بدأ حادثنا المأساويّ قبل سنةٍ تقريبًا في غرب أفريقيا، عندما انتقل مرضٌ فيروسيّ مِنَ القردة، وتلاءَمَ لِيُعدِيَ البشر. وقد تميَّز هذا المرض الغامِضُ بِكَبتٍ للجهاز المناعيّ، الأمر الّذي أدَّى في نهاية الأَمر، إلى الموت نتيجة أمراضٍ بسيطة نسبيًّا كالالتهاب الرّئويّ. هنالك شهادات مختلفة عَنِ الإصابة بالفيروس في مناطِقَ مختلِفة من أفريقيا، في النِّصفِ الأوَّل مِنَ القرن العشرين، لكنَّ الشهادة الموثَّقة الأُولى سُجِّلت في العام 1959 في الكونغو. وبعد عَقدَيْنِ مِنَ الزّمان فقط، بدأت تظهَرُ تقارير عن مرضٍ غامض ينتشِرُ في أَوساطِ المدمنين واللُّوطيِّين في منطقة سان فرانسيسكو. وبعد مرور سنواتٍ قليلة، نجحوا في عزل الفيروس المسؤول عَنِ المرض – الـ-HIV، وهو الفيروس المسؤول عن مرض الإيدز.
الإيدز هو مثال ممتاز لضررٍ فادح يُمكِنُ أن يُسبِّبه الجهل وانكسار العلم لصحّة الجمهور. يُمكِنُ القول إنّه في هذه الرِّواية، قد سقطَ مئات آلاف الأشخاص، إن لم يكُن الملايين، ضحايا الجهل وإنكار العلم – ضحايا كثيرون كانَ بالإمكان منعُهُم مِنَ السُّقوط بمساعدة كلمات بسيطة: الإعلام والتّربية. لكن قبل أن أَروِيَ لكم عن جزءٍ مِنَ الإشاعات والمعتقدات الخُرافيّة المؤلمة، أَوَدُّ قول عدّة كلماتٍ عن طرائِقِ العدوى بالفيروس، وعن صعوبة مواجهته.
ينتقِلُ فيروس الإيدز بواسطة سوائل الجسم – الدّم، والمني، وسوائل المهبل، وحليب الأُمّ (لا يُعرَفُ حتّى اليوم عن حالاتِ عدوى بواسطة اللُّعاب). عندما يدخل الفيروس إلى الدَّورة الدَّمويّة، فإنّه يُعدي خلايا دمٍ بيضاء. لا يقتُلُ الفيروس المريضَ مباشرةً، إنّما يقضي على الجهاز المناعيّ خلال عدّة سنوات ما لم يَتِمَّ الحصول على علاج طبّيّ. ومع ذلك، وبالرّغم من وجود أمراضٍ خَطِرَةٍ وقاتلة أكثر، فقد ساعَدَتِ الإشاعات والمعتقدات الخرافيّة الكثيرة الّتي ارتبطت بالمرض، على انتشاره والوصول إلى أكثر من عشرين مليون ضحيّة منذ بداية الثَّمانينيّات. نحو خُمس المرضى هم أولادٌ دون سنِّ 15، وفي سنة 2011 وحدَهَا، أُضيفَ 2.5 مليون حاملٍ جديدٍ إضافيّ في العالم.
مُخطَّط لمبنى فيروس الـ-HIV. أُخِذَتِ الصُّورة من ويكيبيديا
كما ذُكر، فإنّ الفيروس ينتقِلُ مع سوائِلِ الجسم، مثل الدَّمِ والسّائل المنويّ. أثناء حدوثِ علاقات جنسيّة غير محميّة، تتكوَّنُ جروحٌ مجهريّة في الأعضاء التّناسليّة نتيجةَ الاحتكاك، ويُمكِنُ أن يدخُلَ الفيروس من خلالها إلى الجسم. بشكلٍ طبيعيّ، تكونُ النِّساءُ مُعرّضاتٍ للعدوى أكثرَ مِنَ الرّجال، وكذلك تتكوَّنُ في العلاقات الجنسيّة اللُّوطية جروحٌ أكثر نتيجة الاحتكاك، وعليه فإنَّ اللُّوطيِّين مُعرّضونَ أَكثر للعدوى.
