كيف تُحَيَّدُ مرارة الباذنجان؟ كيف نُخفِض من امتصاصه كثيرًا من الزّيت؟ وماذا يحدث عندما يلتقي الباذنجان بالملح؟ إليكم الطّريقة العلميّة للحصول على الباذنجان المثاليّ
أوقفتني إحدى صديقاتي في الرّدهة مؤخّرًا وسألتني: "دافنا، لما لا تكتبين عن الباذنجان؟ ما هو سبب مرارته؟ لماذا يمتصّ الكثير من الزّيت؟ و كيف يخفض الملح من قدرته على امتصاص الزّيت؟". لذلك قرّرت أن أسلّط الضّوء هذه المرّة على الباذنجان، الفاكهة (نعم، فاكهة!) متعدّدة الاستخدامات والّتي تتيح لنا تحضير تنوّع ثريّ للعديد من الأطباق الشّهيّة. سنبدأ كعادتنا بوصفة! وهذه المرّة البارميزانا - الباذنجان المخبوز بالفرن مع جبن البارميزان والثّوم.
ماذا نحتاج؟
-
1 حبّة باذنجان كبيرة
-
6 ملاعق صغيرة من الزّبدة المذابة (يمكن استبدالها بزيت الزّيتون)
-
1 كوب من فتات الخبز
-
¼ كوب من جبن البارميزان المبشور
-
¼ نصف ملعقة صغيرة من البابريكا الحلوة
-
½ نصف ملعقة صغيرة من مسحوق الثوم
-
½ نصف ملعقة صغيرة أعشاب التّتبيل
ماذا نفعل؟
-
نزيل طرف الباذنجان ثمّ نقطِّع الباذنجان إلى شرائح سمكها 1 سم، نفرد طبقة واحدة من الشّرائح على مصفاة ونرشّها بالملح ونتركها في المصفاة لمدّة نصف ساعة تقريبًا، ثمّ نغسل شرائح الباذنجان ونجفّفها جيّدًا لإزالة الملح الزّائد.
-
نُذوِّب الزّبدة في الميكروويف في وعاء عميق.
-
نخلط جبنة البارميزان والبهارات في وعاء عميق آخر.
-
نغمس شرائح الباذنجان في الزبدة ثم في خليط فتات الخبز.
-
توضع شرائح الباذنجان المغلفة في إناء مبطّن بورق الخبيز المدهون بالزّبدة.
-
نضبط حرارة الفرن على 200 درجة ونضع الباذنجان لمدّة 15 دقيقة، نقلّبه ونبقيه لسبع دقائق أخرى. عند الانتهاء، يجب أن تكون شرائح الباذنجان ذهبيّة ومقرمشة.
ملك الخضار: "بارميزانا" باذنجان مشويّ مع جبنة بارميزان الصّورة: Davide Zanin Photography، Shutterstock
إمكانيّة أُخرى:
-
نجرّب طهي شرائح الباذنجان في الميكروويف لمدّة خمس دقائق قبل الخبز. نرتّب طبقة واحدة من شرائح الباذنجان على طبق، ونشغّل الميكروويف. كيف تغيّرت بنية الثّمرة؟
-
حاول ألّا تملِّح الباذنجان. هل تغيّر هيكل الثّمرة؟ هل تقلّصت المرارة أم زادت؟
-
جرِّب طلاء شرائح الباذنجان بخليط من البيض وفتات الخبز قبل الخبز أو القلي. هل تغيّر هيكل الثّمرة؟ هل تمتصّ كمّيّة أقلّ من الزّيت؟
والآن إلى الجانب العلميّ
إنّ أكثر أنواع الباذنجان شيوعًا في الأسواق هي ذات اللّون الأرجوانيّ، إلّا أنّه هناك تنوعًا كبيرًا بألوان أصناف الباذنجان الأخرى وأشكالها وأحجامها ومذاقها، فمنها الأبيض والبرتقاليّ ومنها ما يذكرنا شكله بالخيار أو البازلاء أو حتّى البطيخ. لبعض هذه الأصناف مذاق سلس للغاية، بينما تتَّصف أصناف أخرى بمذاق مرّ. أمّا بخصوص امتصاص الزّيت أثناء القلي، فيمكننا الجزم بأنّ جميع الباذنجان تتفوّق في ذلك.
