التّبغ، البتونيا، البطاطس والباذنجان أيضًا: ما الّذي نعرفه عن الفصائل النباتيّة المتنوّعة وعن دورها في الزّراعة العالميّة؟
الفصيلة الباذنجانيّة (Solanaceae) هي واحدة من الفصائل النباتيّة الكبيرة ومتنوّعة الأصناف، تشمل الشّجيرات، النّباتات المتسلّقة والأشجار الشّائعة في معظم مناطق العالم. تشمل حوالي 2700 نوعًا، بما في ذلك البندورة، البطاطا، الباذنجان والفلفل، والّتي تشكّل جزءًا لا يتجّزأ من العديد من المطابخ العالميّة والمحلّيّة. تُنتج محاصيل فصائل هذه العائلة أكثر من 500 مليون طنّ من المنتجات الزراعيّة سنويًّا، مما يمنحها أهمّيّة مركزيّة في الزّراعة العالميّة. بدأت عمليّة تدجين الأجناس المختلفة في هذه العائلة - ما يعني، التّغيير المتعمّد مع انتقاء (Selection) سماتها لتلبية احتياجات الإنسان - منذ آلاف السّنين في أمريكا الوسطى والجنوبيّة. على الرّغم من أنّ مادّة السّولانين (Solanine) الموجودة فيها تجعلها سامّة بشكل طبيعيّ، فإنّ طهي الثمار واستهلاكها عندما تكون ناضجة، أو في حالة البطاطا، الدّرنات وفقًا لتوصيات الاستهلاك، يُسمح للشخص باستهلاكها دون صعوبة.
تستمرّ الدّراسات الحديثة في اكتشاف أشياء جديدة حول الأنواع في الفصيلة الباذنجانيّة، لذلك لا يزال هناك الكثير لنتعلّمه. عند الحديث عن التّحدّيات ذات النّطاق العالميّ، مثل أزمة الملقّحات أو تغيّر المناخ، فإنّ التّعرّف على فوائد سمات فصيلة الباذنجانيّة وفهم تطوّرها - وتطوّر النّباتات من العائلات الأخرى بالطبع - هو أكثر أهمّيّة من أيّ وقت مضى.
الحلقة المفقودة: التّلقيح
على الرّغم من وجود الكثير من الأبحاث حول الفصيلة الباذنجانيّة، إلّا أنّه لم تُرسم بعد خريطة شاملة ودقيقة لطبيعة العلاقات الحيويّة، بين الأزهار في هذه العائلة وملقّحاتها. تحاول مراجعة الأدبيّات منذ أوائل عام 2024 فرز هذه العلاقات المتبادلة. حيث تمّت من خلالها مراجعة 261 منشورًا علميًّا، وجُمعت المعلومات الموجودة فيها لإنشاء صورة شاملة للرّابط، بين 251 من الملقّحات المختلفة وأنواع النّباتات الباذنجانيّة التي تلقّحها.
توصّل الباحثون إلى أنّ العديد من المحاصيل في الفصيلة الباذنجانيّة تعتمد على ملقّحات محدّدة، مثل النّحل. إنّ هذا الاكتشاف مثير للقلق، لأنّ أيّ تغيير في أعداد الحشرات ــ نتيجةً لتغير المناخ، على سبيل المثال ــ قد يكون له عواقب مدمّرة على المحاصيل الزّراعيّة إذا اختفت فجأة الأنواع التي تلقّحها أو انخفض توزيعها.
تُظهِر المراجعة أنّنا نفتقر إلى المعرفة - سواء في العلاقات بين المحاصيل والملقّحات، بسبب الافتقار إلى الأبحاث، وأيضًا إلى المعرفة التّجريبيّة النّاجمة عن الممارسات الزّراعيّة. يؤكّد الباحثون أنّ الفترة المقبلة تشكّل فرصةً مهمّةً للعلماء والمزارعين، للعمل معًا والتّعلّم من بعضهم البعض، لتعزيز إنتاج الغذاء وحماية البيئة.
تعتمد العديد من المحاصيل في الفصيلة الباذنجانيّة على ملقّحات محدّدة، مثل النّحل. النّحلة الطنّانة تلقّح زهرة البندورة | Shutterstock, AJCespedes
الحجم أم اللّون؟
حلّت دراسة رائدة هذا العام لغزًا طويلَ الأمد: ما هي العلاقات بين الأنواع المختلفة في عائلة الفصيلة الباذنجانيّة؟ تتميّز ثمار هذه العائلة بتنوّعها المذهل من حيث الحجم واللّون، لذا فإنّ رسم مخطّط لتطوّرها لم يكن بالأمر الهيّن. استخدم الباحثون بيانات الـDNA من 1786 جينًا من 247 نوعًا، رَسموا شجرة العائلة للفصيلةِ الباذنجانيّة، وفحصوا كيفيّة تطوّر أحجام الفاكهة وألوانها بمرور الوقت. تشير نتائج الدّراسة إلى أنّ الفصيلة الباذنجانيّة قد نشأت قبل نحو 53 مليون سنة، وتفرّعت أنواعها الرّئيسة قبل ما بين 27 و35 مليون سنة.
