يعتبرُ الأَرُزّ المكوّنَ الأساسيّ في اللائحة الغذائيّة لنصف سكّان المعمورة تقريبًا، ومكوِّنًا مركزيًّا في اللائحة الغذائيّة لقطاعاتٍ أُخرى كثيرة. وهو ثاني الحبوب استهلاكًا في العالم. وقد قيل في الماضي إِنَّ مليار صينيٍّ لا يخطئون. فهل ذلك صحيحٌ حقًّا؟
يتمُّ تداول مليارات الدّولارات سنويًّا في الصِّناعاتِ الغذائيّة، لكنّها تُخفي عنّا معطياتٍ مُهمَّة عن التأثير الضّارّ للأَرُزّ، وعن علاقته بأمراضٍ مختلفة. يُستعملُ الأرزّ بشكله الخامّ، كحليب الأرزّ، ودقيق الأرزّ، وكعك الأرزّ وغيره؛ وكلّ ذلِكَ دونَ الاشتباه بهذه الحبّات البيضاء البريئة.
في الاستعراض الذي أمامنا، سأقدّم أدلّةً للمخاطر التي تترصّد مستهلكي الأرزّ، مُرفقةً بروابط لمقالاتٍ علميّة حقيقيّة.
يُوصَى بقراءة المقال حتّى نهايته، من أجل الوقوف عند هذه الأخطار الكثيرة لاستهلاك الأرزّ، والحصولِ على درسٍ مُهمٍّ أيضًا، في التفكير النقديّ وفي إثارة الشُّكوك.

ملاحظة : يقومُ موقع دافيدسون أُون لاين بإعطاء معلوماتٍ علميّة فقط، ولا يمكن أن يكون بديلاً للاستشارة الطبيّة أو الغذائيّة. يُمنَعُ اقتباس أجزاءٍ من هذا التقرير، بل إنّما يُنقَلُ التقريرُ جُملةً واحدةً فقط.
 

  1. لقد بيّن استعراضٌ لعلم الأوبئة، أُجريَ في العام 2008، أنّ الصّين تحتلُّ المكان الثّاني عالميًّا في الإصابة بسرطان المعدة، ومرضاها يفوقُ عددهُم 350 ألف مريض. الغذاءُ الرئيسيّ في الصّين هو ...الأرزّ. [1]
  2.  أظهر بحث في المكتبة الطبيّة الأمريكيّة (مصدرُ معظم المقالات في مجال البيولوجيا والطّبّ) 2420(!) مقالاً محتويًا على زوج الكلمات Rice وَ Cancer ( الأرزّ والسّرطان ).  [2]
  3. 3- يحتوي الأرزّ على تراكيز خطرة من الآرسين، والكادِميوم، والسّلينيوم، وموادَّ سامّةٍ أخرى.  [3, 4,5, 6 ,7 ,8 ,9]
  4. هنالك علاقة بين استهلاك الأرزّ وبين أنواعٍ معيّنة من سرطان الجهاز الهضميّ ( خاصّةً سرطان المعدة ) في عدّة دول في أنحاء العالم (ليس في آسيا فقط)  [10, 11, 12, 13 ,14 ,15]
  5.  يُضاف للأرزّ مسحُوق الطّلق والإسبست، من أجل صقل شكله. مسحوقُ الطّلق والإسبست هما مادّتانِ خطرتانِ، وهنالك علاقة مباشرة بينهما، وبين عدّة أنواع من السّرطان. [16, 17 ,18]
  6. هنالك تأثير ضارّ لاستهلاك الأرزّ على مبنى المعدة. . [19]
  7.  يتسبَّبُ استهلاك حليب الأرزّ في أعراضٍ غذائيّة صعبةٍ لدى الأطفال حتّى جيل سنتَيْنِ.[20]
  8.  استعمال دقيق الأرزّ قد يتسبَّبُ في التهابات خَطِرة. [2122]
  9.  استهلاك الأرزّ قد يتسبّب في الرّبو (الأستما).  [23]
  10. يسبّب الأرزّ التهاباتٍ خَطِرةً في الأمعاء.  [24]

كلّ الأبحاث التي عُرضت هنا هي أبحاثٌ حقيقيّة بحتَةٌ، وقد نُشِرَت في مجلاّت علميّة. وعلى الرّغمِ من ذلك .........