قد يُمَكّنُنا التَعَمُّق بمعرفة مبنى الباذنجان وخصائصه من تعديل طهيه حتّى نحصل على قوام ناعم ودسم أو حريريّ وسلس. لكن إن استخففنا بذلك أثناء الطهي، قد تغدو النّتيجة مختلفة تمامًا: فقد يمتصّ لبّ الباذنجان كلّ قطرة متاحة من الزّيت ليصبح لزجًا ودهنيًّا، وسنحظى في نهاية المطاف على حساء ثقيل ومرهق. حتّى نتعرّف على الباذنجان، سنغوص إلى أحشائه ونفكّك لحمه- الباذنجان طبعًا.
من البنفسجيّ إلى البُنّيّ
يرجع اللّون الأرجوانيّ لمعظم أنواع الباذنجان المتداول في الأسواق إلى عائلة من المواد تعرف باسم الأنثوسيانين (Anthocyanin)، وهي مواد صبغيّة تعطي العديد من الزّهور والنّباتات درجات عدَّة من اللّون الأحمر أو الأزرق أو الأرجوانيّ. يسمّى الأنثوسيانين المسؤول عن اللّون الأرجواني ب-nasunin، نسبةً للكلمة اليابانيّة للباذنجان (nasubi).
تتكوّن مركبات الأنثوسيانين من مجموعات فينوليّة، وعادةً ما يحتوي الباذنجان على العديد من هذه المركّبات. تعرف هذه المواد بالإضافة إلى إضفاء اللّون الأرجوانيّ بأنّها مسؤولة أيضًا عن ظهور اللّون البنّيّ عند تقطيع الباذنجان. فعادةً ما تتلف خلايا الباذنجان أثناء التّقطيع فيتم إفراز إنزيمًا يتسبّب في التحام مركّبات الفينول عديمة اللّون مع الأكسجين الموجود في الهواء وتشكيل مركّبات جديدة بُنّيّة اللّون.
يمكننا الحدّ من ظاهرة سمار الباذنجان بعدّة طرق، كغمس شرائح الباذنجان في ماء مالح أو في ماء يحتوي على عصير ليمون. يُنصح أيضًا بالتّأكّد من أنّ السّكين المستخدم في تقطيع الباذنجان حادّ جدًّا، لإتلاف أقلّ عدد ممكن من الخلايا.
أصناف مختلفة من الباذنجان الصورة: مجموعة متنوعة من الأشكال والأحجام والألوان. أصناف مختلفة من الباذنجان الصورة: Robyn Mackenzie, Shutterstock.
السّيّد باذنجان
تُسمّى مجموعة المركبات المسؤولة عن المذاق المرّ بالقلويدات (Alkaloids). وتتحلّى أصناف قليلة فقط من الخضراوات والبذور، كحبوب البنّ والكاكاو بالنّكهات المرّة، بوجود القلويدات والّتي تُستخدم ضمن وسائل كيميائيّة أخرى للحماية على ثمار هذه الأنواع. فعلى ما يبدو أنّ الغرض من هذه الموادّ هو ردع الحيوانات عن تناول البذور، وكذلك الحفاظ على الفاكهة طازجة ومنع البكتيريا من التّكاثر فيها.
