يمكن استخدام العديد من المواد للحدّ من قدرة ضحايا الاعتداء الجنسيّ على المقاومة. ما هو تأثير هذه المخدّرات علينا؟

بدأت تنتشر في أوائل التسعينيات في المملكة المتَّحدة أخبار حول تعرّض النساء للاغتصاب أو الاعتداء الجنسيّ في أوقات التسلية، بعد أنْ قام شخص مجهول بدسّ مادّة غير معروفة في مشروبهنّ. كشفت الفحوصات اللّاحقة عن وجود مواد مهدّئة ومخدّرة في بول المشتكيات ودمائهنّ. بعد سنواتٍ قليلةٍ فقط أُطلِقَ على هذه المواد اسم "مخدّرات الاغتصاب"، لكنّها كانت موجودة من قبل ولم تتوقّف حتى الآن. كيف تعمل مخدّرات الاغتصاب على الجسم، ما هي أعراضها والعلامات الصّادرة عنها كضوء أحمر يُساعدنا بتحديد إذا ما كان بالجوار شخص ما تمّ تخديره؟

لا يُعتبر "مخدّر الإغتصاب" مادّة واحدة فحسب، بل هو اسم عامّ للمهدّئات التي تعمل على الجهاز العصبيّ المركزيّ، التي بدورها قد تسهّل عمليّة الاعتداء الجنسيّ. بعضها عديم الطّعم، الرّائحة واللّون، أو لا يمكن ملاحظتها عند تخفيفها في الشراب. قد تختلف تأثيرات هذه المواد، من دواءٍ إلى آخر ومن شخصٍ إلى آخر، لكنّ القاسم المشترك بينها جميعًا هو أنها قد تسبّب الشعور بالضبابيّة، الارتباك، انخفاض القدرة على مقاومة شخص آخر وفقدان الوعي أو الذاكرة. المخدّرات الأربعة الأكثر شيوعًا هي: جاما هيدروكسي بيوتيريت (Gamma-Hydroxybutyric) وتعرف أختصارًا بـ "GHB"، كيتامين (Ketamine)، رويفينول (Flunitrazepam) والكحول، كما هنالك العديد من الأدوية الأخرى.

يزداد تأثير معظم مخدّرات الاغتصاب إذا شُرِبت مع الكحول، وهو أمر شائع بالفعل في المناسبات الاجتماعية كقضاء الوقت في الحانة. أمّا السبب من وراء هذا التأثير هو أنّ الكحول ومخدّرات الاغتصاب الأخرى تعمل على نفس المواقع في الدماغ ولها تأثير مماثل. قد يعيق الدمج بينهما على عمليات تحليل المخدّر، حيث أنّ الإنزيمات المسؤولة عن تحليل المادّتين "تفضّل" أحيانًا تحليل الكحول، ممّا يسمح للمخدّر بالتراكم وزيادة تأثيره.  

מודל של מולקולת GHB | איור: Dr Tim Evans / Science Photo Library
خطِير جدًّا، خاصّة عند دمجه مع الكحول. نموذج لجزيء GHB| رسم: د. تيم أيفانز - Science Photo Library
 

من رافعي الأثقال إلى مرفّهٍ في الحفلات: جاما هيدروكسي بيوتيريت (GHB)

تمّ تصنيع المخدّر جاما هيدروكسي بيوتيريت (Gamma-Hydroxybutyric)، أو ما يعرف باختصار بـ "GHB"، لأوّل مرّة في 1874، لكن لم يتمّ اختبار تأثيره على البشر حتّى سنوات الستينات من القرن العشرين، لتطوير دواء تخدير فعّال، والذي أُعطيَ في البداية للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في النوم. في ذات الوقت، حظي بشعبيّة كبيرة بين رافعي الأثقال المحترفين لمساهمته في زيادة مستوى هرمون النموّ في الدم والكتلة العضليّة. في سنوات التسعينات، زاد استخدامه في الحفلات بسبب سعره الرخيص وبساطة إنتاجه، ولأنّه في جرعاته القليلة قد يعطي إحساسًا بالتحرّر والثمل الطفيف، ويسبّب الثرثرة وزيادة الرغبة الجنسيّة. يُعرف أيضًا باسم "جي" (G) أو "جينا" (Gina)، والعديد من التسميات الأخرى.