عندما يدخُلُ الفيروس إلى الجسم، فإنّهُ يُهاجِمُ خلايا الدّمِ البيضاء، وبهذا فإنّه يُحقِّقُ هَدَفَيْنِ: فهو يستغلُّ خلايا الدَّم البيضاء للتّكاثر، وهذه فُرصةٌ لإضعاف الجهاز الّذي مِنَ المفترض أن تقومَ بالحماية منه. إضافةً إلى كلّ ذلك، فهو يتميَّزُ بصفةٍ إضافيّة تجعلُهُ خَطِرًا، فقُدرَتُهُ العجيبة على ملاءَمَةِ نفسِهِ للبيئة الجديدة، أي أنّه يُطوِّرُ صُمُودًا ضِدَّ كلّ علاج يستخدمونه ضِدَّهُ.
يعودُ سبب هذه القدرة إلى نظام مُضاعفة غير ناجِعٍ للفيروس، فهو يمرُّ بطفراتٍ بوتيرةٍ عجيبة 3 :1 (كلّ فيروس ثالث، يختلِفُ عَنِ الفيروس الأَصليّ في شيءٍ ما). معنى ذلك، هو أنّه في كلّ خليّة دم بيضاء، تتطوَّرُ فيروسات كثيرة تختلِفُ وراثيًّا عن بعضها البعض. بما أنّ الفيروس يتغيَّرُ بدون توقُّفٍ، فلا ينجَحُ جهاز المناعة في تطوير أجسامٍ مُضادّة ناجعةٍ ضدّه، والعلاجاتُ الطّبّيّة أيضًا، لا تبقى ناجعةً لفترة زمنيّة. العلاجُ الوحيد الّذي أُثبِتَ أَنَّهُ ناجِعٌ هو الكوكتيل: أي دمج عدّةِ عقاقِيرَ تُعطى بالتّوازي، وتمنع الفيروس مِنَ الازدهار أو تطوير صُمودٍ.... هذا إذا افترضنا أنّ المريض يحرِصُ على تناولها حسب التّعليمات.
سأُفصِّلُ الآن بالنّسبة لقسمٍ مِنَ الإشاعات والمعتقدات الخرافيّة، وسأشرح لماذا هي خَطِرَةٌ إلى هذا الحدّ:
الإيدز هو مرضٌ يُصيبُ اللُّوطيِّين فقط
لقد ظَهَرَ المرض في بداية الثّمانينيّات في أوساط المدمنين واللُّوطيِّين، وأُثِيرَتِ الإشاعة بأنّ المرض ينتقِلُ في العلاقات الجنسيّة اللُّوطيّة فقط. عددُ النِّساء اللّواتي يحمِلْنَ الفيروسَ اليومَ، يشيرُ إلى أمرٍ مُخالِفٍ. صحيحٌ ليومنا هذا، أَنَّ خَطَرَ إصابة النِّساء بالعدوى أكبر بعشر مرّاتٍ، مقارنةً بالرِّجال عند القيام بعلاقاتٍ جنسيّة بين الجنسَيْنِ(اي بين الذكر والانثى)، بسبب تواجد الفيروس في السَّائل المنويّ. صحيحٌ أنَّ خطورة العدوى عند الرِّجال اللُّوطيِّين أكبر مقارنةً برجالٍ يمارسُون الجنس مَعَ النِّساء فقط، لكنَّ الخطورة قائمة لدى الجميع، وَمِنَ المؤسف التَّعرُّض للخَطَرِ مَع أنّه مِنَ السَّهل منع العدوى من خلال إقامة علاقاتٍ جنسيّة محميّة. لا يُمكِنُ المبالغة بحجم الضَّرر الّذي تسبَّبَت به هذه الإشاعة لنساءٍ كثيراتٍ، وافَقْنَ على ممارسة جنسٍ غير محميّ مع رجالٍ حاملي HIV.
عَدَمُ الوَعي
عَدَمُ الوعي هو أَحدُ المخاطر الكبيرة لنشرِ المرض. ما دام هنالك عَدَمُ إدراكٍ للخطر، فلا يُمكِنُ الوقاية منه. مثالٌ ممتاز هو وباءُ الإيدز الّذي انتشر في مملكة سوازيلاندا في أفريقيا. تؤمِنُ الثّقافة السّوازيلانديّة بتعدُّد الزّوجات – علاقات جنسيّة غير محميّة مع عددٍ كبيرٍ مِنَ الشُّركاء – وتَكبِتُ استعمالَ وسائِلِ الوقاية. وإذا أضفنا لذلك حقيقةَ أنَّ سُكَّانَ سوازيلاندا لا يُسارعون إلى إجراء فحوصاتٍ، أَوِ الإعلان عن عدوى بالفيروس، فَنحصُلُ على حالةٍ كئيبةٍ، فقد تُوُفِّيَ 7000 شخص في سوازيلاندا سنة 2009 بسبب الإيدز، وهم 0.6 بالمائة مِنَ السُّكَّان. 64 بالمائة مِن حالاتِ الوفيات في سوازيلاندا، كانَت بِسَبَبِ الإيدز. وقد أَدَّى الوباء إلى تجنيد الأُمَم المتّحدة من أجلِ منع اختفاء دولة سوازيلاندا.
