لماذا ننجذب إلى لمس أجزاء الجسم الّتي تؤلمنا؟ تشير الدّّراسات إلى أنّ اللّمس قد يقلّل من الإحساس بالألم، كما وأنّها تقترح تفسيرات لهذا الفعل.
سواء كان جرحًا في الفم، أو خدشًا في السّاق أو بثرة مؤلمة- نعرف جميعًا رغبتنا في لمسها مرارًا وتكرارًا. لماذا إذن نلمس الأماكن المؤلمة؟ يُقدم الباحثون عدّّة تفسيرات محتملة.
التّفسير الأوّل، وربّما الأكثر بديهيّة، هو أنّنا نريد أن نستشعر مدى الضّرّر الّذي ألحقته بنا الإصابة ونقدّره. ولكن هل هناك أسباب أخرى؟
حسنًا، أحد الأسباب المحتملة هو أنّ اللّمس ينشِّط المستقبلات الميكانيكيّة. وهي مستقبلات اللّمس الموجودة في الجلد، والّتي تنقل المدخَلات الحِسِّيّة إلى منطقة في الدّماغ، تسمّى: القشرة الحسِّيّة الجسديّة. تقوم هذه المنطقة من الدّّماغ بمعالجة المعلومات حول الأحاسيس في الجلد، بما في ذلك: الملمس، درجة الحرارة والألم. عندما تُبلِّغ هذه المستقبلات عن الإحساس بالألم، فإنّ تنشيطها بواسطة اللّمس يؤدّي على ما يبدو إلى تخفيف الألم. أظهرت الأبحاث الّتي أُجريت على حيوانات مختبر مخدّرة أنّ بعض الخلايا العصبيّة في الحبل الشّوكيّ لديها نطاق واسع من العمل: تستجيب هذه الخلايا للّمس بطريقة معيّنة، بينما تستجيب للألم بطريقة أخرى. بينما الخلايا العصبيّة الأخرى أكثر تحديدًا، وتستجيب إمّا لتحفيز اللّمس وإمّا للألم فقط. الخلايا ذات النّطاق الواسع من العمل هي تلك الّتي تشكّل أساس ظاهرة تقليل الألم عن طريق اللّمس.
تتمتّع بعض الخلايا العصبيّة في الحبل الشوكيّ بنطاق واسع من الفعالية، وتستجيب للّمس بطريقة معينة وللألم بطريقةٍ أخرى. رسم توضيحيّ لمسار استشعار الألم من الجلد أو العضلات حتّى الدماغ Witt-Deguillaume, BSIP, Science Photo Library
تخفيف الألم بواسطة المحفِّزات الإضافيّة
قامت إحدى الدّراسات حول هذا الموضوع بدراسة ردّ فعل الفئران عندما تشعر بالألم النّاتج عن الحرارة بالتّزامن مع شعورها باللّمس في منطقة الوجه. قام الباحثون بتقسيم الفئران إلى مجموعتين: فئران ذات شوارب (شعيراتٍ أنفيّة) وفئران أُزيلت شواربها. بعد ذلك، سبّبوا لجميع الفئران شعورًا بألمٍ في الوجه. وخلال هذه العمليّة، قاموا بلمس شعيرات الفئران من المجموعة الأولى. راقب الباحثون حركات "مسح الوجه" الّتي تقوم بها الفئران، والّتي تحاول من خلالها إزالة المحفّز المؤلم، كما وأنّها تعكس شدّّة الألم والانزعاج اللذين تشعر بهما. الفئران الّتي تمّت إزالة شواربها، والّتي تلقّت تحفيزًا مؤلمًا فقط دون لمسها، قامت بحركات "مسح" أكثر للوجه؛ ممّا يعني أنّها قد شعرت بالانزعاج بدرجةٍ أعلى. خلص الباحثون إلى أنّ بعض الخلايا العصبيّة الّتي تنشَط عند تشفير معلومات الألم، استجابت بشكلِ مختلف عندما شعرت الفئران بالألم واللّمس في الوجه، مقارنة بحالة شعورها بالألم فقط.
مقطع فيديو يوضّح تفاعل الفأر مع المحفِّز:
كما فحص الباحثون ما يحصل عندما يحدِثون "تماسًا" يمنع نشاط بعض الخلايا العصبيّة في منطقة الدّّماغ الّتي ذكرناها، وهي القشرة الحسِّيّة الجسديّة؛ إذ وجدوا أنّ "تعطيل" هذه الخلايا العصبيّة يلغي التّأثير الإيجابيّ للمس الوجه وتحريك الشّارب على الإحساس بالألم. وهكذا، أظهر الباحثون أنّ هذه المنطقة من الدّماغ مرتبطة بتخفيف الألم بواسطة اللّمس.
