لا يشرح العلم كيفيّة اختيار ألذّ بطيخ فقط، وإنّما يفسّر أيضًا مصدر لونه الأحمر الفاتح

عندما أخبرتُ صديقة جيّدة لي من معهد داڤيدسون مؤخّرًا أنّني أريد أن أكتب هذا الأسبوع عن المنعش والرائع في الصيف- البطيخ، بدت محرجة قليلًا. فقالت بتعجّب: "ماذا يمكن أن يُقال عن البطيخ؟ كلّ ما في البطيخ هو الماء والسكّر، أليس كذلك؟".

في الواقع، الرأي السائد هو أنّ البطيخ يتكوّن في الغالب من الماء، ولكن ما لا يعرفه معظمنا على نطاق واسع أنّه يحتوي أيضًا على عناصر غذائيّة بوفرة كبيرة. لذلك، يجب دراسة فوائد البطيخ بعمق. ما هو مصدر طعمه اللذيذ والمنعش؟ على ماذا يحتوي عدا عن الماء والسكّر؟ كيف نختار البطيخ الحلو؟ وما هي علاقته بدواء الڤياچرا (Viagra)؟ 

في الواقع، الإجابات عن هذه الاسئلة أكثر تعقيدًا ممّا تبدو للوهلة الأولى، فخلال العقود الأخيرة قام العلماء بتحديد العشرات من جزيئات المذاق والرائحة الّتي تساهم في المذاق الفريد للفاكهة الحلوة. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي البطيخ على كيمياء مثيرة للاهتمام والّتي تتعلّق، ضمن أمور أخرى، بلونه الأحمر الناريّ وبالطبع رائحته وطعمه. ولكن قبل أن نبدأ، لنرى الوصفة أوّلًا.

 

موس (زبادي) البطيخ وبذور الشيا

ماذا نحتاج؟

  • بطيخ مقطّع إلى مكعّبات بكميّة تكفي للحصول على 4 أكواب من عصير البطيخ

  • ½ كوب بذور الشيا

  • ملعقتان كبيرتان من عصير الليمون

  • لبن

  • إضافات حسب الرغبة: المانچو، الكيوي، النعناع وجوز الهند المحمّص

طريقة التحضير

  1. نقوم بوضع مكعّبات البطيخ في الخلّاط ونقوم بتشغيله حتّى نحصل على 4 أكواب من عصير البطيخ.

  2. نضيف بذور الشيا والليمون إلى العصير، في وعاء متوسّط. نغطّي الوعاء ونضعه في الثلّاجة طوال الليل أو لمدّة 4 ساعات على الأقلّ. خلال هذا الوقت، تنتفخ بذور الشيا ويصبح العصير لزجًا.

  3. نقوم بإخراج الخليط من الثلّاجة، ونسكبه برفق في كوب بارتفاع حوالي 2 سم ونضيف اللبن بارتفاع 2 سم، ونستمرّ في ذلك بالتناوب حتّى يمتلئ الكوب تقريبًا.

  4. نقوم بإضافة الفاكهة المقطّعة أو أيّة إضافات أخرى حسب الرغبة إلى الطبقة العليا.

קוביות אבטיח בממחה | Kittibowornphatnon, Shutterstock
عصير البطيخ- ليس فقط ماء وسكّر. مكعّبات من البطيخ في الخلّاط | Kittibowornphatnon, Shutterstock

والآن ننتقل للعلم

لنبدأ بالسؤال ما إذا كان البطيخ فاكهة أم خضروات؟ نظرًا لأنّ البطيخ ينتمي إلى عائلة القرع؛ فالميل الطبيعيّ اعتباره من الخضروات، ولكنّه في الواقع فاكهة من الناحية النباتيّة. تنمو وتتطوّر الثمرة من المبيض في الزهرة، والّتي تغلّف بذور النبات. عادة يكون للمبيض ثلاث طبقات واضحة: غلاف واقٍ خارجيّ، غلاف واقٍ رقيق داخليّ حول الكتلة المركزيّة للبذور، وبينهما طبقة سميكة وغنيّة بالنكهة.

يمرّ تطوّر الفاكهة بأربع مراحل. أوّلًا تصل حبوب اللقاح الذكريّة إلى البويضة الأنثويّة وتخصبها، وبالتالي يبدأ النبات في إنتاج هرمونات تعزّز النموّ، والّتي تؤدّي إلى توسّع جدار مبيض الزهرة. تليها المرحلة الثانية القصيرة نسبيًّا، والّتي تتكاثر خلالها الخلايا الموجودة في جدار المبيض.

