تشير قياسات الهزّات الأرضيّة على كوكب المرّيخ إلى وجود حركة صخور منصهرة تحت قِشرته الصلبة وإلى أنّه ليس كوكبًا سيّارًا ميّتًا من الناحية الجيولوجيّة

يبدو أنَّ نشاط كوكب المرّيخ الجيولوجيّ أكبر ممّا كنّا نتصوّر بكثير. إذ يشير تحليل المُعطيات الّتي تمّ جمعها من سطح المرّيخ إلى احتمال حدوث عمليّاتٍ ديناميكيّة وصاخبة تحت سطح الكوكب الأحمر المجاور لنا، وذلك بخلاف الافتراض الشائع بأنّه هادئ من الناحية الجيولوجيّة. 

يَعتبر العلماء المرّيخ كوكبًا "ميّتًا" لا تحدث فيه عمليّات جيولوجيّة طويلة المدى، بما فيها حركة موادّ في درجات حرارة عالية، مثل انصهار الصخور وتكوّن الصُّهارة. ولعلّ افتقار كوكب المرّيخ لمجال مغناطيسيّ عالميّ هو أبرز مؤشّرات ركوده. ينجم المجال المغناطيسيّ الّذي يؤثّر في كوكب الأرض وفي كواكب سيّارة أخرى في المجموعة الشمسيّة مثل زُحَل والمشتري والكواكب الغازيّة الضخمة عن حركة موادّ موصلة للتيّار الكهربائيّ داخل لُبّ الكوكب. يؤدّي التبريد البطيء لهذه الكواكب وفقدان الحرارة الكثيرة المخزّنة داخلها إلى الحركة داخلها. 

تُسَخّنُ الحرارةُ المنبعثةُ من طبقة اللُّبّ الداخليّ الصلبة للكرة الأرضيّة، على سبيل المثال، والمُكوَّنة من الحديد، قاعدةَ اللُّبّ الخارجيّ السائلة المحيطة بها والمكوَّنة من الحديد هي الأخرى. يؤدّي الفرق بين درجة حرارة الجزء السفليّ من طبقة اللُّبّ السائلة وبين درجة حرارة الجزء العلويّ إلى تكوّن نمط تدفّق دائريّ؛ حيث تَصعد الموادّ الساخنة من الجزء السفليّ إلى أعلى وتَبرُد، ثمّ تدفعها موادّ ساخنةٌ تحتلّ مكانها وتعيدها ثانيةً إلى الأسفل. تؤدّي هذه التيّارات الّتي تحدث داخل اللُّبّ الخارجيّ المُكوّن من موادّ موصلة للتيّار الكهربائيّ، إلى تكوّن المجال المغناطيسيّ للكرة الأرضيّة.  

يحدث التدفّق الناجم عن انتقال الحرارة داخل الكرة الأرضيّة في طبقة وشاح الأرض المحيط باللُّبّ أيضًا. يؤدّي فقدان الحرارة من الوشاح إلى القشرة الخارجيّة للكرة الأرضيّة إلى تكوّن الظواهر الجيولوجيّة المختلفة على السطح الخارجيّ للكرة الأرضيّة، مثل الصُّهارة المندفعة نحو السطح الخارجيّ بصورة بطيئة أو الثورات البركانيّة أو تَكَوُّن الصفائح التّكتونيّة وحركتها والهزّات الأرضيّة الّتي تنجم عن احتكاك الصفائح بعضها ببعض.      

يشير افتقاد المجال المغناطيسيّ المُستَحَثّ من أجزاء المرّيخ الداخليّة إلى لُبٍّ ووشاحٍ بارديْن وهادئيْن نسبيًّا لا يُطلقان حرارةً كثيرة للفضاء ولا يُكوّنان تيّارات دوريّة داخليّة. تدعمُ هذا الافتراضَ حقيقةُ كونِ السطح الخارجيّ الصّخريّ لكوكب المرّيخ مُكوّنًا من قطعة واحدة، وأنّه يُشخّص فيه انقسامٌ إلى ألواح تكتونيّة منفصلة عن بعضها. يجدر التنويه إلى أنّ المرّيخ لم يكن هادئًا إلى هذه الدرجة دائمًا؛ إذ توجد على سطح المرّيخ دلائل تشير إلى وجود مجال مغناطيسيّ ونشاط بركانيّ على نطاق واسع في الماضي، إلّا أنّ هذه الدلائل هي مُخلّفات من فترة قديمة في تاريخ الكوكب السيّار انتهت قبل مليارات السنين.

