يتكوّن الغلاف الجوّيّ للأرض من خمس طبقات، جميعها ضروريّة، بما فيها من غازات، للوجود البشريّ على الكرة الأرضيّة
دعونا نتحدّث عن الهواء هنيهةً. يحيط بنا الهواء من كلّ جانب، يتوغّل في رئاتنا ويضغط على أعضاء أجسادنا دون هوادة، ونحن نكاد لا ندري بوجوده. الهواء، علميًّا، هو جميع الغازات المحيطة بنا على الكرة الأرضيّة. تشكّل هذه الغازات الغلاف الجوّيّ للأرض، وهو يتميّز في تركيبته عن الغلافات الجوّيّة لكواكب المجموعة الشّمسيّة الأخرى الّتي يوجد لها غلاف جوّيّ.
من أين أتى الغلاف الجوّيّ؟ تكمن الإجابة عن هذا السّؤال في قوّة الجاذبيّة، جاذبيّة الكرة الأرضيّة للأجسام، تلك الّتي أسقطت، حسب الأسطورة، التّفّاحة على رأس أيزيك نيوتن. تتشكّل قوّة جاذبيّة الكرة الأرضيّة للأجسام من حولها بفعل كتلة الأرض، إذ ينجم عنها حقل الجاذبيّة. تنجذب، بفعل قوّة الجاذبيّة هذه، كافّة الموادّ ذات الكتلة، بدءًا من الصّخور الصّلبة تحتنا، مرورًا بالمحيطات الّتي تكتظّ بالمياه السّائلة، وانتهاءً بالغلاف الجوّيّ الموجود برمّته في الحالة الغازيّة.
تركيبة غلاف الأرض الجوّيّ (بدون الماء). غالبيّته نيتروجين وأكسجين | grayjay, Shutterstock
تركيبة الغازات
يًشكِّل عنصر النيتروجين غالبيّة غازات الغلاف الجوّيّ، إذ تبلغ نسبته 78 بالمئة من مجمل الغازات فيه. النيتروجين هو العنصر السّابع في جدول العناصر الدّوريّ، وهو غاز عديم اللّون والطّعم والرّائحة، ويفتقر لِلنّشاط الكيميائيّ. ويلي الأكسجينُ النيتروجينَ من حيث التّركيز في الغلاف الجوّيّ، إذ تبلغ نسبته 21 بالمئة من مجمل الغازات. يحتاج بنو البشر وغالبيّة المخلوقات في هذا العالم إلى الأكسجين لِعمليات إنتاج الطّاقة، ولا يمكن أن تعيش المخلوقات حياتها المعقّدة المعروفة لنا بدونه. يبحث رجال الفضاء، في محاولاتهم العثور على دلالات لوجود حياة على كواكب سيّارة غير الأرض، عن "الدّليل الدّامغ" الّذي يتمثّل بنسبة الأكسجين في غلافاتها الجوّيّة، أو كمّيّة الماء، فهو يحتوي على الأكسجين في تركيبته.
غاز الأرغون، العنصر النّبيل، هو الغاز الرّئيس من حيث الكمّيّة من بين بقيّة الغازات في الغلاف الجوّيّ، والّتي لا تتعدّى نسبتها مجتمعةً واحدًا بالمئة. من الجدير بالذّكر أنّ غاز ثاني أكسيد الكربون له تأثير كبير جدًّا على عالمنا، ذلك على الرّغم من نسبته المنخفضة في الغلاف الجوّيّ والّتي لا تتجاوز أربعة في المئة في المئة من مجمل الغازات فيه. تتمثّل أهمّيّة هذا الغاز في كونه "غاز الدّفيئة" الرّئيس في الغلاف الجوّيّ. تحافظ غازات الدّفيئة على حرارة الكرة الأرضيّة إذ "تحبس" الأشعّة الّتي تصل إلى الأرض من الشّمس وتعيق انبعاثها إلى الفضاء من جديد. لا ندري فيما إذا كان من الممكن العيش على الكرة الأرضيّة، وكيف، بدون وجود غازات الدّفيئة في الغلاف الجوّيّ، إذ إنّ معدّل درجة الحرارة على الكرة الأرضية كان سَينخفض حوالي 30 درجة سيلزيوس بدون وجود هذه الغازات.
تُجابه البشريّة، جنبًا إلى جنب مع أهمّيّة غازات الدّفيئة لوجود الحياة على الأرض، مشكلةً تتمثّل في ازدياد نسبة هذه الغازات الّتي تعاظمت وتيرة انبعاثها إلى الغلاف الجوّيّ منذ حلول الثّورة الصّناعيّة، الأمر الّذي أدّى إلى زيادة احترار الأرض. يبدو أنّ مناخ الكرة الأرضيّة برمّته آخذ بالتّغيّر، إذ ازدادت الفيضانات والعواصف والقحط، وما إلى ذلك من الحوادث المناخيّة المدمّرة.
يُشكّل الماء مُكوِّنًا هامًّا في الغلاف الجوّيّ. يمكن أن يتواجد الماء في الغلاف الجوّيّ في الحالة الغازيّة (بخار الماء)، أو في الحالة السّائلة (قطرات من الماء، مثلًا في الغيوم)، وفي الحالة الصّلبة أيضًا (بلّورات جليديّة في بعضٍ من الغيوم). يتغيّر تركيز الماء في الغلاف الجوّيّ، والّذي يُسمّى نسبة الرّطوبة في الجوّ، من مكان إلى آخر، وفي المواسم المختلفة. مثلًا، لا بدّ أنّ غالبيّتنا، في البلاد، قد شعر بالفرق الحادّ بين رطوبة الجوّ العالية في السّهل السّاحليّ (مدينة تل أبيب مثلًا) في أشهر الصّيف، وبين الجفاف النّسبيّ الّذي تتميّز به حالة الطّقس في المناطق الجبليّة (القدس مثلًا) في الموسم نفسه من السّنة. قد تصل نسبة بخار الماء، الّذي لا بدّ من تواجد كمّيّة منه، وبشكل دائم، في الطّبقات السّفلى من الغلاف الجوّيّ، إلى أربعة بالمئة.
