لا يوجد شيء مثل قدر الضّغط لِتليين الطّعام بسرعة وتقطير مذاق ونكهة المطبوخات. العلم من وراء تقصير مُدّة الطّهو في المطبخ
حساء ساخن مشبع بالبخار، بإضافات أو بدون إضافات، هو من الأشياء الّتي تبثّ الدّفءَ في الجسم في الأيّام الباردة، إلّا أنّه قد يستغرق وقتًا طويلًا. يتطلّب تليين جميع المكوّنات وامتصاص جميع المذاقات واكتمال عمليّة الطّهو مدّة طويلة. يمتلئ المطبخ بالرّوائح المغرية خلال عمليّة طبخ الحساء المفعم بِالمذاقات الّتي قد تطول وتطول.
من أجل تقصير مدّة الطّهو، اخترع الباحث والمخترع الفرنسيّ ديني بابين (Papin)، المعروف بأبحاثه في مجال الضّغط والبخار، في القرن السابع عشر، أوّل قدر ضغط. تقلّب اختراعه هذا كثيرًا منذ ذلك الحين وبلغ أوج شعبيّته في خمسينيّات القرن العشرين. تضاءل استخدام قدر الضّغط بعد ذلك بسبب الخوف من انفجاره بتأثير ضغط البخار في داخله، إلّا أنّ قدور الضّغط من الجيل الجديد هي أكثر أمانًا بدرجة عالية، والخطر الذي يكتنف استخدامها يكاد يكون معدومًا. تجدّدت شعبيّة قدور الضّغط بفضل ذلك، علمًا أنّ للطّهو بها حسنات وأفضليّات عديدة. لكن دعونا نقدّم الوصفة أوّلًا : حساء اللّحم بالخضراوات.
حساء ساخن مشبع بالبخار هو من الأشياء الّتي تبثّ الدّفءَ في الجسم في الأيّام الباردة. اِمرأة تدخل الخضار إلى القدْرِ | Shutterstock, Daniel Krason
المكوّنات
-
2 ملاعق زيت زيتون
-
1 كغم لحمة بقر للطّهو المتواصل، مقطّعة إلى مكعّبات
-
ملعقة صغيرة من الملح، أو حسب المذاق المرغوب
-
½ ملعقة صغيرة من الفلفل الأسود المطحون، أو حسب المذاق المرغوب
-
بصلة متوسّطة مقطّعة إلى مكعّبات
-
2 جزرات كبيرة، مقشّرة ومقطّعة إلى مكعّبات
-
2 أوراق سالاري (كرفس) مقطّعة إلى مكعّبات
-
3 فصوص ثوم مفرومة
-
250 غرام فطر مقطّعة أنصافًا
-
3 ملاعق طحين
-
2 ملاعق معجون الطّماطم (البندورة)
-
½ كأس نبيذ أحمر جافّ (يمكن التّنازل عنه)
-
½2 كوب مخزون لحم البقر
-
4 سيقان من الزّعتر الطّازج
-
2 أوراق غار
-
1 بطاطا حمراء مقشّرة ومقطّعة إلى مكعّبات مقاسها 2 سم.
-
2 ملاعق من البقدونس الطّازج المقطّع
الطّريقة
-
نبهّر مكعّبات اللّحمة بملعقة صغيرة من الملح ونصف ملعقة صغيرة من الفلفل. نسخّن زيت الزّيتون داخل قدر الضّغط على نار متوسّطة ونقلي اللّحمة مدّة 6 - 8 دقائق حتّى تتحمّر. نخلط ما في القدر خلال القلي من حين لآخر. نُخرج اللّحمة من القدر ونضعها جانبًا.
-
ندخل البصل والجزر والسّالاري (الكرفس) إلى القدر ونطبخها مدّة 3 - 4 دقائق حتّى تلين. لا ننسى أن نخلط ما في القدر من حين لآخر.
-
نضيف الثّوم والفطر. نخلط من حين لآخر خلال 3 - 4 دقائق حتّى تتحمّر وَتلين.
-
نضيف الطّحين ومعجون الطّماطم ونخلط مدّة دقيقة واحدة حتّى تتحمّر قليلًا.
-
نضيف النّبيذ ونخلط ونكشط قاع القدر خلال الخلط. (يمكن التّنازل عن إضافة النبيذ).
