علامات القطع على الجماجم القديمة قد تشير إلى أنّه في أيّام الفراعنة كان هناك أطبّاء حاولوا علاج أورام الرأس بمساعدة الوسائل الجراحيّة

اكتشف باحثون في جامعة كامبريدج في المملكة المتّحدة مؤخّرًا تفاصيل جديدة حول جمجمتين لفراعنة كانتا ضمن مجموعتهم منذ عقود. وقد تمّت دراسة الجماجم المحفوظة في أرشيفات المتحف في الماضي، ولكن لم يتمّ اكتشاف علامات قَطع صغيرة عليها إلّا الآن. قد تشير هذه العلامات إلى ممارسات طبيّة متقدّمة قد استُخدمت في مصر القديمة، وربّما حتّى محاولات لعلاج السرطان.

استعان الباحثون بالمجهر ثلاثيّ الأبعاد عالي الدقّة لإعادة فحص الجماجم. واكتشفوا شقوقًا دقيقة للغاية حول الأورام الموجودة في العظام. قد يشير هذا إلى أنّ المصريّين القدماء لم يتعرّفوا على الأورام السرطانيّة فحسب، بل حاولوا إزالتها عن طريق الجراحة أيضًا.

استمرّت الثقافة المصريّة القديمة لأكثر من 3000 عام، حتّى الغزو الرومانيّ في عام 30 قبل الميلاد، ولم تجلب للعالم الأهرامات والكتابة الهيروغليفيّة فحسب، بل جلبت أيضًا معرفة طبيّة واسعة ومتقدّمة، والّتي تمّ توثيقها جزئيًّا في أوصاف العمليّات الجراحيّة واستخدام النباتات الطبيّة الّتي بقيت في النصوص الطبيّة مثل بردية إيبرس. حتّى الآن، قدّروا أنّ قدراتهم الطبيّة كانت تركّز بشكل أساسيّ على علاج الإصابات والأمراض المعدية، وبالطبع العمليّات المتطوّرة للتحنيط والحفاظ على الأنسجة الّتي أصبحت واحدة من سمات هذه الثقافة.


تعود لسيّدة تبلغ من العمر حوالي خمسين عامًا ويوجد بها تلف في العظم نتيجة نموّ سرطانيّ وتلف آخر نتيجة الإصابة والّتي تشمل علامات الشفاء. جمجمة رقم E270 | من Tondini et al

السرطان في العالم القديم

حتّى الآن، اعتقد الباحثون أنّ الأورام السرطانيّة كانت ظاهرة نادرة إلى حدّ ما في العصور القديمة، ويرجع ذلك أساسًا إلى قُصر العمر المتوقّع وغياب العديد من العوامل المسبّبة للسرطان المعتادة في يومنا هذا. لكنّ النتائج الجديدة تقوّض هذا المفهوم وتشير إلى أنّ السرطان ربّما كان أكثر شيوعًا ممّا كنّا نعتقد. تثير النتائج احتمال أنّ الأطبّاء في مصر القديمة لم ينجحوا في التعرّف على المرض فحسب، بل حاولوا أيضًا التعامل معه بطرق متنوّعة، بما في ذلك العمليّات الجراحيّة لإزالة الأورام.

مع ذلك، ليس من المفهوم ضمنًا على الإطلاق أنّ الجروح الموجودة على الجماجم قد تمّ إجراؤها كجزء من العلاج الطبّيّ قبل الوفاة. يدّعي الباحثون الّذين يرفضون استنتاجات العلماء من كامبريدج أنّ هذه الجروح قد تكون نتيجة تحقيقات ما بعد الوفاة. إذا كانوا على حقّ، فهذه نافذة جديدة تمامًا للعلوم والأنتروبولوجيا.

نظرًا لعدم وجود دليل مكتوب واضح لا لبس فيه على استخدام مثل هذه الممارسات في مصر القديمة، يواصل الباحثون مناقشة التفسير الدقيق للنتائج. على أيّة حال، هناك شيء واحد واضح، وهو أنّ المصريّين القدماء فهموا جسم الإنسان بشكل أعمق بكثير ممّا كنّا نعتقد حتّى الآن. يوسّع الاكتشاف الجديد معرفتنا بتاريخ الطبّ ويثير تساؤلات حول العلاقة بين البشر والأمراض عبر التاريخ. على سبيل المثال، كيف تعاملت الثقافات القديمة مع أمراض مثل السرطان؟ هل فهموا آثارها في الجسم؟ وما طرق العلاج الّتي طوّروها للتعامل معها؟

تشير النتائج إلى أنّ المصريّين القدماء حاولوا التعامل مع مرض السرطان بطرق متقدّمة عن عصرهم، وهو ما يتحدّى فكرة أنّ السرطان كان نادرًا في العصور القديمة. يُشجّع هذا البحث على إجراء المزيد من الأبحاث حول العلاجات الطبيّة السابقة والطرق الّتي حاولت بها الثقافات السابقة التعامل مع المرض.

0 تعليقات