يقلّ تركيز الغازات مع الارتفاع عن سطح الكرة الأرضيّة. طبقات الغلاف الجوّيّ | gritsalak karalak, Shutterstock
طبقات فوق طبقات
تشير نسبة الرّطوبة في الغلاف الجوّيّ إلى أنّ هذا الغلاف ليس بالضّرورة متجانسًا ، إذ تميل نسبة بخار الماء للارتفاع بالقرب من مصادر المياه الحارّة، مثلًا. أضف إلى ذلك أنّ كثافة الغازات تقلّ في أعالي الغلاف الجوّيّ. قد يصعب التّنفّس أحيانًا على الشّخص الموجود في المرتفعات الجبليّة، وقد يصاب بداء المرتفعات، بسبب انخفاض تركيز الأكسجين هناك.
من المعتاد تقسيم الغلاف الجوّيّ إلى عددٍ من الطّبقات. الطّبقة السّفلى الّتي نعيش فيها نحن وسائر المخلوقات هي طبقة المتكوّر الدّوّار (التروبوسفير). يبلغ سمك هذه الطّبقة سبعة كيلومترات فوق القطبين: الشّماليّ والجنوبيّ، وسبعة عشر كيلومترًا فوق خطّ الاستواء، وهي تحتوي على 75 - 80 بالمئة من هواء الغلاف الجوّيّ. تنخفض درجة حرارة الهواء في هذه الطّبقة كلّما صعدنا فيها إلى أعلى، الأمر الّذي يجعل الطّقس باردًا جدًّا في قمم المرتفعات الجبليّة الشّاهقة، وتتغيّر حالة الطّقس فيها باستمرار، وقد يحدث هذا التّغيّر خلال بضع ساعات فقط. تتواجد الغالبيّة العظمى من رطوبة الغلاف الجوّيّ في هذه الطّبقة، على شكل غيوم وأمطار وأشكال أخرى.
المتكوّر الطّبقيّ (الستراتوسفير) هو الطّبقة التّالية، فوق المتكوّر الدّوّار، وهي تعلو حتّى ارتفاع يصل إلى حوالي خمسين كيلومترًا فوق سطح الأرض. توجد طبقة الأوزون، الّتي تمتصّ غالبيّة أشعّة الشّمس فوق البنفسجيّة الخطيرة، في طبقة المتكوّر الطّبقيّ. ترتفع، نتيجة لذلك، درجة حرارة الهواء في هذه الطّبقة مع الصّعود إلى أعلى. تعمل هذه الظّاهرة، المسمّاة بالانقلاب الحراريّ، على استقرار هذه الطّبقة من الغلاف الجوّيّ، إذ تُبطئ من وتيرة التّغيّرات فيها. قد تكون لهذه الظّاهرة آثار بعيدة المدى أثناء حدوث الانفجارات البركانيّة مثلًا. قد تدوم آثار الرّماد البركانيّ سنين طويلة فيما إذا وصل إلى طبقة المتكوّر الطّبقيّ واخترَقها، في حين تزول آثاره سريعًا في حال بقي هذا الرّماد في طبقة المتكوّر الدّوّار.
توجد ثلاث طبقات أخرى في الغلاف الجوّيّ فوق طبقة المتكوّر الطّبقيّ، هي: المتكوّر الأوسط (الميزوسفير)، المتكوّر الحراريّ (الثيرموسفير) والمتكوّر الخارجيّ (الإكسوسفير). تبلغ نسبة الغازات في الطّبقات الثّلاث مجتمعة حوالي واحدًا بالمئة فقط من مجمل كتلة غازات الغلاف الجوّيّ، ممّا يجعل كتلة هذه الطّبقات الثّلاث هامشيّة بالنّسبة لكتلة الطّبقتين السّفليّتين. توجد لِهذه الطّبقات الثّلاث، على الرّغم من ذلك، أهمّيّة بالغة، إذ تعمل على تصفية الأشعّة الخطيرة ذات الأمواج الّتي هي أقصر (وأعلى تردُّدًا وطاقة) من أمواج الأشعّة فوق البنفسجيّة (الّتي تصل إلى طبقة المتكوّر الحراريّ حيث يتم ّامتصاص جزءٍ كبيرٍ منها)، كما وتقوم هذه الطّبقة بردع النّيازك الّتي قد ترتطم بالأرض وتلحق أضرارًا هائلة فيها.
لا شكّ في أهمّيّة الهواء من حولنا، على الرّغم من أنّنا لا نكترث به كثيرًا، ولا نطيل التّفكير فيه. تشكّل طبقات الغلاف الجوّيّ الخمس أساس وجودنا، ليس فقط في حمايتنا من درجات الحرارة المتطّرفة، ومن الأشعّة الخطيرة ومن النّيازك - إنّها الهواء الّذي نتنفّسه بكلّ ما تحتويه هذه العبارة من معنًى. تأخذ كلّ طبقة من طبقات الغلاف الجوّيّ دورًا جوهريًّا في هذا النّظام المعقّد، وتحمينا، وتحمي كافّة أشكال الحياة في عالمنا.