إحصائيات مرض الإيدز في القارّة الأفريقيّة عام 2007. أُخِذَتِ الصُّورة من ويكيبيديا
مرضُ الإيدز لا يسبِّبُهُ الـ-HIV، إنَّما هناكَ سَبَبٌ آخَر
اِنتشرت في سنوات التِّسعين إشاعةٌ مفادُها أنَّ مرض الإيدز هو عمليًّا اختراعٌ من قبل شركات الأَدوية، أو حكوماتٍ أَو مُنظّمةٍ حكوميّة أُخرى، وعمليًّا لا يوجد شيءٌ اسمُهُ "فيروس HIV "أو أنّه لا توجد علاقة بينه وبين المرض. وقد تمَّ اقتباسُ اقوال الباحثين على يد وسائِلِ الإعلام، وكأنَّهم دَعَمُوا هذه الإشاعة علميًّا.
وبالرّغم مِن أَنَّ كلَّ هذه الادّعاءات قد دُحِضَت، وهنالك أَدِلَّةٌ دامِغةٌ جِدًّا حول وجود الفيروس، ووجود المرض، ووجود علاقة بينهما، لكنَّ قِسمًا مِنَ النَّاسِ لا يزالُ يؤمِنُ بهذا الرّأي، وينشُرُهُ أيضًا.
المثالُ الأفضل للخطر الشَّديد لهذه الإشاعة، يُمكِنُ أن نجِدَهُ في الحالة الّتي سادَت جنوب إفريقيا خلال فترة حُكم ثابو موباكي، في السَّنَوات 1999 – 2008. آمَنَ موباكي أنَّ مرض الإيدز غير مُرتبط بفيروس الـ HIV – وأَنَّ العلاجاتِ التّقليديّة مضارُّها أكثر من فوائِدِها. وقد عمل كلَّ ما في وسعِهِ لنشر تعاليمِهِ، ورفض استقبال شحنات أَدوية ومُساعَدَات لسُكَّانِ دولته، والّتي فيها 19 بالمائة مِنَ السُّكَّانِ البالغين هُم حامِلُون للمرض. ورفضَ أَيضًا إعطاء علاجٍ وَاقٍ للأُمَّهاتِ الحوامل، الأمرُ الّذي كان بالإمكانِ منعُ انتقالِ العدوى لأَولادِهِنَّ.
ويُقدَّرُ الضَّررُ الّذي سبَّبَتهُ سياسَتُهُ بـ 330 ألف حالة وفاةٍ تقريبًا لم تَكُن في الحُسبان، و 35 ألف مولودٍ أُصيبُوا بالعدوى من أُمَّهاتهم و 171 ألف حامِلٍ جديد للفيروس. وكلُّ ذلك في دولةٍ تَعدادُ سُكَّانها 5.5 مليون نسمة فقط. وزادَت وزيرة الصِّحَّة في حكومته الطِّين بِلّةً، عندما أَوصَت بعلاجٍ يشمَلُ اللَّيمون، والبطاطا، وزيت الزَّيتون والثّوم، ومأكولاتٍ صحّيّة بالتّأكيد، لكنَّها عديمة الفائدة سريريًّا في معالجة الإيدز. وفي نهاية حُكمِهِ فقط، طَرَأَ تغييرٌ في تعامُلِهِ مع المرض، وللأَسَفِ الشَّديد كان ذلك مُتأَخّرًا بالنِّسبة للكثيرين.
الفيروسُ موجودٌ فعلاً – صورةٌ لفيروسات HIV (الكُرَاتُ الخَضراء) تخرُجُ من خليّة دمٍ بيضاء (بالأَزرق). صَوَّرَ هذه الصُّورة C. Goldsmith وأُخِذَت من موقِع الـ CDC.
