تشير معلومات حديثة إلى أنّ الموادّ الّتي تُبَخّ في فتحتي الأنف يمكن أن تعيق فيروس الكورونا. في الواقع، يمكننا القوْل نّها غير ضارّة

نُشرت مؤخّرًا الكثير من التّقارير حول بخّاخات أنفيّة خاصّة لمنع الإصابة بالعدوى الفيروسيّة في الشّعب الهوائيّة. على الرّغم من عدم ذكر ذلك مباشرةً، تشير المعلومات أحيانًا إلى أنّه يمكن استخدام البخّاخ علاجًا وقائيًّا ضدّ فيروس الكورونا SARS-CoV-2، أيّ مسبّب الوباء COVID-19 الّذي نحاربه هذه الأيّام. إنّ المادّة الأساسيّة الّتي تتكوّن منها البخّاخات هي (hydroxypropyl methylcellulose (HPM. هو بوليمر - أي جزيء يتكوّن من سلسلة طويلة من الوحدات المتكرّرة- وله العديد من الاستخدامات في صناعة الأغذيّة، مستحضرات التّجميل والأدوية. أمّا على أصعدةٍ أخرى، فيستخدم كبديل للجيلاتين الحيوانيّ، كمادّة مثبّتة أو كمادّة غير فعّالة في الأدوية.

ينتَج ال HPMC على هيئة مسحوق أبيض. عند ملامسته  للماء، تدخل جزيئات الماء بين سلاسل البوليمر وتشكّل طبقة هلاميّة (جل)، تمامًا كعمليّة تحضير الجيلاتين من المسحوق. وفقًا للشّركات المنتِجة، فإنّ الطّبقة الهلاميّة تعزل الطّبقات المخاطيّة في الأنف وتمنع الفيروسات من اختراق الجسم من خلالها.

يعتبر الهلام (الجلّ) مادّة خاملة، إذ لا يقوم تقريبًا بأيّ تفاعلات كيميائيّة  مع البيئة. كما يعتبر آمنًا للاستخدام الغذائيّ، فدرجة سمّيّته منخفضة عند دخوله الجسم من خلال البلع (5 ميليغرام لكلّ كيلوغرام من وزن الجسم في اليوم). ووفقًا للشّركات المنتِجة للبخّاخات، فإنّ الاتّحاد الأوروبيّ قد وافق على سلامة المادّة، كما أنّها تفي بمعيار"الأدوات والأجهزة الطّبّيّة" لوزارة الصّحّة الإسرائيليّة. من الجدير بالذّكر أنّ هذه المعايير غالبًا ما تشير فقط إلى سلامة المنتَج، لكنّها  لا تقدّم أيّ معلومة عن فعاليّته.

الهلام ما هو إلّا حاجز موضعيّ 

المشكلة الأولى في مثل هذا العلاج هي أنّه يركّز بشكل أساسيّ على المنخريْن (فتحتيْ الأنف). عندما نستنشق هواءً يحتوي على قطرات فيروسيّة، تعلق بعضها في فتحة الأنف، والبقيّة منها  تستمرّ بالانسياب مع الهواء إلى الرّئتين، المكان الّذي يصيب فيه الفيروس خلايا النّسيج الضّامّ connective tissue. بمعنى أنّه يمكن للهلام أن يمتصّ القطرات المتبقّية في الأنف، ولكن ليس تلك الّتي دخلت للشّعب الهوائيّة. هذا بالطّبع ينطبقُ طالما الهلام نفسه لا يصعّب عمليّة التّنفّس، كما يحدث عند احتقان/ انسداد الأنف. في هذه الحالة لن تفيد البخّخات، لأنّ عمليّة التّنفّس تحدث عبر الأنف. 

وهذا ما ينقلنا إلى مسألة ثانية وهامّة - نحن لا نتنّفس من الأنف فقط، إنّما نستوعب كميّات كبيرة من الهواء أيضًا عن طريق الفم. لذلك، حتّى وإن كان العلاج نفسه فعّالًا ضدّ الفيروسات- ومن غير الواضح بعد صحّة الأمر- فإنّ الحماية الّتي سيوفّرها ستكون جزئيّة فقط. إذا اخترتم استعمال هذه البخّاخات، فحاولوا التّنفّس عبر الأنف فقط، وتجنّبوا التّنفّس العميق الّذي يسمح للجزء الأكبر من الهواء بالانسياب بسرعة في المنخرين وعبور طبقة الهلام.

امرأة تستعمل البخّاخ الأنفيّ | تصوير: grey_and, Shutterstock
لا يوجد أيّ دليل طبّيّ لنجاعة البخّاخ ضدّ فيروسات الكورونا. امرأة تستعمل البخّاخ الأنفيّ | تصوير: grey_and, Shutterstock 

الموادّ المرافقة

تقوم إحدى الشّرك المسوّقة لهذه البخّاخات بإضافة موادّ للمادّة الهلاميّة مثل المنثول ومستخلص الثّوم، لادّعاء المنتجين أنّها تزيد من  فعاليّتها المضادّة للفيروس. على الرّغم من أنّ هذه الإضافات تحوي نخبة من الموادّ الصّحّيّة، لكن لا يوجد أيّ دليل طبّيّ لنجاعتها ضدّ الأمراض الفيروسيّة.