من أهمّ نتائج الدّراسة، هي فهم أنّ سمات الفاكهة تبقى محفوظة إلى حدٍ كبير طوال تطوّر الأنواع. الثّمار الخضراء متوسّطة الحجم هي على الأرجح الأكثر تشابهًا في شكلها مع الأسلاف. اكتشف الباحثون أنّ الثّمار ذات الألوان غير البارزة، مثل الأخضر على سبيل المثال، تميل إلى أن تكون أكبر حجمًا من الثّمار ذات الألوان الفاقعة، الأحمر أو البنفسجيّ مثلًا. يبدو أنّ هناك علاقة تطوريّة (Correlation) بين السّمتين - اللّون والحجم: فالثّمار الأكبر حجمًا تميل إلى أن تكون باللّون الأخضر، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى قدرتها على التّمثيل الضّوئيّ، وبالتّالي المساهمة في بناء نفسها. بالمقابل، فإنّ إنتاج الثّمار الحمراء "أكثر تكلفةً"، لأنّها لا تشارك في عمليّة التّمثيل الضّوئيّ. من المحتمل أنّ هذه البذور تطوّرت لجذب الحيوانات لنشرِ بذورها. تُظهر هذه النّتائج أنّ هناك تأثيرات مختلفة تحدّد حجم الثمرة ولونها، بدءًا من الحيوانات التّي تأكل الثّمار وصولًا بقيود القرابة العائليّة.
رسم الباحثون خريطة لشجرة عائلة النباتات الباذنجانية وفحصوا كيفيّة تطوّر أحجام الثمار وألوانها مع مرور الوقت. أشجار العائلة، مع الإشارة إلى اللّون (من اليسار) وحجم الثّمار | من المقال، Messeder, J.V.S. et al., New Phytol, 2024
عضو جديد (بالنّسبة لنا) في العائلة
الشّمّام الإجاصيّ (Solanum muricatum) هي فاكهة تشبه البطيخ في شكلها، وطعمها يشبه شيئًا ما بين الخيار والبطيخ، وتؤكَل عادةً في الهند وأمريكا الجنوبيّة. على الرّغم من أنّها أقلّ شهرةً في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك في البلاد، إلّا أنّها تكتسب اهتمامًا بسبب فوائدها الصّحّيّة المحتملة، وخاصّة لمرضى السّكّريّ. أظهرت دراسة ركّزت على خصائصها الغذائيّة والطّبّيّة أنّ الشّمام الإجاصيّ يتمتّع بمؤشّر جلايسيمي (Glycemic index) منخفض - أي أنّ تحلّلها في الجسم يكون بطيئًا نسبيًّا، ممّا يرفع مستويات السّكّر في الدّم تدريجيًّا. هذه الميزة تجعله طعامًا قد يكون مناسبًا لمرضى السّكّريّ. تحتوي الفاكهة أيضًا على موادّ مهمّة في الأنشطة البيولوجيّة (مركّبات نشطة بيولوجيًّا)، على سبيل المثال جزيئات ذات خصائص مضادّة للالتهابات، والّتي يُمكن أن تساهم في استخدامها المحتمل كمساعد في حالات صحّيّة أخرى طويلة الأمد.
كشفت الدّراسة أنّ هذه المركبات، بما في ذلك الفينولات والفلافونويدات، تلعب دورًا في تنظيم مستويات السّكّر في الدّم ومكافحة الالتهابات. تشير النّتائج إلى أنّ الشّمام الإجاصيّ قد يحتلّ مكانةً مرموقةً في السّوق العالميّة، باعتباره "غذاءً وظيفيًا" - وهو مصطلح لمنتجات الغذاء الّتي من المفترض أنّ لها فوائد طبّيّة. إنّ الوعي بفوائدها قد يرفع من مكانة الشّمام الإجاصيّ لأولئك الّذين يتطلّعون إلى اتبّاع نظام غذائيّ مفيد طبّيًّا.