العَدوى غَيرُ مُمكِنَةٍ من علاقة جنسيَّة لمرَّةٍ واحِدَة
مصدرُ هذه الإشاعة على ما يبدو، أسبابٌ إحصائيّة بحتة. إذا كانَت خطورة العدوى بالفيروس تساوي واحدًا لكلّ 1300، فلذا مُعظم الأشخاصِ الّذينَ يُقيمُونَ علاقاتٍ جنسيّة غير محميّة مع حامل HIV للمرَّة الأُولى، لن يُصابوا بالعدوى، لكن كلَّما استمرُّوا في أُسلُوب الحياة غير الحَذِر هذا، ازدادَ احتمالُ الإصابة بالعدوى. لا يختلِفُ الخَطَرُ نفسُهُ إذا كانت هذه هي المرَّة الأُولى أَوِ الثّانية أَوِ الثّالثة، إلاَّ أنّها متأثِّرة بالتّأكيد من عوامِلَ مثل كمّيّة الفيروسات في دم الحامِلِ، وشكل الاتِّصال الجنسيّ، وغير ذلك. خطورةُ واحِدٍ لكلّ 1300 تبدو منخفِضَةً، لكن هل كُنتم ستُشاركون في سَحبِ يانصيبٍ مع احتمالِ واحِدٍ لـ 1300 وجائزة الفائز هي الحُكمُ بالإعدام؟
يُمكِنُ الشِّفاءُ من مرض الإيدز عندَ إقامة علاقاتٍ جنسيّة مع عَذرَاء
فتياتٌ كثيرات، خاصَّةً في أفريقيا، وَقَعْنَ ضحيَّةً لهذه الإشاعة المؤلمة. هذه ليست المرّة الأولى في التّاريخ، والّتي يتمُّ فيها "علاجٌ" كهذا. في أوروبّا القرن الـ16، على سبيل المثال، اعتقدوا أنّ إقامة علاقات جنسيّة مع عذارى، يُمكِنُ أَن تُشفي مِنَ الزُّهريّ، ربّما لأَنّ العذارى اعتُبِرْنَ طَاهِراتٍ مِنَ النّاحية الدِّينيّة والرُّوحانيّة. هذه الإشاعة مسؤولةٌ عن عددٍ كبيرٍ مِن حالاتِ اغتصابِ فتياتٍ، بناتٍ وأَولاد. على أَيَّةِ حالٍ، في الحالة الّتي نحن بِصَدَدِها، فليسَ أنّ حامِلَ المرضِ لن يُشفَى مِنَ المرضِ فحَسبُ، بل إنّما قد تتعرَّضُ الفتاة للعدوى، وتنقُلُ الفيروسَ لغيرها.
أَدويةٌ كاذِبَةٌ للإيدز
تُنشَرُ بين الحين والآخر، أَبحاثٌ عن أدوية وعلاجاتٍ ذاتِ قُدرةٍ على مُعالجة الإيدز. دجَّالُونَ كثيرون يستغِلُّون ضائِقَةَ مرضى الإيدز، ويبيعُونهم أَدويَةً وهميَّةً (خرافيّة) ابتداءً من دَمِ الماعز، مرورًا بعلاجاتٍ شموليّة، وإضافاتِ تغذيةٍ، وانتهاءً بموادَّ كيميائيّة تحت اسم أَدوية.
أَحَدُ المميِّزات البارزة للأَدوية الكاذبة، أَنّه لا توجد مُعطيات عنها من تجارِبَ سريريَّة كبيرة ومراقَبَة، وهذا شرطٌ ضروريّ للحصول على تصريحٍ لدواء. حتّى اليوم، الكوكتيل هو الدّواءُ الأكثرُ نجاعةً لمعالجة المرض. عند تناوُلِ الدَّواء أَو العلاجِ المزيَّف للإيدز، فليس أنّ حامِلَ المرض سيُشفى فحسبُ، بل إنّما ستزدادُ خُطورة اللاّمبالاة من طرفه، مما يتسبَّبُ بعدوى أُناسٍ آخرين. .