يحدث معظم نموّ الثمرة في المرحلة الثالثة، والّتي تتوسّع فيها خلايا التخزين. ينتج التوسّع عن تراكم الماء والموادّ المُذابة في عضّيّة خاصّة في الخلايا تُسمَّى الفجوة العصاريّة (Vacuole). تُعتبر الخلايا الّتي يُخزَن فيها معظم السائل في الفاكهة من أكبر الخلايا في مملكة النباتات، حيث يمكن أن يصل قطرها في البطيخ إلى حوالي ملليمتر واحد. في هذه المرحلة، تتراكم المركّبات الدفاعيّة، بما في ذلك الليكوپين (Lycopene)، في الفراغات الخلويّة كآليّة دفاع  لردع الحيوانات المفترسة. وأخيرًا، عندما تنضج البذور، تكون الثمار ناضجة وجاهزة لجذب الحيوانات، والّتي بدورها تقوم بنشر البذور عند استهلاكها.

אבטיח גדל על הקרקע | Tricky_Shark, Shutterstock
من الناحية النباتيّة، لا يُعتبر البطيخ من الخضار، بل يُعتبر فاكهة تنتمي إلى عائلة القرع. ينمو البطيخ على الأرض | Tricky_Shark, Shutterstock

ليس مجرّد ماء وسكّر

تتكوّن فاكهة البطيخ من 68% من البطيخ، 2% من البذور و30% من كتلة الثمرة وهي عبارة عن قشرة سميكة. يمكنك أن تأكل كلّ مكوّنات البطيخ بما في ذلك القشرة، فيقوم البعض بتخليلها أو صنع المربّى منها. حوالي 92% من كتلة الفاكهة عبارة عن ماء، وبالتالي يُطلق على البطيخ في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزيّة "Watermelon": بطيخ مائيّ. إضافة إلى  6% من محتوى البطيخ وهي السكّريّات. أمّا النسبة الباقية 2%، والّتي تشمل الفيتامينات والمعادن، فهي مسؤولة عن الخصائص الأخرى للبطيخ. فاكهة البطيخ غنيّة بفيتامين سي "C"، وتحتوي على كميّات كبيرة من فيتامين بي5 "B5" و فيتامين أ "A". كما أنّها مصدر جيّد لأيونات البوتاسيوم والنحاس.

يعتبر لون البطيخ الأحمر من سماته البارزة، ويعود لونه إلى صبغة من عائلة الكاروتين (carotene). يتمّ تصنيع هذه الأصباغ عن طريق البكتيريا، الفطريّات، الطحالب والنباتات الخضراء، وهي بارزة بشكل رئيس في بتلات الزهرة (Petal)، حبوب اللقاح، الفواكه وجذور النباتات مثل الجزر، البطاطا الحلوة، الطماطم والحمضيّات. يمكن رؤيتها بكثرة في فصل الخريف، بأوراق الأشجار المتساقطة. تشارك الكاروتينات في عمليّة التمثيل الضوئيّ في أوراق النباتات الخضراء، حيث تلتقط الطاقة الشمسيّة وتنقلها إلى الكلوروفيل- الصبغة المركزيّة في هذه العمليّة.

توفّر الفواكه والخضروات لنظامنا الغذائيّ 50-40 نوعًا من الكاروتينات المختلفة. أبرزها في البطيخ هو الليكوپين، وهو المسؤول  أيضًا عن اللون الأحمر للطماطم. يتجاوز تركيز الليكوپين في البطيخ عن تركيزه في الطماطم: يوفّر 100 جرام من البطيخ ما يصل إلى سبعة مليغرامات من الليكوپين، مقارنة بأربعة مليغرامات على الأكثر في نفس الكميّة من الطماطم. 

يتمتّع الليكوپين بفوائد صحّيّة على غرار الكاروتينات الأخرى. ضمن أمور أخرى، تبيّنَ أنّه يوفّر بعض الحماية من الآثار الضارّة للأشعّة فوق البنفسجيّة على الخلايا بظروف مخبريّة. تُستخدَم جزيئات الليكوپين أيضًا كمضادّات أكسدة قويّة في النباتات وفي جسم الإنسان.

صوت النضج

أحد الأسئلة الّتي تثير اهتمامنا كمستهلكين للبطيخ هو كيف نختار بطيخًا طريًّا ولذيذًا دون فتحه؟ إحدى الطرق الشائعة هي النقر على قشرة البطيخ والاستماع إلى الصوت الصادر عنه، ما يدلّ على مدى نضجه. يكون صوت البطيخ غير الناضج أعلى بينما يعطي البطيخ الناضج صوتًا أجوف عميقًا يذكّرنا بالطرق على الباب.

هناك أيضًا علامات أخرى على مدى نضج الثمرة. على سبيل المثال، يمكنك إلقاء نظرة على الرقعة الموجودة في أسفل البطيخ، حيث استقرّت الثمرة على الأرض أثناء نموّها. تشير البقعة الصفراء إلى أنّ البطيخ تُرك في الحقل لينضج بدرجة كافية. يكون لدى ثمرة البطيخ الناضجة بقعة صفراء بلون الزبدة على طول بطنها، بينما يكون للبطيخ غير الناضج عادةً رقعة بيضاء اللون. بالإضافة للون الرقعة، يُعتبر وزن البطيخ علامة أخرى لنضج البطيخ. عند مقارنة ثمرتين من نفس الحجم، هناك فرصة جيّدة أن تكون الأثقل بينهما ناضجة أكثر من الأخرى.

