يدلُّ الموقعُ الّذي اكتُشِفَ بالقربِ من رام الله والّذي يحوي دلائلَ نادرةٍ من آثارِ الدّيناصوراتِ على بُنيةِ السّطح في العصر الطّباشيريّ السُّفليّ

تمّ في الآونة الأخيرةِ اكتشافُ دلائلَ أخرى على وجودِ الدّيناصورات في بلادِنا في العصورِ القديمة. فقد اكتُشفَ موقعٌ قربَ مدينةِ رام الله فيه أحافير لآثار خلّفَتها، على ما يبدو، أقدامُ ديناصورات. هذا هو الموقعُ الثاني الّذي تمّ اكتشافه حتّى الآن غربيّ نهرِ الأردن، وقد وردت تفاصيل عنه في مقالٍ شاركَ في كتابته باحثون من السُّلطةِ الفلسطينيّةِ وبريطانيا والولاياتِ المتّحدة وألمانيا ونُشرَ في مجلّة Historical Biology .

اكتشفَ عبدالله عويس، الباحث في قسمِ الجغرافيا والتخطيطِ العمرانيّ المدنيّ في جامعة القدس في شرقي مدينةِ القدس وهو أحدُ مُؤلّفي الدّراسة، هذا الموقع. اكتُشفَ الموقعُ في ساحةِ بيتٍ في مدينةِ البيرةِ المجاورةِ لمدينةِ رام الله وسُمِّيَ الإرسال، باسم المنطقةِ الّتي يتواجد فيها البيت. دُمغَ الأثرُ في السطحِ الخارجيّ لصخرةٍ جيريّة ترسّبت في قاعِ بحرٍ ضحلٍ قبل حوالي 100 إلى 110 مليون سنةٍ خلال العصرِ الطّباشيريّ السّفليّ (المُبكّر، Early Cretaceous).

מסלולי העקבות באתר | צילום: עבדאללה אוויס מתוך מאמר המחקר
يُخمِّنُ الباحثون أنّ الثّقوبَ (الفجوات) المستديرةَ الموجودةَ على مُسطّحِ الصّخرةِ الجيريّةِ هي آثارُ أقدام ديناصورات. في الصورة: مسارات الآثار في موقع الإرسال | تصوير: عبد الله عويس، أُخذت الصورة من المقال الخاصّ بالبحث. 
 

الآثار في وادي زيتا

ينضمُّ هذا الموقع إلى موقعِ آثارِ الدّيناصوراتِ الشّهير في وادي زيتا (بيت زايت) والّذي يبعُدُ عنه 17 كيلومترًا فقط والّذي حُفِظَ في طبقةٍ صخريّةٍ شبيهةٍ لها نفسُ الجيلِ الجيولوجيّ. وقَعت بلادُنا وَجاراتُها في هذه الفترةِ تحتَ سطحِ الماء فوق الجرف القارّيّ تحت المائيّ في الأطرافِ الجنوبيّةِ لِبحر التيش القديم. حُفظت الآثارُ في موقعِ الإرسال على شكلِ فَجواتٍ مُدَوّرةٍ ذات شكلٍ عامٍّ جدًّا لا يتيحُ التحقُّق من هويّةِ الحيوانِ الّذي دمَغها أو تحديدَ كيفيّةِ تكوّنها، ذلك بخلافِ آثار وادي زيتا الّتي حُفظَ فيها مخطّطٌ واضحٌ لكفّاتِ القَدَمَيْن وفيه ثلاثُ أصابع أماميّة، مثلَ ما للطيورِ الّتي نعرفُها. يمكن أن تتكوّن مثلُ هذه "البصماتِ" لِلقدمين عند المشي على أرضيّةٍ ليّنةٍ وعميقة. تنزلقُ جدرانُ البصمةِ إلى الدّاخلِ بعد أن يسحبَ الحيوانُ قدمَه من الوحل، وتملأ الجزءَ السفليّ منها وتتلاشى حدودُها الخارجيّة. 

يمكن أن تتكوّنَ مثلُ هذه الفجوات نتيجةً لعواملَ مختلفة. جحورُ الحيواناتِ مثلًا، أو حفريّاتُ الأسماكِ خلالَ بحثِها عن الطّعام أو عمليّاتُ التَّجويةِ في الطبقةِ الصّخريّة، إلّا أنَّ التفسيرَ الّذي يعتبرُ الفجواتِ الموجودةَ في موقعِ الإرسال آثارَ ديناصورات لا يعتمدُ على شكلِ الفجوةِ الواحدةِ بمفردِها وإنّما على شكلِ انتظامِ الفجواتِ على السّطحِ الصّخريّ: تظهر فجواتٌ كثيرةٌ في مساراتٍ أو بمنظوماتٍ تتكوّنُ من فجواتٍ لها مقاساتٌ متطابقةٌ وأبعادٌ متجانسة. تظهرُ بعضُ هذه المساراتِ بنمطٍ مُتعرِّجٍ رقيقٍ تنتظم فيه الفجواتُ على التتابعِ على جانبَيْ محور الحركةِ، بطريقةٍ تلائمُ نمطَ مشْيِ الحيوانِ الّذي يمشي على رِجلَيْن. 

