لغرض نقلٍ سريعٍ وناجعٍ للمعلومات بين الخلايا العصبيّة أو الخلايا العضليّة، يستخدمُ الجسم وسيلةً كهربائيّة تسمّى بـ"جهد العمل"، في إطاره تنتقلُ المعلومات على شكلِ إشارةٍ كهربائيّةٍ من طرف واحد للخليّة إلى الطّرف الثّاني (مسافةٌ يمكن أن تصل في حالاتٍ معيّنة لاكثر من مترٍ واحد). ما يضمنُ استمراريّة نقلِ الإشارة الكهربائيّة على طول الخليّة، هو التّغييرات الحاصلة في توتّر غشاء الخليّة، وذلك في أعقاب انتقال أيونات (ذرّات مشحونة كهربائيًّا) عن طريق قنوات خاصّة للأيونات تنفتح وتنغلق بتناسُقٍ.
يشرحُ لنا الفيلم القصير التّالي كيفَ ينتجُ جهدُ العمل، وما هي وظائفُ قنواتِ الصُّوديوم.
يرافق الفيلمَ تعليقٌ باللُّغة الإنجليزيّة، ولذلك أُضيفَت له ترجمةٌ مع كتابةِ شرحٍ في نهاية الصّفحة.
الفيلم من إنتاج Takethewind مع مشاركة المنظّمة البرتغاليّة لعلوم الأعصاب. تمّت ترجمته على يد طاقم الموقع الإلكترونيّ لمعهد دافيدسون.
الوظيفة الأساسيّة للخليّة العصبيّة (نويرون) هي استقبال وتوصيل ونقل الإشارات. تنقُلُ الخلايا الإشاراتِ الكهربائيّةَ على شكلِ جهدِ عملٍ، بمقدوره قطعُ مسافاتٍ كبيرةٍ على طول ذيل الخليّة (المحور، أو اللّيف العصبيّ) دون أن يضمحل.
لكي نحافظ على شدّته مع الزّمن، على الخليّة تكبيره كلّ الوقت على طول المسافة، وإلّا فَسيضمحل. المركبات الأساسيّة التي تلعب دور في هذه العمليّة هنّ قنوات الصّوديوم ذواتُ التوتّر، والموجودة على أغشية الخلايا، والّتي تمرّ في سلسلة من التّغييرات البنيويّة (تغييرات بنيويّة دوريّة وبتناسُقٍ تامّ). عند مرور جهد العمل، تنفتح قنواتُ الصّوديوم كَرَدِّ فعلٍ لارتفاع التّوتّر في الغشاء (عكس التّقطّب)، تتدفّق أيونات الصّوديوم إلى داخل الخليّة، وتُسبِّبُ ارتفاعَ الجهد في الغشاء.
خلال جزءٍ من الألف من الثّانية منذ بداية تدفّق الأيونات، تنغَلِقُ قنوات الصُّوديوم وتتحوّل إلى وضعٍ غير فعّال، بحيث لا تنفتح كَرَدِّ فعلٍ للجهد. بهذه الطّريقة (أي بإسكاتها)، يُعيد الغشاء بناءَ نفسِه بعد أن مرّ جهدُ العمل على طولها. تعود قنوات الصّوديوم إلى وضعها المغلق (الوضع العاديّ)، لكي يكون بمقدورها أن تنفتحَ مرّةً أُخرى عند مرور جهدِ عملٍ آخرَ على طول غشاء الخليّة.
لنختبرِ الحالةَ المتغيّرةَ لقنواتِ الصُّوديوم عند إحداث جهد عمل. طالما لا يوجد منبّهٌ كهربائيّ، تبقى قنواتُ الصّوديوم مغلقةً، وجهدُ الغشاء يبقى ثابتًا، حوالي 80 ميلي فولط. عند ارتفاع جهد الغشاء كَرَدِّ فعلٍ لتيّار كهربائيّ، ينفتِحُ قسمٌ من قنوات الصّوديوم ويُتيح للصّوديوم (أيون ذو شحنة موجبة, تركيزة مرتفع خارج الخلية) تركي الدّخول إلى الخليّة وفقًا لفارق التّركيز الإلكتروكيميائيّ (فارق تركيز الشّحنات بين داخل الخليّة والفراغ البين خلويّ).
كلّما زاد الجهد، انفتحَت قنوات الصّوديوم أكثر، وتمكَّنَت أيوناتُ الصُّوديوم من الدُّخول أكثر الى الخليّة، وارتفعَ جهد الغشاءِ تدريجيًّا حتّى يثبت في جهد 40 ميلي فولط تقريبًا. في هذه المرحلة تنغلق قنوات الصّوديوم بشكلٍ لا يسمح بانفتاح متعلّقٍ بالجهد. تبقى القنوات على هذه الحالة، لمدّة واحدٍ على ألف من الثّانية بعد رجوع الغشاء إلى حالة الرّاحة.
يتقدّم جهد العمل على طول الغشاء في اتّجاهٍ واحدٍ فقط، باتّجاه طرف الخليّة (طرف المحور). إذا راقبنا حالة قنوات الصّوديوم على طول الغشاء، فبإمكاننا مراقبةُ لماذا حدث ذلك. عند ارتفاع جهد الغشاء، تنفتح قنوات الصّوديوم لتدخل أيونات الصّوديوم إلى داخل الخليّة. يرتفع في أعقاب ذلك، الجهدُ الكهربائيّ في المناطق المجاورة للغشاء، وتنفتحُ قنوات الصّوديوم وفيها يتقدّم جهد العمل أيضًا. بما أنّ قنوات الصّوديوم الّتي أدّت دورها انغلقت من جديد ودون علاقة بالجهد، فلذلك لا يستطيعُ جهد العمل الرّجوعَ إلى الخلف في الخليّة.
مركّب آخر لا يقلُّ أهميّة، وهو قنوات البوتاسيوم المتعلّقة بالجهد، والّتي تنقلُ أيونات البوتاسيوم (لها شحنة الصّوديوم نفسُها ولكن تركيزة مرتفع داخل الخلية)، في الاتّجاه المعاكس (من داخل الخليّة إلى خارجها). هذه القنوات تساعد الغشاء في الرّجوع إلى حالة الرّاحة، لأنّها تنفتح عندما يكون الجهد في الغشاء مرتفعًا، وتأثيرها معاكسًا لتأثير قنوات الصّوديوم. قُبيل انغلاق قنوات الصّوديوم، تنفتح قنوات البوتاسيوم وتخفّف من ارتفاع جهد الغشاء. عند انغلاق قنوات الصّوديوم، تُخفِّضُ قنوات البوتاسيوم جهدَ الغشاء بشكلٍ حادٍّ، إلى ما هو أقلّ من جهد الرّاحة (خفض التّقطّب)، وعندها تنغلق. بعد ذلك يعودُ مستوى الجهد في الغشاء إلى جهد الرّاحة.
لا يضمحل جهد العمل بفضلِ الغلاف الدّهنيّ العازل المسمَّى (الميالين)، والّذي يحيطُ بالخليّة العصبيّة. مركّبٌ آخرُ يُتيحُ وجودَ جهدِ العمل (وعمليّات خلويّة عديدة أُخرى)، هو مضخّة الصّوديوم/بوتاسيوم، الّتي تُخرج من الخليّة أيونات الصّوديوم، وتُدخل أيونات البوتاسيوم، (بعكس فارق التّركيز) باستخدام الطّاقة (ATP). تعمل هذه المضخّات دون توقّف في جميع خلايا الجسم وتتيح تحقيقَ فعاليّاتٍ عديدة.