ينتقل المخدّر من الجهاز الهضميّ إلى الدم، ويعبر بسهولة الحاجز الدمويّ الدماغيّ (Blood-Brain-Barrier)، الذي تتمثّل وظيفته في الحدّ من انتقال مواد معيّنة إلى الجهاز العصبيّ المركزيّ. تسهم في ذلك حقيقة أنّ مخدّر الـ- GHB موجود في الدماغ بشكل طبيعيّ، على الرغم من أنّ كمّيّته صغيرة جدًّا. ينبع عمله في الدماغ من قدرته على الارتباط بالناقل العصبيّ "الحمض غاما -أمينوبيوتيريك" (GABA - Gamma-Aminobutyric acid)، ومن خلاله يقلّل من نشاط الخلايا العصبيّة في الدماغ. في الوضع الطبيعيّ، يحافظ الجهاز العصبيّ على التوازن بين الناقل العصبيّ GABA، والناقلات العصبيّة الأخرى التي تزيد من النشاط العصبيّ، لكن كلّما ازدادت كميّة مخدّر الـ- GHB، كان تأثيره المُثبط أقوى على الجهاز العصبيّ.

يبدأ تأثير مخدّر الـ GHB بعد تناوله بحوالي ربع ساعة أو أكثر. يتمثل في الشعور بالتعب، بطء في التنفّس وتباطؤ معدّل النبض. في وقتٍ لاحق، يتطوّر الشعور بالضبابيّة مصحوبًا بالنشوة، يليها النعاس وفقدان الوعي بالتناوب. في الحالات الشديدة، يمكن أن تحدث النوبات وحتّى الغيبوبة. من السهل جدًّا تناول جرعة زائدة، نظرًا لأنّ الفرق بين الجرعة التي تعطى إحساسًا بالتحرّر والجرعة التي تسبّب فقدان الذاكرة، الشعور السيء، فقدان الوعي، صعوبة التنفس وحتّى الموت، هو ضئيل. يعتبر مخدّر الـ- GHB خطير جدًّا إذا تمّ دمجه مع مواد مثبطة أخرى، كالكحول والكيتامين.

פרמדיק עם בקבוק קטמין נוזלי | צילום: Kevin Link / Science Photo Library
بدأ كمخدّر بيطريّ وأصبح مخدّر النوادي. مسعف مع زجاجة الكيتامين السائل| تصوير: كيفين لينك -  Science Photo Library
 

من الحيوانات للبشر: الكيتامين

تمّ تطوير الكيتامين (Ketamine) لأوّل مرّة في سنوات الستّينات، ولم يدخل حيّز الاستعمال حتّى سنوات التسعينات. اُستخدِم في الأصل كمخدّر بيطريّ، لكن وصفه الأطباء كمسكّن آلام للبشر. يرتبط الكيتامين في الدماغ بمستقبلات ن-مثيل-د-أسبارتات (NMDA- N-Methyl-D-aspartic acid)، التي تسبّب انخفاضًا في النشاط الحركيّ. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر مخدّرًا مهلوسًا يسبّب مشاكل في الانتباه، ضعف الحكم والشعور بالانفصال (تجربة الخروج من الجسد) والمزيد من التأثيرات الأخرى. يتمّ استخدامه لدراسة مرض انفصام الشخصيّة نظرًا لقدرته على محاكاة بعض أعراض المرض، واختباره لعلاج الاكتئاب. يُستعمل كمخدّر في النوادي الليليّة ويُسمّى بـ "ك" (K)، كيتكات (Kitkat)، "ك خاصّ" (Special K)، "فيتامين ك" (Vitamin K) والمزيد.

