاء الباحثون تنمية خلايا مُتَغَصِّنة، وهي إحدى أنواع الخلايا النّشطة في جهاز المناعة، تحت ظروف مراقَبة، وجعلوها تُبرِزُ على غشائها مسبّبات حساسيّة مختلفة، مثلًا زبدة الفستق.
تعليم التّسامح
الخلايا المتغصّنة هي أحد مُكوّنات الذّراع الفطريّة لجهاز المناعة، ويتمثّل دورها في توجيه الخلايا التّائية (خلايا T) لإنتاج ردِّ فعلٍ مناعيّ مكتسب. ويمكن أن تمنع الخلايا المُتغصّنة الخلايا التّائية من مهاجمة الجسم المشبوه فتشجّع الجهاز بذلك على أن يكون أكثر تسامحًا تجاهه. اِستغلّ الباحثون هذه الخاصّيّة للخلايا لمنع ردّ الفعل الحساسيّ.
يمكن، بهذه التّقنيّة، استخدام خلايا المريض نفسه ولا توجد حاجةٌ للبحث عن متبرّع مناسب، وهذه إحدى أفضليّاتها. تُؤخذ الخلايا من النّخاع العظميّ للمريض (وهو الفأر في هذه الحالة) وتنمو بوجود جزيئات اتّصال تساهم في تمايز الخلايا لتتّخذ الهيئة المتسامحة. يُضاف مسبّب الحساسيّة بعد حصول التّمايز إلى الصّحن الّذي يحتوي على الخلايا بحيث تقوم الخلايا بعرضه وإظهاره على غشائها فتشجّع الخلايا التّائية معاملة المادّة مسبّبة الحساسيّة بتسامح بمجرّد "قراءة" المعلومات الظّاهرة على غشاء الخلايا المتغصّنة.
وبالفعل، عند حقن هذه الخلايا في الفئران الّتي وُجد عندها ميلٌ لردّ الفعل الحساسيّ، انخفضت حساسيّتها انخفاضًا ملحوظًا، وكان ردّ الفعل معتدلًا للغاية. عوضًا عن ذلك، وكما توقّع الباحثون، فقد تحوّلت الخلايا التّائية الّتي لاقت الخلايا المتغصّنة إلى خلايا متسامحة بحدّ ذاتها، ومنعت تكوّن ردّ الفعل الحساسيّ.
أُجري البحث في هذه المرحلة على الفئران، ويتطلّب استخدامه لمعالجة الإنسان المزيد من مراحل الضّبط والمقارنة قبل الشّروع في ذلك. من ضمن هذه المراحل إجراء فحوصات الأمان والنّجاعة لدى حيوانات أكبر من الفئران، وفي نهاية المطاف لدى أشخاص مُعافين وآخرين مرضى. يأمل الباحثون في أن يقدروا على تجربة تقنيّة العلاج الجديد على المرضى في العام القادم.