كذلك، فإنّ اللّمس يساهم في تخفيف الألم عند البشر أيضًا. في دراسة أجريت عام 2010، طلب الباحثون من المشاركين وضع السّبابة والبنصر في الماء السّاخن ووضع الأصبع الأوسط في الماء البارد (تستطيعون تجربة ذلك في المنزل، وطبعًا دون استعمال الماء المغليّ!). مثل هذا الحالة، تخلق وهمَا بأنّ الأصبع الأوسط"يحترق"، وبالفعل فقد أفاد الأشخاص أنّهم شعروا بالألم. عندما طُلب من الأشخاص لمس الأصابع المتألّمة بأصابع اليد الأخرى، أبلغ أكثر من نصف الأشخاص عن انخفاض في الإحساس بالألم.
يتمّ تحديد مستوى الألم ليس فقط من خلال إشارات الألم الّتي تصل إلى الدّماغ؛ بل أيضًا من خلال الطّريقة الّتي يقوم بها الدّماغ بفكّ تشفير هذه الإشارات. رسم توضيحيّ للقشرة الحسِّيّة الجسديّة | Kateryna Kon, Science Photo Library
انعكاس الألم في الرّؤية
ليس اللّمس فقط، وإنّما، ووفقًا للدّراسات، فإنّ رؤية العضو المتألّم له تأثير على إدراك الألم أيضًا. في إحدى هذه الدّراسات، استخدم الباحثون مرآةً تشوّه حجم ما ينعكس فيها، دون شكله. وجّه الباحثون مسبّبات تحفيزٍ مؤلم في راحة يد المشاركين. وخلال هذه العمليّة، شاهد المشاركون راحة اليد منعكسة في المرآة بحجمها الحقيقيّ، أكبر أو أصغر. إنّ مجرد النّظر إلى راحة اليد أثناء التّحفيز المؤلم ساعد الأشخاص على التّغلّب على الألم، مقارنة بالموقف الّذي نظروا فيه إلى شيء آخر. فضلًا عن ذلك، كان لحجم اليد كما ينعكس في المرآة تأثير على الشّعور بالألم، بحيث أنّ الأشخاص الذين رأوا راحة اليد المنعكسة كما لو كانت أكبر، أبلغوا عن ألم أخفّ مقارنة بالأشخاص الذين رأوا راحة يدهم بحجمها الفعليّ أو أصغر.
في الختام، إنّ مستوى الألم لا يتمّ تحديده فقط بواسطة إشارات الألم الّتي تصل إلى الدماغ، بل أيضًا من خلال الطّريقة الّتي يفكّك بها الدّماغ هذه الإشارات ويربطها بتمثيل الجسم كلّه. إنّ لمس الجزء المؤلم من الجسم، والنّظر إليه إلى حدٍّ ما، يرسل معلومات وإشارات إضافيّة إلى الدّماغ، ممّا يساعد الدّماغ على تكوين صورة كاملة عن جميع أجزاء الجسم والإشارات القادمة منها، وبالتّالي تحجيم الألم وتخفيفه.
تدليك، تطهير
قد يكون للمس الجزء المؤلم من الجسم أيضًا فوائد إضافيّة- يمكن أن يزيد التّدليك من تدفّق الدّم إلى المنطقة المصابة، وبالتّالي تسريع عمليّة التّمثيل الغذائيّ فيها ومساعدة المنطقة على التّعافي بشكلٍ أسرع. وما لا يقلّ أهمّيّة، فإنّ اللّمس يمكنه أن يوفّر الرّاحة النّفسيّة أيضًا؛ فهو يسمح لنا بالتّواصل مع أجسادنا والشّعور بأنّنا متنبّهين لما يحدث فيه، وأنّ لدينا بعض السّيطرة على الموقف. تجدر الإشارة إلى أنّه في حالة وجود جروح مفتوحة، فإنّ التّلامس قد يسبّب العدوى، لذلك من المفيد تطهير الجروح المفتوحة وتضميدها بشكل صحيحٍ، وليس مجرد لمسها. في حالات أخرى، لا مشكلة في لمس الموضع الّذي يؤلمك تحديدًا، بل حتّى أنّه من المفيد فعل ذلك.