قد يشعر ضحايا مخدّر الاغتصاب بنبض غير منتظم، ارتفاع ضغط الدم والغثيان بعد حوالي نصف ساعة من ابتلاعه. تدّعي بعض النساء أنهنّ شعرن بقليلٍ من المرارة في المشروب بعد دسّ الكيتامين فيه. يثير المخدّر الشعور بالانفصال، الهدوء، الارتباك، فقدان الإحساس بالوقت، ضعف الذاكرة وعدم التحكّم في حركات الجسم. قد تكون له أيضًا آثار طويلة المدى، كضعف مهارات التفكير الطبيعيّ. من الخطير دمجه مع الكحول أو مخدّر الـ GHB، لأنّه يزيد من تأثيرهما.
 

من شفّاف إلى أزرق: رويفينول

ثالث أكثر مخدّرات الاغتصاب شيوعًا- على الأقل وفقًا لوسائل الإعلام- هو فلونيترازيبام (Flunitrazepam)، والمعروف تحت الأسماء التجاريّة "رويفينول" (Rohypnol) أو هيبنودورم (Hypnodorm)، والمعروف أيضًا باسم "روفيز" (Roofies). طُوّر في سنوات الستينات من القرن العشرين، وبدأ استخدامه في سنوات السبعينات كدواء قويّ بشكل خاصّ لعلاج الأرق.

يشبه تركيبه الكيميائيّ مهدّئ الفالويم (Valium) إلى حدٍّ بعيدٍ، الذي يعطى للأشخاص الذين يعانون من القلق، لكن نظرًا للاختلاف الكيميائيّ الصغير بينهما، فإنّ الرويفينول أقوى بعشر أضعاف من الفاليوم. لا يزال الرويفينول يسوّق كدواء قانونيّ في بعض البلدان، وفي عام 1998، في محاولة لمنع إساءة استخدامه، تمّ تغيير الحبوب التجاريّة بحيث لا تذوب جيّدًا في الماء. كما وأضافوا مادّة تغيِّر لون المشروب للأزرق، بحيث يسهّل التعرّف عليه في المشروبات الشفّافة.

תרופת ההרגעה רוהיפנול | צילום: Josh Sher / Science Photo Library
من يتناول هذا المخدّر، لا يتذكّر شيئًا ممّا حدث بعد بضع دقائق منذ تناوله. دواء التهدئة - الرويفينول| تصوير: جوش شير -  Science Photo Library

يرتبط الرويفينول أيضًا بمستقبلات GABA، وله دور في تنجيع الاتّصال بين الخلايا العصبيّة للخلايا الأخرى في الجسم. نظرًا لكون الخلايا العصبيّة في الجسم مسؤولة عن تكوين البروتينات المرتبطة بالذاكرة، كما أنّ للرويفينول القدرة على تعطيل عمليّة تكوين اللبنات الأساسيّة لهذه البروتينات، فإحدى تأثيراته هي التسبّب أيضًا باضطرابات الذاكرة (فقدان الذاكرة- Amnesia). ويشهد الكثير ممّن تعرّضوا للرويفينول أنّهم لا يتذكّرون شيئًا ممّا حدث بعد بضع دقائق من ابتلاعه. يعتمد تأثير المخدّر على الجرعة، والخصائص الشخصيّة لمتناوِله، لكن على غرار مخدّر الـ- GHB قد يعاني الضحايا أيضًا من التعب وتشويش في الحواس.

"سطع نجم" الرويفينول عدّة مرّات في وسائل الإعلام كمخدّر يُستخدم لتنفيذ الاعتداءات الجنسيّة. مع ذلك، وبحسب تقرير صدر عام 2009، فإنّ نسبة الاعتداءات التي حصلت تحت تأثيره ضئيلة للغاية، إنّما جزء كبير منها ينفّذ بمساعدة مخدّرات التهدئة الأخرى أو الكحول.

