أكثر صلابة من الألماس

هيكل نادر

تعرّفوا على BC8: هيكل بلّوريّ نادر، لم يتمّ رصده حتّى الآن سوى في عنصرَين على الأرض: الجرمانيوم والسيليكون. على الرّغم من التشابه الكيميائيّ للكربون مع هذين العنصرَين، إلّا أنّه لا يميل إلى تنظيم نفسه في هكذا هيكل، على الأقلّ في البيئة المألوفة لنا في عالمنا. ومع ذلك، فمن الممكن أنّه وفي أعماق الكواكب البعيدة، خارج نظامنا الشمسيّ، قد توجد ظروف متطرّفة من الضغط ودرجة الحرارة، يفقد خلالها الألماس استقرارَه وتضطرّ ذرّاتُهُ إلى ترتيب نفسها في هيكل جديد ذي استقرار أكبر. المادّة المستقرّة هي المادّة الّتي تظلّ قويّة عند ممارسة الضّغط عليها، كما أنّه يجب أن تكون أيضًا ذات استقرار ديناميكيّ حراريّ، أي إنّه في كلّ مرّة يحدث تغيير طفيف في بنية نظامها، فإنّ النّظام يعود إلى توازنه من جديد- إلى حالته الأوّليّة.

بشكل عام، يمكن العثور على الكربون في عدّة تآصلات (أشكال/ أطوار)، أي حالات للمادّة. الألماس هو أحد متآصلات الكربون، حيث تكون كلّ ذرّة من الكربون في وسط رباعيّ الأسطح، محاطة بأربع ذرّات من الكربون، مرتّبة في هيكل ثلاثيّ الأبعاد لهرم ثلاثيّ. شكلٌ آخر من أشكال التنظيم هو الجرافيت، تكون فيه شبكات مسطّحة من ذرّات الكربون فوق بعضها البعض في طبقات، مع روابط قويّة بين الذّرات المجاورة، وروابط ضعيفة بين الطبقات. هناك شكلٌ آخر مشهور من الكربون، يدعى الجرافين- وهو أدقّ مادّة معروفة في العالم، تتكوّن من طبقة واحدة من الجرافيت، وقد فاز مكتشفوها بجائزة نوبل للفيزياء عام 2010. أشكال الكربون الأخرى هي الفوليرين، والكربون اللابلّوريّ، والأنابيب النانويّة الكربونيّة.

بحسب الفيزيائيّ جون إيجيرت (Eggert)، أحد كاتبي المقال، فإنّ ثبات الألماس وصلابته نابعان من كون البنية رباعيّة الأسطح مناسبة بشكل مثاليّ لترتيب الإلكترونات المتاحة لتكوين رابطة كيميائيّة في ذرّة الكربون. يحتوي الكربون على أربعة من هذه الإلكترونات، وهي أيضًا مرتّبة بصورة رباعيّة الأسطح.

مكعّب من الذّرات

نأتي هنا إلى هيكل BC8، أو "البنية المكعّبة مركزيّة الجسم"، وهي بنية مكوّنة من تسع ذرّات، ثمانٍ منها مرتّبة في رؤوس المكعب والتاسعة في وسط ذلك المكعّب. أي إنّ كلّ ذرّة محاطة بثماني ذرّات متجاورة، ترتبط ببعض منها وببعضها الآخر لا ترتبط. هذا الهيكل هو مبنى أقلّ بساطة من الشكل رباعيّ الأسطح، ولكنّه في بعض الحالات من المفترض أن يكون أكثر استقرارًا.

تمّت ملاحظة هذا الهيكل، كما ذكرنا سابقًا، في الجرمانيوم والسيليكون، وبما أنّهما، مثل الكربون، لديهما أيضًا أربعة إلكترونات حُرّة لتكوين روابط كيميائيّة، فهناك سبب للاعتقاد بأنّ الكربون لديه القدرة أيضًا على أن ينظّم نفسه في مثل هذا الترتيب. إنّ عمليّات المحاكاة الكموميّة المبنيّة على الديناميكيّات الجزيئيّة- أي تتبُّع شكل تنظيم الذّرات مع مرور الوقت- قدّمت الدليل المطلوب على ذلك. ولأجل ذلك؛ توجّب على الباحثين استخدام حاسوب فرونتير العملاق (Frontier) فائق السّرعة، الّذي يعتبر أسرع حاسوب في العالم اليوم للأغراض الحسابيّة.

حتّى الآن، فشلت محاولات صنع هيكل BC8 اصطناعيّ في المختبر بشكل تامّ. يوضّح الفيزيائيّ إيفان أولينيك (Olyenik) من جامعة جنوب فلوريدا، والّذي كان أحد روّاد البحث النظريّ لهذا الهيكل المفترض، أنّ عمليّات المحاكاة تُظهر أنّ طور أو شكل "ما بعد هذا الألماس، يحدث فقط في نطاق ضيّق من الضغوط العالية ودرجات الحرارة العالية. أي إنّ التجارب الحاليّة الّتي تُجرى في المختبر العادي على الكرة الأرضيّة، لا تستطيع إيصال ذرّات الكربون إلى مثل هكذا ظروف".

لذا، في الوقت الحاليّ، يظلّ الشّكل غير المألوف والغريب للكربون مجرّد تنبّؤات تقريبيّة. من الممكن أن يتحقّق صنعه يومًا ما، ربّما حينما يخرج الإنسان خارج حدود النّظام الشّمسيّ، بحثًا عن أماكن جديدة للاستيطان بها.