 

 

كلّ ما كُتب أعلاه هو هُراءٌ مُطلَقٌ! 
 

جُمِعَت هذه المعلومات بطريقة "قطف الكرز" (Cherry Picking)، والتي ينتهِجُها عددٌ لا بأس به من المـُدَوِّنِينَ في الإنترنتّ. ومبدأ هذه الطريقة بسيط للغاية: " أطلِقِ السّهم أوّلاً، ومن ثَمَّ ارسُمِ الهدفَ من حوله". يختار الكاتبُ الاستنتاجَ مُسبَقًا، أو نظريّة المؤامرة الّتي يريد تسويقها، ويبدأ بجمع مقالاتٍ داعمَةٍ لها، من خلال تجاهل المقالات التي تدحَضُها، وتحريف معطياتٍ وتشويهها، واستعمال الغوغائيّة بشكلٍ مكثّف، والتّستُّرِ خلفَ الادّعاء " أنا أُعطي المعلومة فقط – وأنتم تقرِّرون ما سوفَ تؤمنون به".
لقد تمَّ ذلك، بشكلٍ خبيثٍ، أكثر من مرّة، ولكن ببساطةٍ وبدون إدراكٍ وبدون معرفة. من السّهل جدًّا، ومنَ المريح جدًّا تَبَّني الأبحاث التي تدعم موقفك، وإهمال تلك التي تعارضه – لكنَّ الأسوأ من ذلك، هو اتّهام معارضي ذلكَ بالفسادِ.
مثالٌ ممتاز لنظريّة كهذه كانَ الادّعاءَ بأنّ الحليبَ مُسبِّبٌ للسَّرطان، ومن أجل إثبات ذلك جُمِعَت أبحاثٌ بشكلٍ انتقائيّ، وحُرِّفَت معطياتٌ، وتمّ استخدامٌ واسعٌ لملاءمات بدونِ أسباب. على سبيل المثال، وُجد أن انتشارَ سرطان الأمعاء الغليظة منخفضٌ في الصّين – وبما أنّهم لا يشربون الحليبَ في الصّين كثيرًا - لذلك فالحليب، على ما يبدو، يسبِّب سرطان الأمعاء الغليظة. وخلال فترة وجيزة من نشر الحدث، أُجريَت أبحاثٌ كثيرةٌ أدّت إلى انهيار معظم الادّعاءات التي ارتكزت عليها النظريّة.
من أجل إبراز مدى عدم صحّة هذه الطّريقة، ستُخَصَّصُ بقيّة المقال لدحض الادّعاءات التي عرضتُها بنفسي:
 

