في تجربة أجريت في الولايات المتّحدة، خُفضت حرارة أجسام أشخاص مصابين إلى 15 درجة مئويّة، في إجراء قد يتيح إطالة مدّة العلاج في حالات الطّوارئ ويزيد من احتمال بقاء المصابين على قيد الحياة

الحفاظ على درجة حرارة الجسم الطّبيعيّة، الّتي هي أقلّ بقليل من 37 درجة مئويّة، هو إحدى أهمّ الوظائف الّتي يؤدّيها جسم الإنسان. وتُعتبر الرّقابة الدّقيقة على حرارة الجسم ضروريّة لنشاط الآليّات الخلويّة، ما يجعل حتى التغييرات البسيطة ذات تأثير واسع.

مع ذلك، يمكن لجسم الإنسان أن يبقى سليمًا لفترة قصيرة بدرجة حرارة أقل من  العادة. منذ التسعينات، بدأ أطبّاء بتطبيق الإجراء الطبّي الذي فيه يتمّ "وقف تدفّق الدّم لدى انخفاض درجة الحرارة"، حيث يتمّ ضخّ دم المريض عن طريق المَجازة القلبيّة الرّئويّة (جهاز القلب والرئتَين) الّتي تعمل على تبريده. يؤدّي التّبريد إلى انخفاض كبير في وتيرة نبض القلب، إلى حدّ قصور القلب، ممّا يعني أنّ القلب لا يعود قادرا على ضخّ ما يكفي من الدّم إلى أعضاء الجسم بقواه الذاتية. تعوّض المجازة القلبيّة الرّئويّة ذلك وتقوم هي بضخّ الدّم، ولكن عند الحاجة يمكن للجرّاحين إيقاف عمل المضخّة لوقت محدود.

يلجأ الأطبّاء إلى هذه الطّريقة في الحالات التي تتطلّب جراحة في الأوعية الدّمويّة، حيث يعيق تدفّق الدّم فيها إجراء العمليّة الجراحيّة. بالإضافة إلى ذلك، فهي قد تساعد في بعض العمليّات الجراحيّة للدّماغ، إذ يعيق الدّم فيها مشاهدة ما يحدث داخل هذا العضو الحسّاس.
 

التّبريد في حالات الطّوارئ

أحد أكبر التّحديات الّتي تواجه الأطبّاء في غرف الطّوارئ وغرف العمليّات هو علاج الأشخاص الذين تعرّضوا لحادث خطير وفقدوا الكثير من الدّم، وكذلك الّذين أصيبوا بسكتة قلبيّة. في مثل هذه الحالات، على الأطباء إعطاء المصاب علاجا منقِذا للحياة أو إدخاله إلى عمليّة جراحيّة خلال دقائق معدودة، قبل أن تبدأ أعضاؤه بالتلف بسبب نقص في تروية الدّم. مع ذلك، فإنّ فرص بقاء المريض على قيد الحياة لا تتجاوز الخمسة في المئة.

تمكّن مؤخّرًا الطّبيب صموئيل تيشرمان (Tisherman) وزملاؤه في المركز الطبّي التّابع لجامعة ماريلاند من القيام بعمليّة تبريد سريعة لأجسام المصابين بصدمة جسديّة، الأمر الّذي يوفّر للجرّاحين ما يقارب ساعتين ثمينتَين لإنقاذ حياة المصابين. تشمل هذه العمليّة، الّتي تسمّى "التجميد والإنعاش الطارئ"، تبريدًا سريعًا للجسم إلى 15 درجة مئويّة فقط، باستخدام المجازة القلبيّة الرّئويّة الّتي تقوم باستبدال الدّم في الجسم بمحلول فسيولوجيّ بارد جدًّا. حين تكون درجة الحرارة منخفضة، تستهلك خلايا الجسم كمية أقلّ من الأكسجين، ما يمكّنها من العمل دون تدفّق دم ويتيح للمحلول الفسيولوجيّ استبدال الدّم حتى نهاية العلاج الطبّي. في هذه الحالة، تتم تهدئة النشاط الدماغيّ للمصاب، ويمكن فصله عن الجهاز ونقله إلى غرفة العمليّات لمدّة ساعتين. بعد ذلك، تتمّ تدفئة جسم المريض وينبض قلبه من جديد بوتيرة منتظمة.

أجريت تجارب مشابهة في الماضي على كلاب وخنازير لتحديد درجة حرارة التّبريد المثلى، الوتيرة التي يجب أن يُضَخّ فيها المحلول الفسيولوجيّ، وغير ذلك. وقد نشر تيشرمان مخطّط التّجربة، الّذي يشمل مقارنة بين عشرة معالَجين خضعوا لهذا العلاج وعشرة آخرين لم يخضعوا له. كيف يمكن للأطبّاء اختيار من سيُعالِجون ومَن لن يُعالِجوا؟ ببساطة، عندما يتواجد الأطبّاء الّذين يجيدون إجراء العمليّة في المستشفى، سيتم إجراؤها. وحين لا يكونون موجودين، لا يتمّ الإجراء.

ניתוח חירום | צילום אילוסטרציה: Science Photo Library
التّبريد يوفّر للجرّاحين قرابة الساعتين لإنقاذ حياة المصابين. عمليّة طارئة| الصّورة التّوضيحيّة: Science Photo Library

 

تمّت الموافقة على هذه التّجربة من قِبل إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة (FDA). ولكن بما أنّ العمليّة يُفترَض أن تُجرى لمصابي الصّدمات، لا يمكن للأطباء عادةً طلب موافقة المصابين على إجرائها. لذلك، قام المستشفى بمناقشة الموضوع مع المجتمع المحلي ونشر النقاش في وسائل الإعلام، حتّى يتمكّن الأشخاص الذين يرفضون الخضوع لعمليّة "التّجميد" في حالات الطوارئ طلب ذلك مسبقًا. أي أنه بعكس معظم التجارب، حيث يوقّع المشترك على استمارة موافقة، فهنا سيتمّ العلاج بهذه الطّريقة إلّا إذا وقّع الشخص المصاب على استمارة رفض لهذا العلاج مسبقًا. ويأمل تيشرمان وزملاؤه نشر نتائج التجربة التي تشمل 20 مصابًا حتّى نهاية العام.

 

 

 

الترجمة للعربيّة: د. ريتا جبران
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
التدقيق العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس

 

0 تعليقات