قام باحثون في سلسلة جينوم عشرات الإيطاليين الذين تتراوح أعمارهم بين 105 وما فوق، لتحديد أدلّة تشير إلى سبب وصولهم لهذا الجيل
أقلّ من عُشر في المائة من السكّان تتراوح أعمارهم بين 100 وما فوق، وأقلّ من ذلك يعمّرون حتّى جيل 105 أو 110. إنّ الظروف التي تُمكّن هؤلاء الفريدين من نوعهم من الوصول إلى هذا السن الفائق ما زالت ضبابيّة. من المؤكّد أنّ بعضها متعلّق بالبيئة - على سبيل المثال: حياة آمنة، تغذية صحّيّة، نشاط بدنيّ وتوفّر خدمات صحّيّة. من المؤكّد أيضًا، أنّه حتّى أفضل الجينات لن تمنع موت شخص في سنّ صغير، في حادث طرق على سبيل المثال.
بالمقابل، من لم يتعرّض للأذى جراء حادث عرضيّ في سنّ مبكّر، يبدأ في مراكمة أمراض شيخوخة مزمنة عند منتصف العمر، مثل: أمراض القلب والأوعية الدمويّة، أمراض التنكسيّة للجهاز العصبيّ أو السرطان. هذه الأمراض أو المضاعفات المتعلّقة بها، ستحسم أمر كلّ إنسان عاجلًا أم آجلًا. لكن المجموعة الفريدة الّتي تتراوح أعمارها بين 100 وما فوق تنجح في الإفلات منها بشكل أفضل من غالبيّة الناس. هل هو مجرّد حظ، أم أنّهم عاشوا في بيئة معيشيّة مريحة بشكل خاصّ واتّبعوا عادات سليمة؟ أم أنّ التكوين البيولوجيّ لديهم مميزٌ ويُمكِّنهُم من العيش عمرًا طويلًا؟
في دراسة نُشِرت مؤخّرًا قام الباحثون لأوّل مرّة بوضع سلسلة كلّ المادّة الوراثيّة ل-81 رجلًا وامرأة من جميع أنحاء إيطاليا، حيث تتراوح أعمارهم بين 105 وما فوق. تمّت مقارنة النتائج مع مجموعة ضابطة لديها ذات التوزيع الجغرافيّ، متوسّط أعمارها يساوي 68 عامًا، وذلك بهدف إيجاد تسلسلات جينيّة تميّز أصحاب المعمّرين مقارنة بالسكّان ذوي الأعمار العاديّة. افترض الباحثون أنّ في حال وجود خصائص جينيّة مميّزة لدى مجموعة "الشيخوخة الفائقة"، فقد تكون جينات مرتبطة بآليّات بيولوجيّة تساعدهم في الوصول إلى هذا الجيل المتقدم.
الظروف التي تُمكن المعمّرين من الوصول إلى سن 105 عامًا وما فوق ما زال يكتنفها الكثير من الضبابيّة. مناطق فيها سن 100 هو الـ80 الجديد. الرسوم البيانيّة: Statista
مجدّدو الطبيعة
نجح الباحثون في رصد وتحديد عدّة جينات التي كانت أكثر شيوعًا عند مجموعة الكبار في السنّ مقارنة بالمجموعة الضابطة. هذه الجينات لم تكن ذات صلة بأمراض شيخوخة معيّنة، بل كانت مرتبطة بآليّات إصلاح الحمض النوويّ DNA. إحدى الفرضيّات الشائعة المتعلّقة في سيرورة الشيخوخة بأنّها ناتجة عن تراكم أضرار في الحمض النوويّ DNA. تحدث هذه الأضرار طوال الوقت وفي كل أنحاء الجسد وتسبّب طفرات - وهي عبارة عن تغييرات في المواد الوراثيّة للخلايا. لدى خلايا الجسم آليّات متخصّصة في إصلاح هذه الأضرار، ولكن مع مرور الوقت تتراكم أضرار لم يتمّ إصلاحها والتي تحُفّز نشوء أورام سرطانيّة، شيخوخة الخلايا وأضرار سلبيّة أخرى. وفي حال صحّة هذا الإفتراض، فإنَّ توفّر آليّات ناجعة لإصلاح أضرار الDNA قد تنجح في تحسين فرص الإنسان للوصول إلى سنّ الشيخوخة بصحّة جيّدة.
لتأكيد هذا الادّعاء، فحص الباحثون مدى شيوع هذه الطفرات في عيّنات DNA مأخوذة من أشخاص يبلغون من العمر، 100 عامٍ وما فوق، و قارنوها بالمجموعة الضابطة. نظرًا لأنّ الطفرات تتراكم بشكل متواصل طوال الحياة، من المنطقيّ أنّ نتوقّع وجود طفرات أكثر لدى الأشخاص الأكبر سنًّا. لكن وجد الباحثون أنّ عدد الطفرات في خلايا كبار السن المعمّرين مشابهة للمجموعة الضابطة، وفي حالات معيّنة أقلّ حتّى. يعزّز هذا الاكتشاف الفرضيّة التي تنصّ بأنّ المعمّرين قادرون على مواجهة أضرار الـ DNA بشكل أفضل من باقي البشر.
على الرغم من النتائج المثيرة للاهتمام، علينا التعامل معها بحذر. يجب أن نأخذ بالحسبان، أنَّ نسبة البالغين من العمر 105 عامًا وما فوق من مجموع السكّان هو قليلٌ جدًّا، ممّا يصعب عمليّة جمع عيّنة كبيرة بشكل كافٍ لإجراء الأبحاث. مع ذلك، يُقدِّم البحث أدلّة مهمّة تُظهر مدى دور آليّات إصلاح الحمض النوويّ DNA في إطالة العمر، والتي يُمكن اعتبارها بداية مهمّة لأبحاث مستقبليّة يمكن فحصها بشكل دقيق.