  1. يُظهِرُ لنا الاستعراضُ من النّوع المعروض أعلاه ملاءَمةً، لكنّهُ لا يُثبِتُ الأسباب. ولهذا الشّأن، يمكن ملاءمة توجّهات لا توجد علاقة فيما بينها - على سبيل المثال العلاقة بين استهلاك الشوكولاطة وعدد الفائزين بجائزة نوبل [26]; والعلاقة بين اختفاء قراصنة البحر وارتفاع الحرارة عالميًّا [27]; وغيرها. الملاءمة عبارة عن ادّعاء منتشِرٍ لدى مؤسّسي نظريّات المؤامرة، ويجب الحذرُ منه جدًّا.
  2. تُظهِرُ نظرةٌ سريعة في البحث الذي أُجريَ، أنَّ عددًا لا بأس به من الكُتّاب لهم اسم العائلة Rice ( أرزّ ). ويتّضِحُ أيضًا، أنّ قسمًا لا بأس به من المقالات الّتي وُجِدَت، تَبحَثُ في قدرةِ الموادّ الموجودة في الأرزّ على علاج الأورام السّرطانيّة. هذا غيرُ كافٍ للقول بأنّ الأرزّ يشفي من السّرطان، ولكن من المفهوم ضمنًا أنّ الادّعاء المضادّ، والّذي يقول إنّه وحدَهُ يسبِّبُ السّرطان، مبالغٌ فيه بشكلٍ واضح.
  3. الأرزّ المحتوي على هذه الموادّ الخطرة موجود على مقربة من مناطقَ صناعيّةٍ في دولٍ كالصّين وكمبوديا. تتناولُ المقالات التي عُرِضَت حالاتٍ خاصّةً لحقول معيّنة، وليسَ الأرزّ بشكلٍ عامّ.
  4. كلّ هذه الأبحاث هي أبحاثٌ بيئيّة فَحَصَت مجموعاتٍ سكانيّةً كاملةً، دُون الخوضِ في تفاصيلِها، وبحثَت عن ملاءمة بين تغذية معيّنة والإصابة بالمرض، أو أنّها قد فحصَت مجموعاتٍ من المرضى باستجوابهم عن عاداتِ التّغذية لديهم. نوعا البحثِ هذانِ، لا يمكنهما أن يُعطيَا إجابةً عن السّؤال حول إذا ما كان الأرزّ يسبِّب السّرطان. وفي البحث البيئيّ هنالك تخوُّفٌ من وجود ملاءمة غير سببيّة، بينما البحث لدى مجموعات من المرضى لا يُعطي إجابةً عن السّؤال: كم عددُ الأشخاص المعافَيْنَ الّذين استهلكوا الأرزّ. والطّريقة الصّحيحة لفحص ذلك هي إجراء بحثٍ سريريّ منظَّم مع وجود مجموعاتٍ رقابيّة.
  5. مُنِعَت إضافة مسحوق الطّلق للأرزّ في عدّة دُوَلٍ، من بينها الولايات المتّحدة. ومع ذلك، فغسلُ الأرزّ بالماء، منَ المفترضِ أن يُزيلَ أيَّ شَكٍّ لوجود مسحوق الطّلق. بالنسبة للإسبست، فالحديث يدورُ حول بقايا المادّة الخطرة الّتي قد تتواجد في مسحوق الطّلق الّذي لم تُستَخلَص كما يجب. ومن المفهوم أيضًا أنّه لا يُمكن الاستهانة بهذه البقايا، ولكن إن لم يتواجد مسحوقُ الطّلق، فمِنَ المرجَّح ألاَّ يوجد إسبست أيضًا.
  6. أُجرِيَ هذا البحث على الفئران، لذا فالاستنتاج هو أنّ لحِميَةِ الأرزّ تأثيرًا على مبنى معدة الفئران. هل يمكن الاستنتاج من ذلك، الأمرَ نفسَهُ عن بني البشر؟ ليس بالضّرورة. الاختلافات في التّغذية بين الفئران وبني البشر كبيرة جدًّا. وإذا أَرَدْنا أن نتعلَّم أكثر عن تأثيرات هذه المادّة أو تلك على بني البشر، فيجب فحصُ ذلك بتجاربَ سريريّةٍ أيضًا على بني البشر أو على الأقلّ على القِرَدَة. إضافةً إلى ذلك، يمكن لحِميَة الأرزّ أن تؤثّر علينا بشكلٍ معيّن، ولكنّ غياب مركبّات مهمّةٍ أخرى في الحِميَة يؤثِّر علينا أكثر. فالمقصود إذًا، أنّ هناكَ مؤشّرًا أوّليًّا لظاهرةٍ حقيقيّة، لكن لا أَساسَ حقيقيًّا لإقرارٍ قاطعٍ كما عرضنا أعلاه.
  7. يعرض هذا البحث حالةً تمّ فيها ترقيد ثلاثة أولاد في المستشفى في أعقاب مشاكلِ تغذيةٍ ، شَمِلَت، من ضمن ما شملت، لائحةً غذائيّةً فقيرةً بالزَّلاليّات، وغنيّة بحليب الأرزّ.
  8. والحديثُ هنا أيضًا عن حالاتٍ محدَّدةٍ لأُناسٍ تعرّضوا لغبارِ/دقيق أرزٍّ، وظهَرَت لديهم أعراضٌ مرافِقَة. ليسَ الحديثُ عن بحثٍ أُجريَ على مجموعةٍ سكانيّة، بل على شخصَيْنِ ٱثنَيْنِ فقط.
  9. وهنا أيضًا – ثلاثُ حالاتٍ محدَّدَةٍ.
  10. تناولَ البحثُ مجموعةً من الأولاد الّذين لديهم حساسيّة من الأرزّ، وقارَنَ بينَ ظهورِ التهابات أمعاءٍ لديهم ولدى أولادٍ يعانون من حساسيّة من حليب البقر وحليب الصُّويا. شمل هذا البحث عددًا قليلاً من المشتركين، وأشارت نتائجه إلى أنّ للأولادِ ذوي الحساسيّة من الأرزّ احتمالاً أكبر بأن يكونوا ذوي حساسيّة من حليب البقر وحليب الصُّويا. وهنا أيضًا، لا يمكن استنتاج استنتاجاتٍ من المجموعة السُّكانيّة كلِّهَا.

