بمناسبة شهر صحّة الأسنان: يُعدُّ السُكّر والحلوى، بقدر كبير من الحق، أساس ما يحصل لصحّة الأسنان من ضرر، إلّا أنّها لا تُشكّل إلّا جزءًا من العمليّة الّتي تؤدّي إلى التسوّس
طالما سمعنا، منذ الصغر، أنَّ تناول الحلوى يؤدّي إلى تكوّن الثقوب في الأسنان. إنّ ذلك صحيحٌ أساسًا إلّا أنّه يفتقر إلى الدّقّة. لا يضرُّ السُّكر وحده بنسيج الأسنان. ما يضرّ بالأسنان فعلًا وبشكل مباشر هو الحمض الّذي تفرزه البكتيريا القاطنة في الفم بشكل دائم، وذلك عندما تُحلِّلُ بقايا الطعام العالقة بالأسنان.
تقطن أنواع كثيرة من البكتيريا في الفم، ويؤدّي بعضها دورًا مهمًّا ومفيدًا في الحفاظ على صحّته. تعيش إلى جانب هذه البكتيريا المفيدة بكتيريا ضارّة قد تلحق الضرر بمينا الأسنان - وهي الطبقة الخارجيّة اللامعة الواقية للأسنان. لا تُلحق بكتيريا الفم عادة وبشكل عامّ أيّ ضرر إلّا أنّ عادات التغذية غير الصحّيّة وقلّة المحافظة على النظافة من شأنها أن تساعد البكتيريا الضارّة على التكاثر و الترعرع وإلحاق الضرر.
تفتقر المعادلة: "حلوى + أسنان يساوي ثقوبًا في الأسنان" إلى الدّقّة، على الرغم من أساسها الصحيح | Shutterstock, vectorlab2D
تتغذّى البكتيريا على بقايا الطعام العالقة بالأسنان واللثّة. تُفضّل هذه البكتيريا السكّريّات و بقايا الطعام الغنيّة بالكربوهيدرات لإنتاج الطاقة منها. تُطلق البكتيريا خلال عمليّة هضم السكّريّات والكربوهيدرات أحماضًا، خاصّةً حمض اللاكتيك (حمض الحليب). تنتج البكتيريا المزيد من الحمض كلّما تناولنا السكّريّات والكربوهيدرات ولم ننظّف أسناننا بعد الأكل. يُلحق الحمض الضرر بطبقة المينا وعاج الأسنان (الدنتين) نتيجة التلامس المستمرّ والمتواصل بينهما (بين الحمض والأسنان). يضعف طلاء السنّ تدريجيًّا إلى أن يتكوّن ثقب صغير فيه.
لاحقًا، قد يكبر الثقب، إذا لم تتمّ معالجته، ويصل إلى طبقات السنّ الداخليّة. يؤدّي ذلك إلى الإحساس بالألم وإلى تكوّن حساسيّة للبرودة والحرارة. قد يتأجّج الوضع فيما بعد ويتكوّن كيس من القَيْح (الصديد) وانتفاخ في اللثّة والسخونة أيضًا. وقد يبلغ الضرر درجة فقدان السنّ.
تُسمّى هذه العمليّة الّتي تسبّبها البكتيريا مرض تسوّس الأسنان. توجد دلائل على أنّ تسوس الأسنان هو مرض مُزمن أصاب بني البشر منذ قديم الزمان. قدّرت منظمة الصحّة العالميّة عدد الّذين يعانون من تسوّس الأسنان بحوالي 2.3 مليار شخص من الّذين اكتملت أسنانهم الثابتة و 560 مليونًا من الأولاد الّذين ما زالت أسنانهم أسنان الحليب.
نوعا البكتيريا الرئيسيّان الّذان يؤدّيان إلى مرض تسوّس الأسنان هما ستربتوكوكوس موتانس (Streptococcus mutans) وستربتوكوكوس سوبرينوس (Streptococcus sobrinus). تلتصق خلايا هذه البكتيريا بالأسنان بواسطة بوليمر سُكَّريّ اسمه دكستين وتكوّن طبقة من البكتيريا تُسمّى البْلاك (الترسّبات) على سطح السنّ وفي الفراغات الموجودة بين الأسنان واللثّة. من الضروريّ إزالة هذه الطبقة بعمليّة فرش الأسنان وغسيل الفم وتنظيف الأسنان على يد اختصاصيّة الأسنان. يمكن أن يقوم طبيب الأسنان بتنظيف بقايا المينا وإغلاق الثقب عندما يتكوّن بواسطة تعبئته بمادّة خاصّة.
يصيب الحمض الّذي تنتجه البكتيريا طبقة المينا والعاج الّتي تطلي السنّ إلى أن يتكوّن ثقب في السنّ. رسم توضيحيّ لثقب في السنّ. | Shutterstock, Alex Mit
الانتباه واستباق الحدث والعلاج
يصيب تسوّس الأسنان الأشخاص من جميع الأجيال. تصل البكتيريا الضارّة إلى الأطفال من الأم عادةً. يبدو أنّ البكتيريا الضارّة تصيب الأطفال الّذين تعاني أمهاتهم من مستويات عالية من هذه البكتيريا في وقت مبكّر مقارنة بالأطفال الّذين تحافظ أمهاتهم على صحّة ونظافة أسنانها.
ينتشر تسوّس الأسنان بين الأجيال 12 حتّى 19 سنة بشكل خاصّ. يقلّ انتشار المرض لدى الأولاد الصغار والشباب ويزداد انتشاره كثيرًا لدى الأشخاص البالغين الّذين يعانون من التراجع في اللثّة. وينتشر تسوّس الأسنان أيضًا لدى الأشخاص ذوي الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ المنخفض الّذين يقتاتون على كميّات كبيرة نسبيًّا من السكّريّات والكربوهيدرات،
يوصَى بتقليل تناول السكّرالمُعالَج أو السكّر المُقطّر مثل ذلك الموجود في الحلوى والحلويات والوجبات الخفيفة والمشروبات المُحلّاة وما شابه؛ وذلك لتجنّب الإصابة بتسوّس الأسنان. وتجدر الإشارة إلى أنّ تناول الأغذية المعدودة بأنّها صحّيّة، مثل الفواكه المجفّفة والعسل وعصير الفاكهة، من شأنه أن يؤدّي إلى التسوّس إذا لم نحذر من الإفراط فيها، ولم نحافظ على صحّة الأسنان. علينا أن نداوم على فرش الأسنان بصورة جذريّة ودائمة من أجل لجْم البكتيريا وتأثيرها الضارّ بالأسنان عن طريق إقفال الطريق أمام "احتفالها" على بقايا السكّر العالقة. علينا أيضًا التوجّه إلى طبيب الأسنان واختصاصيّة الأسنان بشكل دائم ومنتظم من أجل إزالة طبقة البلاك واكتشاف الثقوب في بداية مرحلة تكوّنها.
ومستقبلًا؟ قد يتمّ تطوير لقاح ضدّ البكتيريا الضارّة. تجري في العقود الأخيرة أبحاث ودراسات كثيرة في محاولة تطوير لقاح ضدّ التسوّس وقد تكلّل قسم منها بالنجاح، وذلك في التجارب الّتي أُجريت على الحيوانات، إلّا أنّ أيًّا منها لم يصل إلى مرحلة التجارب على بني البشر.