حتّى الآن، من الواضح أنّ المنثول يوفّر الإحساس الموضعيّ بالبرودة، أمّا الثّوم فمن الممكن أن ينفّر من حولك عنك. أُثبتت هذه الموادّ أنّها ذات فعاليّة مضادّة للفيروسات في مستنبت المختبر إلّا أنّ فعاليّتها كانت محدودة في التّجارب على الإنسان ولم تكن النّتائج حاسمة كفايةً. ويبدو أنّ هناك تفاعلًا مباشرًا بين المادّة والفيروس داخل الأنف، لذلك من الممكن أن تكون النّتائج مشابهة لما يحدث في المختبر. بكلّ الأحوال، لا يمكننا معرفة ذلك طالما لم يُجر بحث سريريّ مراقَب على الإنسان.

نقص في الأدلّة

أشارت شركات أخرى إلى أنّ المنتَج يقلّل من مستوى الحامضيّة في الأنف إلى pH 3.5 وبهذه الطّريقة يعمل ضدّ الفيروسات الّتي تحتبس داخل المادّة الهلاميّة. بعض الدّراسات تُظهر بالفعل أنّ البيئة الحامضيّة يمكن أن تقضي على فيروسات الإنفلونزا. ولكن علينا أن نعرف: هل هذا ينطبق أيضًا بما يخصّ  فيروس SARS-CoV-2؟ وهل يتمّ الحفاظ على مستوى الحامضيّة لخمس ساعات الّتي من المفترض أن يكون البخّاخ خلالها فعّالاً، ولا يتأثّر بالظّروف السّائدة في الأنف؟ لم نجد أيّ دراسة أُجريت على البشر، ولا حتّى مقالات علميّة الّتي توجّه الشّركات إليها عبر مواقعها على الإنترنت، يمكنها الإجابة عن هذه الأسئلة.

تقدّم مواقع الشّركات المسوّقة للبخّاخات الأنفيّة أدلّة علميّة قليلة جدًّا على فعاليّة المنتَج الوقائيّة ضدّ الفيروسات. عرضت إحدى الشّركات دراسة أُجريت عام 2007 الّتي قارنت بخّاخ HPMC مع بخّاخ مماثل بإضافة مستخلص الثّوم، إلّا أنّها لم تشمل الدّراسة مجموعة ضابطة. أُجريت الدّراسة على مجموعة صغيرة من النّاس، 52 مشاركًا فقط، وحُدّد مستوى فعاليّة البخّاخ وفقًا لاستبيان طُلب من المشاركين تعبئته عن الأعراض  لمدّة ثمانية أسابيع. وجدت الدّراسة أنّ المنتَج بإضافة الثّوم كان أكثر فعّالًا من البخّاخ العاديّ، ولكن في حالة عدم وجود مجموعة ضابطة، لا يمكننا معرفة مدى فعاليّة الدّواء، هذا وإن كان فعّالًا. كما أنّ قياس الأعراض من خلال تعبئة الاستبيان كان عُرضة للتّحيّز في التّقارير من قبل المفحوصين.

نشرت الشّركة دراستين أخرتين في مجلّات علميّة لم تمرّر للمراجعة من قبل الأقران المهنيّين، ولذلك من الصّعب الاعتماد على مصداقيّتها. كما فحصت دراسات أخرى أعراض الحساسيّة ودلّت النّتائج على مستوى فعاليّة معيّن، إلّا أنّ آليّة عمل البخّاخ هنا مختلفة تمامًا. في علاجنا للحساسيّة، نسعى إلى منع ملامسة مسبّبات الحساسيّة للغشاء المخاطيّ للأنف، بينما نهدف في الأمراض الفيروسيّة المعدية إلى منع الفيروس من الوصول إلى الرّئتين.

حتى إذا أُثبت أنّ البخاخ يساهم في إعاقة فيروسات الإنفلونزا والقضاء عليها، فلا يوجد أيّ دليل أو منشور علميّ يثبت فعاليّته بإعاقة فيروسات الكورونا. تختلف فيروسات الإنفلونزا كثيرًا عن فيروسات الكورونا، ولا يوجد أيّ تأكيد أنّ العلاج الفعّال ضد مجموعة من الفيروسات سيعمل ضدّ مجموعة أخرى أيضًا.  قلّة الدّلائل لم تمنع بعض الشّركات المنتجة للبخّاخات من تزيين غلاف العلبة برسم توضيحيّ لفيروس الكورونا والإشارة في الإعلانات إلى أنّ منتَجهم يعمل ضدّه.

لمعرفة ما إذا كان البخّاخ فعّالًا ضد الكورونا، يجب فحصه قبل تسويقه. قد يبعث هذا الوهم، بأنّ المنتج يوفر الحماية، الاطمئنان لدى مستخدميه. فقد يُخدعون من خلال هذه المنتجات "السّحريّة"  الّتي ما هي إلّا علاج لإيقاف سيلان الأنف، بدون أيّ استناد علميّ، وبالتّالي فهم لا يتّخذون تدابير الوقاية الأساسيّة الفعّالة، مثل التّخفيف من ملامسة الآخرين، الحفاظ على العناية الشّخصيّة، منع التّجمهر ووضع الأقنعة الوقائيّة.

0 تعليقات