المخدّر القانونيّ: الكحول
من المهمّ أن نتذكّر أنّه يمكن أيضًا استخدام الكحول كمخدّر اغتصاب، نظرًا لأنّه يسبّب الضبابيّة، وهو بالفعل أكثر مخدّرات الاغتصاب استعمالًا، إضافةً إلى أنّه الأقدم. تتناول التوراة قصّتين عن تأثير الثمل في الاعتداءات الجنسيّة - قصّة نوح وأبنائه وقصّة لوط وبناته. تؤثّر كمّيّات كبيرة من الكحول بطريقة مشابهة لتلك التي تسبّبها مخدّرات الاغتصاب الأخرى، كفقدان الوعي، الذاكرة والسيطرة. على الرغم من أنّ طعم الكحول قويّ، إلّا أنّ مزجه مع مشروبات حلوة يخفّف من مرارة الكحول، ممّا يثير الظنّ بأنّ تركيز الكحول في المشروب أقلّ ممّا هو عليه بالفعل.

גבר מכניס סם אונס למשקה של בחורה | מקור: Monkey Business Images, Shutterstock
حافظي على كأسك. رجل يقوم بوضع مخدّر الاغتصاب في شراب الفتاة| المصدر: Monkey Business Images, Shutterstock
 

التعرّف والدفاع عن النفس

تبدأ مخدّرات الاغتصاب في التأثير بسرعة كبيرة، بينما تختفي أعراضها أحيانًا بعد بضع ساعاتٍ فقط. كما وتخرج بعض المخدّرات من الجسم بسرعة، ويستحيل تتبّعها في البول أو الدم في وقت مبكّر بعد بضع ساعات. كما يمكن اكتشاف البعض الآخر بعد أيامٍ قليلةٍ من الاستخدام. تتيح التقنيات المبتكرة الآن الكشف عن التعرّض لمخدّرات الاغتصاب بعد شهر حتّى ستة أشهر، باستخدام عيّنة من الشعر. وهذا مُتاح لأنّ جذور الشعر لدينا تتغذّى عن طريق الدورة الدمويّة، وتخزّن في الشعر المواد التي وصلت إليها. بالتالي يمكن أن يكون فحص الشعر بمثابة دليل هامّ في محاكمات الاغتصاب. وجدت دراسة أُجريت في مستشفى "فولفسون" عام 2020 أنّه من بين 18 عيّنة شعر مأخوذة من نساء يشتبه بتعرّضهن للاعتداء الجنسي تحت تأثير مخدّر الاغتصاب، حدّدت في أربعة منهنّ وجود بقايا مخدّر GHB.
 

من أجل تجنّب خطر قيام شخص ما بوضع مواد غير معروفة في مشروبك، من المهم أن تكون يقظًا للغاية، حتّى في أوقات الترفيه. حاول ألّا تترك أكواب الشرب والزجاجات مفتوحة دون رقابة، حتى لو للحظة، لا تشرب المشروبات المفتوحة التي يجلبها لك الآخرون، انتبه لأيّ سلوك غير عادي ممّن حولك. بالإضافة إلى ذلك، عند شرب الكحول، انتبه من محاولات مَن حولك لجعلك ثملًا. في حال كان لديك شكّ أنّك شربت مشروبًا يحتوي على مخدّر الاغتصاب أو أي شخص قريب منك، فاطلب العناية الطبيّة فورًا. وإذا رأيت شخصًا مصابًا بدوار لدرجة فقدان الإحساس أثناء أوقات الترفيه، اصطحبه إلى مكان آمن، وتأكّد من حصوله على العلاج الطبّيّ، وعدم السماح لأيّ شخص باستغلال وضعه.وتذكّر، أنّه إذا تعرّضت للتخدير والاعتداء الجنسيّ، فهذا ليس خطأك.
 

0 تعليقات