يكتسب الشمام الإجاصيّ اهتمامًا كبيرًا بسبب فوائده الصّحّيّة المحتملة. شمام إجاصيّ | Shutterstock, Verena Butet Hanis
فكرة جديدة قديمة
كان نيكولاي فافيلوف (1887-1943;Vavilov) عالم أحياء، عالم نبات ومهندس زراعيّ، وقد قدّم مساهمات عميقة في فهمنا لتنوّع المحاصيل. اعتقد فافيلوف أنّه يجب إعادة تدجين النّباتات البرّيّة الّتي تمّ تدجين أصناف منها في الماضي والتي نستخدمها اليوم. إنّ الاستخدام الزراعيّ لأقارب المحاصيل المدجّنة، قد يؤدي إلى تسخير خصائصها الجينيّة، والّتي تظلّ في كثير من الحالات أكثر تنوّعًا بكثير من المحاصيل المزروعة، لصالح البشر. يسعى هذا النّهج إلى استخدام السّمات من المجموعة الجينيّة للأنواع البرّيّة، لتطوير المحاصيل الّتي ستكون مقاومة للتّحديات المختلفة، مثل الجفاف، الآفات وظروف الطّقس القاسية.
لتطوير فكرته، سافر فافيلوف كثيرًا، جمع البذور والعيّنات من النّباتات من أكثر من 60 دولة، بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المواد الوراثيّة لحماية مستقبل الزّراعة. إنّ مساهمته الأكثر شهرةً هي اصطلاح "مراكز التّوزيع" - مناطق جغرافيّة مميّزة تشكّل موطنًا لمحاصيلَ مدجّنة محدّدة. لقد آمن فافيلوف أنّ دراسة هذه المناطق من شأنها أن تساعد العلماء، على فهم التّنوّع الجينيّ للمحاصيل التّي تميّزها بشكل أفضل، حتّى يتمكّنوا من استخدام هذه المعرفة لتحسين أمن الغذاء - أي التّوافر الكامل للغذاء للسّكّان بالكامل، بكمياتٍ كافية ووفقًا لاحتياجاتهم وتفضيلاتهم.
إنّ الاستخدام الزراعيّ لأقارب المحاصيل الّتي تمّ تدجينها قد يؤدّي إلى تسخير خصائصها الوراثيّة، والتّي تظلّ في كثير من الحالات أكثر تنوّعًا بكثير من المحاصيل المزروعة، لصالح البشر. أنواع مختلفة من الذّرّة | ويكيميديا، Luigi Guarino
ربّما يمكن تشبيه أفكار فافيلوف بالبذور الّتي تؤتي ثمارها في شكل أبحاث حديثة. تشير مقالة رأي من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أنّ العائلة الباذنجانيّة تتمتّع بإمكانيّة تطوير أصناف جديدة بمساعدة الهندسة الوراثيّة، واستخدام الجينات من أقاربها البرّيّة المتعلّقة بمقاومة الإجهاد. تشير دراسة أخرى، صدرت في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى ضرورة تحديد النّباتات البرّيّة المقاومة للجفاف، أو لمخاطر أخرى، والاستفادة من هذه المقاومة لصالح المحاصيل الزراعيّة. من الممكن العثور على مثال على ذلك في دراسة جديدة، حيث حدّد الباحثون الجينات من أصناف البندورة البرّيّة واستخدموها لتصميم بندورة كبيرة وحلوة بشكل خاصّ. إنّ العمل بهذه الطّريقة يجعل من الممكن إحداث تغييرات وراثيّة كبيرة في وقت قصير نسبيًّا - وهي نفس التّغييرات المطلوبة لمقاومة الظّروف القاسية. إنّ الوسائل التّكنولوجيّة الحديثة تمكّن من إجراء التّغييرات على المستوى الجزيئيّ، وهذا يعمل على تسريع العمليّات التي قد تستغرق في الطبيعة أجيالاً عديدة، إن استغرقت شيئًا على الإطلاق.
توضّح هذه الدراسات كم علينا أن نتعلّم المزيد عن الفصيلة الباذنجانيّة، والدّور المهمّ الّذي يمكن أن تلعبه في معالجة التّحدّيات العالميّة. من التّعرّف على حبوب اللّقاح النباتيّة وتطوّر ثمارها، إلى استكشاف الإمكانات الطبّيّة للثّمار غير المستغلّة بشكل كافٍ، إلى مرونة الأنواع البرّيّة - كل اكتشاف يقرّبنا من إنشاء أنظمة غذائيّة أكثر استدامةً وأمنًا. إنّ مواصلة البحث في هذه المجالات الحيويّة من شأنه أن يوفّر حلولاً لا تعمل على تحسين الزّراعة فحسب، بل تساهم أيضًا في تحسين الصّحّة وحماية البيئة وأمن الغذاء، في مواجهة تغيّر المناخ والنّموّ السّكّانيّ. إنّ إعادة تدجين السّلالات البرّيّة المقاومة، إلى جانب الرّؤى الجديدة، قد يحمل وعدًا بمستقبلٍ أفضل.