-
نضيف مكعّبات اللّحم المقليّة والزّعتر وورق الغار والبطاطا إلى القدر. نغطّي القدر جيّدًا ونواصل التّسخين حتّى الغليان ثمّ نخفض النّار ونطهو مدّة ثلاثين دقيقة أخرى حتّى يصبح اللّحم طريًّا جدًّا.
-
نُخرج الزّعتر وورق الغار من القدر ثمّ نضيف البقدونس ونُبَهِّر بالملح والفلفل حسب المذاق المرغوب.
الآن إلى العلم
الطّهو بالضّغط طريقة قديمة جدًّا تحظى بالاهتمام المتجدّد بفضل الجيل الجديد من القدور الآمنة. تختلف هذه القدور عن قدور الضّغط القديمة الّتي تعرّضت لخطر الانفجار عند تكدّس ضغط البخار بداخلها. حظيتُ في طفولتي برؤية قدر الضّغط الّذي استخدمته أمّي لتحضير شوربة الفاصوليا وهو يُطَيِّرها (أي الفاصوليا) حتّى سقف المطبخ.
يُعرّف الضّغط بأنّه القوّة الّتي تؤثّر عموديًّا على وحدة مساحة. لذلك، يجب التّأثير بقوّة كبيرة على وحدة المساحة من أجل تكوين ضغط عالٍ عليها، أو تقليل المساحة الّتي تؤثّر القوّة عليها. يتكوّن الغلاف الجوّيّ، مثلًا، من الهواء، ويؤثّر عمود الهواء من فوقنا علينا بضغط عالٍ لا هوادة فيه. نحن لا نشعر بالضّغط الجوّيّ عادةً لأنّه يبقى ثابتًا إلى حدّ ما، وإنّما نشعر بالتغيّرات الّتي قد تحدث عليه. أحد مؤشّرات مثل هذه التّغيّرات هو الشّعور بانسداد الأذُنين عند النّزول بسرعةٍ عالية من مكان جبليّ مرتفع، يسود فيه ضغط جوّيّ منخفض، إلى مرج منخفض، يسود فيه ضغط جوّيّ عالٍ. لقد تكيفَت أجسامنا وأجسام سائر الكائنات الحيّة على سطح الكرة الأرضيّة مع الضّغط الجوّيّ، وهي (أي أجسامنا وأجسام الكائنات الحيّة الأخرى) تؤثّر بقوّة معاكسة كي توازن الضّغط، الأمر الّذي يجعلنا قادرين على مقاومة الضّغط الجوّيّ.
يؤثّر ضغط الهواء على درجة غليان الماء أيضًا، لأنّه يُشكّل القوّة الّتي يؤثّر بها الهواء على الماء. وفقًا للقانون الفيزيائيّ المسمّى بـِ "معادلة الغازات المثاليّة"، تكون القوّة أضعف عندما يكون الضّغط منخفضًا، ويؤدّي ذلك إلى غليان الماء في درجة حرارة أقلّ. لذا فإنّ درجة غليان الماء على جبال القدس، الّتي ترتفع بضعة مئات الأمتار عن سطح البحر، أقلّ منها على شاطئ البحر في تل أبيب - أو في البحر الميّت - المكان الأكثر انخفاضًا على سطح الكرة الأرضيّة.
يعرض الفيديو التّالي تجربة اجتماعيّة تجسّد العلاقة بين الضّغط وبين درجة حرارة غليان الماء:
هذا هو الأساس لما يحدث في قدر الضّغط. الماء، بكلّ بساطة، هو المكوّن السّرّيّ في عمل القدر. تخيّلوا قدرًا مليئًا باللّحم في الماء. ترتفع درجة الحرارة ويبدأ الماء بالغليان عندما يسخن القدر. لا ترتفع درجة الحرارة أثناء الغليان لأنّ كلّ الطّاقة الحراريّة تُستغلّ في تغيير الحالة التّراكميّة للماء، من الحالة السّائلة إلى الحالة الغازيّة - أي البخار. يمكن أن تعود درجة حرارة "الطّبخة" للارتفاع بعد أن يتبخّر الماء كلّه. لذا فإنّ درجة حرارة الطّهْو من على مستوى سطح البحر لن تزيد عن 100 درجة سيلزيوس، ما دام هناك ماء داخل القدر.
