فسّرَ نموذج بور، للمرّة الأولى، مستويات الطاقة في الذرّات، وذلك عن طريق الدمج بين الميكانيكا التقليديّة وبين أحد المبادئ الأساسيّة في ميكانيكا الكمّ (الكوانتوم). كان نموذج راذرفورد لمبنى الذرّة هو النموذج الأحدث الّذي سبق نموذج بور، إذ افترض راذرفورد أنّ الشحنة الكهربائيّة الموجبة للذرّة مُركّزة في نقطة صغيرة في وسطها (ما يُعرف اليوم بنواة الذرّة)، بينما تتحرّك الإلكترونات فيما يشبه سحابة حول النواة. فسّر نموذج راذرفورد نتائج تجارب معيّنة مثل مرور الأشعّة من خلال الذرّات، إلّا أنّه لم يفسّر سبب انبعاث أشعّة ذات تردّدات محدّدة ومعيّنة من الذرّات لا أشعّة ذات أيّ تردّد كان.. 

افترض بور أنّ الإلكترونات تتحرّك بمسارات دائريّة حول النواة بسبب التجاذب الكهربائيّ بين شحنة النواة الموجبة وبين الإلكترونات ذات الشحنة السالبة. تتعلّق طاقة الإلكترون، وفقًا لقانون نيوتون الثاني، بِنصف قطر مساره الدائريّ حول نواة الذرّة. لا يمكن، حسب هذا القانون التقليديّ، تفسير سبب تواجد الإلكترون المعيّن في مدار ما وليس في مدار غيره، كما لا يمكن تفسير سبب عدم سقوط الإلكترونات داخل النواة وفقدانها للطاقة بسبب ذلك. تمّ استخدام أحد المبادئ الأساسيّة في ميكانيكا الكمّ لتفسير هذه المسألة. 

افترض بور، لحلّ هذه الإشكاليّة، وجود حجم "كمّات" في النظام، أي، حجم يمكن أن يكون له قِيَم معيّنة فقط. إنّه حجم  الزخم الزاويّ (angular momentum) للإلكترون. يجب أن يعادل مقدار الزخم الزاويّ للإلكترونات، حسب افتراض بور، مضاعفات صحيحة لثابت بلانك المخفّض (h - ħ بار = h/2π). لقد تمّ لاحقًا توسيع هذا المبدأ بحيث شمل الحركة الدوريّة لكافّة الجسيمات الكموميّة (الكوانتيّة)، وسُمّيَ مبدأ التكميم لِزومارفلد- ويلسون. 

يمكن تفسير هذا الافتراض في نموذج بور، بالنسبة للإلكترون الّذي يتحرّك بمسار دائريّ، تفسيرًا "بسيطًا". الإلكترونات، وفقًا لميكانيكا الكمّ، هي عبارة عن أمواج. يجب أن نتأكّد، حينما نحاول وضع الموجات على مسار دائريّ مغلق، من أنّه عندما يُكمل الإلكترون دورة واحدة حول النواة ويعود لنقطة البداية، يعود طَوره إلى نفس القيمة الّتي كانت له في نقطة البداية، ذلك كي يحافظ على قيمة ثابتة لِدالّته الموجيّة (من حيث الاتّساع والطّوْر) في كلّ مكان في الحيّز الفراغيّ. دعنا نفكّر في الأمر على النحو التالي: سيكون التداخل بين الموجة المنطلقة من نقطة البداية وبين الموجة العائدة إليها تداخلًا هدّامًا، إذا لم يكن الطور متطابقًا بعد نهاية الدورة، ولا يمكن أن يسلك الإلكترون مسارًا كهذا. يتحتّم إذًا أن يكون محيط المسار مضاعفةً كاملةً صحيحةً (ليست كسرًا) لطول موجة الإلكترون، وينجم عن ذلك أن يكون مقدار الزخم الزاويّ للإلكترون مضاعفة كاملة صحيحة لثابت بلانك المخفّض (h بار)، تمامًا كما فرض بور. 

تتمخّض الصورة كاملةً عن هذين المبدأين في نموذج بور. تتحرّك الإلكترونات، حسب الميكانيكا الكلاسيكيّة، بمسارات دائريّة حول النواة، إلّا أنّ عدد أنصاف الأقطار المتاحة لهذه المسارات الدائريّة، حسب ميكانيكا الكمّ، هو عدد محدود. هكذا تتشكّل مستويات الطاقة المتفرّدة والمتاحة للإلكترونات.  