الاستِهتارُ بعلاجِ الكوكتيل
أَحدَثَ الكوكتيل ثورةً في علاج حاملي الـ HIV، بدون علاجٍ يُمكِنُ أن يموتَ الحاملونَ للمرض خلال 2-15 سنةً (حسبَ السُّلالة، وظروف المعيشة، والحالة الصِّحِّيَّة وما شابه)، واليومَ يُمكِنُ أن يَعِيشَ الحاملون للمرضِ عشراتِ السِّنين حياةً طبيعيّة مَعَ المرض. ما داموا يحرِصُونَ على تناول الدَّواء في الوقت المناسب، وبالجُرعة الصّحيحة. تبدَأُ المشكلة عندما يبدأ ُالاستهتارُ: يتركَّبُ الكوكتيل من عدّة عقاقير مُضادَّة للفيروسات، والّتي تُعيقُ مراحِلَ مُختلِفَةً من دورة حياة الفيروس، وهكذا تمنعُهُ مِنَ التَّكاثر كما يجب. ومع ذلك، فالحديث يدورُ عن فيروسٍ متلائِمٍ جدًّا، يُطوِّر صُمُودًا أمامَ الأَدوية بسهولةٍ كبيرة.
خُطُورَةُ العَدوى للرِّجالِ أَقَلُّ مِنَ النِّسَاء
هذا تحديدٌ صَحيحٌ! فإنّ احتمالَ إصابة الرِّجال بعدوى الفيروس، هو أَقلُّ مِنَ النِّساءِ فعلاً، لكن لا يُمكِنُ اعتبارُ هذه الحقيقة وكأَنّها صَكُّ تأمين. يتحدَّدُ مُستوى الخطورة كمُعدَّلٍ، ويُمكِنُ أن نَجِدَ دائمًا، عَوامِلَ تزيدُ الخطورة مثل الجروحِ أَوِ الخُدوشِ الصَّغيرة في الأعضاء التّناسليّة، أَو التّركيز الّذي يكونُ أكبر مِنَ المعتاد للفيروسات في الدَّمِ، وما شابه. حتّى وإن كانَ احتمال إصابة الرّجل بالعدوى، أقَلَّ بعشر مرَّاتٍ مِنِ احتمالِ إصابة المرأة، فَهل هذا مُبَرِّرٌ للمُخاطَرة؟
الإيدز هو عِقَابٌ مِنَ الله للكُفَّار
تتكلَّمُ المؤسَّساتُ الدِّينيّة الكُبرى (لدى الإسلامِ والمسيحيَّة) بلغةٍ مُزدَوَجةٍ بكلِّ ما يتعلَّقُ بالإيدز. صحيحٌ أَنّهم قد أَنشأُوا عَدَدًا غير قليلٍ مِن صناديق الدَّعم لمتضرِّري المرض، لكنَّهم يُعارضون بشكلٍ قاطِعٍ استعمالَ وسائِلِ المنع. يُفهَمُ الإيدز لديهم كَنوعٍ مِنَ العِقابِ الصَّادِرِ على أُناسٍ يُخالِفُونَ قواعِدِ الاحتشامِ، ويقِيمُونَ علاقاتٍ جنسيّة خارج إطار الزَّوجيَّة أَو مع شركاءَ كثيرين، والحلُّ الّذي يقترحونه هُوَ الامتناع عَنِ القيام بهذه العلاقاتِ الجنسيّة، وليس الوقاية (الّتي تُفهَمُ كاستدراجٍ للخطيئة). وفعلًا، يُمكِنُ أن يَكُونَ هذا الحلُّ ناجِعًا... ما داموا صامِدِينَ بنجاحٍ. ولهذا السَّبَبِ، فَلِلمُؤسَّسات الدِّينية أيضًا، في بعض الأَحيانِ، دَوْرٌ في انتشارِ المرض، بسبَبِ معارضَتِهِم لاستعمالِ وسائِلِ الوِقايَة.
رأَينا في هذا العَرضِ، كيف يمكِنُ لأَنواعٍ مختلِفَةٍ مِنَ الإشاعات، أَوِ المعتَقَداتِ الخرافيّة، أَوِ المعلوماتِ الخاطئة، أو مُجرّد عدم الوعي أن تُشِكِّلَ خَطَرًا على الحياة. المغزى الّذي نتعلَّمُهُ هو عدم تجاهُلِ الأِبحاثِ، وتفعيلُ تقدِيرِ الرَّأي الشَّخصيّ والتّفكير النَّقدِيّ، والتَّعلُّم، والبحثُ، والتَّشكيكُ عندما يتطلَّبُ الأَمر ذلك. وفي الحالة الخاصّة بالإيدز، فالحديثُ يدورُ عن مرض يُمكِنُ الوقاية منه بسهولةٍ وبوسائِلَ سَهلةٍ، ورخيصَةٍ ومتوفِّرةٍ جدًّا. فَلماذا لا نمنَعُ الإصابةَ بِهِ إِذًا؟