في العقد الماضي، احتلّ البطيخ عناوين الصحف بعد الدراسات الّتي قارنت تأثيره في جسم الإنسان بتأثير حبوب الڤياچرا. السبب في ذلك هو مادّة تُسمَّى سيترولين (Citrulline)، يتمّ إنتاجها في الكبد البشريّ، والّتي تتحوّل إلى حمض الأرچينين الأمينيّ في الجسم. يوجد للأرچينين العديد من الأدوار في الجسم، مثل المساعدة في عمليّة إنتاج أحادي أكسيد النيتروجين، والّذي يُحسِّن بدوره تدفّق الدمّ جزئيًّا إلى العضو التناسليّ الذكريّ. نظرًا لأنّ البطيخ يحتوي أيضًا على مادّة السيترولين؛ فقد طُرِحت الفرضيّة بأنّ تناول البطيخ قد يساهم في قوّة الانتصاب المشابهة لحبوب الڤياچرا، ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان السيترولين المشتقّ من البطيخ يعمل في أجسامنا بنفس الطريقة الّتي يعمل بها السيترولين المُنتَج في الجسم. علاوة على ذلك، حتّى لو كان للبطيخ تأثير مشابه لتأثير الڤياچرا، فإنّ كميّات السيترولين في الفاكهة منخفضة، لذلك عليك تناول كميّة كبيرة من البطيخ لتحقيق النتيجة المرجوّة.

הקשה על אבטיח | Adam Melnyk, Shutterstock
طريقة معروفة لاختيار البطيخ الناضج. النقر على قشرة البطيخ | Adam Melnyk, Shutterstock

هل نأكل البطيخ أم لا؟

وأخيرًا، هل من المحبّذ إدراج البطيخ في قائمة طعامنا اليوميّة؟ يحاول الكثيرون عدم تناول البطيخ بسبب محتواه العالي من السكّر، والّذي يشمل الفركتوز، الجلوكوز والسكروز. من أجل فهم كيفيّة تأثير هذه السكريّات فينا بالفعل، يجب فحص مؤشّرَين يتعلّقان بتأثير السكّر في الطعام على مستويات السكّر في الدمّ.

الأوّل هو المؤشّر الجلايسيميّ- مؤشّر نسبة السكّر في الدمّ (Gycemic Index)، والّذي يصف تأثير الأطعمة الّتي تحتوي على الكربوهيدرات، أي السكّريّات البسيطة والمعقّدة، على مستوى السكّر في الدمّ. يُعتبر الجلوكوز الوحدة الأساسيّة في عائلة الكربوهيدرات، ويتمّ امتصاصه بشكل أسرع في الجسم. لذلك؛ يتمّ تحديد الحدّ الأقصى للمؤشّر الجلايسيميّ (100) وفقًا لزيادة كميّة الجلوكوز في الدمّ بعد ساعتين من تناول الجلوكوز الصافي. نقيّ. يتمّ تحديد مؤشّر جميع الكربوهيدرات الأخرى بالمقارنة مع الجلوكوز. تُعتبر القيم الّتي تزيد عن 70 مرتفعة، و 55-69 متوسّطة، وتُعتبر القيمة الأقلّ من 55 مؤشّرًا منخفضًا.

أمّا المؤشّر الثاني، فهو مؤشّر الحمل الجلايسيميّ (glycemic load)، والّذي يُعتبر أكثر دقّة. يقوم هذا المؤشّر بالأخذ بعين الاعتبار كميّة الكربوهيدرات في جزء الطعام الّذي نستهلكه. يُحسب الحمل الجلايسيميّ بواسطة ضرب قيمة المؤشّر الجلايسيميّ بكميّة الكربوهيدرات في الطعام بالجرام، وبعدها قسمة الناتج على مائة. يُعتبر الحمل الجلايسيميّ فوق 19 مرتفعًا، وتُعتبر القيمة 10 أو أقلّ منخفضة.

ماذا يعني هذا بالنسبة لأكل البطيخ؟ من ناحية، فإنّ قيمة المؤشّر الجلايسيميّ مرتفعة وتبلغ 72. ولكن من ناحية أخرى، فإنّ حملها الجلايسيميّ هو 2 فقط لكلّ وجبة 100 جرام، وهي نسبة قليلة جدًّا. بفضل هذا، من الممكن والموصَى به هو تناول البطيخ بلذّة في أيّام الصيف الحارّة، لكن دون مبالغة. بالصحّة والعافية!

 

0 تعليقات