سنتعلم من هذه التجربة كيف نقلب علبة مشروب مليئة بالماء بدون أن ينسكب الماء منها، ومن دون إغلاق فتحتها بأية سدادة.
المواد والأدوات
- علبة مشروب فارغة
- ماء
مجرى التجربة
بإمكانكم مشاهدة مجرى التجربة في مقطع الفيديو التالي:
شرح
تفسير مجرى هذه التجربة مطابق للتفسير الذي عرضناه في تجربة سابقة قمنا فيها بتغطية كأس بشريحة من الورق، ثم قلبناها، و لم ينسكب الماء الذي فيها. ما يختلف في هذه التجربة هو أن الشرائط الفلزية للسان فتح العلبة حلّت مكان ألياف الورق.
ينقسم تفسير الظاهرة التي نشاهدها إلى قسمين: التوتر السطحي للماء، وضغط الهواء الذي يؤثر على السائل.
ظاهرة "التوتر السطحي" موجودة في جميع السوائل، حيث تُكَوّن جسيمات السائل الأساسية (الذرات أو الجزيئات) غشاءً دقيقًا على سطحه. يتكون التوتر السطحي في المناطق الحدودية التي يلامس فيها السائل الهواء أو الجدران المحيطة به، أي من فوقه ومن حوله ومن تحته. يمكن تصوره كصفيحة مطاطية غير مرئية تغطي السائل.
كما بيَّنا في تجربة الملقط العائم، التي قمنا فيها بتعويم ملقط من الحديد الثقيل على سطح الماء، فإن هذا الغشاء الدقيق يُمكنه الصمود أمام ضغوط ليست صغيرة من دون أن يتمزق، وعلى الرغم من ذلك، يتم اختراقه في اللحظة التي يكون الضغط المؤثر عليه قويًّا إلى حَدٍّ كافٍ. كلما كبُرَ سطح الماء ازداد احتمال اختراق الغشاء، لأن أية حركة، ولو كانت خفيفة للغاية، ستؤدي إلى تشويه شكله الأملس و"تكسره". كما توجد أسباب فيزيائية أخرى، سنتطرق إليها في الحال.
عندما نملأ علبة بالماء ثم نقلبها، تؤثر على التوتر السطحي للماء، عند فتحة العلبة، قوتان متعاكستان. قوة جاذبية الكرة الأرضية تؤدي إلى أن يؤثر الماء بالضَّغط الى الأسفل، ولكن في اللحظة التي يبدأ فيها الماء بالتحرك من العلبة المليئة إلى الأسفل، حتى وإن كانت الحركة خفيفة جدًّا ولا تتعدى جزءًا بسيطًا جدًّا من المليمتر، ينخفض الضغط في العلبة، وذلك لعدم دخول أية مادة تحتل مكان الماء الذي قد خرج منها. هكذا يزداد حجم الهواء "المحبوس" داخل العلبة ويصبح الضغط داخل العلبة أقل من ضغط الهواء الخارجي، تتوقف حركة الماء (الضغط الخارجي للهواء يدفع الماء من الأسفل) - والماء لا ينسكب.
هذا ما يحدث، بالضَّبط، في التجربة التي عرضناها في وقت سابق - كيف نقلب كأس الماء من دون أن ينسكب الماء منها، ولكن في هذه التجربة يقوم التوتر السطحي للماء بوظيفة قطعة الورق الكرتوني التي تغطي الكأس وتقفلها بإحكام فتمنع دخول الهواء إليها - وهكذا لا يتمكن الماء من التسرب إلى الخارج.
نرى في هذه التجربة أنه عندما تكون فتحة العلبة أكبر من مقدار معين (عندما تكون العلبة مفتوحة بالكامل)، فإن قوة التوتر السطحي لا تكفي للتغلب على قوة الجاذبية، يدخل الهواء إلى العلبة ويُمَكّن الماء من التّسرب إلى الأسفل. يمكننا أن نفهم هذه الظاهرة إذا تخيّلنا وعاءَ ماءٍ كبيرًا مختومًا بصفيحة مطاطية من بالون. يلعب المطاط في هذه الحالة دور التوتر السطحي: إذا كانت الفتحة كبيرة، يُمكن أن يتمدَّد المطاط ويتمزق، لكن، إذا قمنا بدعم المطاط بشبكة من الحديد، أو ببعض القطع الخشبية، فمن الأرجح أنَّه سيصمد (مثل لسان العلبة الذي يدعم التوتر السطحي) لأن الشبكة ستُقوّيه.
من ناحية فيزيائية صرفة، يمكننا القول إن التوتر السطحي يتعلق بطول مقطع تلامس الماء مع جدران الفتحة (طول محيط الفتحة)؛ كلما كبرت الفتحة أو محيطها بمقدار معين ازدادت مساحة الفتحة بشكل تربيعي (أي إذا ازداد المحيط بثلاثة أضعاف، فإن المساحة تزداد بمقدار تسعة أضعاف) وتتضاعف القوة التي يؤثر بها الماء على التوتر السطحي بنفس النسبة (أي بشكل تربيعي). لذلك، فإنه عند مقدار معين، تصبح القوة التي يؤثر بها الماء إلى الأسفل على فتحة العلبة أقوى من القوة الرادعة التي يؤثر بها التوتر السطحي، وعندها لا يصمد التوتر السطحي أمام الضغط ويتم اختراقه.
يمكن تمزيق التوتر السطحي إذا قمنا بهز العلبة أو وخزها كما نقوم بوخز البالون المطاطي - أنتم مدعوون لممارسة ذلك بأنفسكم - وسنرى أنه سيتم اختراقه وسوف يدخل الماء والهواء من خلاله. انتبهوا إلى أن التوتر السطحي، بخلاف المطاط، يلتئم وينغلق عندما يستطيع ذلك، لأنه ليس صفيحة حقيقية، ولكنه، ببساطة،عبارة عن ظاهرة فيزيائية تتكون من تلقاء ذاتها في مساحة سطح السائل.
الترجمة للعربيّة: خالد مصالحة
التدقيق اللغوي: خالد صفدي
التدقيق العلمي: رقيّة صبّاح