تمَّ بالإجمالِ التحقُّق من مسارَيْن بدرجةٍ عاليةٍ من الثّقة وثلاثةِ مساراتٍ أخرى بدرجةٍ أقلَّ من الثّقة. يتكوّنُ المساران الموثوقان من 11 و 10 فجوات ويختلفان فيما بينهما بقطرِ الفجواتِ الخارجيّ، 50 و30 سنتيمترًا على التوالي. طولُ الخطوةِ في المسارَيْن (أي البعدُ بينَ كلِّ فجوتَيْن في نفسِ الجانبِ من محورِ الحركة) متقاربٌ ويبلغُ حوالي مترًا ونصف. قد يشيرُ الفرقُ بينَ المسارات، كما يُخمّنُ الباحثون، إلى فَردَيْن مختلفيْن (من الديناصورات) سارا الواحدُ بجنبِ الآخر، إلّا أنّه لا يمكنُ التحقُّق فيما إذا كان هذان فردَين متفاوتَين في الجيلِ من نفس النّوعِ، أو أنّهما ينتميان إلى أنواعَ مختلفةٍ وقد تقاسما معيشتهما في نفسِ الرُّقعة. 

استنتجَ الباحثون من خلال تحليلِ خصائصِ الآثارِ أنَّها قد تكونُ لِديناصوراتٍ من شُعبةِ وحشيّاتِ الأرجل - الثيروبودا (Theropoda) الّتي تطوّرت منها الطّيورُ، أو من سلسلةِ طيريّاتِ الوِرك (Ornithischia). للمقارنة، يُفترضُ أنّ الآثارَ في وادي زيتا (بيت زايت) دمَغَها ديناصورٌ شبيهٌ بالنعامةِ من شعبةِ الثيروبودا. يبلغُ طولُ خُطوةِ ديناصور وادي زيتا أقلّ قليلًا من المترِ ونصفِ المتر، ويُقَدّرُ ارتفاعُهُ بمترين ونصفِ المتر. إذا فرضنا وجودَ علاقةٍ طرديّةٍ بين طولِ خطوةِ الحيوانِ وبين ارتفاعِ جسمِه، يمكننا أن نُخمّنَ أنّ هذا هو ارتفاعُ الدّيناصوراتِ الّتي تركت "بصماتِها" في موقعِ الإرسال.

תקריב של שתי גומות | צילום: עבדאללה אוויס מתוך מאמר המחקר
يدلُّ طولُ خطوةِ الحيوانِ الّذي دمغَ الآثارَ على أنّ ارتفاعَ جسمِهِ يبلُغُ مترين ونصف المتر. صورةٌ عن قُرب لفجوتيْن من موقعِ الإرسال | تصوير: عبدالله عويس مأخوذ من مقالِ البحث

لمن تعودُ هذه الآثار؟

ما الّذي يمكنُ أن نتعلّمَهُ من موقعِ الآثار الّذي تمّ اكتشافُهُ مُؤخّرًا؟ يصعبُ ويكادُ يكونُ من المستحيلِ أن نستنتجَ أيَّ شيءٍ عن الحيواناتِ الّتي داسَت على الوحلِ القديم بحدِّ ذاتها. معَ ذلك، تقُصُّ علينا حقيقةُ وجودِ الآثار على الصّخرِ الجيريِّ، بالإضافةِ إلى الموقع في وادي زيتا المجاورةِ، شيئًا ما عن البُنيةِ السَّطحيّةِ القديمةِ للمنطقة. يُشيرُ بقاءُ آثارِ الحيواناتِ البرّيّةِ على سطوحِ الطبقاتِ الصّخريّةِ البحريّةِ في جبالِ الخليل إلى أنّ المياهَ فوقَ الجرفِ القارّيّ المغمورِ كانت، خلالَ فتراتٍ معيّنةٍ في أواخرِ العصرِ الطّباشيريّ السُّفليّ على الأقلّ، ضحلةً بما يكفي لإتاحةِ سَيْرِ الحيواناتِ الكبيرةِ مسافةً بعيدةً عن الشاطئ قد تصلُ بضعةَ كيلومتراتٍ داخلَ البحرِ في بحثها عن الطّعام.

אתר בית זית | צילום: רועי פרידמן, האוניברסיטה העברית
مُخَطّط القدمين بثلاث أصابعَ أماميّة. موقع وادي زيتا | تصوير: روعي فريدمان، الجامعةُ العبريّة
 

هذه هي المرّةُ الثّانيةُ الّتي يتمُّ فيها اكتشافُ رموزٍ لوجودِ الديناصورات في بلادِنا. تثيرُ قِلّةُ مثلِ هذه الدّلائل الدّهشةَ إذا أخذنا بالحسبانِ الثروةَ الجيولوجيةَ الكبيرةَ الّتي تنعمُ بها المنطقة، والّتي تتجلّى، بالإضافةِ إلى أمورٍ أخرى، في مجموعةٍ متكاملةٍ من الأحفوريّاتِ بالغةِ التنوُّعِ من الزواحفِ البحريّةِ وحتّى التيروصورات، وهي الزواحف ذات الأجنحةِ الّتي تشبهُ الدّيناصوراتِ إلّا أنّها لا تُعدُّ منها. نعرفُ الآن، بفضلِ هذه النتائج أنّ الدّيناصورات سارت بالتأكيدِ هنا على أقدامها. من المحتمل أنّ اكتشافَ أوّلَ هيكلٍ ديناصوريّ في المنطقةِ ليس إلّا مُجرد مسألة وقتٍ فقط. قد لا نكون بحثنا عن هذه الهياكل تحت الصّخرةِ الصحيحةِ. 

0 تعليقات