المادّة السّائلة الرّئيسة في قدر الضّغط هي الماء، وتتضمّن تعليمات تشغيل قدر الضّغط استخدام حدٍّ أدنى من الماء حتّى وإن كانت كمّيّة الغذاء الّذي يتمّ طهوه قليلة جدًّا. قِدر الضّغط وعاء محكم الاغلاق. يتحوّل جزء من الماء إلى بخار عند تسخين القدر. لا يمكن للأبخرة أن تخرج من القدر فتتجمّع داخله وتزيد من الضّغط الواقع على السّائل فيصبح أعلى من الضّغط الجوّيّ العاديّ. تزداد درجة غليان الماء عند ارتفاع الضّغط الواقع عليه وقد تصل حتّى 120 درجة مئويّة.
يمكن أن تصل درجة الحرارة داخله إلى 120 درجة مئويّة بسبب ضغط بخار الماء المتزايد. في الصّورة: قدر الضّغط | Shutterstock, DeStefano
تحفيز التفاعلات الكيميائيّة
عمليّة الطّهو منوطة عادة برفع درجة حرارة الغذاء الّتي تساعد في حصول العمليّات الكيميائيّة الّتي تؤدّي إلى تغيير طعم الأكل ولونه وملمسه، مثل تفكيك الهيكل العضليّ للّحوم أو تليين النّشا الموجود في الخضار. تزيد درجة الحرارة العالية من سرعة حركة الجسيمات الّتي يتكوّن منها الغذاء والسّوائل والصّلصات الّتي يُطهى فيها. تتعاظم، نتيجة لذلك، وتيرة حدوث التّفاعلات الكيميائيّة في الغذاء الّذي يتمّ طهوُه في قِدر الضّغط حيث تكون أعلى كثيرًا من وتيرة حدوثها في القدر العاديّ، فتزداد سرعة الطّهْو. أضف إلى ذلك أنّ قِدر الضّغط يحافظ على عصيريّة الغذاء، لأنّ الطّهْو يتمّ في بيئة غنيّة بالبخار. يمكن تفسير ظاهرة صعوبة الطّهو عند التّواجد في الأماكن بالغة الارتفاع بالاعتماد على المبدأ نفسه. تنخفض درجة غليان الماء مع انخفاض الضّغط الواقع عليه في الأماكن المرتفعة فتقلّ وتيرة التّفاعلات الكيميائيّة في الغذاء الّذي يجري طهوه. ويحدث العكس عند ارتفاع ضغط الهواء، فيكون الطّهْو في منطقة البحر الميّت أسرع منه في القدس.
إلى جانب حسناته المتركّزة في تقصير مدّة نضج الطّبيخ، توجد سلبيّات لاستخدام قِدر الضّغط. لا يمكن طبخ أنواع الغذاء الّتي تتطلّب فترات مختلفة من الطّبخ مع بعضها داخل قدر الضّغط، لأنّ القدر يجب أن يبقى مقفلًا طوال عمليّة الطّهْو - مثلًا طهو الخضار مع أنواع معيّنة من البقوليّات. كما يتعذّر، للسّبب نفسه، تذوّق الغذاء الموجود داخل القدر محكم الاقفال وفحص درجة طراوته أو تحسين تبهيره.
يمكن، على الرّغم من ذلك، أن يسهم الطّهْو في قدر الضّغط في توفير الطّاقة، في هذا العصر الّذي يحتّم علينا تقليل استهلاكها. يمكن طهْو حساء اللّحم والعديد من أنواع الطّبخات الأخرى والحصول على نتائج ممتازة خلال أقلّ من ساعة إذا استخدمنا قِدر الضّغط، بدلًا من بذل السّاعات الطّوال باستخدام القدر العاديّ. لا توجد في مطابخنا الكثير من الأدوات والأجهزة الّتي تسهم في تعجيل سرعة عمليّة الطّهو وتزيد من نجاعتها كما يفعل قدر الضّغط. كلّ ما يتطلّبه الأمر هو الدّخول إلى المطبخ والطّهْو بالضّغط، لكن بهدوء وارتياح، مع العلم أنّه يمكن التّمتّع بعد قليل من الوقت بطبخة مشبعة بالبخار في يوم بالغ البرودة. بالصّحة والعافية!