حاول المزارعون على مرّ آلاف السّنين التّقليل من مرارة المحاصيل مثل الباذنجان والخسّ والخيار والملفوف. وفعلًا، فإنّ أصناف الباذنجان الّتي تباع حاليًّا في الأسواق ليست مريرة بتاتًا. ومع ذلك، تحظى أنواع معيّنة من الكرنب أو القرع الآسيويّ بشعبيّة كبيرة بسبب مرارتها على وجه التّحديد. وبالرّغم من شيوع الاعتقاد أنّ الملح يزيل المرارة من الخضراوات لأنّه يُخرج الجزيئات المسؤولة عن الطّعم المرّ مع الماء الّذي يترك الخلايا . إلّا أنّ هارولد ماكجي، مؤلّف كتاب "عن الطّعام والطبخ"، يفنّد هذا الاعتقاد، ويزعم أنّ معظم السّوائل ومعها الجزيئات الّتي تعطي الطّعم المُرّ تبقى داخل الخلايا حتّى بعد التّمليح.
طريقة أخرى لتقليل كمّيّة الزّيت في الباذنجان: الخبز أو الشّواء: باذنجان مشويّ | الصّورة: Anna Shepulova, Shutterstock
السّباحةُ في الزّيت
أبرز ما يميّز الباذنجان هو قدرته العالية على امتصاص الزّيت، الشّيء الّذي يرجع إلى بنيته الاسفنجية. تلتصق الخلايا الموجودة في لحم الباذنجان بالدّهن جيّدًا فتمتلئ الجيوب الهوائيّة بينها بالزّيت. كما تعدّ البنية الأسفنجيّة هي المسؤولة عن فقدان الباذنجان لحجمه خلال الطّهي.
هناك طرق عديدة للتّقليل من خاصّيّة امتصاص الزّيت عند الباذنجان. تستهدف كلّها تغيير مبنى الجيوب الهوائية الاسفنجيّ. على سبيل المثال، يساعد طهي الباذنجان في الميكروويف مسبقًا على انهيار الهيكل الاسفنجيّ، حيث يتبخّر الماء في الخلايا خلال هذه العمليّة؛ فيزداد حجمها إلى درجة كسر البنية الخلويّة، وتتقلّص الجيوب الهوائيّة نتيجة لذلك، لِذا يمتصّ الباذنجان كمّيّة أقلّ من الزّيت أثناء القلي.
وبما أنّ بخار الماء يملأ التّجاويف ويقلّل من امتصاص الزّيت فيها، فهناك أفضليّة لقلي الباذنجان في الزّيت السّاخن - حوالي 180 درجة مئويّة. يتبخّر الماء عند 100 درجة، فيساعد الزّيت السّاخن على ملء الفراغات بين الخلايا ببخار الماء وامتصاص كمّيّة أقلّ من الزّيت.
أمّا الطّريقة الأكثر شيوعًا فهي رشّ الملح على شرائح الباذنجان. تعتمد هذه الطّريقة على ظاهرة الأوسموزا (التّناضح)، حيث ينتقل المذيب (الماء) من محلول يكون فيه تركيز المذاب (الأملاح) منخفضًا إلى محلول أعلى تركيزًا (ملوحة). يزيد رشّ الملح من تركيز الملح خارج خلايا الباذنجان، فيتسبب بِتَقَطُّر السّوائل منها فيقلّ حجم الخلايا بهذا الشّكل. للحصول على الفوائد الكاملة للتّمليح، اترك الباذنجان مع الملح لمدّة نصف ساعة تقريبًا، ثم اغسله وجفّفه جيّدًا.
من الطّرق المفضّلة لجعل لتقليل الزّيوت في الباذنجان هي من خلال شويه في الفرن بدلًا من قليه في الزّيت. تدهن شرائح الباذنجان بالزّيت على الجانبين قبل الشّوي فتمتصّ الزّيت المحيط بها فقط، وبالتّالي يمكننا التّحكّم في كمّيّة الزّيت في الطّبق.
كلّ ما تبقّى الآن هو تسخير العلم لصنع طبق لذيذٍ من الباذنجان من خلال طبخه، قليه، خبزه أو أيّ طريقة أخرى لصنعه، ومن ثمّ الاستمتاع بالنّتيجة الشّهيّة.
بالصّحّة والعافية!