 تجدُرُ الإشارةُ إلى أنّ معظم هذه المقالات (لكن لا جميعها) قد نُشِرَت في مجلاّت صغيرة وفي رُكنٍ خاصٍّ جدًّا بمعاييرَ علميّةٍ متدنّية. في هذه المجلاّت نجدُ الكثيرَ ممَّا يُسمَّى بـِ "السَّبْق الصّحفيّ" – وهو عبارة عن مقالٍ يجلب استنتاجاتٍ عظيمةً مرتكزةً على معطياتٍ قليلةٍ وبجودة متدنّية. وبتعميمٍ فظٍّ، إذا وَجَدَ عالِمٌ ما حدثًا كبيرًا ومهمًّا، فإنّه سينشره في مجلّة مهمّة، أمّا إذا كان الاكتشاف المهمّ قد نُشِر في صحيفة غير معروفة، فمن المحتمل جدًّا أن يكون لذلك سببٌ.
يقوم مؤلّفو النّظريات المشكوك فيها، في كثيرٍ من الأحيان، بقصف القرّاء بكميّة كبيرة من المقالات ( كما فعَلْتُ أنا ) ويُحضِرون أصغر التّفاصيل المرتبطة، ولو بشكلٍ طفيف، بالظاهرة التي يبحثون عنها.
بالنسبة لهم، فإنّ الكَمَّ يتفوّق على الكيف بالطّبع، وعند القيام بمراجعة هذه المقالات الواحدَ تِلوَ الآخر وفحصها موضوعيًّا، يُكتَشَفُ عادةً أنّ البالونَ الكبير الذي تَمَّ نفخُهُ آخِذٌ بالانكماش حتّى لا يتبقّى منه شيءٌ. ولكن، ولنَكُنْ واقِعِيِّينَ، من لديه القدرة على قراءة مقالٍ أصليٍّ واحدٍ بعد جَلْبِ المعلوماتِ بصيغة مختصرةٍ وجميلةٍ، ذاتِ عناوينَ سهلةٍ للهضم؟ ولكن، ماذا لو كانت قد حُرِّفَت وشُوِّهَت؟
 

ما العمل إذًا؟
ستجدُ دائِمًا عناوين طنّانة تظهرُ في المواقع الإخباريّة وفي الصُّحُف كلّ يوم تقريبًا، وكذلك في المواقع التي ترغب في الكشف عن احتيالات مجلاّت مختلفةٍ – وخاصّةً في الطّبّ والتّغذية. عندما تتقدمون لقراءة مقال كهذا، فمن المفضَّل اتّخاذ بعض الخطوات الاحترازيّة:

  • قبل كلّ شيء، كونوا متشكِّكين بكلّ بساطةٍ ..لا تقبلوا كلّ شيءٍ يُقال لكم وكأنّه مفهومٌ ضمنًا.
  •  اِفحصوا مصادرَ المعلومة جيّدًا. تأكّدوا أنّها مرتكزة على أبحاث جدّيّة، وأنّها نُشِرَت في مجلاّت معروفة، وأنّ استنتاجاتِ الباحثين تلائِمُ الاستنتاجاتِ الّتي اختار الباحثُ أوِ المدوِّن إبرازَهَا.
  •  فتّشوا عن معلوماتٍ إِضافيّة في الشّبكة. عندما تُكشَف فضيحة، فهنالك مدوّنُونَ متشكِّكُونَ، يفحصونَ عادةً المعطياتِ ويكتُبُون نقدًا، إيجابيًّا كانَ أم سلبيًّا. ويمكن أن يكون في النّقد، وبشكلٍ غير قليل، تشويهٌ أيضًا، فيُرجى الحذرُ. 
  • وأنتم مدعُوُّونَ، بالطّبع، للحضور وطرح الأسئلة على طاقم المراسلين في دافيدسون أُون لاين، وسنقوم بالإجابة عنها قدرَ المستطاع.

 

0 تعليقات