הדמיה של התפרצות הר הגעש אולימפוס על מאדים הצעיר | מקור: MARK GARLICK / SCIENCE PHOTO LIBRARY
كان المرّيخ نشطًا جدًّا في الماضي. محاكاة ثوران جبل أوليمبوس البركانيّ على سطح المرّيخ في مقتبل عمره | المصدر: MARK GARLICK / SCIENCE PHOTO LIBRARY

 

اهتزاز الأرض

يتّضح من خلال الدراسة الّتي نشرها علماء استراليّون وصينيّون مؤخّرًا أنّ الوضع تحت سطح المرّيخ ليس ساكنًا على الإطلاق. حلّل الباحثون المُعطيات الّتي جمعتها مركبة الهبوط الأمريكيّة إنسايت (InSight) الّتي هبطت على سطح المرّيخ سنة 2018م، والّتي كانت قد أطلقتها وكالة الفضاء الأمريكيّة ناسا لدراسة المبنى الداخليّ للكوكب السيّار بواسطة أجهزة قياس مختلفة منها أجهزة قياس الزلازل (السيسمومتر) وذلك لتشخيص الهزّات الأرضيّة الّتي تحدث تحت السطح. 

قيست 465 هزّة أرضيّة مختلفة الشدّة من اللحظة الّتي بدأ فيها عَملُ مجسّات الزلازل الموجودة على المسبار الفضائيّ. نُسِبت الغالبيّة العظمى من هذه الهزّات إلى عمليّات تمدّد وانقباض سطح الكوكب الخارجيّ الّتي قد تنجم عن قوى المدّ الّتي تؤثّر فيها أقمار المرّيخ الصغيرة وعن تسخين سطحه الخارجيّ عن طريق الشمس. تمّ قياس معظم الهزّات الأرضيّة أثناء ساعات الليل حيث تفقد القشرة الخارجيّة قسمًا من الحرارة الّتي تكتسبها في النهار.

הנחתת Insight על מאדים, ובחזית הסייסמומטר שלה | הדמיה: NASA/JPL-Caltech
قيست مئات الهزّات الأرضيّة. إهباط Insight على المرّيخ، ويُشاهد جهاز قياس الهزّات الأرضيّة في الواجهة | المحاكاة: NASA/JPL-Caltech

 

استطاع الباحثون، باستخدام خوارزميّات متقدّمة، تصفية 47 هزّة أرضيّة لم يتمّ تشخيصها سابقًا وذلك من بين التشويشات في الخلفيّة في قواعد البيانات. حدثت هذه الهزّات على امتداد 350 يومًا من أيّام المرّيخ\ والّتي تعادل 359 يومًا من أيّام الكرة الأرضيّة. تشابهت جميع هذه الهزّات من حيث مُدّتها الزمنيّة وشدّتها أو ذبذباتها، كما أنّها حدثت في نفس المنطقة الجغرافيّة. كان نصف هذه الهزّات في ساعات النهار، والنصف الآخر في ساعات الليل، الأمر الّذي من شأنه أن يُبطلَ إمكانيّة كون حدوثها يتعلّق بتسخين السطح الخارجيّ لِلكوكب عن طريق الشمس. أضِف إلى ذلك أنّها لا تتلاءم مع دورات المدّ الّتي تنجم عن حركة أقمار المرّيخ.

يعتقد الباحثون أنّ حركة الصخور المنصهرة- الصُّهارة أو الماجما - في الجزء العلويّ من وشاح الكوكب هو التفسير المنطقيّ لمصدر هذه الهزّات. أشار الباحثون إلى أنّ سلسلة الهزّات المتقاربة في الزمان والمكان والّتي تحدث على الكرة الأرضيّة، ترتبط أحيانًا بِالثورانات البركانيّة. ربّما كان الحدث الّذي نحن بصدده سيؤدّي إلى حدث بركانيّ على كوكب أو قمر آخر، أمّا على المرّيخ فتبقى الصُّهارة السائلة في أعماق الكوكب وذلك بفضل هيكل قشرته السميكة والمستقرّة.

تشير نتائج الدّراسة إلى أنّ وشاح كوكب المرّيخ أكثر ديناميكيّةً ممّا كان مُعتقدًا حتّى أنّه لا تزال عمليّات الانصهار وحركة الصُّهارة تحدث فيه. تكمن في هذا الاستنتاج أهميّة بالغة في مواصلة بحث تطوّر المرّيخ كَكوكب سيّار. يشير هذا الاستنتاج أيضًا إلى إمكانيّة أنّ عاملًا آخر هو المسؤول عن فقدان المجال المغناطيسيّ للمرّيخ وليس تَجَمُّد لُبّه ووشاحه.

0 تعليقات