هل سيصبح بالإمكان تصنيع بطّاريّات فعّالة رخيصة ونظيفة من عنصر الصّوديوم الموجود في ملح الطّعام؟ قد يصبح ذلك ممكنًا بالفعل، على ضوء الحلّ الّذي وجده عدد من الباحثين
ربّما يتذكّر البالغون منّا في البلاد ما قاله يعقوف مريدور، وزير الاقتصاد والتخطيط، في انتخابات سنة 1981 عن "المصباح الذي سيضيء مدينة رمات غان قاطبةً" - فكرة مغرية وواعدة لإنتاج الطّاقة الرّخيصة والنّقيّة. لم يمض وقت طويل قبل أن يتبيّن، لمزيد الأسف، أنّ الوزير كان ضحيّة خدعة، وأنّه لا يوجد حلّ سحريٌّ يوفّر كمّيّة كبيرة من الطاقة من لا شيء. إنّ البشريّة بحاجة ماسّة إلى مصادر الطّاقة المستدامة، وما زال الأمل الذي دفع مريدور قائمًا، حتّى اليوم، في قلب كلّ إنسان قلق على مستقبل البشريّة.
البطّاريّات النّاجعة - هي أحد الأمثلة لتوفير الطّاقة عن طريق تقليص ضياعها وهدرها، وذلك بواسطة تخزين الفائض ممّا يُنتج منها لاستخدامه مستقبلًا. تُحوِّل البطّاريّة، وهي خليّة كهروكيميائيّة، الطّاقة الكيميائيّة إلى طاقة كهربائيّة. تعتمد غالبيّة البطّاريّات الّتي نستخدمها في الحياة اليوميّة على الكترودين (قطبيْن كهربائيّيْن) - الأنود والكاثود - مغمَسيْن في محلول موصل للتّيّار الكهربائيّ (الكهرل أو المُنحلّ بالكهرباء - الإلكتروليت). الشّحنة الكهربائيّة للكاثود سالبة، وشحنة الأنود موجبة. تتحرّك الجسيمات المشحونة كهربائيًّا بين الألكترودات، داخل المحلول الموصل، ويجري التّيّار الكهربائيّ نتيجةً للفرق في الجهد بين الطّرفيْن.
جون جودانف، الحائِز على جائزة نوبل، هو أحد مطوري بطارية أيون الليثيوم الشائعة. يمكن إعادة شحن بطارية الليثيوم - أيون، حيث تحدث العمليات الكيميائية فيها، القابلة للانعكاس، بشكل دوريّ. تقاس جودة البطّاريّة حسب عدد دورات التّفريغ والشّحن: تُعتبر البطّارية ذات دورات التّفريغ والشّحن الأطول هي الأفضل وفترة حياتها أطول. تُستخدم بطّاريّات أيون الليثيوم اليوم في السّيّارات الكهربائيّة وفي أجهزة تخزين الطاقة. يفسد الأمر أنّ عنصر الليثيوم نادر الوجود في الطّبيعة. تتركّز ودائعه الرّئيسة في قارة أمريكا الجنوبيّة، وتوجد ودائع أصغر في أستراليا والولايات المتحدة. لا بدّ أن تتضاءَل هذه الودائع مع ازدياد الطّلب على البطّاريّات.
بطّارية الليثيوم - أيون الشّائعة، الّتي يُمكن إعادة شحنها مرارًا وتكرارًا | Juan Roballo, Shutterstock
الشّحنة الغنيّة بالصّوديوم
وضعت الدّراسة الجديدة اقتراحًا جديدًا وغير تقليديّ على الطّاولة: بطّارية صوديوم صلبة بدون أنود. يقول غرايسون دايشر (Deysher) من جامعة كاليفورنيا في سان دياغو، وهو المؤلّف الرّئيسيّ للمقال الّذي نُشر في مجلة Nature Energy: "لم ينجح أحد بعد في دمج الثّلاثة التالية معًا: بطارية صوديوم، صلبة وبدون أنود، علمًا أنّ بطاريات الصّوديوم قد وُجدت سابقًا". شاركت يينغ شيرلي مينغ (Meng) من جامعة شيكاغو وباحثون آخرون من كلا المؤسّستين في الدّراسة.
ما هي أفضليّة الصّوديوم على اللّيثيوم؟ أوّلًا، يوجد منه الكثير- يفوق انتشاره في الطّبيعة ألف ضعف انتشار اللّيثيوم، بالإضافة، يضرّ إنتاج اللّيثيوم بالبيئة، بسبب الحاجة لاستخدام الأحماض لإنتاجه من خاماته، ولأسباب أخرى. يمكن، بالمقابل، إنتاج الصّوديوم من ملح الطعام الموجود في مياه البحار والمحيطات.
يشبه هيكل بطّاريّات الصّوديوم - أيون المتوفّرة اليوم كثيرًا بطّاريّات اللّيثيوم - أيون. إلّا أنّها، أي بطّاريّات الصّوديوم - أيون، قليلة الاستخدام وهي لا تحتل حجمًا هامًّا في سوق الطّاقة، لأنّ كثافة طاقتها، أي إجماليّ الطّاقة المُقَسّم على حجمها منخفضة، كما أنّ دورات تفريغها وشحنها أقصر ممّا ينبغي.
لا بدّ، في هذا الحال، من تغيير في التّفكير. يقترح الباحثون خزن الأيونات الّتي تنتج خلال العمليّة - أي الجسيمات المشحونة كهربائيًّا - فوق الرّاسب الفلزيّ الصّلب الّذي ينتج على الكاتود، بدلًا من استخدام الأنود كجزء من هيكل البطّاريّة. يتكوّن بذلك، حسب ما وضّح الباحثون في مقالتهم، جهد كهربائيٌّ أعلى في الخليّة، وتزداد كثافة الطّاقة وتطول دورات التّفريغ والشّحن.
احتاج الباحثون تخطّي حاجز آخر في طريقهم نحو الهدف. يقول دايشر:"يجب أن يكون في كلّ بطّاريّة خالية من الأنود تلامس جيّد بين الإلكتروليت وجامع التّيّار (الكاتود؛ ي"ب). في حال استخدام الكتروليت سائليّ يكون ذلك سهلًا للغاية، عادةً، ، حيث يستطيع السّائل أن يجري إلى كلّ مكان، ويبلل أيّما سطح خارجيّ. بالمقابل، لا يمكن للإلكتروليت الصّلب أن يفعل ذلك".
يعتمد الحلّ المبتكر الّذي اقترحه الباحثون على مسحوق الألمنيوم، الّذي يقوم فعليًّا بدور الكاثود، ويُغلّف الإلكتروليت الصلب بعد إلصاقه به جيّدًا بالتّأثير عليه بضغطٍ عالٍ. النّهج المتّبع في معظم البطّاريات هو العكس: الإلكتروليت هو الّذي يحيط بالكاثود. يمكن أن يجري مسحوق الألمنيوم الصّلب كما تجري السّوائل، ويُحدث مساحة سطح تلامس كبيرة.
تدمج هذه الطريقة إذًا بين ثلاثة مبادئ معروفة، فتكوّن كُلًّا أكبر من مجموع أجزائه. سارعت مينغ، الّتي ترى في هذا المشروع خطوةً هامّةً نحو مستقبل واعد، يعتمد البطّاريّات النّقيّة الرخيصة والمتجدّدة، لتسجيل براءة اختراع، مع دايشر سويّةً.