حيث إنّه توجد مستويات طاقة إلكترونيّة متفرّدة في الذرّة، إذا تمّت إثارة الإلكترون بطريقة ما، وانتقل على إثرها إلى مستوى طاقة أعلى، فإنّه سيُطلِق طاقة، إذا عاد إلى مستوى الطاقة الأساسيّ، يساوي مقدارها مقدار الفرق بين طاقتي المستوَيَين. تنطلق الطاقة في هذه الحالة على شكل ضُوَيء (جسيم ضوئيّ= فوتون) له مقدار مناسب من الطاقة، أي إنّه ضُويء ذو تردّد معيّن. 

نعرف اليوم أنّ هذا النموذج غير تامّ، إذ إنّه يتوجّب علينا حلّ المسألة بأكملها، بما فيها التجاذب الكهرومغناطيسيّ، بالاستعانة بقوانين ميكانيكا الكمّ، إذا أردنا تنبّؤ مَسارات الإلكترونات حول النواة. تشير مثل هذه الحلول إلى أنّ الدوالّ الموجيّة للإلكترونات، في معظم الحالات، ليست دائريّة. 

تتزايد الإشكاليّة في التقريبات الّتي اعتمدها بور مع ازدياد ثقل الذرّات، أي ازدياد أعداد البروتونات والنيوترونات والإلكترونات فيها، الأمر الّذي يستدعي أخذ التأثيرات النسبيّة بالحسبان، إلى جانب ميكانيكا الكمّ، عند محاولة تنبّؤ مستويات الطاقة الإلكترونيّة في الذرّة. 

لقد شكّل نموذج بور، على الرغم من ذلك، قفزة نوعيّة في فهم مبنى الذرّات، إذ أصبح بالإمكان، لأوّل مرّة، تنبّؤ مستويات الطاقة المتفرّدة في الذرّة بالاستعانة بمبدأ أساسيّ في ميكانيكا الكمّ. يتنبّأ نموذج بور مقادير طاقة مستويات الطاقة الإلكترونيّة المنخفضة في ذرّة الهيدروجين بمنتهى الدقّة، ويكمن نجاحه الأكبر في عرض تفسير نظريّ للتجارب الّتي تمّ فيها اكتشاف تردّدات أمواج الأشعّة الّتي تنبعث من ذرّة الهيدروجين ونظامها. 

لمن تهمّه التفاصيل التقنيّة، فإنّ مقدار طاقة المستوى الإلكترونيّ الأساسيّ، المستوى 1، حيث يتواجد الإلكترون في المسار المتاح الأقرب إلى النواة، وفقًا لِموديل بور، يساوي 13.6 إلكترون فولت. بشكل عامّ، إذا رمزنا بـِ n لرقم المستوى الإلكترونيّ (حيث n=1 يشير إلى المستوى 1، n=2 يشير إلى المستوى المتاح الثاني من حيث البعد عن النواة وهكذا، كما يظهر في الصورة أدناه)، فإنّ طاقة المستوى تساوي 

13.6-/n2  (اقرأ من اليمين إلى اليسار، أي: سالب 13.6 على n2) إلكترون فولت. والآن، إذا عرفنا طاقات المستويات، يمكننا حساب مقدار الطاقة الّتي يفقدها الإلكترون عند هبوطه من مستوى طاقة عالٍ إلى مستوى طاقة أكثر انخفاضًا، ومنها نعرف مقدار طاقة الضُّويء الّذي ينبعث في هذه العمليّة. 

يعرض التخطيط موديل بور لذرّة الهيدروجين. مسارات الإلكترون بالأزرق، من المستوى الأوّل حتّى المستوى السادس. هذه مسارات دائريّة حول نواة الذرّة. عُرضت في الصورة أطوال أمواج الضُّويئات (الفوتونات) الّتي تنبعث في أعقاب انتقال إلكترون من مستوى إلى آخر. يمكن تمييز ثلاث منظومات من الانتقالات الممكنة بين المستويات، أُشيرَ إليها بألوان مختلفة. الانتقالات من أيّ مستوى كان إلى المستوى 1، والانتقالات من مستوى ما إلى المستوى 2، والانتقالات من مستوى ما إلى المستوى 3. لقد تمّ تشخيص هذه المنظومات الثلاث للانتقالات عن طريق التجربة قبل ظهور نموذج بور، ولكن لم يكن بالإمكان تفسيرها حينئذ، ووجدت تفسيرًا لائقًا في نموذج بور. 

0 تعليقات